مقدمة
الحمد لله رب العالمين و الصلاة على أشرف الخلقو المرسلينمحمد و آل محمد الطيبين الطاهرين
قال الله تعالى : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكممن نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا ً كثيرا ً و نساء و اتقوا اللهالذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ً .
ليست أهداف الزواج منحصرة في إشباع الجانبالجنسي فقط و إنما تلبي الحاجة الجنسية مع أهـميتها في بقاء النوع و التكاملالإنساني و كونه سكن و استقرار للزوجين .
بقاء النوع الإنساني
قال تعالى : و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون
إن النظام الكوني قائم على الزوجية في أبعادهالمختلفة و الزوجية هي التي يستقيم بها النظام الكوني و تستقر بها الحياة و تدومنعمة البقاء و بدون التزاوج فإنه سيطرأ خلل ضمن نظام التركيبة الكونية .
و لا يخفى عموم دلالة هذه الآيات المتقدمة وشمولها الإنسان و الحيوان و النبات و سائر خلق الله تعالى .يقول الله تعالى بالنسبة للإنسان : و منآياته خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ً و رحمة إن فيذلك لآيات ٍ لقوم ٍ يتفكرون .
إذا ً فالزوجية ضرورة لبقاءأنواع المخلوقات بما فيها الإنسان فإنه لا يمكن أن نتصور وجود أحد الزوجين منفردا ًعن الآخر و بمعزل عنه و لا يمكن أن تستمر عجلة الحياة غلا من خلال تواجد الطرفين وهما زوجي الذكر و الأنثى .إن عملية التكاثر تعتمد على وجود هاتينالركيزتين الأساس .
يقول رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم :" تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط " .و يقول صلى الله عليه و آله و سلم أيضا ً :" النكاحسنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
*التكامل الإنساني *
إن فلسفة الزوجية هي وجود التكامل بين الفردينفإن كل طرف يشعر بالوحدة و النقص و هذا الشعور بفقد جزء لا يسده إلا الجزء الآخرالذي به يكمل كل منهما صاحبه ، فحين دخول الشاب أو الفتاة مرحلة البلوغ فإن هذاالشعور و الإحساس ينمو لديه و يجد عنده الرغبة و الميل للطرف الآخر و هذا الميليبلغ ذروته حين تتم عملية النضوج الجسماني و العقلي و العاطفي .
إن عملية التكامل إنما تتم من خلال الانسجامبين الطرفين فيرى كل واحد منهما نصفه الآخر الذي لا غنى عنه ، أما حين ينعدم هذاالشعور و الإحساس فإنه لا يبقى معنى لكون كل منهما سكن و لباس للآخر .فعملية التكامل و سد النقص تحتاج لحريةالاختيار و حق الصفات التي لا بد من توفرها في الآخر و التي تنسجم و طموح الطرفين ... و يؤثر الزواج تأثيرا ً بالغ الأهمية في السلوك ، و تبدأ مرحلة النضج و الاتجاهنحو الكمال حيث تختفي الفوضى في العمل و التعامل بعد أن يسعى كل طرف بإخلاص و صميمةتسديد الطرف الآخر و إسداء النصح إليه و خلال ذلك تولد علاقة إنسانية تعزز من روابطالطرفين و تساعدهـما في المضي قدما ً نحو الكمال المنشود .
* السكن و الاستقرار *
ليست الحاجة للزواج تتمثل في الجانب الغريزي وإشباع تلك الرغبة الجنسية فحسب ، و عن كان هذا الجانب مهما ً إذ أن الإنسان يحتاجلتفريغ تلك الطاقة الجنسية الكامنة عنده ، و التوسل بالطرق غير المشروعة في التخلصمن حالة الكبت تلك ، يؤثر على صحة و بقاء النوع البشري و يعيش معها حالة من الخوف والاضطراب النفسي التي تسبب له الكثير من المتاعب فإنه و إن توسل بهذه الطرق فإنشعوره بالوحدة و الفراغ يبقى ملازما ً له و لا ينفك عنه ، إذ أن الاستقرار والإحساس بالأمن و الراحة لا يكون إلا باللجوء للطرق الشرعية التي أطرتها الشريعةالمقدسة .
