Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: بحث عن النظرية فى العلوم الطبيعية والعلوم الإجتماعية الأحد 30 أبريل - 15:13 | |
| مقدمة ليست النظرية من كماليات البحث العلمي بقدر ما هي ضرورة ملحة للباحث الاجتماعي ، لذا فالدعوة إلى التخلي عنها أو التقليل من أهميتها يجب مواجهتها بالرفض التام حتى لا يُحرَم الباحث من الأرضية الرئيسية لتأسيس علمه ، إذ أنه بدون نظرية تمثل رصيدا لأي علم فلا وجود لأي أساس للعلم . إذن أهمية النظرية تكمن في أننا نقرأها لا لنفهمها ونطورها فحسب بل لأن النظرية تمثل نمطا لبناء المعرفة العلمية وضرورة لكل ملاحظاتنا ، إنها الشرط الضروري لانطلاق التفسير والتحليل حتى وإن كانت غير كافية حين� النظرية الإجتماعية تشيرُ إلى استعمالِ مجرد في أغلب الأحيان لهياكل مركبة نظرية لتَوضيح وتَحليل أنماطِ الحياةِ الإجتماعيةِ. في حين تعتبر النظرية الإجتماعية في أغلب الأحيان فرع من فروع علم الإجتماع، مع ذلك تعتبر النظرية الإجتماعية ذات علاقة بالعديد من الإختصاصات العلمية مثل اقتصاد، علم اللاهوت، تاريخ، والعديد مِنْ المجالات الأخرى. على أية حال ، فإن أي بحث أساسه موضوعي يُمْكِنُ أَنْ يُوفّرَ الدّعم للتفسيراتِ و في أغلب الأحيان تعطىَ التفسيرات مِن قِبل العلماء النظريين الإجتماعيينِ. البحث الإحصائي المؤسس بشكل علمية، على سبيل المثال، لدراسة حالات عدم تكافؤ الدخلِ بين النِساءِ والرجالِ ييساعد بعد ذلك في تأسيس نظرياتِ إجتماعيةِ المعقّدةِ تبحث في مساواة جنسين أَو النظام الأبوي. بنفس الوقت نجد علماء نظريون نقديون مثل رائدو التفكيكية أَو ما بعد الحداثة، يجادلون بأنّ أيّ نوع من البحثِ أَو المنهج يمكن أن ينحرف بشكل فطري . وفي العديد مِنْ الحالات يكون المجتمع الذي تصفه هذه النظريات بعيدا عن المجتمع الراهن لدرجة لا تصدق . تمثل النظريات الحداثية modernity و النظريات اللا سلطوية anarchy مثالين عن هذه النظريات .
نشأة النظرية الاجتماعية الحديثة: من الأمور الهامة التى ينبغي أن نشير إليها ، نشأة النظرية الاجتماعية ، فإذا نظرنا إلى التفكير الاجتماعي بصفة عامة ، نجد أنه ليس وليدا فى العصر الحديث فقط ؛ بل هو أسبق من ذلك بكثير ، حتى إنه من الممكن أن يقال : أنه لم يكن هناك عصر من العصور ، ولا أمة من الأمم ، إلا وكان فيها من المفكرين الاجتماعيين الذين أدلوا بأفكارهم من أجل إصلاح المجتمع . أما ما يدعيه بعض المفكرين من أن الفكر الاجتماعي نشأ فى العصر الحديث فى المجتمع الغربي ، منكرين بذلك إسهام الشرق القديم والإسلامي فى هذا الفكر ، فإن هذا الزعم ليس بصحيح ؛ لأن المنصفين من المفكرين أثبتوا أن الشرق القديم ، مثل : مصر ( الفرعونية ) والهند ، والصين ، كان فيه من المفكرين الاجتماعيين ، الذين تركوا من الوصايا والتوجيهات ، فى الاجتماع والتربية والسياسة ، تعد من أهم مقومات الحياة الاجتماعية . كذلك أيضا أثبتوا أن المسلمين فى مختلف العصور ، كانت لهم إسهامات بارزة فى التفكير الاجتماعي مثل : الفارابي وابن خلدون ورفاعة الطهطاوي وغيرهم(<1>) . لكن ، كل ما قام به هؤلاء الحكماء والمشرعون من الأمم الشرقية القديمة ، من الدراسات والإصلاحات الاجتماعية ، وكذلك أيضا ما قام به المفكرون المسلمون قبل ابن خلدون من هذه الدراسات والإصلاحات ، لم تتفق أغراضها ومناهجها مع ما يسمى الآن بعلم الاجتماع ، لأنه فى تلك العهود لم يفكر أحد فى إنشاء هذا العلم ، أو وضع أسس له " ولعل السبب فى ذلك يرجع إلى أن دراسة الظواهر الاجتماعية على الطريقة التى يسير عليها علم الاجتماع ، لا تتاح إلا لمن ثبتت لديه أن هذه الظواهر لا تسير حسب الأهواء والمصادفات ، ولا حسب ما يريده الأفراد ، وإنما تسير فى نشأتها وتطورها ومختلف أحوالها ، حسب قوانين ثابتة مطردة … وهذه الحقيقة لم يصل إليها تفكير أحد من قبل ابن خلدون " (<2>) . ـ ابن خلدون(>) وتأسيسه لعلم الاجتماع : لقد حدد ابن خلدون إطار هذا العلم فى كتابة الشهير بالمقدمة التى تحتوي على شرح مفهوم هذا العلم وتحديد إطاره ، وقد ساعد ابن خلدون على وضع أسس هذا العلم أنه سلك طريقا مبتكرا فى دراسات يختلف عن سابقيه . يقول عنه الأستاذ عبده الحلو : " إننا لا نجد صنوا لابن خلدون حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، مع