أم الدحداح الأنصارية واحدة من نساء الصحابة اللاتي كان لهن دور جليل في تاريخ الإسلام ، وهي واحدة ممن آثرن نعيم الآخرة المقيم غلى متاع الدنيا الزائل ، ورغبن في مرضات الله -عز وجل -ومرضات رسوله صلى الله عليه وسلم -.
أسلمت أم الدحداح حين قدم مصعب بن عمير المدينة سفيرا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليدعوا أهلها إلى الإسلام حيث كانت ممن ناله شرف الدخول في الإسلام ، كما أسلمت أسرتها كلها ، ومشوا في ركب الإيمان .
زوجها الصحابي الجليل أبو الدحداح ، ثابت بن الدحداح أو الدحداحة بن نعيم بن غنم بن إياس حليف الأنصار ، وأحد فرسان الإسلام ، وأحد التلامذة النجباء ، والأتباع الأبرار المقتدين بنبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم -،السائرين على نهجه ، الباذلين في سبيل الله نفوسهم وأرواحهم وأموالهم .
وقد كان لأبي الدحداح أرض وفيرة في مائها ، غنية في ثمرها ، فلما نزل قوله -تعالى - ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ( قال أبو الدحداح :فداك أبي وأمي يا رسول الله ، إن الله يسقرضنا وهو غني عن القرض ؟ قال :"نعم يرد أن يدخلكم الجنة به"قال :فإني أقرضت ربي قرضا يضنن ليه به ولصبيتي الدحداحة معي في الجنة ؟ فقال صلى الاه عليه وسلم -نعم قال فناولني يدك .فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم -يده فقال إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ، والله لا أملك غيرهما قد جعلتهما قرضا لله -تعالى- .
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - :"اجعل إحداهما لله ، والأخرى دعها معيشة لعيالك ".
قال :فأشهدك يا رسول الله أني جعلت خيرهما لله- تعالى -وهو حائط فيه ستمائة نخلة .
قال: "إذا يجزيك الله به الجنة ".
فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح ، وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل ، فأنشأ يقول .
هداك الله سبل ا لرشاد ..... إلى سبيل الخير والسداد.
بيني من الحائط بالوداد ...... فقد مضى قرضا إلى التناد
أقرضته الله على اعتمادي ...... بالطوع لا من ولا ارتداد
إلا رجاء الضعف في المعاد ...... فارتحلي بالنفس والأولاد
والبر لاشك فخير زاد....... قدمه المرء إلى المعاد
هل قالت ضيعتنا .
قالت أم الدحداح -رضي الله عنها - ربح بيعك بارك الله لك فبما اشتريت ، ثم أجابته أم الدحداح وهي تقول :
بشرك الله بخير وفرح ......مثلك أدى مالديه ونصح
قد متع الله عيالي ومنح.......بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ماقد كدح.......طول الليالي وعليه ما اجترح
ثم أقبلت أم الدحداح -رضي الله عنها-على صبيانها تخرج ما في أفواههم ، وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : "كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح".
فلما علمت باستشهاد أبي الدحداح في غزوة أحد استرجعت ، وصبرت و احتسبته عند الله- تعالى-الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا .
فيا نساء الإسلام هذه أم الدحداح التي تركت أجمل صور الكرم ، وأروع آيات الصبر ، الزمن طريقها ، وسرن على منهاجها ، واتركن متاع الدنيا الفاني ، وارضين بالقليل ، عسى ان تفزن غدا بجنة عرضها كعرض السماء و الأرض ، أعدت المتقين