إن الله تعالى جعل في وجود كل من الذكر والأنثى جاذبية و ميلا ً للآخر ليعيشا باستقرار وطمأنينة و يكون كل واحد منهما سكنللآخر ، يشعر معه بالحب و الدعة و الوئام .
يقول الله تعالى : و منآياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ً لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ً و رحمة ً إنفي ذلك لآيات ٍ لقوم ٍ يتفكرونو الغاية هي السكينةالروحية و الهدوء النفسي ، و حيث أن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة و بين جميعالناس عامة ، يحتاج إلى جذب قلبي و روحاني فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة : و جعلبينكم مودة ً و رحمةفالقرآن جعل الهدف من الزواج الاطمئنان و السكن و أبانمسائل كثيرة في تعبير غزير المعنى : لتسكنوا .... .و الحق أن وجود الأزواج معهذه الخصائص للناس التي تعتبر أساس الاطمئنان في الحياة ، هو أحد مواهب الله تعالىالعظيمة .إن هذا السكن و الاطمئنان ينشأ من أن هذينالطرفين يكمل بعضهما بعضا ً و كل منهما أساس النشاط و النماء لصاحبه ، بحيث يعد كلمنهما ناقصا ً بغير صاحبه ، فمن الطبيعي أن تكون بين الزوجين مثل هذه الجاذبيةالقوية .إن إغفال الزواج و عدم السعي من أجل التأهيل يوقف جانبا ًتكامليا ً مهما ً ، جسميا ً و روحيا ً و اجتماعيا ً و أخلاقيا ً و عاطفيا ً ، والتعبير ب : ( لتسكنوا ) شاملكل أبعاد التكامل في جوانبه المهمة التي بفقدها يبقى نصف الإنسان الآخر ضائعا ً فيمتاهات الحياة .
* تقنين الغريزة الجنسية *
لم تغفل تشريعات الإسلام الجانب الجنسي لدىالإنسان ، و إنما جعلت له أطرا ً و حدودا ً من خلالها يمكن للإنسان أن يلبي تلكالرغبة ضمن أطر و حدود قد أباحها الله تعالى للتقليل من تلك الفورة الجنسية والسيطرة عليها و جعلها في طريق مشروع .
و كم قد هوى الكثير في حبائلالغريزة الجنسية ، و دفعتهم غرائزهم لارتكاب الفاحشة ، فسقطوا في الهاوية و تلوثتنفوسهم بأدران الجنس ، و بعد انتهاء لذة الممارسة الجنسية التي لا تدوم أكثر منلحظات الفعل ثم تنتهي و تتلاشى سريعا ً حتى يدخل في تأنيب الضمير و يبدأ عمليةاحتقار الذات و إن كان لا يشعر بها في حينها إلا أنها تبقى ملازمة له طوال حياته .
لذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : " من تزوجفقد أحرز شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الثاني " .و يقول أيضا ً : " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي " .و بهذا يكون الإنسان قد أحرزنصف الدين ، و ذلك لأن أسرع شيء لتمكن الشيطان منه ، خلوه من الزوجة ، لما للغريزةالجنسية من تأثير بالغ يتجاوب معها الإنسان سريعا ً .و قد ورد عن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم :" أيما شابتزوج في حاثة سنه فقد عج شيطانه : يا ويله ! عصم مني دينه " .
و ورد أيضا ً :" ما من شاب تزوج في حداثة سنه إلا عجشيطانه : يا ويله ! عصم مني ثلثي دينه فليتق الله العبد في الثلث الباقي " .
إذا ً لا بديل عن الزواج للتخلص من حبائلالشيطان و لتوفير الجو الهادئ و الاستقرار النفسي و إشباع الغريزة الجنسية و عدمالسقوط في المحذور فإنه من الطمأنينة يمكن المرء من عبادة الله عز و جل و التوجهإليه ، ذلك أن إشباع الغرائز بالشكل المعقول يخلف حالة الاستقرار النفسي الذي يعتبرضرورة من ضرورات الحياة الدينية .