العلم أن النظريات الاجتماعية التى نشأت فى تلك الحقبة كثيرة جدا ومتباينة كل التباين ، وقد قضى العلماء شطرا كبيرا من هذا القرن فى جدال حول طبيعة الحادثة الاجتماعية ، وكيفية دراستها فانقسموا بين النظريات الآلية والعضوية والبيولوجية والتطورية والنفسية والاجتماعية ، ولكن العلماء المعاصرين أهملوا بوجه عام هذه النظريات الضيقة وصاروا أميل إلى اعتبارها نظريات جزئية يمكن أن يتم بعضها بعضا ، وربما كانت النظرية الاجتماعية فى علم الاجتماع التى تزعمها إميل دور كايم (1858ـ1917) هي التى امتصت التيارات الأخرى وغلبت عليها . ولسنا نغالي إذا قلنا أن مقدمة ابن خلدون احتوت على بذور هامة لمختلف النظريات مع غلبة النظرة الاجتماعية عليها ، فيكون ابن خلدون من حيث المنهج الذي أتبعه دراسة الحادثات الاجتماعية ، لا من حيث النتائج التى وصل إليها ، أقرب إلى علم الاجتماع المعاصر ، من علماء القرن التاسع عشر أنفسهم " (<3>) . أما بالنسبة للتفكير الاجتماعي والنظرية الاجتماعية فى العصر الحديث ، فإنها نشأت فى مجتمع وقع تحت الظلم والطغيان قرونا عديدة ، من قبل الكنيسة التى كانت ترى أن الكتاب المقدس يحتوى على كل الحقائق ، وأنها وحدها هى التى تعرف تأويل آياته ، وبذلك تكون هي مصدر كل الحقائق وليس هناك حقائق أخرى ، ومن ادعى غير ذلك يعتبر فى نظر الكنيسة مارقا من الدين ، وتقوم الكنيسة بتسليمه إلى محاكم التفتيش ، التى تقوم بإعدام المارقين حرقا وهم أحياء . وعند ما زاد الضغط عن حده انقلب إلى ضده ، فبدأ الغربيون يزيحون من على كواهلهم هذا الكابوس الذي ران عليها دهرا طويلا ، ويتحررون من قيود هاتين السلطتين منادين بالإصلاح الديني ، ونبذ كل الخرافات والأوهام التى يقول بها رجال الكنيسة ، والأخذ بوسائل التقدم العلمي . وفيما يلي نبذة مختصرة عن أحوال المجتمع الأوربي منذ العصور الوسطى حتى العصر الحديث ، وهو العصر الذي نشأت فيه النظرية الاجتماعية الحديثة . (<1>) انظر فى ذلك علم الاجتماع من منظور إسلامي د / طلعت غنام ص39ـ 91/ ط 1987م / مطبعة الفجر الجديد . وانظر أيضا التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره د/ زيدان عبد الباقي ص160ـ176، 177ـ216، 283ـ 301/ ط 3 سنة 1981م / دار الغريب للطباعة . وانظر أيضا عن الفكر الاجتماعي فى الشرق القديم كتاب : الجانب الفلسفي عند الأمتين الفارسية والصينية د/ على معبد فرغلي / ط1 سنة 1984م / دار الكتاب الجامعي . وانظر أيضا أضواء على الفلسفة اليونانية د/ أحمد عبده حمودة الجمل ص3ـ54/ ط1 سنة 1986م / دار الطباعة المحمدية . (<2>) التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره د/ زيدان عبد الباقي ص180،181 . (>)ابن خلدون : هو عبد الرحمن أبو زيد ولى الدين بن خلدون الحضرمي . ولد فى تونس فى غرة رمضان سنة 732هـ (27مايو 1332م) ، وهو أول مؤسس لعلم الاجتماع الذي كان يطلق عليه ( علم العمران ) أو ( الاجتماع الإنساني ) . (<3>) حولية كلية أصول الدين عدد 16 سنة 1998م / ص229 من بحث للدكتور / محمد عبد التواب السيد تحت عنوان : ابن خلدون رائد علم الاجتماع وفلسفة التاريخ . النظرية الإجتماعية تشيرُ إلى إستعمالِ مجرد في أغلب الأحيان لهياكل مركبة نظرية لتَوضيح وتَحليل أنماطِ الحياةِ الإجتماعيةِ.
في حين تعتبر النظرية الإجتماعية في أغلب الأحيان فرع من فروع علم الإجتماع، مع ذلك تعتبر النظرية الإجتماعية ذات علاقة بالعديد من الإختصاصات العلمية مثل إقتصاد، علم اللاهوت، تاريخ، والعديد مِنْ المجالات الأخرى.
على أية حال ، فإن أي بحث أساسه موضوعي يُمْكِنُ أَنْ يُوفّرَ الدّعم للتفسيراتِ و في أغلب الأحيان تعطىَ التفسيرات مِن قِبل العلماء النظريين الإجتماعيينِ. البحث الإحصائي المؤسس بشكل علمية، على سبيل المثال، لدراسة حالات عدم تكافؤ الدخلِ بين النِساءِ والرجالِ ييساعد بعد ذلك في تأسيس نظرياتِ إجتماعيةِ المعقّدةِ تبحث في مساواة جنسين أَو النظام الأبوي.
بنفس الوقت نجد علماء نظريون نقديون مثل رائدو التفكيكية أَو ما بعد الحداثة، يجادلون بأنّ أيّ نوع من البحثِ أَو المنهج يمكن أن ينحرف بشكل فطري . وفي العديد مِنْ الحالات يكون المجتمع الذي تصفه هذه النظريات بعيدا عن المجتمع الراهن لدرجة لا تصدق .
