Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: بحث عن أطفال الشوارع الجمعة 28 أبريل - 19:40 | |
| أطفال الشوارع هم الأطفال الذين يفتقدون أحد الأبوين أو أن يكون الأبوان منفصلين لظروفٍ اجتماعية وخلافات عائلية، وأحيانًا كثيرة يكون الفقر هو العامل الأساسي في هذا الانفصال، ويلجأ الأطفال على أثر هذه الخلافات العائلية والفقر إلى الهروب من البيت والعيش في الشوارع بعيدًا عن هذا الجو العائلي المتوتر، فيفضلون النوم أسفل الجسور وفي مداخل العمارات أو على الأرصفة، والعيش تحت طائلة الشرطة التي تلجأ إلى ضربهم واحتجازهم مع المجرمين، ليتعرضوا لمزيد من العنف والانتهاكات النفسية والجسدية والتي تصل إلى حد الانتهاكات الجنسية، وقد يتحول هؤلاء الأطفال إلى مجرمين نتيجة اختلاطهم بالمجرمين الكبار داخل السجون.
وظاهرة أطفال الشوارع (الأطفال المشردين والمتسولين) هي ظاهرة عالمية لا يكاد يخلو مجتمع منها أيًّا كان مستواه وتكون هذه النسبة متغيرة من مجتمعٍ إلى آخر، حتى إنها داخل المجتمع الواحد نفسه تختلف من مكانٍ لآخر فقد تزيد في مكان وتقل في آخر، وهذه الظاهرة لها أسباب عدة منها الفقر والبطالة والتفكك الأسري وغياب الوعي وجهل الأسرة بعملية التنشئة السليمة للأطفال بالإضافة إلى الحروب وغياب الأمن داخل البلد وعدم الاستقرار وانتشار الأمراض.
وأطفال الشوارع غالبًا ما يعيشون حياتهم عن طريق التسول أو السرقة أو التجول في الشوارع والطرقات وعند إشارات المرور لبيع ما معهم من سلع مثل المحارم الورقية أو بعض لوازم السيارات أو ما شابه ذلك، أو يعيشون على بعض الأعمال البسيطة التي يقومون بها مثل تنظيف زجاج السيارات أو تلميع الأحذية للمواطنين في الحدائق وغير ذلك من الأعمال الأخرى البسيطة، ويساعدهم في ذلك في كثير من الأحوال أن مظهرهم الخارجي يدعو إلى الشفقة وطلب المساعدة.
زيادة مستمرة وقد أجمعت الدراسات والأبحاث الحديثة أن نسبة الأطفال المشردين في زيادة مستمرة في داخل المجتمع المصري ويرجع ذلك إلى عدة أسباب سوف يتم الحديث عنها فيما بعد، لكن كل ما ينبغي الإشارة إليه ها هنا هو لفت الانتباه إلى خطورة هذه الظاهرة على المجتمع، فهؤلاء الأطفال يشبهون القنبلة الموقوتة، التي تتطلب الحرص والدقة في التعامل معها حتى يمكن نزع فتيلها قبل أن تنفجر في وجه المجتمع ككل وتهدد أمنه القومي ذاته.
وفي هذا الإطار فإن هناك نقطةً هامةً يجب التركيز عليها وهي أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست موجودة في مصر فقط بل إنها موجودة في كل بلدان العالم حتى العربية الموسرة مثل بلدان الخليج العربية أو حتى البلدان الأوروبية، وهذا ما أكدته الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة، والتي سوف يشار إلى بعضها ليتم التعرف حول حجم هذه الظاهرة.
أولاً؛ أكدت دراسة أمريكية حديثة أجراها بعض الأطباء النفسيين أنه يوجد أكثر من 100 مليون طفل مشرد في العالم، أربعة ملايين منهم يعانون من الشلل الدائم بسبب العنف الذي يتعرضون له أو إصابتهم بجروح نتيجة الحروب المحيطة بهم، وأربعة ملايين طفل آخر يعيشون لاجئين في المخيمات.
وتقول الدراسة إن هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم وهم على اتصال دائم بالشارع، فالأبوان يمتهنان التسول أو حرفًا بسيطة مثل العمل في جمع النفايات، فنجد الآلاف من هؤلاء الأطفال يولدون في الشوارع ويترعرعون فيها، حتى تتحول الشارع إلى بيت لهم، وأعمار هؤلاء الأطفال المتسولين تقع بين ست وثماني سنوات وتمثل الإناث الغالبية العظمى منهم.
