منهج الاستدلال الإسلامي الشرعي - ابن تيمية كمنودج
بسم الله الرحمن الرحيم
من منطلق "وجاهدهم به جهادا كبيرا " اى جاهدهم بالقران علما وفهما ودحضا للباطل(( بمنهج القران)) احنضن علماء الإسلام منذ القدم الرياضة الوصفية (او ما كان يعرف قديما بالصورية الوصفية قبل الصياغة الرمزية الحديثة التى بدأت على يد الغرب منذ مطلع القرن التاسع عشر الميلادى تقريبا ) حيث بنى عليها عدة علوم :
1- علم اصول الفقه ( ومن اشهر من ابدع فى هذا الإمام الشافعى – ابو الوفاء بن عقيل – إمام الحرمين ابى المعالى الجوينى) وغيرهم كثير جدا
2- علم الكلام الشرعى و تفرع عنه علم المناظرة والجدل اى الرد على خصوم الإسلام والسنة "وجاهدهم به جهادا كبيرا " ( بدا من الملحدين والفلاسفة والمناطقة واصحاب الدعوات الهدامة مرورا بالمشركين واهل الكتاب وصولا الى العقلانيين من اهل القبلة من المعتزلة و القدرية ومن على شاكلتهم ) ومن اشهر من ابدع فى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ويتميز شيخ الإسلام فى هذا المجال فى انه اشهر من صنف فى الصورية الوصفية نفسها (او علم الإستدلال) وافرد لها كتبا بعضها لهدم اغلب معالم المنطق الأرسطى اليونانى العقيم (نقد المنطق – جواب اهل العلم والإيمان فى الرد على منطق اليونان – الرد على المنطقيين ) وبعضها لبناء المنهج الإسلامى العقلى الفطرى السليم (أو منطق الأصوليين) ( رسالة فى القياس ) كما الف وابدع فى علم الكلام الشرعى (درء تعارض العقل والنقل – النبوات – الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ) وهذا هو الذى ينبغى ان يهتم به كل مسلم يريد ان يبنى عقيدته على اسس علمية ويريد ان يدحض الشبهات المثارة حول هذا الدين الفطرى بالحكمة والموعظة الحسنة (ايا كان تخصصه )
3- علم منهج البحث التجريبى وهو علم يهتم برصد اساليب العلماء فى البحث عن الحقيقة الطبيعية( الملاحظة- التجريب -الأستقراء ) يقول مفكر غربى اظنه توينبى "ان العلم التجريبى الحديث ليس مدينا للمسلمين بما قدموه من إكتشافات علمية فحسب ولكن بمنهج العلم التجريبى نفسه " وقد كتب فى ذلك كثيرون مثل ابن الهيثم والبيرونى وغيرهم مستمدين الأصول الأولية من كتابات الشافعى رحمه الله (انظر -- مقدمات العلوم والمناهج لأنور الجندى – القران والعلم الحديث – عبد الحليم الجندى )
مثال : من نصيحة اهل العلم والإيمان لشيخ الإسلام
وأما[الشرطي المنفصل]ـ وهو الذي يسميه الأصوليون [السبر/ والتقسيم]، وقد يسميه أيضا الجدليون [التقسيم والترديد]ـ فمضمونه الاستدلال بثبوت أحد النقيضين على انتفاء الآخر، وبانتفائه على ثبوته. وأقسامه أربعة، ولهذا كان في مانعة الجمع والخلو الاستثناءات الأربعة وهو أنه إن ثبت هذا انتفى نقيضه وكذا الآخر، وإن انتفى هذا ثبت نقيضه وكذا الآخر، ومانعة الجمع الاستدلال بثبوت أحد الضدين على انتفاء الآخر، والأمران متنافيان، ومانعة الخلو فيها تناقض ولزوم، والنقيضان لا يرتفعان، فمنعت الخلو منهما، ولكن جزاءها وجود شيء وعدم آخر، ليس هو وجود الشيء وعدمه، ووجود شيء وعدم آخر قد يكون أحدهما لازمًا للآخر، وإن كانا لا يرتفعان؛ لأن ارتفاعهما يقتضي ارتفاع وجود شيء وعدمه معا.