تمثل النظريات الحداثية modernity و النظريات اللا سلطوية anarchy مثالين عن هذه النظريات .
التاريخ علم الأجتماع قبل الكلاسيكى
قبل قرن تاسع عشر، كَانتْ النظريات الإجتماعية الكلاسيكية بشكل كبير سردية ومعيارية، مصاغة في شكلِ قصّةِ، وتفترض دعم و وجود المبادئِ الأخلاقيةِ وتَوصي يتصرفات أخلاقيةَ. في هذا الوقت، كان من المحتملُ إيجاد علماء نظريين اجتماعيين كشخصيَّات دينية.
كان أبرز شخصيتين ساهما في علم الإجتماع في تلك الفترة توماس الأكويني والقديس أوغسطين، اللذان اهتما بشكل خاص بتشكيل مجتمع عادل . كان أوغسطين يَصِفُ المجتمع الروماني القديم لكن من خلال كراهيته للمعتقدات الرومانية القديمة ، وفي ردِّ فعل واضح وضع نظرية مدينة الله. إذا ذهبنا خارج الغرب، نَجِدُ نفس الحالةِ عند "العالم النظري الإجتماعي " الصيني، السيد كونغ الذي فسّرَ المجتمع العادل ووَصفَ المجتمعَ الواقعي على أنه ولايات متحارِبة.
لاحقاً، أيضاً في الصين، أوصىَ موزي بان يكون عِلْم الإجتماع أكثر مصلحية ، لكن أن يبقى أخلاقيَا أساسا .
علم الإجتماع الكلاسيكي
في قرن تاسع عشر ثلاث نظرياتِ كلاسيكيةِ عظيمةِ أحدثت تغييرِا تأريخيِا و إجتماعيِا : تطورية إجتماعية وهي نظرية تشكل ( دارونية إجتماعية جزء منها )، نظرية دورة إجتماعية ونظرية الماركسية المادية التاريخية . تلك النظرياتِ كَانت تشترك بعامل مشتركُ واحد: كانوا جميعاً يتفقون بأنّ تاريخ الإنسانية يتبع طريق ثابت مؤكد ، على الأغلب يضمن تقدم إجتماعي. هكذا، كُلّ حدث ماضي لا يحدث فقط بترتيب زمني، لكن يرَتبطَ بشكل طبيعي مع الأحداثِ الحالية والمستقبليةِ. إفترضتْ تلك النظريات بأنّ دراسة تسلسل تلك الأحداثِ، سيُمْكِنُ عِلْم الإجتماع من أن يَكتشفَ قوانين التاريخ.
العالم النظري الأول هيربرت سبينسر آمنَ بشكل كبير بمبدأ "البقاء للأصلح "وأوصىَ تجنّبَ العملِ الحكوميِ الذي يساعد الإشتراكيات السيئة ( بنظره ) . كما كذّب مع كونت أسس نظرية الداروينية الإجتماعية .
علم الإجتماع الحديث
النظرة الكلاسيكية، قريبة من النظرة تاريخية، إنتقدتَ مِن قِبل العديد مِنْ علماءِ الإجتماع والفلاسفةِ الحديثينِ، بينهم كارل بوبر، روبرت نيسبر، تشارلز تيلي وإمانويل فالرشتاين.
تُمثّلُ النظرياتُ الإجتماعيةُ الحديثةُ النسخةِ المتقدّمةِ للنظرياتِ الكلاسيكيةِ، مثل التطورية الحديثة أَو البيولوجيا الإجتماعية، أَو النظرية العامّة للذاتيّةِ وخَلْقِ المجتمعِ. الإرادة الحرّة والإختيار وأهمية الأحداثِ المتقلّبةِ العشوائيةِ هي أمور صعبة التفسير بالنسبة للمدرسة الحتمية القديمة . هكذا أغلب علماءِ اجتماع الحديثين لا يَعتبرونَ وجود تَوحيد عظيم ل ' قوانين التاريخِ '، لكن هناك قوانينَ أكثرَ تخصصا و أضيق مجالا حول التاريخِ.
