بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
النجاح الأخير ليوسف كان نجاحاً باهراً في اختبار السراء ليعطي العالم درسه الأخير :
فبعدما آتاه الله المُلك والعِلم وجمع بينه وبين أهله بعد طول فراق لم يغتر ولم يقل كما قال قارون {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ} [القصص جزء من الآية: 78] بل لم يذكر نفسه من الأساس وإنما أرجع الأمر كله لله وحده لا شريك له فشكر المنعم على عطاياه وحمد المدبر على تدبيره وأرجع الفضل لصاحب الفضل الأوحد سبحانه فهو من آتاه الملك وهو من علمه العلم وهو من جمع بينه وبين أهله وهو فاطر السماوات والأرض صاحب القوى والقدر سبحانه فأي شيء يرجى من غيره؟
هو وحده ولي كل مؤمنٍ مخبتٍ شاكرٍ صابرٍ موحد، فكان الدعاء الصادق والسؤال بتضرع بأنه سبحانه كما أنعم عليه في الدنيا بكل تلك العطايا أن ينعم عليه ياثبات على الإسلامحتى الممات وأن يلحقه بالصالحين منعباده في جنات النعيم .
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101] .
لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينه بأبويه وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام:
{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} } أي: من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} أي: أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.
أبو الهيثم محمد درويش