د.عبدالله
عُرف صلى الله عليه وسلم منذ صغره بالتواضع بين الناس، في أقواله وافعاله، حيث أدرك عليه الصلاة والسلام ان العزة والرفعة في الدنيا والآخرة في التواضع، فلما أتم الله عليه النعمة، وأنزل عليه وحيه ازداد تواضعا وعزا، ثم سطر للأمة قيم التواضع وخفض الجناح للمؤمنين، وفي صورة عملية مشرقة، فنراه كما تحكي عائشة رضي الله عنها: “يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويقم بيته وكان في خدمة أهله”.
ونراه مرة أخرى يقف للعجوز حتى يقضي لها حاجتها، ويقف للصغير حتى يسمع منه شكواه، ويلبي له مطالبه، ويقوم للفقير والضعيف حتى يوفي حقوقه، ممتثلا أمر ربه “واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين”.
ونراه مرة ثالثة يتلقى الوحي من السماء براحة واطمئنان، وربه تعالى يقول: “وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” ويقول: “واقصد في مشيك واغضض من صوتك” ويقول: “ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا”.
فيخرج صلى الله عليه وسلم على أصحابه يقول: “إن الله اوحى الي ان تواضعوا حتى لا يفخر احد على احد ولا يبغي احد على احد”.
لأنه قد علم ان التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد ليتعلم المسلم كيف يتواضع للناس من حوله فيقول في حق الكبير: سبقني الى الاسلام، وفي حق الصغير: سبقته الى الذنوب، أما القرين فيتخذه أخا ولا يتكبر عليه.
كلكم لآدم
وفي مسند الامام احمد من حديث بشر بن جحاش القرشي رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما على اصحابه فبصق في كفه ثم قال: “إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه واشار الى كفه فلما سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض متك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى اذا بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة”.
فعلى أي شيء يتكبر الانسان، وقد كان أوله نطفة، وآخره مذرة وهو يحمل بين ذلك العذرة، فينبغي له ان يؤدب نفسه ويعودها التواضع، ويناجي نفسه ويقول لها: يا نفس إنك لا شيء ولا منك شيء ولا إليك شيء وإن يمدح فيك شيء فإنما يمدح فيك جميل ستر ربي عليك، ولو كشف الله ستري، وفضح امري، لنفر مني الدواب التي تمشي على الارض، ولكنه الستير الذي يحب الستر.
ولذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عن وهو أمير المؤمنين يحمل الماعز على كتفيه ويقول: حدثتني نفسي أني عمر فأردت ان أؤدبها.
وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لولده وقد اشترى خاتما بألف دينار: “اكتب عليه: رحم الله امرءا عرف قدر نفسه”.
فإذا حدثتك نفسك ايها المسلم باحتقار احد من المؤمنين وازدراء أحد من عباد رب العالمين. فأدب النفس وقل لها: يا نفس إني سمعت ربي تعالى يقول: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، إني سمعت حبيبي صلى الله عليه وسلم يقول: كما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه: “ان الله لا ينظر الى صوركم ولا اجسامكم، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم”.
ويقول كما في مسند احمد: “كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على اعجمي ولا اعجمي على عربي، ولا احمر على أسود، ولا أسود على أحمر الا بالتقوى”.
ويقول كما عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ايضا: “رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره”.
من أنا؟
إذا حدثتك نفسك أيها المسلم ان تخطئ الناس من حولك، وربما تفسقهم أو تكفرهم لأنك ترى لنفسك فضلا وشرفا عليهم ولسان حالك يقول: أنا العالم وأنتم الجاهلون، أنا الصادق وأنتم الكاذبون، أنا الأمين وأنتم الخائنون، أنا المصيب وأنتم المخطئون.
فقل لها: يا نفس من أنا حتى افسق الناس واتكبر عليهم؟ ألست صاحبة كذا في العيوب؟ ألست صاحبة كذا من الذنوب؟ من كان بيته من زجاج فلا يلقِ الحجارة على بيوت الآخرين.
فقد يكون المملوك خيرا من مالكه واقرب إلى الله، وقد يكون المرؤوس خيرا من رئيسه، وقد يكون العامل في شركة أو هيئة خيرا من صاحبها، وقد يكون العامل في المستشفى أو المدرسة خيرا من مديرها، وقد يكون الخادم خيرا من مخدومه، وقد تكون من رزقت البنات أو العقيم خيرا وأفضل عند الله من أم البنين.
قال صلى الله عليه وسلم: “ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته، واذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته” والحكمة: حديدة اللجام تكون في انف الفرس دليل الاعزاز.
ثم يبين صلى الله عليه وسلم مظاهر الكبر بقوله: “الكبر بطر الحق وغمط الناس” فقبول النصح ممن هو أدنى منك دليل تواضعك، وعدم سخريتك من الناس دليل ايضا على تواضعك، وتبرؤك من أول المتكبرين في الأرض ابليس حيث قال: “أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”. وكان أول من دعا الى العنصرية، وأول من قاس قياسا فاسدا.