وفي علم الاجتماع المعاصر ثمة نوعين من النظريات: § النظريات الكبرى ، ومثالها النظرية الماركسية ذات الطرح الشمولي أو التحليل الماكرو سوسيولوجي . § ولكن هناك تصنيفات أخرى للنظرية الاجتماعية على أساس نظريات البنية ( النظريات البنيوية الأنثروبولوجية والاجتماعية ) أو نظريات الفعل كالنظرية التفهمية لـ ماكس فيبر .,
[] النظرية الاجتماعية التقليدية • الوضعيـــــــــــة 1 - سان سيمون S. Simon ( 1825 - 1760 ) المقاربة الوضعية هي منهجية تحليله تقوم على استبعاد لأنماط الفكر والتحليل اللاهوتي ( الديني ) والميتافزيقي ( التجريدي = الطبيعة ) من أي تحليل مقترحة بديلا عنهما الإنسان الذي بات يتمتع بقيمة مركزية في الكون ، بهذا المضمون سنكون على إطلالة لمعادلة جديدة تحكم سير الحياة الاجتماعية برمتها على النحو التالي : الظاهرة الظاهرة الظاهرة مرجع لاهوتي مرجع ميتافزيقي مرجع إنساني / الوضعية الدين الطبيعة = التجريد العقل
هذه المعادلة التي ستمثل لدى أوجست كونت المراحل التي مرت به الإنسانية ومصدر قانون الحالات الثلاث تبين لنا أن الإنسان لم يكن موضع ترحيب في المرحلتين السابقتين ، إذ أن الإنسان عجز عن أن يجد له موقع او مكانة فيما مضى لذا فقد استبعد من أي تحليل للظواهر مفسحا المجال أمام القوى الدينية أو قو ى الطبيعة . وبما انه لم يكن للإنسان أية قيمة فلم تكن أيضا للمجتمع آية قيمة, ولهذا تطورت الوضعية العلمية التي تناولت ظواهر طبيعية بينما لم تتطور ذات الوضعية حينما كانت تتناول ظواهر متعلقة بالإنسان والمجتمع ، وسنرى كيف وضع أوجست كونت حدا لهذه الازدواجية في التفكير والتي يسميها الفوضى العقلية التي تسببت في ثلاث ثورات برجوازية وقعت في أعقاب الثورة الفرنسية 1789 حتى سنة 1848 ، ولكن قبل الوصول إلى أوجست كونت علينا العودة الي جذور الوضعية لدى أستاذ كونت وهو المفكر سان سيمون . عاش سان سيمون في نظام إقطاعي سليلا لأسرة أرستقراطية ، ويحمل لقبا اجتماعيا هو الكونت وكان ضابطا برتبة ملازم أول لما كانت فرنسا تخوض حربا ضد الإنجليز في شمال القارة الامريكية ، وقد نضج فكره حلال الثورة الفرنسية التي كانت بمثابة ثورة على النظام الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا عامة وفرنسا خاصة وثورة على النظام المعرفي التقليدي السائد في فرنسا وثورة على النظام السياسي الملكي . [] بداية المقاربة الوضعية بدأت المقاربة الوضعية في مرحلة الفكر الموسوعي الذي عرفه في القرن 18 واتخذت عند سان سيمون طابعا تطبيقيا عمليا وليس نظريا مثلما كان سائدا في المرحلة التجريدية أي العلم النظري المجرد ، ففي القرن 18 طور الفكر الموسوعي آليات تحليل جديدة تقوم على الترابط بين المعرفة والواقع الإنساني لذا سيمثل هذا الفكر مرجعية سان سيمون . فمن أين البداية إن لم تكن من المقاربة الوضعية للدين ؟ [] تعريف سان سيمون للدين في كتابة الشهير ( المسيحية الجديدة ) يعرف الدين بأنه : " جملة تطبيقات العلم العام التي يمكن بواسطتها أن يحكم الرجال المستنيرون غيرهم من الجهلة " . بهذا المضمون فان الديانة عند سان سيمون هي أداة مدنية للحكم المستنير لغير المستنيرين . وبما أن الدين يلعب دورا في التربية لذا فان التربية هي العنصر الذي يساعد على توطيد المشاعر الديموقراطية وتحقيق القيم الأساسية . • مفهومي " السياسة " و " الديموقراطية = الحرية " • السياسة هي علم الانتاج . • الحرية هي نبذ الميز العرقي والثقافي والسياسي . فما الذي يحدث عندما يلتقي المفهومان ؟ سنلاحظ تغييرا في مفهوم الأمة. وإذا أعطينا هذين المفهومين مدلولا وضعيا وتصورا موضوعيا ( أي محاكمة المفهومين وتحليلهما علميا وليس دينيا ولا تجريديا ). فالذي سيحدث أن أمة جديدة ستنبثق .هذه الأمة متحررة من الميز الديني والانغلاق مثلما ستكون متحررة من تبعات الإقطاعية . ومثل هذه الامة الجديدة يسميها سان سيمون بـ " الأمة العاملة " . [] استنتاج أولى من الملاحظ أن تغير القاعدة المعرفية تسبب في تغير النتائج . فلو نظرنا إلى المفهومين في المراحل السابقة على الوضعية فلا يمكن الحديث عن أمة عاملة بالمعنى السان سيموني لان السياسة كانت حكرا على طبقة معينة ولان المجتمع ليس حرا ولا يتمتع بأية عدالة ، ومثل هذه السياسة والعبودية كانتا تجدان لهما شرعية ذات طابع ديني او طبيعي . بيد أن الوضعية بوصفها استعمال للعقل ورفع من مكانة الإنسان قدمت السياسة كأداة حيوية في تنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونقلت الأمة من طور الخمول والكسل الي طور العقل والإنتاج ووضعت الجميع على قدم المساواة واصبح الإنسان سيد نفسه حرا من ا ي تمييز عرقي او ثقافي او سياسي . هكذا فالانتقال من المرحلة الإقطاعية اللاهوتية إلى المرحلة الصناعية العلمية هو انتقال من ساحة العلم النظري الي ساحة العلم التطبيقي العملي . فالوضعية تأبى الاعتراف بفواصل مابين النظري والعملي إذ ثمة ترابط بين المعرفة والواقع الا نساني . [] المواطنة والعدالة الاجتماعية يربط سان سيمون بين مفهوم المواطنة الذي جلبه معه من أمريكا حيث كان يقاتل الجيش الإنجليزي في بلد تعج فيه الثورات الأهلية الكبرى والعارمة وبين العدالة الاجتماعية بل انه ينحاز إلى مفهوم المواطنة معلنا في كتابه ( المسيحية الجديدة ) تخليه عن لقبه الكونت : [ لم يعد ثمة أسياد .