زنى بامرأة وهو يحاول دعوتها للإسلام فحملت منه ، فنفرت منه وأصرت على الابتعاد عنه
الجواب :
الحمد لله
نعتقد أن كل من قرأ السؤال لا بد أن يأخذ العظة والعبرة من تفاصيله ، ويجتهد في بلاغها للناس كي يصونوا أنفسهم ومجتمعاتهم عن مثل هذه المزالق ، كيف أن الطريق الخاطئ لا بد أن يؤدي إلى النتيجة الخاطئة أيضا ، ولو كان المقصد شريفا ونبيلا ؛ فالمقاصد لا تكفي لتصحيح الأعمال ، بل لا بد أن يكون العمل أيضا سليما من الفساد والإفساد . كما قال ابن الجوزي رحمه الله : " نعوذ بالله من الإقبال عَلَى العمل بغير مقتضى العلم والعقل " ينظر " تلبيس إبليس " (ص277) .
وهكذا نقرأ ما ورد في السؤال بلغة الأسى والألم ، كيف تتمكن النفس الأمارة بالسوء من استغلال فتاة راغبة في الإسلام ، مقبلة على الهداية والقرآن ، ليوقعها في سعار الشهوة والمتعة المحرمة ، فتنقلب رغبة الهداية نقمة وغضبا ونفورا ، ويستبدل ظلام المعصية بنور الهداية ، فلا يبقى في قلب العاصي أي وهج أو أي ضياء ، بل تحبسه معصيته في وحلها ، ولا يكاد يغسل ما أصاب قلبه من أدران إلا بعد حين من التوبة الصادقة ، وكثرة الاستغفار ، واللجوء إلى الله تعالى بالذل والتضرع بين يديه ، كي يعفو ويصفح ، ويغفر ويحلم ، ويعين النفس على طاعة ربها من جديد ، لتجتاز مرحلة قاتمة سوداء ، سودتها المعصية ابتداء بإقامة العلاقة مع الأجنبية ، وسودتها المعصية انتهاء بالزنا الكامل . ينظر الفتوى رقم: (11195) .
والآن وقد طرقت باب التوبة والإنابة إلى الله سبحانه ، لا بد أن تتعرف إلى مقاطع شرعية مهمة في قضيتك ، نعرضها لك في الفقرات الآتية :
أولا :
لا يحل للمسلم الزواج من أهل الديانات الأخرى سوى أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن ألحقه العلماء بهم . أما الفتاة التي لا تنتمي إلى دين أصلا ولو اسما ورسما : فلا يحل الزواج بها ، فقد قال الله عز وجل : ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ) البقرة/221. ولم يرد إلا استثناء أهل الكتاب من عموم لفظ ( المشركات ).
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" سائر الكفار غير أهل الكتاب - كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان - فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم " انتهى من " المغني " (7/131) .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (2851) .
ثانيا :
ثم إن نسبة الولد الناتج عن الزنا ( بغير المتزوجة ) إلى الزاني من المسائل الإشكالية أيضا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( وَإِنْ كَانَ مِنْ حُرَّةٍ عَاهَرَ بِهَا ، فَإِنَّهُ لَا يُلْحَقُ وَلَا يَرِثُ ) الحديث مختصرا . رواه أبوداود في " السنن " (2265) وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود ".
وقد سبق التوسع في المسألة في الفتوى رقم : (33591) ، (175523) .
ثالثا :
أما من حيث الرعاية فلا حرج عليك في الإنفاق على الولد الناتج عن الزنا إذا رغبت بذلك ، على أن يتم ذلك عن بعد ، بإرسال المال عبر حساب بنكي مثلا ، من غير تواصل مع تلك الفتاة ولا مقابلة لها ، كي لا تتجدد المعصية ويدخل الشيطان بينكما بالغواية والإفساد .
رابعا :
لا يجوز لك الاستمرار في محاولات إقناعها بالزواج ، وقد نفر قلبها وضاقت نفسها بسبب تلك المعصية ، كما لا يجوز الاستدلال بالاستخارة ووقوع الحمل على أفضلية هذا الزواج ، ونحن نرى ذلك استمرارا في الإغواء وتلبيسا على عقل تلك الفتاة . فالزواج الشرعي المرغوب عند الله تعالى لا يكونُ حملُ السفاح والحرام علامةً عليه ، وإرشادًا إليه ، بل إنما يبدأ بطاعة الله سبحانه ، والالتزام بشرعه وأمره .
فنصيحتنا لك أن تتوقف عن محاولات الإقناع ، بل يجب عليك أن تتوقف عن جميع أشكال التواصل معها ، إذ لا سبيل لك عليها إذا تبين أنها ليست يهودية ولا نصرانية ، وإن تبين أنها من إحدى هاتين الديانتين فلا سبيل لك عليها بحكم رفضها وقناعتها بفشل مشروع الزواج بعد إفساده بالزنا .
نسأل الله تعالى لنا ولك العفو والعافية .
والله أعلم