موقف سعد بن معاذ
في غزوة الخندق
************
على الرغم من إشارة أبي لبابة عن حكم الرسول نزلت بني قريظة على حكمه صلى الله عليه وسلم فأمر باعتقال الرجال ، وجعلت النساء والذراري في ناحية ، وقامت الأوس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا فأحسن فيهم ، فقال : (( ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ )) قالوا : بلى . قال : (( فذاك إلى سعد بن معاذ )) . قالوا : قد رضينا .
فأرسل إلى سعد ، وكان في المدينة ، لم يخرج معهم للجرح الذي أصاب أكحله في معركة الخندق فأركب حماراً، وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يقولون وهم كنفيه : يا سعد ، أجمل في مواليك فأحسن فيهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكمك لتحسن فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئاً ، فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم . ولما انتهى سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة : قوموا إلى سيدكم فلما أنزلوه قالوا : يا سعد ، إن هؤلاء عليهم؟ قالوا : نعم ، قال : وعلى المسلمين؟ قالوا : نعم . قال : وعلى من ها هنا؟ ـ وأعرض بوجهه ـ وأشار إلى ناحية الرسول صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وتعظيماً ـ قال : (( نعم وعليّ )) . قال : فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات )) . وكان حكمه في غاية العدل والإنصاف فإن بني قريظة بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع كانوا أجمعوا لإبادة المسلمين ألفاً وخمسمائة ترس حصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم3 .