نحن جميعا متساوون .وأعلمكم بهذه المناسبة أنني أتخلى عن صفتي الكونت التي اعتبرها وضعية جدا أمام صفتي كمواطن ..] تبع هذا الإعلان حسما لتردد سان سيمون في تأييده للثورة الفرنسية في البداية ثم نال لقب المواطن الصالح مرتين متتاليتين مما يعني انه بات رمزا للتحرر والمساواة والتجديد . هذه النقلة في حياة سان سيمون – المواطن الصالح – ليست نقلة سياسية فحسب بل نقلة اجتماعية وفي هذا الأساس نقلة فكرية ومعرفية في ذات الوقت . كما أن هذه النقلة أيضا جهد سان سيمون في ترجمتها من خلال عمله الدؤوب من اجل تغير مضمون المسيحية من الداخل وإكسابها مضمونا جديدا علميا يقوم على مبدأ الحرية والمساواة . هكذا يبدو الدين هو العلم العام كما يصرح سان سيمون . [] عودة إلى مفهوم الدين إذن الدين ليس حالة ثابتة بقدر ما هو حالة تطورية ولما يتساءل عن الدين وماهية الأديان نراه في كتاب ( المسيحية الجديدة ) يقول بتطورية الأديان وعدم بقائها على حالها . [ الأديان مثلها مثل بقية المؤسسات تتمتع بطفولة وفترة قوة ونشاط وأيضا مرحلة انهيار وحين تكون في مرحله انهيار فأنها تكون ضارة ،أما في مرحلة الطفولة فهي غير كافية ..] [] قراءة في المقاربة الوضعية للأديان عند سان سيمون السؤال : لماذا ينظر الكثير إلى سان سيمون على انه من مؤسسي علم الاجتماع الديني؟ لانه في واقع الأمر ساهم ولو بشكل محدود في تأسيس هذا العلم . ومن حيث الجوهر لان سان سيمون قدم الأديان بوصفها ظواهر اجتماعية وإنسانية من الممكن تحلياها تحليلا علميا كبقية الظواهر الأخرى . بل أن سان سيمون قاربها كما فعل ابن خلدون في نظريته حول تداول الحضارات التي تنشأ ثم تقوى ثم تنهار, وهكذا بدا له الدين . إذن الوضعية تخلصت من كل الثوابت المقدسة . [] ما هو الدور الذي تلعبه الفلسفة الوضعية ؟ يلاحظ أن الوضعية الجديدة كما مارسها سان سيمون لا تهدف فقط إلى تغيير شروط إنتاج المعرفة بل إلى تغيير النظام السياسي والمؤسساتي والاقتصادي . بمعنى أن الوضعية تمثل نقلة جذرية في النظام السياسي والاجتماعي القائم . وما لم تحدث هذه النقلة فمن المستحيل أن نتحدث عن أمة عاملة . إذن ثمة تغييرات تجعل من المجتمع عنصرا إيجابيا . والسؤال هو: ما هي مستويات التغيير الجديد بحسب المقاربة الوضعية ؟ أولا : تحقيق العدالة في مضمونها السياسي والاجتماعي واستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية ثمة مبدأ يحكم تحقيق العدالة المنشودة ذو بعد شخصي وعلمي لدى سان سيمون . هذا المبدأ هو وجوب جبر الهوة الفاصلة بين النظري والتطبيقي للوصول إلى علاقة تكاملية بين المستويين ، ودون ذلك سيظل هناك ازدواجية تحافظ على استمرارية الهوة الفاصلة لذا لابد من إنجاز منظومة ابستمولوجية ومعرفية جديدة تقوم على التكامل بين البعدين النظري والتطبيقي ولعل أوضح مثال هو ما طبقه سان سيمون على نفسه تعلق في دعوته إلى تحقيق العدالة تخليه عن لقب الكونت وإعلائه لشأن المواطنة ( لم يعد بيننا أسياد…). هذه المقاربة الوضعية الباحثة عن العدالة السياسية والاجتماعية ستسعى عمليا إلى : • هدم العناصر السياسية والمؤسسية المكونة للنظام السياسي والاجتماعي القديم والتي من بينها التميزات الطبقية والاجتماعية والمسيحية في شكلها التقليدي • لذا فان سان سيمون سيرسي دعائم تعامل معرفي جديد مع الظاهرة الدينية بمختلف تنظيماتها ومؤسساتها ، تعامل يقوم على اعتبار الظاهرة الدينية ظاهرة اجتماعية إنسانية من خلال إخراجها من دائرتها المقدسة والنظر إليها باعتبارها ظاهرة إنسا نية ، هذا المبدأ المعرفي الجديد تجاه الظاهرة الدينية سنجده حاضرا وقائما في كتابات الكثير من العلماء مثل غاستون لبلوس G.lebles و هنري و دوركايم و مارسيل موس ، هذه الأسماء بالإضافة إلى ماكس فيبر سيكونون أهم المتخصصين في علم الاجتماع الديني مستنيرين باطروحات سان سيمون ومفهومه للدين ومنهج التعامل معه . ولكن لماذا يجهد سان سيمون لاستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية ويشدد على تشجيع التعامل الجماعي بين أفراد المجتمع ؟ ثم لماذا تنقل سان سيمون بين الكنائس مبشرا بالمسيحية الجديدة ؟ [] مجتمع سان سيمون إن مجتمع سان سيمون هو مجتمع صناعي علمي ، ومثل هذا المجتمع يبحث عن دماء جديدة لضخها في عروقه كما انه يحتاج إلى وحدة معرفية ومعيارية وبالتالي لابد من القضاء على مخلفات النظام القديم بكل منظوماته وتشكيلاته ومعتقداته وتصوراته وبناه وأنماط تفكيره وتحليله إذا ما أردنا تحقيق العدالة والتقدم فكيف العمل ؟ وما العلاقة بين الدين والمجتمع الجديد ؟ يحرص سان سيمون على تجاوز الدين اعتقادا منه انه العقبة التي تشجع الفراغ . ولانه ثمة تناقض بين الفراغ والعمل الجماعي المنتج لذا ينبغي أن نغير مضمون الدين بان نكسبه مضمونا جديدا يتمثل في نظام بشري جديد. ولان الإنتاج الجماعي او الخلق الجماعي تحديدا يقوم على الانتاج البشري ، لذا ينبغي فك التناقضات التي يعاني منها مجتمع ما بعد الثورة – أي المجتمع الصناعي – إذ يلاحظ سان سيمون أن المجتمع ما زال في حالة صراع قائم على: • معرفة لاهوتية ومعرفة علمية . • سلطة إقطاعية وسلطة صناعية . إذن ثمة تحالف بين المعرفة اللاهوتية والسلطة الإقطاعية ضد المعرفة العلمية والسلطة الصناعية ولفك هذا التناقض أو التحالف ينبغي استبعاد الدين للسماح بمرور العمل الجماعي المنتج وقتل الفراغ . [] ثانيا: تشجيع العمل والإنتاج إن التغيير الجديد التي تريد إرساءه المقاربة الوضعية يقوم أساسا على العمل والإنتاج كيف ذلك؟ بانتشار الأفكار الوضعية بفعل انتشار الصناعة . إذ يعتقد سان سيمون أن انتشار الأفكار الوضعية ستساعد وستشجع على انتشار الصناعة التي هي الشرط الأساسي والوحيد لقيام مجتمع وضعي ومعرفة وضعية ، فالصناعة بطبيعتها تخلق مجتمعا وضعيا وتصورات وضعية في نفس الوقت استنادا الي مبدأ يعتبر أنالمعرفة العملية تعني المعرفة العلمية . إذن الصناعة هي مبدأ مركزي في كل النظريات المعرفية ،هذا المبدأ نجده لدى الفكر الاشتراكي الطوباوي الذي يشمل ويعبر عنه سان سيمون و قودوين و بودون .إذ أن الفكر الاشتراكي الذي يعد سان سيمون عميده بني على مركزية مبدأ الصناعة . بمعنى أن الصناعة تشجع بطبيعتها على خلق القيم الوضعية المستقلة عن الفكر الديني والكنسي في نفس الوقت . كما نجد مركزية مبدأ الصناعة عند دوركايم من خلال كتابيه " تقسيم العمل الاجتماعي "و" الانتحار " وكذا مع ماكس فيبر في كتابه " الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية ". النظرية فى العلوم الطبيعية
1. تعريف النظرية يدل مفهوم النظرية في الاستعمال الشائع على الآراء والتخمينات والتأملات التي لا تستند في بنائها على الوقائع؛ ولذلك فإنها غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن الوصف الدقيق لما يجري في الواقع. ومما يترتب عن هذا الفهم الخاطئ أن بدأ الناس ينظرون إلى النظرية في كثير من الأحيان بنظرة ازدراء واحتقار، فنسمعهم يقولون مثلا: "هذه مجرد نظرية، وليست واقعا". وإذا كانت النظرية في الاستعمال اليومي تدل على التأملات الغير واقعية أو البعيدة عن الواقع، فإنها تدل في مجال العلم على نموذج أو نسق من الأفكار الذي يحكمه منطق صارم، ويستعمل لوصف مجموعة من الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية وتفسيرها وتوقع تطوراتها. وتتشكل النظرية العلمية بواسطة منهج علمي رصين، وتفرض نفسها باعتبارها بناء فكريا مفاهيميا يدعمه المعطى التجريبي. إن النظرية بهذا المعنى هي الصياغة الشكلية المنطقية لنتائج الملاحظات التي تم تسجيلها في السابق والتي يمكن التحقق منها عن طريق التجريب، ومن ثمة استعمالها لتفسير الظواهر واستباق تطوراتها المستقبلية. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن النظرية العلمية، على خلاف ما يعتقد عامة الناس، لا تتعارض مع الواقع؛ وعلى سبيل المثال فإن سقوط التفاحة من شجرتها على الأرض، واقعة تؤيد نظرية التجاذب الكوني التي بلورها إسحاق نيوتن. ومع ذلك تظل النظرية العلمية في جميع الأحوال مجرد نموذج افتراضي يخضع باستمرار للتقويم والتصحيح. وكذلك يمكن دمج هذا النموذج في إطار نظرية أكثر شمولا. فقد جرت العادة أن يتم الربط منطقيا بين عدد كبير من الفرضيات أو النماذج الخاصة في إطار نظرية واحدة أو نظريتين. ولهذا السبب تكون النظرية الكبرى أكثر قدرة على التعامل مع الكليات بالمقارنة مع الفرضيات أو النماذج الخاصة وتكون قدرتها على التفسير أكبر لأنها تنظر إلى الظواهر في سياق أوسع وأشمل، بينما تتعامل النماذج والفرضيات مع مجموعة من الظواهر الخاصة. ولعل ما يجعل عامة الناس ينظرون إلى النظرية بنوع من الازدراء هو أنهم لا يجدون فيها ما يحقق لهم المنفعة التي يرغبون فيها بشكل مباشر؛ ذلك لأن بناء النظرية لا يستهدف في الأصل تحقيق أية مصلحة خاصة، ولذلك تكون الحقيقة التي تعبر عنها مجردة ونسبية، ولا تعتبر صحيحة إلا في إطار نسق نظري معين، ومعنى ذلك أنه لا توجد حقائق متعالية على النظريات أو خارج النظريات. ولكن نسبية الحقيقة وتعاليها عن المصلحة الخاصة لا يعني أنها غير قابلة للتطبيق في مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، بل كثيرا ما تستعمل لأغراض أيديولوجية. وتتحدد قيمة كل النظرية بمدى اقترابها من الحقيقةن ومن هنا تطرح المسألة المتعلقة بمعايير صلاحية النظرية وكيفية بنائها. 