[b]«مدرسة الحاير» ... أقدم مدرسةٍ إسلاميةٍ في وادي «بنا»
انور محمد يحي...
{ تقع هذه المدرسة في قرية «المسقاة» بمُديرية «السدَّة»، مُحافظة إب، وتبعد عن مركز المدينة بخمسة عشر كيلو متراً على الضفَّة الشرقية للمدينة، وبالتحديد في الجهة الشمالية الغربية لقرية «المسقاة» على ضفاف وادي «بنا»، تمَّ تأسيس وإنشاء مدرسةٍ إسلاميةٍ في شهر رجب 369هـ، ذلك بأمرٍ من الشيخ النقيب الأجل «عفيف الدِّين عبدالصمد بن علي الحاير»، تقرُّباً لوجه اللَّه تعالى، حسب ما تحكي الكتابة على اللَّوح الخشبي بسقف الجامع من الداخل أعلى المدخل الجنوبي، واعتماداً على هذه المادَّة التاريخية، فإنَّ هذه المدرسة تُعتبر أقدم مدرسةٍ إسلاميةٍ ومَعْلَمٍ تاريخيٍّ قديمٍ بالمنطقة.
ظلَّت هذه المدرسة مُهملةً من قِبَل الباحثين والمُختصِّين في مجال الدراسات الإسلامية، لذا لم تنل نصيبها من الدراسات الأثرية، عدا زيارةٍ ميدانيةٍ للمنطقة بشكلٍ عامٍّ قام بها الدُّكتور «مُحمَّد العروسي»، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة صنعاء، قسم الآثار، برفقة الدُّكتور «عبدالرزَّاق المعمري»، أستاذ ما قبل التاريخ، قسم الآثار، حيثُ نالت المدرسة إعجابهما واعتزازهما بهذا المَعْلَم الأثري القديم ودوره الهامّ كمدرسةٍ ومُصلَّى بالألف الأوَّل الهجري.
تخطيط المدرسة
{ رغم كُلّ الاستحداثات الحديثة بالمدرسة، إلاَّ أنَّها عبارةٌ عن مساحةٍ مُربَّعة الشكل، يبلغ قُطرها (9 * 9) أمتار تقريباً، تتوسَّط هذه المساحة أربعة أعمدةٍ تقوم عليها ستّ بوائك، مُكوَّنةً ثلاثة أروقةٍ وثلاث بلاطات، وتحمل هذه البوائك السقف، الذي لا يزال يحتفظ بالموادّ الخشبية القديمة المستخدمة للسقف، ويبلغ طُول كُلّ بلاطٍ ثلاثة أمتارٍ تقريباً، فيما يبلغ ارتفاع العمود أربعة أمتار، وقد اُستخدمت أحجار المنطقة للبناء، وتُوجد بوَّابةٌ بالجهة الغربية بارتفاع (1.30) مترٍ تقريباً، وعرض (58) سنتيمتراً، تمَّ انتزاعها واستبدالها بأخرى، مع أنَّ القديم في أحد أضرحة المدرسة عليه زخارف إسلاميةً قديمةً ومدخل آخر في الجهة الجنوبية تمَّت توسعته واستبداله بآخر.
وقد تعرَّضت هذه المدرسة للكثير من أعمال التوسعة والترميم، فالجدار الشمالي الذي كان يضمّ المحراب، تمَّت إزالته لربطه بالمبنى الجديد، ولم يتبقَّ سوى البلاطة الأمامية، مُرتكزةً على الأعمدة الحديثة، وقد سبق أن تمَّ استحداث أعمالٍ إضافيةٍ في الجدار الشرقي والجنوبي، فتعرَّض هذا المَعْلَم الأثري للعديد من الأعمال الإنشائية، التي أفقدتنا الكثير من معالمها القديمة، لذا كان الأولى برجال الخير أن يحرصوا كُلّ الحرص على الاحتفاظ الكامل بهذا المَعْلَم الإسلامي، الذي يُعتبر أقدم مدرسةٍ إسلاميةٍ في «مخلاف خُبان».
مُلحقات المدرسة
{ من مُلحقات المدرسة، الحمَّامات، وهي عبارةٌ عن مساحةٍ مُستطيلة الشكل (2 * 3) أمتار تقريباً بالجهة الغربية أمام المدخل الغربي للمدرسة، وهي أحواضٌ مائيةٌ ترتكز على بائكتين، تحمل السقف دعامتان في صفَّين من البلاطات، لتُكوِّن رواقاً بطُول (1.50 * 2.80) مترٍ تقريباً، وبين الدعامة والأخرى حوضٌ مائيٌّ بعُمق (07 - 08) سنتيمتراً تقريباً، يظلّ الماء فيه على مدار العام، لتوفُّره بكثرةٍ في المنطقة المشهورة بوادي «بنا».
ومن مُلحقات المدرسة الأضرحة المُقبَّبة بمادَّة «القضاض»، وعددها اثنان، ويقعان في الجهة الجنوبية الشرقية بالمدرسة على بُعد أربعة أمتارٍ منها، وفي كُلِّ غُرفةٍ قبران، ويبلغ ارتفاع جُدران هذين الضريحين ثلاثة أمتارٍ تقريباً، ذات سقفٍ بقُبَّةٍ دائرية الشكل، ولكُلِّ غُرفةٍ مدخلٌ بعرض (08 * 1.40) سنتيمترٍ تقريباً، وهذان الضريحان القديمان يعودان لأُسرة الشيخ «الحاير»، الذي سُمِّيت «المسقاة» نسبةً لمسقاة خيوله، كون الماء يصل من قرية «حفزان» عبر مجرى مائيٍّ قديمٍ إلى هذه المدرسة، ولا تزال مُستمرَّةً حتَّى الآن، ويُقال إنَّ هذا الشيخ أوقف كُلّ أمواله لهذه المدرسة ولمسجد قرية «خرابة الحرف» و«نيعان» و«عدنه» و«ذي أريد» و«حفزان» وغيرها، في وقفيةٍ واحدةٍ كُتبت على جلد غزال، وقد تكرَّم الشيخ «مُحمَّد يحيى الحاير» بتقديم ما لديه من بعض الوقفيات التي يحتفظ بها.
إنَّ ما تعرَّضت له المدرسة الإسلامية القديمة من توسعةٍ بحُجَّة الترميم والتوسعة، أفقدنا مادَّةً تاريخيةً هامَّةً، فلماذا لا يتمّ حصر جميع المعالم الإسلامية قبل أن تتعرَّض لما تعرَّضت له «مدرسة الحاير»، الذي له مزيدٌ من المدارس الإسلامية الأخرى، منها في قرية «ضكاعة» بمُديرية «النادرة».
[/b]