لقد حث الله في كتابه العزيز المؤمنين على القتال في سبيل الله , وأعتبر الله الذين يُقتلون في سبيل الله أحياء عند ربهم يرزقون ، وكان ذلك في أكثر من موضع في القرآن ، نذكر منها :
. " وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ " ( البقرة 154 )
. " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " ( البقرة 190) .
. " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " ( البقرة 244 ) .
. " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " ( النساء 74)
. " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " ( آل عمران 169 ) .
وعن معنى عبارة " في سبيل الله " الواردة في آيات القتال في القرآن يدور هذا المقال .
ونبدأ بالتحول إلى أيات الدعوة في كتاب الله ، فمن التشابه بين كل من الآية : " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ " ( النحل 125 ) ، والآية " وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ( الكهف 57) ، نستطيع أن نستنتج أن عبارة " سبيل الله " أو " سبيل ربك " هي مرادف " للهدى " .
وبتأمل الآيه " إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " ( القلم 7) ، نستطيع أن نقول أن من يسير على سبيل الله هو المهتدى وغير ذلك هو الضال .
وقد وضحنا في مقال سابق عن العلاقة بين الإيمان والهدى ، وخلاصة المقال أنه لا علاقة بين الإيمان والهدى فقد يكون الإنسان على درجة كبيرة من الإيمان وهو ليس على درجة من الهدى . وقد يكون الإنسان على درجة كبيرة من الهدى وهو ليس على درجة من الإيمان . وقد يجمع الإنسان بين درجات الإيمان ودرجات الهدى .
لذا فأستطيع أن أقول أنه لم يفرض القتال في القرآن لنشر الإيمان بين الناس ولكنه فرض لنشر الهُدى بين الناس .
ولا يمكن لله أن يفرض على المؤمنين نشر الإيمان بين الناس ، و أكثر الناس على الشرك في القرآن وذلك طبقاً لقوله تعالى : " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " ( يوسف 106 ) .
أما عن قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " ( التوبة 123 ) . فمعنى الكفر في هذة الآية هو ضد التقوى . لأن الآية ختمت بقوله تعالى " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " . وقد وضحنا بعض معانى الكفر في القرآن في مقال سابق .
كما وضحنا في مقال آخر العلاقة بين الإيمان و التقوى ، والخلاصة أنه لا علاقة بين الإيمان والتقوى فقد يكون الإنسان على درجة كبيرة من الإيمان وهو ليس على درجة من التقوى . وقد يكون الإنسان على درجة كبيرة من التقوى وهو ليس على درجة من الإيمان . وقد يجمع الإنسان بين درجات التقوى والإيمان .
لذا فقد فرض القتال في القرآن دفاعاً عن الأرض والنفس و المال والعرض ولنشر الهُدى بين الناس ، والهُدى هو سبيل الله أي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة .
كما فرض القتال دفاعاً عن المستضعفين من الرجال والنساء في الأرض في قوله تعالى : " وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا " ( النساء 75 ) .
كان ذلك كي لا نحرف الكلم عن مواضعه ولا نؤول كتاب الله على هوى البعض .
ندعو الله أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
هذا وبالله التوفيق .
محمد عبدالرحيم الغزالي