وينحدر غالبية الأطفال المتسولين من أسر بسيطة جدًّا أو تكاد تكون معدمة تتميز بكثرة عدد أفرادها، ويعيش غالبية هؤلاء الأطفال في بيوت بسيطة تتكون في معظم الأحيان من غرفة واحدة، والوالدان غير مثقفين أو بمعنى أصح أميين، ويدرس الغالبية منهم في المرحلة الابتدائية، ثم يتركون الدراسة بعد ذلك ليقضوا أكثر من خمس ساعات في التسول خارج المنزل وبتشجيع من أمهاتهم وآبائهم.
هذا عن نسبة الظاهرة عالميًّا، أما عن نسبتها في كل دولة على حدة، فأكد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، (who) أن ظاهرة عمالة الأطفال قد سجلت ارتفاعًا كبيرًا، وصل إلى أكثر من 100 مليون، موزعين بين دول أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا؛ أي دول العالم الثالث أو النامي وبالذات في الدول الأكثر فقرًا في العالم.
وقد جاءت الهند على رأس الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، فتضم ما يقرب من 100 مليون من أطفال الشوارع والأحداث، ينتشرون في المدن الكبرى، وتعد المكسيك والأرجنتين نموذجين صارخين لهذه الظاهرة بأمريكا اللاتينية.
أما في الوطن العربي فقد بلغ حجم هذه الظاهرة ما بين 7 و10 ملايين طفل، ففي الأردن بلغ عدد الأطفال المشردين الذين تمَّ القبض عليهم يوميًّا في أواخر التسعينيات 537 طفل، أما سوريا فتؤكد الإحصاءات أنه يتم القبض على 20 طفلاً يوميًّا، ويتمركز معظم هؤلاء المشردين في الساحات العامة ومواقف السيارات والشوارع الرئيسة، أما صنعاء وحدها بها أكثر من 7 آلاف طفل، لا يجدون أبسط متطلبات المعيشة من مأكل ومأوى، يعيشون في بيوت من الصفيح.
وتتجلى ظاهرة عمالة الأطفال بشكلٍ واضحٍ في مصر، حيث يتراوح عدد الأطفال المشردين فيها حول رقم 2 مليون طفل، ويوجد في مدينة القاهرة وحدها ما يقرب من 90 ألفًا منهم، وإذا ما طالعنا تركيبة الهرم السكاني في مصر وجدنا الصورة التالية (باعتبار أن تعداد السكان في مصر يبلغ رقمًا يدور حول 74 مليون نسمة):
1- السكان فوق الأربعين سنة: 21.5% (أي نحو 15.9 مليون نسمة). 2- السكان من الخامسة عشر وحتى الأربعين عامًا: 40.7% (أي نحو 30.1 مليون نسمة). 3- السكان أقل من خمسة عشر عامًا: 37.8% (أي حوالي 27.9 مليون طفل في مصر).
فإننا يمكن أن نلاحظ ضخامة المشكلة الراهنة فيما يتعلق بملف عمالة الأطفال والمشردين في المجتمع المصري، حيث إن نسبة 7.1% من أطفال مصر في عداد المشردين.
المطلب الثالث: واقع الظاهرة في مصر أكدت الإحصائيات الحديثة للإدارة العامة للدفاع الاجتماعي أن عدد الأطفال المشردين في مصر قد بلغ 2 مليون طفل وهم في تزايد مستمر مما يجعلهم عرضة لتبني السلوك الإجرامي في المجتمع المصري.
وأشارت الإحصائيات أيضًا إلى زيادة حجم الجنح المتصلة بصلة أطفال الشوارع بالانتهاكات القانونية، حيث كانت أكثر الجنح هي السرقة بنسبة 56%، والتعرض للتشرد بنسبة 16.5%، والتسول بنسبة 13.9%، والعنف بنسبة 5.2%، والجنوح بنسبة 2.9%.
التفكك الأسري والفقر وراء الظاهرة هناك عدة أسباب رئيسية هي التي ساعدت على تفاقم هذه الظاهرة، وهذا ما أكده علماء الاجتماع، الذين اتفقوا على أن الأسباب الرئيسية للمشكلة هي الفقر، التفكك الأسري، البطالة، إيذاء الطفل، الإهمال، التسرب من التعليم، وتأثير المحيطين بهؤلاء الأطفال من نظرائهم عليهم، بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية والنفسية الخاصة بشخصية الطفل، والتي منها حب الإثارة فالطفل دائمًا يبحث عن كلِّ ما يُثير انتباه من حوله.