هذا كله وفق الجانب الطبيعي ولكن لا يمكن أن نغفل وجود الشبق الجنسي لدى البعض أو الجوع العاطفي الذي يفتقده فيشريك حياته فيتوجه لإشباعه بطرق غير مشروعة تجر عليه الندم و الويلات فتوجد فيداخله عقدا ً و أمراضا ً نفسية .
و الزواج إنما يقنن و يحد هذاالميل و يجعله ضمن إطاره الطبيعي كما أن الاستقرار العاطفي يمنع الإنسان من التفكيرفي إشباع تلك الرغبة بطرق غير مشروعة .
هذه هي الأمور الأربعة التيتتحقق من الزواج و كلها من الأهمية بمكان بقاء النوع البشري و التكامل الإنساني والسكن و الاستقرار و أخيرا ً تقنن الغريزة الجنسية .
* الإسلام و الحث على التزويج *
قد أكدت تعاليم الإسلام على المسارعة في الزواجو التزويج لما يسببه الزواج من حصانة للإنسان من الانزلاق في الانحرافات الأخلاقيةو السلوكية .
و هو بذلك يحصن المجتمع من خلال تحصين الفرد ضدالمشاكل الأخلاقية العامة لأبناء المجتمع .
فقد ورد كما تقدم عنالنبي صلى الله عليه و آله و سلم :" أيما شاب تزوج في حداثة سنة عج شيطانه : يا ويله ! عصم منيدينه " .و قال صلى الله عليه و آله و سلم :" شرارموتاكم العزاب " يضاف إلى ذلك الكثير من الأحاديث و الرواياتالمروية عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و أهل بيته عليهم السلام التي تذمالعزوبية و تؤكد و تحث على التزويج لما يشكله الزواج من استقرار عاطفي و نفسيللإنسان و لكونه حصانة يكبح شهوة الإنسان و يحافظ عليه من الانزلاق .
و ليس هذا الخطاب من التأكيد و الحث على الزواجو التزويج متوجه لمن يريد الزواج فحسب ، و إنما هو خطاب متوجه لأبناء المجتمعللمساهـمة في عملية التزويج .
و بكلمة أخرى ، يحول الإسلامالزواج من هم و قضية فردية و شخصية إلى هم و قضية اجتماعية على أبناء المجتمع أنيساهموا فيها و في إيجاد أفضل و الاقتران بين الشباب و الشابات .
يقول الله تعالى : و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين منعبادكم و إمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليمو يقول الإمام علي عليه السلام : " من زوج أخاه المؤمن امرأة يأنس بها وتشد عضده و يستريح إليها زوجه الله من الحور العين و آنسه بمن أحبه من الصديقين منأهل بيته و إخوانه و آنسهم به " .
و يقول الإمام الكاظمعليه السلام :" ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله : رجل زوجأخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سرا ً " .
* الزواج المبارك*
لم يكن تاريخ الإسلام زواج أكثر بركة من زواجالإمام علي و الزهراء سلام الله عليهم مع أنه كان زواجا ً بسيطا ً و تم في مراسممتواضعة إلا أنه كان مهيبا ً بكل مقاييس الكلمة .
يحدثنا أنس بن مالك يقول : بينما أنا قاعد عند النبي صلى الله عليهو آله و سلم إذ غشيه الوحي فلما سري عنه قال : " يا أنس أتدري ما جاءني به جبرائيل منصاحب العرش " ؟
قلت : الله و رسوله أعلم بأبي و أمي ماجاء به جبرائيل ؟ قال صلى الله عليه و آله و سلم : " إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمةعليا ، انطلق فادع لي المهاجرين و الأنصار " قال فدعوتهم ... و كان علي غائبا ً قدبعثه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في حاجته ... فأقبل علي عليه السلامفتبسم إليه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ثم قال : " يا عليإن الله أمرني أن أزوجك فاطم فقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة إن رضيت " فقال علي : " قد رضيتيا رسول الله " و جاء علي بالمهر بعد أن باع درعه لعثمان و كان أربعمائةدرهم سود هجرية فقبض الرسول صلى الله عليه و آله و سلم الدراهم و أعطاها لبعضأصحابه و نسائه ليشتروا متاعا ً للبيت الجديد ... فلما نظر إليه بكى و جرت دموعه ثمرفع رأسه إلى السماء و قال : " اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف " .
هكذا كان زواج النورين عليهما السلام تواضعا ًو بساطة لم يتخذ طابع التكلف و لا الإسراف ليس لعدم وجود ما يمكن صرفه في مراسمالعرس و كنوز الأرض كلها تحت تصرف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و إنما هذا ماينبغي أن يكون عليه الزواج الذي لا يأخذ الطابع المادي فإن من اليمن و البركة أنتخلو مراسم العرس من مظاهر الإسراف و الترف .
بينما إذا كثر المهر و كثرتمصاريف الزواج الجانبية فإن ذلك يكون شؤم على الزوجين .
يقول الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه و آله و سلم : " أما شؤمالمرأة فكثرة مهرها و عقوق زوجها " .و يقول أيضا ً :" خيرالصداق أيسره " .
إن الإسلام أكد على حالة الوسطية في كل شيء بمافي ذلك الصرف على حفلات الزواج و ذم الإسراف و وجه لتكون الحفلات متواضعة لا تبذيرو لا إسراف فيها .
يقول الرسول صلى الله عليه و آله و سلم :" الدعوةأول يوم حق و الثاني معروف و الثالث رياء و سمعة " .فبدل أن تصرف تلك الأموال في أمور إقامة حفلاتالدخلة و تتلاشى و تنتهي بانتهاء مفعول تلك الليلة فعلينا التفكير في الاستفادةمنها في أمور أكثر فائدة و أهمية كتوفيرها من أجل بناء أو شراء بيت و دار ماؤه الحبو السعادة و الهناء .
*المودة ... المهر و تكاليف الزواج *
ليلة الزفاف تبقى ليلة مميزة بجمالها و أجواءهاالحميمة فهي ليلة تحول في حياة الشباب ، تعلن عن قدوم مرحلة و عهد جديدين ... فراقالعزوبية و الدخول في أجواء حب و مودة و وئام و سكن .
و لكن قد تتحطم آمال الزوجين أو أحدهـما بعدفترة من الزمن ، و ذلك عندما يتخذ الزواج طابعا ً ماديا ً يبالغ في المهر و صداقالفتاة مع اشتراط شروط مالية أخرى و كذلك ما يصاحب الزواج من مصاريف تأثيث المنزلالجديد ، كل ذلك يرهق كاهل الزوج و تتراكم عليه الديون و ربما يمتلك المال الكافي ولكن يتحول الزواج في وجهة نظره إلى شبه عملية مقايضة مالية .
إن التركيز على البعد المالي ، و تناسي اعتبارالقداسة في الزواج و عدم الاهتمام بخلق روح المودة و الألفة بين الزوجين و التأكيدعليها يساهم في فتور تلك العلاقة و تشكل حواجز نفسية تعيق تنامي أجواء الحب و الدفءو السكون و تعكر صفو العيش و يحل جفاف الخريف بدل زهور الربيع .
و قد تصل إلى مرحلة العداوة و الحقد من طرفالزوج على زوجته و ذلك بسبب كثرة ما صرفه ، و لشعوره و إحساسه بأن هذه العلاقة أسستعلى بعد مادي أرهقه و كلفه الكثير من المال .
يقول الرسول الأكرم صلىالله عليه و آله و سلم :" إن من يمن المرأة تيسير خطبتها فإن الرجل ليعطي المرأة حتىيبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة " .
و الحسيكة تعني العداوة والحقد بسبب المصاريف بما فيها المهر ، فقيام العلاقة على هذا النحو يشعر الزوجنفسيا ً بكون العلاقة قائمة على نوع من أنواع البيع و الشراء لتعلقها ببعد مادي .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يستمعونالقول فيتبعون أحسنهبحق محمد و آله الطيبين الطاهرينموفقين لكل خير