Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: الشفاعة العظمى الجمعة 5 مايو - 1:28 | |
| " الشفاعة العظمى "
مجلة البحوث الإسلامية
العدد الأربعون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1414هـ > البحوث > أحوال يوم القيامة >
(الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 205)
سابعا : " الشفاعة العظمى " الشفاعة العظمى مما اختص الله سبحانه به نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - كما بين الله تعالى ذلك في محكم التنزيل فقال تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال ابن جرير : وعسى من الله واجبة ، وإنما وجه قول أهل العلم : عسى من الله واجبة ؛ لعلم المؤمنين أن الله لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم فيه من الجزاء على أعمالهم والعوض على طاعتهم إياه ليس من صفته الغرور ، ولا شك أنه قد أطمع من قال ذلك له في نفعه إذا هو تعاهده ولزمه ، فإنه لزم المقول له ذلك وتعاهده ثم لم ينفعه ، ولا سبب يحول بينه وبين نفعه إياه مع الإطماع الذي تقدم منه لصاحبه على تعاهده إياه ولزومه فإنه لصاحبه غار بما كان من إخلافه إياه فيما كان أطمعه فيه بقوله الذي قال له . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز أن يكون جل ثناؤه من صفته الغرور لعباده صح ووجب أن كل ما أطمعهم فيه من طمع على طاعته ، أو على فعل من الأفعال ، أو أمر أو نهي أمرهم به ، أو نهاهم عنه فإنه موف لهم به . وإنه منه كالعدة التي لا يخلف الوفاء بها ، قالوا : عسى ولعل من الله واجبة . وتأويل الكلام أقم الصلاة المفروضة يا محمد في هذه الأوقات التي أمرتك بإقامتها فيها ، ومن الليل فتهجد فرضا فرضته عليك ، لعل ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاما تقوم فيه محمودا تحمده ، وتغبط فيه . ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود ، فقال أكثر أهل العلم : " ذلك هو المقام الذي يقومه - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم " . (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 206) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ، والمراد بالشفاعة هنا : العظمى . وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود " قال ابن حجر : " وجاءت الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة ، ودل عليها قوله تعالى : عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا والجمهور على أن المراد الشفاعة . نعم إن المقام المحمود هو الشفاعة التي يحمد عليها - صلى الله عليه وسلم - من الخلق ، وإن أعظم ذلك ما هو ظاهر في حقيقته وفي عظم شأنه ، وهو الشفاعة العظمى التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل عندما تطلب منهم من الأمم في أن يشفعوا لهم إلى ربهم ليريحهم من هول وعظيم ما هم فيه ، ويكون لها - صلى الله عليه وسلم - ، كما جاءت الأحاديث مصرحة بذلك . عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أتي (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 207) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما بلحم ، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال : أنا سيد الناس يوم القيامة ، وهل تدرون بم ذاك ؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس ، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون ، فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون ما أنتم فيه ؟ ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أئتوا آدم ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول آدم : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ؛ نفسي ؛ نفسي ؛ اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى نوح ، فيأتون نوحا فيقولون : يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ، نفسي ؛ نفسي ؛ اذهبوا إلى إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، فيأتون إبراهيم فيقولون : أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 208) فيقول لهم إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولا يغضب بعده مثله وذكر كذباته ، نفسي ، نفسي ؛ اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى - صلى الله عليه وسلم - . فيقولون : يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى - صلى الله عليه وسلم - : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى عيسى - صلى الله عليه وسلم - فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد ، وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى - صلى الله عليه وسلم - : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، ولم يذكر له ذنبا ، نفسي ، نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - . فيأتوني فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأنطلق فآتي العرش فأقع ساجدا لربي (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 209) ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ، ثم يقال : يا محمد : ارفع رأسك ، سل تعطه ، اشفع تشفع . فأرفع رأسي فأقول : يا رب أمتي ، أمتي ، فيقال : يا محمد : أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصارع الجنة لكما بين مكة وهجر ، أو كما بين مكة وبصرى . كل الأحاديث الواردة في الشفاعة في الموقف في مبدئها استشفاع الناس بالأنبياء لفصل القضاء وإراحتهم من شدة وهول الموقف ، ويحولهم كل نبي إلى آخر ، وحتى يصلوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ويطلبوا منه ذلك ، فيسجد تحت العرش ويفتح الله عليه ويلهمه من محامد الرب وحسن الثناء عليه ، ثم يقال له ارفع رأسك ويأذن الله له في الشفاعة ، ويقبل منه ذلك ، ولا شك أن أول ما يشفع فيه هو الأمر العظيم الذي من أجله سجد واستأذن ربه فيه ، ولكن ما وقع في نهاية الروايات أنه يقول - صلى الله عليه وسلم - : يا رب أمتي ، أمتي . قد أشكل على العلماء ، فنذكر أقوال بعضهم وتوجيهاته لهذا الإشكال : قال القاضي عياض : وجاء في حديث أنس وحديث أبي هريرة ابتداء (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 210) النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سجوده وحمده والإذن له في الشفاعة بقوله : أمتي ، أمتي وقد جاء في حديث حذيفة . . . قال : فيأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقوم ويؤذن له وترسل الأمانة والرحم ، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا ، فيمر أولهم كالبرق وساق الحديث . وبهذا يتصل الحديث ؛ لأن هذه هي الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها ، وهي الإراحة من الموقف والفصل بين العباد ، ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته - صلى الله عليه وسلم - وفي المذنبين ، وحلت الشفاعة للأنبياء والملائكة وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم ، كما جاء في الأحاديث الأخر . وجاء في الأحاديث المتقدمة في الرؤية وحشر الناس أتباع كل أمة ما كانت تعبد ، ثم تمييز المؤمنين من المنافقين ، ثم حلول الشفاعة ووضع الصراط ، فيحتمل أن الأمر باتباع الأمم ما كانت تعبد هو أول الفصل والإراحة من هول الموقف وهو أول المقام المحمود ، وأن الشفاعة التي ذكر حلولها هي الشفاعة في المذنبين على الصراط ، وهو ظاهر الأحاديث ، وأنها لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولغيره ، كما نص عليه في الأحاديث ، ثم ذكر بعدها الشفاعة فيمن دخل النار ، وبهذا تجتمع متون الحديث وتترتب معانيها إن شاء الله تعالى " . وقال القرطبي بعد أن ساق حديث الشفاعة : " هذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من بين سائر الأنبياء هي المرادة بقوله - عليه الصلاة والسلام - لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي . وهذه الشفاعة العامة لأهل الموقف إنما هي ليعجل حسابهم ويراحوا من هول الموقف وهي الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - وقوله : (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 211) أقول يا رب أمتي أمتي اهتمام بأمر أمته وإظهار محبته فيهم وشفقته عليهم . وقوله : فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه ، يدل على أنه شفع فيما طلب من تعجيل حساب أهل الموقف ، فإنه لما أمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته فقد شرع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم ، وكان طلب هذه الشفاعة من الناس بإلهام من الله تعالى لهم حتى يظهر في ذلك اليوم مقام نبيه - صلى الله عليه وسلم - المحمود الذي وعده ولذلك قال كل نبي : لست لها ، حتى انتهى الأمر إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنا لها . وقال ابن أبي العز : " والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في مأتى الرب سبحانه وتعالى لفصل القضاء ، كما ورد في حديث الصور ؛ فإنه المقصود في هذا المقام ومقتضى سياق أول الحديث فإن الناس يستشفعون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم ، كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه ، فإذا وصلوا إلى الجزاء إنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار ، وكان مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث " . وهناك أقوال كثيرة حول حديث الشفاعة ، وقد اخترنا هذه الأقوال لأمور حول هذا الحديث : 1 - توجيه الأحاديث كما بينه القاضي ، فيكون أول ما يشفع فيه - صلى الله عليه وسلم - في أهل الموقف لإراحتهم من هول ما هم فيه . (الجزء رقم : 40، الصفحة رقم: 212) 2 - الدلالة من ظاهر الحديث أن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - الأولى في أهل الموقف ليعجل الرب سبحانه وتعالى حسابهم ، ويراحوا من هول الموقف - ظاهر من قوله - صلى الله عليه وسلم - ، كما استنتجه القرطبي : ( أ ) عندما يعتذر كل نبي " لست لها لست لها " حتى انتهى الأمر إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال : أنا لها . أي من مقتضى سياق أول الحديث . ( ب ) قوله : فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه يدل على أنه شفع فيما طلب من تعجيل حساب أهل الموقف ، فإنه أمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته ، فقد شرع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم . ( جـ ) قوله - صلى الله عليه وسلم - : أمتي أمتي اهتمام بأمر أمته ، وإظهار محبته فيهم وشفقته عليهم . 3 - أمر الشفاعة العظمى واضح من مقتضى سياق أول الحديث ، ومقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث - هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها ، فيذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث . كما ارتآه ابن أبي العز . فنكون بهذا وقفنا إن شاء الله تعالى على ثبوت شفاعته - صلى الله عليه وسلم - بادئ ذي بدء في أهل الموقف ، ليحكم بينهم وإراحتهم من هول الموقف وشدة ما هم فيه . |
|