ويعتبر التفكك الأسري نتيجة طبيعية للخلافات المستمرة بين الزوجين، وتنجم هذه الخلافات عن عدم التفاهم والتوافق النفسي بين الزوجين، وعدم التفاهم هذا قد يكون بسبب الوضع الاقتصادي للزوج؛ فهو يلعب دورًا كبيرًا في تصدع العلاقة بين الزوجين ففي حالة الغنى نجد أن بعض الأزواج الأغنياء ينشغلون بجمع المال عن أسرهم فنجدهم لا يجلسون مع أبنائهم ليتبادلوا الحوار معهم والتعرف على مشاكلهم ومتطلباتهم فهنا يشعر الطفل بالوحدة فلا يجد من يؤنسه غير رفقاء السوء فيبدأ في التعرف عليهم ليدخل معهم دائرة التشرد ظنًّا منه أنه سوف يجد ما يشغله.
هناك نقطة هامة يجب الالتفات إليها وهي أن تشرد الأطفال بسبب تفكك الأسرة جاء نتيجة عدم احتفاظ المجتمع المصري بمقومات الاستقرار الأسري كما جاءت في الإسلام، فقد استورد المجتمع ضوابط انفصام عُرَى الزوجية كما هي مدونة في القوانين الغربية، فكانت النتيجة أنه عندما تفشل الحياة الزوجية، يكون الذي يدفع الثمن ليس الطرف المسئول عن فشلها، وإنما الأطفال.
ومع أن كل الدول الإسلامية تقر بحقِّ الطفل في الحضانة والنفقة في حالات الطلاق، إلا أن النصوص جُرِّدت من كل فعالية، فبات الطفل الضحية لا يتلقى في أفضل الحالات سوى مبالغ ضئيلة جدًّا لا تكفي لسد احتياجاته الضرورية ناهيك عن حرمانه من العناية، من الدفء الأسري والاستقرار والمراقبة وتتبع دراسته ، بل إنه يظل تائهًا بين شد وجذب والديه بسبب العناد المتولد بينهم نتيجة كراهية كل منهما للآخر بسبب فشل العلاقة.
هذا عن التفكك الأسري الذي يعدُّ سببًا رئيسيًّا من أسباب تشرد الأطفال؛ أما السبب الثاني للتشرد هو الفقر، فقد لا يستطيع الزوج أو رب الأسرة مع الفقر توفير الاحتياجات الضرورية لأسرته بسبب كبر حجمها وقلة تعليمه وضعف إيمانه فيعجز عن الاستجابة لمتطلبات الأسرة فلا يكون أمامه سوى خيارين؛ إما أن يقع في الحرام للحصول على المال أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء للحصول على مزيد من المال فيكون الناتج تفكك الأسرة وتشرد أطفالها وعملهم في بعض المهن الخطرة.
وهذا ما أكدته بعض حالات التشرد التي تمَّ توثيقها، حيث أكد بعض هؤلاء الأطفال أن الآباء هم الذين دفعوا بهم إلى الشارع إما للعمل أو السرقة أو التسول أو ما إلى ذلك، ونتيجة لهذا كله يتشرد الأطفال في الشوارع ويتخلفون عن الدراسة وتترسب لديهم مشاعر الكراهية نحو الحياة والمجتمع وكل من حولهم مما يؤدي بهم إلى الدخول في دائرة الانحراف والتمرد على القيم والنظم وإدمان المخدرات مع استغلال تجار المخدرات لهؤلاء الأطفال في ترويج السموم، وصولاً إلى أمراض أخرى أخطر وأعمق تأثيرًا في بنية المجتمع مثل التطرف والانحراف الفكري والإرهاب.
المطلب الرابع: مشكلات ومخاطر يتعرض أطفال الشوارع إلى العديد من المخاطر والمشكلات سواء على المستوى الأمني أو السلوكي أو الإنساني، وفي هذا الإطار ترصد الباحثة الاجتماعية هبة سلامة مرسي بعض الظواهر السلبية المحيطة بقضية أطفال الشوارع من جهة ما يواجهونه من مشكلات ومخاطر، وتقول في هذا المقام: "إن أطفال الشوارع في مصر يواجهون مشاكل وأخطارًا كثيرة من بينها العنف الذي يمثل الجانب الأكبر من حياتهم اليومية سواء العنف بينهم وبين زملائهم الصغار، أو العنف من المجتمع المحيط بهم، أو العنف أثناء العمل".
ويمكن تقسيم المشكلات التي يتعرض لها أطفال الشوارع إلى المجموعات التالية: 1- مجموعة المشكلات النفسية والاجتماعية. 2- مجموعة المشكلات الصحية. 3- الإدمان. 4- الاستغلال الجنسي.