2. معايير صلاحية النظرية يرى بعض الباحثين في مجال الإبستملوجيا أن النظرية الجيدة هي تلك التي تستوفي شرطين أساسيين وهما: § أن تكون قادرة على وصف مجموعة من الوقائع في ضوء نموذج يرتكز على عدد قليل من المصادرات (الأكسيومات) أو العناصر العشوائية، وهي القضايا التي يتم التسليم بها من غير إقامة الدليل على صحتها؛ وإنما يتم قبولها لاستحالة الحكم عليها لا بأنها صحيحة ولا بأنها خاطئة. إن المصادرة بهذا المعنى هي القضبة التي لا سبيل إلى البرهنة عليها، وأما القضية التي قام عليها الدليل فإنها لا تعتبر مصادرة على الإطلاق. وتتحدد قيمة المصادرة بمدى أهمية النتائج المستنبطة منها من حيث مطابقتها أو انسجامها مع الوقائع. وبسبب طبيعتها العشوائية تعتبر المصادرات الحلقة الضعيفة في بنية النظرية، ولذلك يميل العلماء إلى الانطلاق من أقل عدد ممكن للتقليل من احتمال الخطأ؛ ومن أمثلة ذلك نظرية النسبية الخاصة التي شيدها ألبرت إنشطاين انطلاقا من مصادرتين: أولهما مصادرة غاليليو التي تقول بتزايد سرعة الأجسام عند انطلاقها، والثانية ثبات سرعة الضوء التي تمثل السرعة المطلقة. وافترض أن هاتين الملاحظتين معا صحيحتان رغم تعارضهما الظاهر. وما فعل بعد ذلك هو أنه قام بتعديل مصادرة غاليليو لتتلاءم مع فكرة عدم تزايد السرعة بالنظر إلى سرعة الضوء، وصاع نظريته الجديدة على هذا الأساس. وهكذا، فعندما تخضع المصادرات لأي تعديل يؤدي ذلك إلى حدوث تغير جوهري في البناء النظري كله. § وأن تكون قادرة على التكهن بنتائج الملاحظات المستقبلية؛ ويذهب فلاسفة العلم إلى حد القول: إن النظرية الفيزيائية لابد أن تكون تنبؤية رغم كونها افتراضية يتعذر الجزم بثبوتها ثبوتا تاما. وهكذا، فإنه مهما كانت النتائج التجريبية تؤكد توقعات النظرية فإنه لا يمكن استبعاد إمكانية الحصول في المستقبل على نتائج تجريبية تتعارض مع ما تقول النظرية؛ ومعنى ذلك أيضا أنه يمكن تكذيب النظرية من خلال العثور ولو على ملاحظة واحدة من الملاحظات التجريبية التي لا تؤيد التوقعات النظرية. وقد يؤدي هذا الاكتشاف إلى إحداث تغيير جذري في النظرية أو استبدالها بنظرية أخرى أو منظور إرشادي آخر paradigme حسب تعبير طوماس كوهن Thomas kuhn. ولما كانت النظرية العلمية تقوم على مصادرات غير قابلة للبرهنة أصبح من الممكن تعديلها وتطويرها وتجاوزها باستمرار. ولعل ذلك هو ما حدا بكارل بوبر Karl Popper إلى أن يجعل من مبدإ التفنيد أو القابلية للتكذيب معيار علمية النظرية، في مقابل "مبدإ التحقق" الذي جعل منه أصحاب الوضعية المنطقية مبدأهم المفضل. يقضي هذا المبدأ بأن قيمة النظرية العلمية لا تتحدد في المقام الأول بقوة الدليل التجريبي على صحتها ويقينها، ولا تؤخذ النظرية مأخذ الجد في نظر بوبر ما لم تكن مرنة منفتحة على كل الاحتمالات وقابلة للتعديل، ولا يشترط فيها بالتالي أن تكون تامة محكمة البنيان ودقيقة إلى أبعد الحدود في تنبؤاتها. والدليل على ذلك هو أن نظرية الفيزياء الميكانيكية التي وضعها نيوتن لم تكن دقيقة في تنبؤاتها، ولكنها كانت على قدر كاف من الواقعية والمعقولية لمقاربة العديد من الظواهر وتفسيرها بطريقة أبسط وأسهل بالمقارنة مع النظريات التي تبدو أكثر دقة ولكن تطبيقها يكون أصعب لما يتطلبه من إجراءات رياضية بالغة التعقيد. وأما فيما يتعلق بمبدإ التحقق فإنه من السهل في نظر بوبر أن تجد أية نظرية من الدلائل الأمبريقية ما يدعمها، ولكن هذا الدعم ليس هو المعيار الأساسي لعلميتها؛ ذلك أنه لو انشغل الباحثون بالبحث عما يفندها لعثروا عليه عاجلا أو آجلا؛ ومن هنا حصر خصائص النظرية العلمية فيما يلي: § إن التحقق لا تكون له قيمة علمية ‘لا إذا جاء نتيجة للمغامرة في البحث عن النتائج غير المتوقعة أو الوقائع التي لا تنسجم مع توقعات النظرية والتي تفندها؛ § إن النظرية العلمية الجديرة بهذا الاسم هي في المقام الأول تلك النظرية التي تقول بعدم إمكانية حدوث بعض الوقائع، لا النظرية التي تنبؤ بحدوث بعض الوقائع؛ § إن النظرية التي لا تكذبها أية واقعة من الوقائع ليست نظرية