كل ما تحتاج معرفته عن التقليد " بإيجاز "
التقليد:
تعريفه:
التقليد لغة : وضع الشيء في العنق محيطا به كالقلادة.
و اصطلاحا : اتباع من ليس قوله حجة.
فخرج بقولنا "من ليس قوله حجة" اتباع النبي صلي الله عليه و سلم و اتباع أهل الإجماع ، و اتباع الصحابي-إذا قلنا أن قوله حجة- فلا يسمي اتباع شيء من ذلك تقليدا ، لأنه اتباع للحجة ، لكن قد يسمي تقليدا علي وجه المجاز و التوسع.
مواضع التقليد :
يكون التقليد في موضعين :
الأول: أن يكون المقلد عاميا لا يستطيع معرفة الحكم بنفسه ، ففرضه التقليد لقوله تعالي ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، و يقلد أفضل من يجده علما و ورعا ، فإن تساوي عنده اثنان خير بينهما.
الثاني: أن يقع للمجتهد حادثة تقتضي الفورية و لا يتمكن من النظر فيها ، فيجوز له التقليد حينئذ ، و اشترط بعضهم لجواز التقليد ألا تكون المسألة من أصول الدين التي يجب اعتقادها لأن العقائد يجب الجزم فيها و التقليد إنما يفيد الظن فقط.
و الراجح أن ذلك ليس بشرط لعموم قوله تعالي : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، و الآية في سياق إثبات الرسالة و هي من أصول الدين ، و لأن العامي لا يتمكن من معرفة الحق بأدلته فإذا تعذر عليه معرفة الحق بنفسه لم يبق إلا التقليد لقوله تعالي ( فاتقوا الله ما استطعتم).
أنواع التقليد :التقليد نوعان عام و خاص :
1-فالعام : أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ برخصه و عزائمه في جميع أمور دينه.
و قد اختلف العلماء فيه ، فمنهم من حكي وجوبه لتعذر الاجتهاد في المتأخرين ، ومنهم من حكي تحريمه لما فيه من الالتزام المطلق لاتباع غير النبي صلي الله عليه و سلم .
و قال شيخ الإسلام : إن في القول بالوجوب طاعة غير النبي صلي الله عليه وسلم في كل أمره و نهيه و هو خلاف الإجماع و جوازه فيه ما فيه.
و قال : من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه و لا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك و لا عذر شرعي يقتضي حل ما فعله فهو متبع لهواه ، فاعل للمحرم بغير عذر شرعي ، و هذا منكر ، و أما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول علي قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها و يفهمها ، و إما بأن يري أحد الرجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر ، و هو أتقي لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلي قول لمثل هذا فهذا يجوز بل يجب ، و قد نص الإمام أحمد علي ذلك.
2- والخاص: أن يأخذ بقول معين في قضية معينة ، فهذا جائز إذا عجز عن معرفة الحق بالاجتهاد سواء عجز عجزا حقيقيا أو استطاع ذلك مع المشقة العظيمة.
فتوي المقلد:
قال الله تعالي ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) و أهل الذكر هم أهل العلم ، والمقلد ليس من أهل العلم المتبوعين و إنما هو تابع لغيره.
قال أبو عمر بن عبد البر و غيره "أجمع الناس علي أن المقلد ليس معدودا من أهل العلم ، و أن العلم معرفة الحق بدليله".
قال ابن القيم : و هذا كما قال أبو عمر فإن الناس لا يختلفون في أن العلم هو المعرفة الحاصل عن دليل ، و أما بدون الدليل فإنما هو تقليد ، ثم حكي ابن القيم بعد ذلك في جواز الفتوي بالتقليد ثلاثة أقوال :
أحدها: لا تجوز الفتوي بالتقليد لأنه ليس بعلم ، و الفتوي بغير علم حرام ، و هذا قول أكثر الأصحاب و جمهور الشافيعية.
الثاني : أن ذلك جائز فيما يتعلق بنفسه ، ولا يجوز أن يقلد فيما يفتي به غيره.
الثالث : أن ذلك جائز عند الحاجة و عدم العالم المجتهد ، و هو أصح الأقوال و عليه العمل .انتهي كلامه.
قاله محمد بن صالح العثيمين رحمه الله " الأصول من علم الأصول " ص 122.