ويعتبر كل من الإدمان والاستغلال الجنسي من أبرز تجليات هذه المشكلة المخيفة التي يعاني منها نسبة من الأطفال في المجتمع المصري، فمليونا طفل من بين نحو 27 مليون طفل، موجودون في مصر نسبة ليست باليسيرة ويعتبر أيضًا كل من الإدمان والاغتصاب أو الاستغلال الجنسي من بين أبرز مشكلات أطفال الشوارع في مصر.
أولاً.. مجموعة المشكلات النفسية والاجتماعية: من المشكلات التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال؛ رفض المجتمع لهم لكونهم أطفالاً غير مرغوب فيهم في مناطق مجتمعات معينة؛ وذلك بسبب مظهرهم العام وسلوكهم غير المنضبط، بالإضافة إلى تعرضهم لمشاكل صحية مختلفة، ومشاكل نفسية بسبب فشلهم في التكيف مع حياة الشارع.
أما عن تأثير تشغيل الأطفال وتشردهم على الجوانب الترويحية فقد أوضحت نتائج البحوث الميدانية التي أجريت حول هذا الشأن أن فقدان الطفل للترويح و"عدم اللعب" نتيجة انشغاله طوال اليوم بأعمال هي من اختصاص الكبار يترك أثرًا سلبيًّا على شخصية الأطفال، فاللعب والترويح من أهم الأنشطة المصاحبة لمرحلة الطفولة فهي التي يكتسب الطفل من خلالها تعلم القدرة على القيادة، والتبعية والتعاون مع زملائه في اللعب، كما أنه يتطور عن طريقها في قدراته الذهنية والعصبية وكذلك قدرته على التفكير وتطوير مهاراته الفردية كذلك.
وفي هذا السياق فإن كثرة الساعات التي يعملها الطفل وانغماسه في نشاطات الكبار يجعله لا يجد وقتًا للعب أو الراحة، مما يفقده الاستمتاع بطفولته، كما أنه يفتقد القدر المناسب والملائم للانتماء، حيث إن عمله لا يمكنه من أن يكوّن له أصدقاء، حيث إن الصداقات تمد الطفل بإدراك واقعي لذاته، كما أن تواجده في العمل طوال اليوم يضعف ولاءه وانتماءه لأسرته.
كل هذا يجعل الطفل العامل أو المُشَرَد غير متوافق نفسيًّا واجتماعيًّا، نتيجة قيامه بدور اجتماعي يحتاج إلى متطلبات لا تتوافر لدى صغار السن، كل هذا يؤثر على توافق الطفل النفسي والاجتماعي مع المجتمع، مما يجعل شخصية الطفل مضطربة غير قادرة على التكيف مع الواقع الاجتماعي للمجتمع، مما قد يؤدي إلى مشكلات وانحرافات في المستقبل.
ثانيًا.. مجموعة المشكلات الصحية: من أهم المشكلات الصحية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال؛ التسمم الغذائي، ويحدث هذا التسمم نتيجة تناول هؤلاء الأطفال لأطعمة فاسدة انتهت صلاحيتها، حيث يقومون بجمعها من القمامة وتناولها، وكذلك الإصابة بمرض التيفود وهو مرض منتشر بين أطفال الشوارع نتيجة تناول خضراوات غير مغسولة يجمعها هؤلاء الأطفال من القمامة، أو تناولهم لأطعمة غير صحية تجمع عليها الذباب والحشرات المختلفة والميكروبات نتيجة ضعف الرقابة والإهمال.
ومن الأمراض التي يعاني منها أطفال الشوارع أيضًا مرض البلهارسيا نتيجة تجمعهم سويًا ونزولهم للاستحمام في مياه الترع والمصارف الملوثة، بالإضافة إلى إصابتهم بالأنيميا نتيجة عدم تنوع واحتواء الوجبات التي يأكلونها على المتطلبات الضرورية لبناء الجسم، وهذا نتيجة طبيعية لفقرهم وعدم توفر موارد الإنفاق لديهم.
ومعظم الأمراض المنتشرة بين أطفال الشوارع هي بسبب تناولهم للطعام من القمامة نتيجة لعدم توفر المال لديهم لشراء طعام نظيف بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية مما يؤدي إلى تقرحات بالجسم بالإضافة إلى استحمامهم في المياه غير النظيفة.
