عيد الفطر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:
فمن رحمة الله تعالى أن جعل للمسلمين عيدين يفرحون فيهما، عيد الفطر، وعيد الأضحى، فيعم الفرح والسرور جميع أهل الإسلام، وهذا من محاسن هذا الدين العظيم.
ولعيد الفطر أحكام نلخصها في المسائل التالية:
المسألة الأولى: العيد في اللغة:
قال ابن فارس: ( عود ) العين والواو والدال أصلان صحيحان يدل أحدهما على تثنية في الأمر والآخر جنس من الخشب. فالأول العود. قال الخليل: هو تثنية الأمر عودا بعد بدء، تقول: بدأ ثم عاد، والعودة المرة الواحدة. وقولهم عاد فلان بمعروفه وذلك إذا أحسن ثم زاد ... ومن الباب العِيد: كلُّ يومِ مَجْمَع. واشتقاقُه قد ذكره الخليل من عاد يَعُود، كأنَّهم عادُوا إليه. ويمكن أن يقال لأنَّه يعود كلَّ عامٍ. وهذا عندنا أصحُّ. وقال غيره، وهو قريب من المعنيين: إنّه سمِّي عيداً لأنَّهم قد اعتادوه.
المسألة الثانية: حكم صلاة العيد:
قال ابن رجب رحمه الله: وأما صلاة العيد ، فاختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها سنة مسنونة، فلو تركها الناس لم يأثموا. هذا قول الثوري، ومالك والشافعي، وإسحاق، وأبي يوسف، وحكي رواية عن أحمد ...
والقول الثاني: أنها فرض كفاية فإذا أجمع أهل بلد على تركها أثموا وقوتلوا على تركها. وهو الظاهر مذهب أحمد، نص عليه في رواية المروذي وغيره. وهو قول طائفة من الحنفية والشافعية.
والقول الثالث: أنها واجبة على الأعيان كالجمعة. وهو قول أبي حنيفة، ولكنه لا يسميها فرضاً.
وحكى أبو الفرج الشيرازي - من أصحابنا - رواية عن أحمد: أنها فرض عين.
وقال الشافعي - كما في " مختصر المزني " - : "من وجب عليه حضور الجمعة وجب عليه حضور العيدين". وهذا صريح في أنها واجبة على الأعيان
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قول أبي حنيفة ومن وافقه لقوته فقال: وأيضا فسجود القرآن هو من شعائر الإسلام الظاهرة ... ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبى حنيفة وغيره وهو أحد أقوال الشافعي وأحد القولين في مذهب أحمد. وقول من قال لا تجب في غاية البعد فإنها من أعظم شعائر الإسلام والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع فيها التكبير. وقول من قال هي فرض على الكفاية لا ينضبط فانه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلا لم يحصل المقصود وإنما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة.
وقال أيضاً: والقول بوجوبه على الأعيان أقوى من القول بأنه فرض على الكفاية.
وأما قول من قال أنه تطوع فهذا ضعيف جدا فإن هذا مما أمر به النبى e وداوم عليه هو وخلفاؤه والمسلمون بعده ولم يعرف قط دار إسلام يترك فيها صلاة العيد وهو من أعظم شعائر الإسلام وقوله تعالى: ( ولتكبروا الله على ما هداكم ) ونحو ذلك من الأمر بالتكبير في العيدين أمر بالصلاة المشتملة على التكبير الراتب والزائد بطريق الأولى والأحرى وإذا لم يرخص النبي في تركه للنساء فكيف للرجال.
ومن قال هو فرض على الكفاية قيل له هذا إنما يكون فيما تحصل مصلحته بفعل البعض كدفن الميت وقهر العدو وليس يوم العيد مصلحة معينة يقوم بها البعض بل صلاة يوم العيد شرع لها الاجتماع أعظم من الجمعة فإنه أمر النساء بشهودها ولم يؤمرن بالجمعة بل أذن لهن فيها وقال: " صلاتكن في بيوتكن خير لكن " ثم هذه المصلحة بأي عدد تحصل فمهما قدر من ذلك كان تحكما سواء قيل بواحد أو اثنين أو ثلاثة وإذا قيل بأربعين فهو قياس على الجمعة وهو فرض على الأعيان فليس لأحد أن يتخلف عن العيد إلا لعجزه عنه وان تخلف عن الجمعة لسفر أو انوثة والله أعلم.