وفى موضع اخر
والثاني: المنفصلة وهي: إما مانعة الجمع والخلو، كقولنا: العدد إما زوج وإما فرد، فإن هذين لا يجتمعان، ولا يخلو العدد عن أحدهما، وإما مانعة الجمع فقط، كقولنا: هذا إما أسود وإما أبيض، أي: لا يجتمع السواد والبياض. وقد يخلو المحل عنهما، وأما مانعة الخلو، فهي التي يمتنع فيها عدم الجزأين جميعًا ولا يمتنع اجتماعهما، وقد يقولون: مانعة الجمع والخلو هي الشرطية الحقيقية، وهي مطابقة للنقيضين في العموم والخصوص، ومانعة الجمع، هي أخص من النقيضين، فإن الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان وهما أخص من النقيضين. وأما مانعة الخلو فإنها أعم من النقيضين، وقد يصعب عليهم تمثيل ذلك، بخلاف النوعين الأولين؛ فإن أمثالهما كثيرة.
ويمثلونه بقول القائل: هذا ركب البحر أو لا يغرق فيه، أي: لا يخلو / منهما، فإنه لا يغرق إلا إذا كان في البحر، فإما ألا يغرق فيه وحينئذ لا يكون راكبه، وإما أن يكون راكبه، وقد يجتمع أن يركب ويغرق. والأمثال كثيرة، كقولنا: هذا حي، أو ليس بعالم، أو قادر أو سميع أو بصير أو متكلم، فإنه إن وجدت الحياة، فهو أحد القسمين، وإن عدمت عدمت هذه الصفات. وقد يكون حيا من لا يوصف بذلك، فكذلك إذا قيل: هذا متطهر، أو ليس بمصلٍ، فإنه إن عدمت الصلاة عدمت الطهارة، وإن وجدت الطهارة فهو القسم الآخر، فلا يخلو الأمر منهما.
وكذلك كل عدم شرط ووجود مشروطه، فإنه إذا ردد الأمر بين وجود المشروط وعدم الشرط، كان ذلك مانعًا من الخلو، فإنه لا يخلو الأمر من وجود الشرط وعدمه، وإذا عدم عدم الشرط، فصار الأمر لا يخلو من وجود المشروط وعدم الشرط. ( انتهى)
فيجب على كل طالب علم أن يحرص على اقتناء الكتب، ويبذل جهده لفهمها، ومع أن العصر، والأسلوب، والموضوعات كلها تختلف، ولكن كل شيء يستعان عليه بالمران وبالمراس؛ فمن قرأ له مرة ثم مرة، فإنه سيجد أسلوبه سهلاً شيقاً.
بل من يقرأ لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله, ثم يجد من ينقل عنه ولم يشر إلى هذا النقل، فتقرأ في ثنايا الكلام سطرين أو ثلاثة أسطر، فيقول لك قلبك: هذا من كلام شَيْخ الإِسْلامِ , وإن كان الرجل لم يذكر ذلك؛ لأن له أسلوباً متميزاً جداً في غاية القوة من الناحية اللغوية وبالمعاني العظيمة التي يتضمنها أسلوبه, ولا غرابة في ذلك؛ لأن الغذاء الذي تغذَّى به قلبه وفكره وعقله هو كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكلام السلف الصالح .
فالفضل إذاً لذلك المنهج الذي أخرج ذلك الرجل وأمثاله، وسيخرج أمثاله بفضل الله تعالى الذي منَّ علينا بهذا المنهج الذي هو كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكلام الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضوان الله عليهم.
وبهذه المناسبة أكرر وأقول: إن بعضاًَ من كتب شَيْخ الإِسْلامِ ومن آرائه العظيمة التي ألفها تكاد تكون شروحاً لعبارات الإمام أحمد رحمه الله، وتعلمون ما أعطاه الله من الفضل، المنزلة، الكرامة، الإمامة في الدين.
عارف الشخيبي