ثالثًا.. الإدمان: تعتبر مشكلة الإدمان من المشاكل الخطيرة التي قد يتعرض لها هؤلاء الأطفال، وهي مشكلة يعاني منها المجتمع المصري وتهدد بضياع جيل بأكمله، حيث تعمل العصابات وتجار المخدرات على استغلال صغر سن هؤلاء الأطفال لإدخالهم في دائرة الجريمة وترويج المخدرات وغالبًا ما يكون الطفل لديه حب الاستطلاع فيحاول تعاطي هذه المخدرات ليتعرف عليها وتكون النتيجة الطبيعية الإدمان واستغلال التجار لهم في تجارتهم القذرة.
وفي أحيان كثيرة نجد مجموعة من الأطفال الصغار يجلسون في الأماكن القذرة البعيدة عن أعين رجال الشرطة لاستنشاق الكُّلة أو تعاطي أدوية السعال وغيرها من العقاقير والأدوية المخدرة، والتي تعتبر من صور الإدمان لديهم.
وتعتبر هذه الفئة (أطفال الشوارع) هي الأكثر تعرضًا للإدمان بسبب أميتهم وعدم استقرارهم النفسي وسرعة تحركهم من مكان إلى آخر وسهولة حصولهم على جميع أنواع المخدرات بسبب استغلال التجار لهم، لذلك تهتم الهيئات والمنظمات المختلفة بهذه المشكلة وتبذل الجهد من أجل التغلب علي هذه الظاهرة الخطيرة.
رابعًا.. الاستغلال الجنسي: يؤكد خبراء علم الاجتماع أن أخطر ما يتعرض له أطفال الشوارع هو "الاستغلال الجنسي" والاغتصاب لصغر سنهم، وعدم قدرتهم على مواجهة الإساءة الجنسية، من قبل مرتكبيها، وبوجه عام تنتشر هذه العادة السيئة في البلدان الصناعية، ففي الولايات المتحدة وحدها ما لا يقل عن 100 ألف طفل، متورطين في هذا النوع من الاستغلال.
ويؤدي الاستغلال الجنسي للأطفال إلى إصابتهم بالعديد من المخاطر الصحية بما في ذلك الأمراض النفسية، والإصابة بنقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والأمراض التناسلية، وبالتالي دخولهم في دائرة إدمان المخدرات، وهذه الصورة السيئة قد تكون شبه منعدمة في مجتمعنا الإسلامي، فالإسلام يحرم هذه الصورة وينفر منها، حرصًا على الإنسان الذي خلقه المولى عز وجل مكرمًا، إلا أنها بدأت في التفاعل في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة نتيجة الفقر وتراجع مستوى القيم والأخلاق في ظل التحولات الراهنة في مصر.
نماذج حالة وصور واقعية بائع زهور على ضفاف النيل وحول ما يتعرض له أطفال الشوارع من انتهاكات يقول محمد أحمد محمد، البالغ من العمر 13 عامًا: "ولدت في أسرة كبيرة العدد وكان دخل الأب لا يكفي لإطعامنا، خاصة أن والدي يعمل حدادًا باليومية، (يوم يعمل والآخر لأ)، وطبعًا لم يقدر علي تعليمنا فأخرجنا من المدارس، حتى نتحمل معه المسئولية فاشتغلت في بيع الزهور للمواطنين الموجودين على ضفاف النيل، إلا أنني أتعرض كثيرًا للضرب من رجال الشرطة، لكن ماذا أفعل؟، ما باليد حيلة".
انتهاكات جنسية أما الفتيات اللاتي يعشن في الشارع فيتعرضن لمخاطر الانتهاكات الجنسية فضلاً عن الضرب على أيدي رجال الشرطة، وفي هذا المقام تقول أميمة أ . ع وتبلغ من العمر 166 عامًا: "تركت منزل (زوجي) هربًا من بطشه، ولم الجأ إلى بيت أهلي لأني أعلم أنهم سوف يعيدوني إليه رغمًا عني، فقررت تركه وفررت بطفلتي الرضيعة وفضلت البقاء في الشارع، وأنا الآن أنام أسفل أحد الجسور، وقد تعرضت كثيرًا للمخاطر والضرب والاغتصاب، (كنت أعتقد أن الشارع سوف يكون أحنُّ عليَّ مما كنت فيه) إلا أنني وجدت الحياة في الشارع أكثر سوءًا".
آباء يدفعون بأطفالهم إلى الشارع ووفق عدد من الباحثين الاجتماعيين؛ فإن معظم حالات أطفال الشوارع التي تم بحثها وُجِدَ أن الآباء هم أنفسهم الذين يدفعون بأطفالهم إلى الشارع وليس فقط زوج الأم أو زوجة الأب إذا كان الأبوان منفصلين، فهذه مثلا قصة أب حاول التخلص من ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات فألقى به على قضبان السكك الحديدية، إلا أن الطفل نجا من الموت لكن بترت ساقه فعمل في التسول وبيع المنتجات البسيطة في إشارات المرور وعلى الكباري.
