تبيّن دراسة صادرة حديثاً عن جامعة هارفارد أن الجسم قد يستخدم مجموعة من الرسائل الخفيّة التي تعبّر عمّا يتعرّض له من أحداث ومواقف يومية، ثم يحوّلها إلى مواد كيميائية بواسطة الجهاز العصبي تعمل على تغيير التكوين الكيميائي للخلايا الحيّة فيه وتبدّل من سلوكها. وتضيف أن الحالات الانفعالية والنفسية تؤدي إلى تغييرات في التوازن الكيميائي، ما يؤثّر بمرور الوقت على أجهزة المناعة ووظائف الهضم والجهاز العصبي وكفاءة الدورة الدموية ومعدّل الأيض. وتخلص إلى أن هناك أمراضاً يعتقد البعض أنها تنتج عن انتشار الجراثيم أو عن العوامل الوراثية، إلا أنها في الواقع تعبّر عن أفكار ومشاعر سلبية، أبرزها: البدانة والسكري وألم العضلات والصداع واضطرابات الغذاء.
اطلعنا الاستشاري في الأمراض النفسية والاختصاصي في التغذية والعلاج بالطاقة الدكتور أكرم رشيد عن أهم هذه الأمراض وعلاقتها باضطرابات الغذاء والوزن:
يشير خبراء في "منظمة الصحة العالمية" إلى أن الجسم قد يستعين بالمرض ليرسل رسالة خاصة بحدوث خلل ما في داخله، إذ غالباً ما تكون الإصابة بالبدانة رسالة جسدية لضرورة التوقّف عن تناول الأطعمة السريعة والدهنية واتّباع نمط صحي في الغذاء والحركة أو دليلاً على الاكتئاب وسوء الحالة المزاجية. كما قد تتحدّث أجسامنا إلينا عبر أعراض معيّنة تكشف عن وجود اضطرابات صحية، وتشمل:
1 حساسية الطعام:
يعزو باحثون في مركز الوقاية والتحكّم من الأمراض في أميركا الارتفاع الهائل في معدّل الإصابة بأنواع الحساسية الغذائية المختلفة في الآونة الأخيرة إلى الزيادة الملحوظة في استخدام المواد الكيميائية في إنتاج ومعالجة الطعام، ما يجعل البعض يعاني من عدم التكيّف مع بعض المواد الغذائية المصنّعة كالقهوة والمكسرات (الفستق والفول السوداني) والمحار والقمح وبعض الفاكهة (الفراولة والموز)، فضلاً عن الحليب ومشتقاته... وتجدر الإشارة إلى أن أعراض حساسية الطعام تبدو بعد دقائق معدودة من تناول المادة الغذائية المسبّبة للحساسية، في صورة طفح جلدي وإسهال وتورّم في الشفتين والفم. وينصح في هذه الحالة سرعة الاستجابة إلى رسائل الجسم بالتوقّف التام عن تناول هذه الأطعمة المصنعة والبحث عن بدائل غذائية صحية.
2 البدانة:
تعدّ من بين أكثر رسائل الجسد شيوعاً حالياً، ويؤكّد الخبراء أن البدانة تعبّر عن ردّ فعل الجسم نحو الإفراط في تناول الأطعمة الدهنية، أو ضعف الأيض نتيجة قلّة الحركة وعدم ممارسة الرياضة، أو أسباب وراثية وعوامل جينية، أو حالات نفسية سلبية كالاكتئاب والصدمات الشديدة والوحدة. ويوضحون أن الطعام ذا المذاق الدهني أو السكري يمتلك تأثيراً مهدّئاً يخفّف من وطأة الضغط النفسي والتوتر ويحقّق المتعة والسعادة. ويطرح باحثو "مايو كلينيك" من هذا المنطلق الأسئلة التالية التي تساعد الإجابة عليها في اكتشاف العلاقة بين الطعام والجسد:
_ هل كان والداك يقدّمان لك المأكولات اللذيذة في المراحل المبكرة من حياتك للتعبير عن حبهما واهتمامهما بك؟
_هل تعجز عن مقاومة إغراء الطعام؟
_ هل تهرب من التوتر النفسي وأعباء العمل والأسرة إلى تناول الطعام؟
_ هل تشعر أن الطعام يحقّق لك المتعة والأمان والسعادة؟
_ هل تشعر أن امتناعك عن تناول الطعام ليلاً يسبّب لك الأرق وعدم القدرة على النوم؟
إذا كانت معظم إجاباتك بـ "نعم"، فهي تؤشر إلى قوة العلاقة التي تربط بين الطعام وبينك، وعدم قدرتك على التخلّي عنه في المواقف الصعبة. لذا، ينصح الخبراء في هذه الحالة بالتركيز على الجوانب الإيجابية لشكل الجسم البدين وعدم الالتفات إلى الجوانب السلبية لأن الشعور بالذنب سيزيد من تفاقم الإصابة بالبدانة.
