. إننا في هذا الوقت من الزمان ، الذي تفشى فيه الجهل ، وانتشرت فيه البطالة ، اعتدنا كل يوم وبعد كل صلاة تقريباً على مناظر مؤذية ، ومشاهد مؤلمة ، يقوم بتمثيلها فئة من الشباب المدربين على إتقان صناعة النصب والاحتيال بممارسة مهنة الشحاذة ، وأكل أموال الناس بالباطل ، ولهم في ذلك أحوال وأشكال ، فمنهم من يقوم بتجبيس يده أو رجله أو أي جزء من جسده ، ومنهم من يتصنع البلاهة والجنون ، ومنهم من يدعي الإصابة بحادث أو موت والد أو أم ، أو حصول مرض ، أو ترك ديون ، وتُرك له أخوة وأخوات ، ويقوم برعايتهم ، والإنفاق عليهم ، والدين أثقل كاهله ولا يستطيع السداد ، ومنهم من يفتعل البكاء وقد يجلب معه ابن الجيران أو ابنتهم ليمارس الشحاذة بها ، لاستعطاف القلوب ، وقد يقسم بالله كاذباً أنه لولا تلك الديون ، وعظم المسؤولية لما وقف أمام الناس ، وغير ذلك من الأعذار والأكاذيب التي لم تعد تنطلي على أحد من العقلاء .
وكل يوم يقومون بتطوير أساليب الشحاذة ونهب أموال الناس ، بل لقد وصل الأمر إلى بشاعة عظيمة ، وأمر لا يقره دين ولا عقل ، وذلك بوجود فئة من إماء الله من النساء اللاتي يأتين إلى بيوت الله تعالى لممارسة الشحاذة والتسول ، وهذا أمر خطير ، لأن أولئك النساء اللاتي يأتين إلى بيوت الله تعالى ، ويدخلن مساجد الرجال ، لا بد أن تكون الواحدة معذورة شرعاً من أداء الصلاة ، وهنا لا يجوز لها الدخول إلى المساجد إلا لحاجة كالمرور مثلاً ، وإما أن تكون غير معذورة ، ولم تصل مع النساء ، بل تركت الصلاة وأخرتها عن وقتها من أجل أن تجمع شيئاً من حطام الدنيا ، وحفنة قذرة من المال ، وهذا أمر أخطر من سابقه ، لأن تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها حرام وكبيرة من كبائر الذنوب ، بل عدها جمع من العلماء كفر صريح والعياذ بالله ، قال ابن حزم ، جاء عن عمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم : " أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد " . وهنا يظهر أن المتسولات ، يفضلن أكل المال الحرام على الصلاة ، ولا شك أن هذا الأمر قادح في عقيدتهن ، وهنا لا يجوز شرعاً إعطاؤهن المال ، لما في ذلك من إعانة لهن على معصية الله تعالى ، ومن فعل ذلك وقام بإعطائهن من ماله فقد ارتكب إثماً عظيماً ، وجرماً كبيراً .
لما في ذلك من إعانة لهن على الباطل ، وإقرار لهن على المنكر ، وتشجيع لهن على ارتياد أماكن الرجال ، وهناك جمعيات ودوائر حكومية تُعنى بمثل تلك الحالات من المحتاجين ، فاحذروا عباد الله من تلك الفئة من الناس الذين يتصنعون المرض والفاقة ، ويسعون في الأرض فساداً ، فكثير منهم صاحب أموال عظيمة ، وبعضهم يملك من العقارات والأراضي الشيء الكثير ، ومع ذلك لا يتورعون عن أكل المال الحرام . وكل مثبت في سجلات مكافحة التسول ، وفي مكاتب الصحف المحلية .
وكم هم الفقراء والمحتاجين ، الذين نعرفهم ويعرفهم الكثير ، ومع ذلك تجدهم متعففين عن سؤال الناس ، ولا يسألون إلا الله الرزاق ذو القوة المتين ، لأنهم أيقنوا أن الرزق من الله وحده ، وبيده وحده ، فامتثلوا أمر ربهم تبارك وتعالى القائل في محكم التنزيل : " وفي السماء رزقكم وما توعدون " ، ولقد امتدحهم الله تعالى لعدم مد أيديهم للناس أو سؤالهم ، فقال تعالى : " للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً . . " الآية . يقول ابن كثير رحمه الله :
الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم ، وفي هذا المعنى الحديث المتفق عليه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي ترده التمرة ولا التمرتان ، واللقمة واللقمتان ، والأكلة والأكلتان ، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ، ولا يفطن له فيتصدق عليه ، ولا يسأل الناس شيئاً " . [ تيسير العلي القدير 1 / 234 ] .
يتبع