أما الطفل السيد ع . م (14 عامًا) فيقول: "خرجت للعمل منذ أكثر من خمس سنوات، فقد أمرتني أمي بالعمل فلا أكاد أخرج من المدرسة حتى أذهب لبيع "الفوط" في مواقف السيارات، والأموال التي أجنيها أسلمها لأمي، أحلم بأن أرتاح من أشعة الشمس الملتهبة وقت الظهيرة وأتمنى أن العب كبقية الأولاد فأنا لا ألعب، وأحلم بأن أكون طبيبًا حتى أعالج آلام المرضى".
أما الطفل أحمد م .ع؛ وهو تلميذ في الصف الأول الابتدائي فيقول: "أبي لا يعمل، فهو جالس معظم الوقت في البيت وقد أمرني أنا وأخواتي بالخروج للعمل وإحضار المال له، وطبعًا لا نقدر أن نقول له لا، حتى لا نتعرض للضرب، فأنا لي أخوة كثيرون وكلنا نعمل في التسول، نخرج في الصباح ولا نعود إلا إذا استطاع كل واحد منا إحضار عشرة جنيهات يوميًّا، وإذا لم يستطع أحد جمع هذا المبلغ فإنه يتعرض للضرب المبرح من أبي، فنحن لا نستطيع أن نقول لا".
مشكلة مزمنة وعن الصورة السابقة يقول الاختصاصي النفسي محمد رجب محمد: "أطفال الشوارع لا يمكن أن نعتبرهم ظاهرةً؛ بل مشكلة لا بد من وضع حلول لها، فهؤلاء الأطفال الصغار انتهكت طفولتهم، وكان على الآباء ضمان السلام لأبنائهم من كافة الجوانب النفسية والجسدية والعقلية والانفعالية، فما الذي يمكن أن نتوقعه من طفل تربى في الشارع؟!، فهؤلاء الأطفال معرضون لمخاطر كثيرة، فمن الناحية النفسية والانفعالية فهؤلاء الأطفال مصابون بالقلق والتبول اللا إرادي، بالإضافة إلى جانب الحقد على المجتمع والعصبية وشعورهم بعدم الأمان والظلم".
أما من الناحية الجسدية فهؤلاء الأطفال معرضون لحوادث السيارات أو الاغتصاب بالإضافة إلى تعلمهم عادات سيئة، ويلاحظ على هؤلاء الأطفال مشكلات سلوكية خطيرة كالكذب والسرقة وذلك بسبب عدم توفر الرقابة الأسرية عليهم، أما من الناحية العقلية فيلاحظ تدني مستوى الطموح لديهم فكل ما يشغلهم هو كيفية توفير لقمة العيش.
وبطبيعة الحال فإن تأثير هؤلاء الأطفال خطير على المجتمع فنتيجة لشعورهم بالحرمان والنقص، قد يلجئون في المستقبل إلى الانتقام من كل من حولهم، لذلك فهم بحاجة ماسة إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي والجسدي، وتعويضهم عن هذه الفترات المدمرة من حياتهم، كما أن هناك نقطةً هامةً يجب الانتباه إليها وهي أن تشغيل الأطفال يؤدي إلى انفصال الطفل عن باقي الأفراد، ويجعله على هامش المجتمع، وبالتالي تتسع الهوة بينه وبين الجماعات الأخرى، فينظر إليها على أنها تتفوق عليه بالقدرة والنفوذ والمال ومن هنا يتولد الشعور بالكراهية والحقد.
المطلب الخامس: سمات أطفال الشوارع وحول سمات وخصائص مجتمع البحث (أطفال الشوارع والمشردين)، فإنه يتسم بمجموعة من السمات الخاصة من أبرزها:
أولاً.. الشغب والميول للعدوانية: معظم أطفال الشوارع لديهم نوع من العدوانية ونزوع نحو العنف نتيجة الإحباط النفسي الذي يصيب الطفل من جراء فقدانه الحب والمعاملة الكريمة داخل أسرته، ويزداد الميل إلى العدوانية مع ازدياد المدة التي يقضيها الطفل في حياة الشارع، حيث يتعلم من الحياة في الشارع أن العنف هو لغة الحياة في الشارع، وقد يوجه هذا العنف إلى مجتمع الأسرة والأقران فقط أو إلى المجتمع الكبير الواسع المحيط به.