3 "البوليميا" أو الشراهة المرضية في تناول الطعام :
تشير إلى اضطراب غذائي معقّد يقوم على الإفراط في تناول الطعام، ثم التقيّؤ بحيث لا تحدث زيادة في الوزن. وتعدّ رسالة من الجسد عن وجود بعض الاضطرابات النفسية التي قد يعاني منها الشخص المهتم بشكل جسده الخارجي. وتوضح دراسات عدّة نشرت في "مجلة السمنة الدورية" في هذا الإطار، أن المصاب بهذه الحالة يعاني أساساً من الوحدة والاكتئاب أو من بعض الاضطرابات العاطفية أو النفسية أو الاجتماعية أو العائلية، لذا يلجأ إلى التهام كميّات كبيرة من الطعام بشراهة غير طبيعية بدون الإحساس بلذّة أو نكهة فيها لدرجة تفوق منطقة الشبع وتتعدّى مرحلة الامتلاء، ما يصيبه بمشاعر مختلفة من الضيق والاشمئزاز والندم على ما تناوله لكونه يهتم بشكل جسده الخارجي، فيلجأ إلى التقيؤ بهدف التخلّص منه. ويعتمد علاج "البوليميا" على الناحيتين الغذائية والنفسية، علاوة على أهمية ممارسة التمرينات الرياضية التي تساعد في التخفيف من حدّة المرض. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية المصابين ب "البوليميا" هي من الأناث، نظراً إلى أن المرأة عرضة للاضطرابات النفسية والاكتئاب أكثر من الرجل، وبالتالي إن قدرتها على التحمّل أقل منه.
4 فقدان الشهية المرضيAnorexia :
حالة مرضية من فقدان الشهية بغرض تجويع النفس وفقدان الوزن. ويرى الخبراء أنها رسالة من الجسد تعبّر عن معاناة المريض من فقدان الحب ونكران الذات وميلها إلى الانطواء أو الرغبة في الاختفاء عن المحيطين. وتعزى الأسباب المسؤولة عنها، إلى اتباع الحميات الصارمة القاضية بالحرمان التام من المواد الكربوهيدراتية المحتوية على السكريات، ليصاب المرء بالإحباط والاكتئاب الحاد. وتظهر دراسة طبية صادرة عن جامعة كوبنهاغن، في هذا المجال، أن النقص الحاد في استهلاك المواد السكرية قد يصيب المرء بسوء المزاج وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين والاكتئاب الحاد.
5 بروز البطن والوركين :
يعتبر الباحثون بروز البطن والوركين رسالة جسدية خفيّة تكشف عن حدوث خلل في أيض الدهون في الجسم، خصوصاً مع التقدّم في السن، بالإضافة إلى عدد من العوامل الأخرى المرتبطة بالأيض والغذاء، أبرزها:
•عدم إتمام عمليات الهضم والامتصاص للغذاء المتناول بشكل كامل.
•زيادة معدّل السموم في الجسم وانخفاض قدرة الجسم على التخلّص منها.
•ارتفاع نسبة ترسّب الدهون في الخلايا الموجودة حول البطن وفي الوركين.
•الإفراط في تناول الأطعمة الضارّة (المقليات والحلويات والوجبات الجاهزة).
•الجلوس المستمر وضعف الحركة، ما يؤدّي إلى تراكم الدهون حول الخصر وفي الوركين.
وينصح الخبراء بتناول الطعام الصحي المحتوي على نسبة من الدهون الصحية تتراوح ما بين 20 و25% من إجمالي السعرات الحرارية اليومية، بالإضافة إلى ضرورة الانتظام على ممارسة رياضات الركض والسباحة واليوغا.
نصائح تساعدك في التحدّث مع جسدك
ثمة عوارض صحية، يعتقد البعض أنها بسيطة أو طارئة، ولكنها في الواقع رسائل من أجسادنا إلينا، أبرزها:
*الإسهال: قد ينتج عن عدوى جرثومية أو فيروسية، ولكنه غالباً ما قد يؤشر إلى رسالة من الجسد تكشف عن تزايد الشعور بالضغط الانفعالي والاضطراب والخوف والانزعاج.
*القولون: يشعر القولون بالحساسية عند تناول أطعمة معينة، وخصوصاً تلك الحارّة والدهنية، والتي قد تسبّب بعض التقلّصات والغازات له، كما قد تنتج آلامه عن زيادة الضغط العصبي والانفعال النفسي. وينصح، في هذه الحالة، بالتوقّف الفوري عن تناول هذه الأطعمة والإكثار من استهلاك الألياف والماء والسوائل، ما يقلّل من الاضطرابات المعوية والانتفاخ.
*الصداع: ينتج عن أسباب عدّة، إلا أن الغذاء ومستوى النشاط البدني قد يؤثّران في الإصابة به. فالصداع قد يكون رسالة من الجسم عن هبوط حاد في مستوى السكر في الدم نتيجة قلّة تناول الطعام، بالإضافة إلى العوامل السلوكية الأخرى المؤثرة فيه كقلّة عدد ساعات النوم وانخفاض درجة النشاط البدني، إذ توضح دراسات حديثة عدة أن الجسم يزيد من إفراز "الأندروفين"، وهي مادة مسكّنة للألم، عند زيادة نشاطه البدني ما يجعل ممارسة الرياضة علاجاً فعّالاً للعديد من الأمراض، وخصوصاً الصداع.