علمية، ومعنى ذلك أن اليقين المطلق ليس فضيلة علمية؛ § إن الاختبار الحقيقي للنظرية هو ذلك الذي يسعى إلى تفنيدها. إن التحقق العلمي هنا لا يعني شيئا آخر غير التفنيد أو التكذيب؛ § إن تكذيب النظرية العلمية لا يمنع استمرارها بشكل نهائي شريطة أن تخضع لبعض التعديلات، ولكنه يقلل من قيمتها العلمية. وخلاصة القول إن معيار صدق النظرية، من وجهة نظر كارل بوبر، هو قابليتها للتفنيد أو الاختبار الذي يهدف إلى تكذيبها. وهذا مثال يوضح هذه الفكرة: لنفترض أن احدهم وضع نظرية تقول: "إن كل الحيوانات تحرك فكها الأسفل عندما تأكل"، ثم إنه أراد أن يثبت نظريته من خلال ملاحظة سلوك الأكل لدى الحيوانات. لاشك في أنه سيجد عددا لا يحصى من الحالات التي تدعم نظريته، وتجعله يطمئن إليها. ولو أنه طبق منهجية بوبر وراح يبحث عن الوقائع التي من شأنها أن تكذب نظريته، أي عن الحيوانات التي تحرك الفك الأعلى لكان ذلك أفيد للبحث العلمي، ولسوف بحرره من الوهم الذي كان عليه عندما يجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى. وإنما يدل مبدأ بوبر على الروح العلمية المنفتحة وعلى نسبية الحقيقة العلمية وقابليتها للتجاوز والتطور. ومع ذلك تعرضت نظرية بوبر للنقد، ومن أكبر خصومها فليب كريشر Philip Kircherالذيواجهها بقوله إنه لو كانت نظريته صحيحة لكان اكتشاف الكوكب أوانوس عام 1781 قد أدى إلى تقويض نظرية الميكانيكا الكونية لنيوتن، على اعتبار أن مدار هذا الكوكب لا ينسجم مع توقعات النظرية. وثبت فيما بعد أن كوكبا آخر يؤثر فيه. يتفق كريشر مع بوبر في أن العلم لا يتقدم إلا من خلال تعثراته وكبواته، ولكنه يميل مع ذلك إلى الرأي القائل بأن النظريات العلمية لا تخلو من القضايا أو المصادرات العشوائية التي لا يمكن تفنيدها، وهذا لا يقلل من قيمتها العلمية، بل يجعلها خصبة وخلاقة. ومن هذا المنطلق حاول أن يحدد مواصفات النظرية العلمية الجيدة، وتتلخص في الوحدة والخصوبة والتوفر على بعض الفرضيات الملحقة. وترتكز وحدة النظرية عنده على وجود إستراتيجية واحدة لحل المشكلات، أو عدد قليل من الإستراتيجيات التي يمكن تطبيقها في عدد كبير من الوضعيات. وأما خصوبة النظرية فتعني قدرتها على طرح أسئلة جديدة، وفتح واقتحام مجالات بحث جديدة لم يكن أحد قد طرقها من قبل، وفسح المجال لظهور رؤية جديدة للعالم. واما الفرضيات الملحقة فهي تلك الفرضيات التي يمكن التحقق منها في استقلال عن المشكلة التي وضعت في الأصل من أجل حلها وعن النظرية التي جاءت [الفرضية] لدعمها. النظرية العلميةTheory هناك العديد من التعريفات التي قدمت من قبل الدارسين لمفهوم النظرية و سنقدم الأكثر شيوعا و عمومية هي مبدأ أو مجموعة من المبادئ تغلب عليها صفة العمومية و تستمد من نتائج دراسات علمية سابقة تأكدت صحتها بالملاحظة و التجربة وتهدف إلى شرح ظاهرة و يمكن تعميم النظرية على الحالات الشبيهة كما يمكن الاسترشاد بها في دراسات لاحقة . ظهرت النظريات أولا في مجال العلوم البحتة Pure Sciences و العلوم الطبيعية مثل الفيزياء و الكيمياء و علوم الحياة ثم حاولت العلوم الإنسانية و الاجتماعية أن تسير على نهجها و أن تضع نظريات في هذه المجالات لكن نظريات العلوم الاجتماعية تبقى نسبية و لا تتسم بالدقة و الصرامة العلمية التي تميز العلوم الطبيعية ويعود السبب في ذلك أن العلوم الطبيعية تتعامل مع – مواد جامدة يمكن دراستها و تحليلها بدون تحيز – و إجراء التجارب عليها مختبريا و تكرارها – و استخدام أقصى درجات الضبط و التقنين – و الخروج بنتائج دقيقة و مؤكدة ترتقي إلى مستوى القانون أما العلوم الاجتماعية فمواضيع بحثها هو الإنسان و نشاطاته في كل المجالات – الإنسان كائن حي بالغ التعقيد ولا يمكن للباحث أن يلتزم بالموضوعية التامة عند دراسة نشاطاته – من الصعب جدا دراسته مختبريا لأنه سيغير مواقفه و ردود أفعاله حالما يشعر انه تحت الملاحظة في ظروف اصطناعية – لا يمكن تحقيق أعلى درجات الضبط في البحوث الاجتماعية و لا يمكن التوصل إلى قوانين • لذا فان النظريات في العلوم الاجتماعية تبقى نسبية جدا و لا ترتقي إلى مستوى نظريات العلوم الطبيعية والبحتة • و بما أن علم الاتصال ينتمي إلى مجال العلوم الاجتماعية بتركيزه على النشاطات الاتصالية للأفراد فستبقى نظرياته نسبية و فضفاضة
المصادر
• مقدّمة الماكروديناميكا الاجتماعية: النمذجة الرياضية لتطوّر المنظومة العالمية قبل سبعينيّات القرن الماضي "مجلة كلية الآداب لجامعة القاهرة"٬ مجلد ٦٨ ٬ سنة ٢٠٠٨ ٬ الجزء الثاني ٬ صفحات ١٤٨–١٨١ . (). • أندريه كاراطائف - مقدمة المكروديناميكا الاجتماعية. النمذجة الرياضية لتطور المنظومة العالمية. ISBN 5-484-00414-4() |
|