ثانيًا.. الانفعالية الشديدة وغير المرشدة: فالحياة في نظر طفل الشارع هي لعب وأخذ فقط دون الاهتمام بالمستقبل، مع الاستجابة غير المرشدة لأتفه المثيرات وأصغرها شأنًا، والسعي أيضا للحصول على الأشياء التي فشل في الحصول عليها من أسرته التي دفعت به إلى الشارع رغمًا عنه.
ثالثًا.. الكذب والمخادعة والقدرة على "التمثيل": يتسم أطفال الشوارع بخاصية الكذب والمخادعة وكذلك القدرة على الادعاء أو "التمثيل" فهم يتقنون الادعاء والمخادعة والتظاهر؛ لأنها كلها سلوكيات تمثل إحدى وسائلهم الدفاعية ضد أي خطر يواجههم.
عدم التركيز وضعف القدرات الذهنية: وبالتالي انخفاض مستوى الثقافة والتعليم، فمستوى أطفال الشوارع الدراسي ضعيف جدًّا، فمنهم من لم يلتحق بالتعليم أصلاً- نسبة التسرب في مصر وصلت إلى ما بين 18% و 20%- ومنهم من يتسرب من الدراسة مبكرًا كما أنهم لا يستطيعون التركيز على أي حديث قد يكون طويلاً وهو ما يعود وفق الدراسات النفسية والسلوكية التي أجريت عليهم إلى كون حياة الشارع غير مستقرة وحافلة بالمفاجآت والمخاطر التي تستوجب ردود أفعال غير تقليدية تؤدي مع تكرارها إلى تشتت ذهنية الطفل وبالتالي تشكيل فكره وسلوكه بشكل غير طبيعي.
وإذا تُرك هؤلاء الأطفال دون اهتمام فإن العديد من المخاطر سوف تعترضهم في ظل عدم وجود الرعاية الأسرية المناسبة لهم، وعدم وجود القدوة أو النموذج السلوكي الملائم، بالإضافة إلى تعلم مظاهر مختلفة من السلوكيات الخاطئة، وبالتالي سوف يصبح لديهم الكثير من الصفات والخصائص غير المقبولة اجتماعيًّا.
المطلب السادس: اتجاهات عامة وتصورات حول سبل علاج هذه المشكلة..؛
في واقع الأمر فإن دور الدولة في التصدي لهذه الظاهرة والقضاء عليها إنما هو الأكثر حيوية في هذا المقام، وفي الحقيقة فإن المسئولين بالدولة يحاولون تحقيق تقدم في تنفيذ المبادرة القومية لتأهيل ودمج أطفال الشوارع في المجتمع، إلا أن الفساد الإداري والبيروقراطية تقف حائلاً كبيرًا أمام ذلك.
كما أن هذا لا يمكن أن يتحقق دون أن تتضافر كل الجهود في المجتمع لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع، وأولى سبل المواجهة توفير دور استقبال وإيواء للأطفال ورعاية نهارية وإقامة دائمة لهم وتوفير فصول للتعليم وعيادات متنقلة ومطابخ لتقديم وجبه ساخنة، هذا بالإضافة إلى الرعاية الاجتماعية والنفسية من جانب الإخصائيين الاجتماعيين للتعرف علي مشاكل هؤلاء الأطفال ومحاولة حلها.
كما أن الوزارات عليها دور كبير في دعم مراكز استقبال الأطفال وإمكانية إنشاء مراكز إضافية وذلك لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية للأطفال بلا مأوى لجذبهم بعيدًا عن الشارع توطئة لإعادتهم لأسرهم، وتدريب الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين على التعامل معهم من منظور حقوق الطفل.
وحفاظًا على الأطفال المحتجزين داخل المؤسسات العقابية أو التأهيلية أو الرعاية، تتطلب قواعد الأمم المتحدة تزويد الأطفال المحرومين من حريتهم بالعناية الطبية الوقائية والعلاجية، وذلك عن طريق توفير أطباء أسنان لهم وكذلك أطباء عيون بالإضافة إلى الإخصائيين الاجتماعيين، مع ضرورة توفير المستحضرات الطبية والوجبات الغذائية الخاصة التي يشير بها الطبيب.
وكجزء من العناية بهؤلاء الأحداث، فلكل حدث الحق في أن يفحصه طبيب فور إيداعه في مؤسسة احتجازية، وكذلك ينبغي أن يكون هدف الخدمات الطبية التي تُقدم إلى الأحداث اكتشاف ومعالجة أي مرض جسدي أو عقلي وأي حالة لتعاطي مواد الإدمان أو غير ذلك من الحالات التي قد تعوق اندماج الحدث في المجتمع، وينبغي للمعالجة من إدمان المخدرات أن تشمل برامج متخصصة، للوقاية من استعمال المخدرات ولإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال... [من نصوص قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم، والتي اعتمدت بقرار الجمعية العامة 45/113، والمؤرخ في 14 ديسمبر 1990م].
إلا أن المشكلة الأخطر ليست في مؤسسات رعاية الأحداث بل تكمن هناك في أولئك الموجودين في الشوارع وعلى الجسور وأسفلها وفي مقالب القمامة وفي أماكن المهن الخطرة، وفي صدد هؤلاء فإن هناك العديد من الإجراءات التي يمكن أن يتم اتخاذها على مستويي الحد من الأزمة والعمل على منع وقوعها من الأساس وذلك على المستويين القطري والعالمي الأمر الذي يعني أن الجهد الذي ينبغي أن يبذل يجب أن يكون عالميًّا ومحليًّا في آن واحد، ومن أهم ما يمكن أن يطرح في هذا المقام:
على المستوى الدولي: - تقديم المنح للدول التي تعاني من تفاقم أزمة عمالة الأطفال بغرض تحقيق التأهيل النفسي والاجتماعي المناسب للأطفال الذين دخلوا إلى سوق العمل في سن مبكرة على أن تتشكل لجان مراقبة لمتابعة توزيع هذه المنح وضمان سيرها في الاتجاه الصحيح دون تبديد على أن تتم مناقشة مدى التزام الدول بهذه الخطوة في الأمم المتحدة ويوضع سجل حقوقي عام للدول بموجبه يتم اتخاذ إجراءات بحق هذه الدول، على ألا تكون إجراءات عقابية تضر بالمجتمع ككل ولكنها إجراءات تتيح التدخل في ميزانيات الدول لتحويل نسب معينة منها لصالح تأهيل الأطفال المنضمين لسوق العمل.
- إجبار الدول على إطلاق عمل جمعيات المجتمع المدني بحرية دون السماح لهذه الأنشطة بالإخلال بالقيم والمبادئ الاجتماعية من خلال اتفاق عام بين الدول والأمم المتحدة تتم فيه مراعاة عادات وتقاليد كل دولة كألا يتم السماح مثلاً بعمل المرأة في المناطق القبلية التي قد لا تتقبل مثل هذه السلوكيات، وعدم السماح بتدخل الرجال في تأهيل الإناث من الأطفال.
على المستوى المحلي: - تقوية الحافز الديني والاجتماعي لدى المواطنين بما يجعله يفوق الحافز المادي لمنع تضحية الأسر بأبنائهم من أجل الحصول على مكاسب بسيطة ومرحلية وغير دائمة.
- الاهتمام بالطبقات الفقيرة والمهمشة على المستويين الاجتماعي والمادي والمعرفي الأمر الذي يمنعها من إرسال أبنائها إلى "جبهات القتال" في سوق العمل، والصبر إلى حين انتهاء الأطفال من المرحلة السنية التي يكونون فيها في حاجة إلى الآخر من أجل تحقيق الاستفادة الفردية والعامة، ومن الضروري أن يتم ذلك من خلال أسلوب علمي ممنهج يبحث في الأسباب التي تجعل بعض الأسر لا تثق بوعود حكومات بلادها بسبب عوامل مثل ضعف الانتماء للبلاد أو فقدان الثقة في عدالة النظام السياسي والاجتماعي الذي أفرزه أو الذي أفرز من خلاله.
- إطلاق النظم السياسية لحرية العمل للمنظمات المدنية المختلفة من خلال العمل وفق القواعد الدولية التي يفترض أن يتم الاتفاق عليها مع الأمم المتحدة دون الخوف من الاهتزاز السياسي جراء تحسن المستوى الفكري لأفراد المجتمع حيث إن ذلك يمكن امتصاصه عن طريق إطلاق الحريات السياسية بما يساعد على تغيير صورة المجتمع ويحفظ للنظام الحاكم استقراره فهو إن سار وفق تلك القواعد سيصير النظام الأنجح والأكثر قبولاً بين المواطنين لإطلاقه عمليات الاجتماعية والحريات السياسية.
يبقى أن الأطفال هم ركيزة المستقبل، فمجتمع بلا أطفال هو مجتمع بلا مستقبل، فكل قائد كبير كان طفلاً وكل مجرم كان أيضًا طفلاً الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل |
|