الأسرة هي أهم وأقدم النظم والمؤسسات الاجتماعية باعتبار أن كل عضو فيها له مركز وله دور. وهي عالمية أي موجودة في كل المجتمعات الإنسانية وان اختلفت أشكالها كما هو معروف في أدبيات الانثروبولوجيا Anthropology . وهي تعكس صفات المجتمع بل إنها نموذجا مصغرا للمجتمع ذاته, كما يعتبر المجتمع نموذجا مكبرا للأسرة, فمؤسسات المجتمع الأخرى-خاصة المدرسة والدولة- تغذي وتدعم ما بدأته الأسرة مع أبنائها في مرحلة الطفولة المتأخرة والأسرة بدورها تتلقى قيمها ومعاييرها من مؤسسات المجتمع, وخاصة من المؤسسة الدينية والأنظمة التسلطية. وقد وجدت من اجل استمرار حياة الإنسان في الجماعة وتنظيمها بل هي الجماعة الإنسانية الأولى التي يتعامل معها الفرد ويحتك بها احتكاكا مستمرا. ولذلك جاءت النظرة إلى الأسرة كوحدة كلية لان وحدة الحياة لا تتمثل في الفرد نفسه وإنما تتمثل في الأسرة حيث إن الفرد لا يمكنه أن يكوّن الحياة بمفرده وإنما تتكون بتكامل الذكر والأنثى معا. وإذا كان ابن خلدون(مؤسس علم الاجتماع العربي) قد سطر مقولته الشهيرة في المقدمة بان "الإنسان مدني(اجتماعي) بطبعه" فان أول بنية اجتماعية يجد الإنسان فيها نفسه هي الأسرة. ففيها يعيش الإنسان السنوات الأولى من عمره التي تشكل أنماط شخصيته الاجتماعية,وهي المركز الأساسي لحياة الفرد,والمكان الطبيعي لنشأة العقائد الدينية واستمرارها. والأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يتلقى فيها الفرد مبادئ التربية الاجتماعية والسلوك وآداب المحافظة على الحقوق والقيام والواجبات هذا فضلا عن أن ما بها من عادات وتقاليد تربط أفراد الأسرة بعضهم ببعض,ثم تربطهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه. فالأسرة كما يعبر عن ذلك تقرير دايلور تشكل أول مكان تبدأ فيه التربية من أي نوع وهي تشكل بذلك حلقة الوصل بين الوجدان والفكر,كما تمثل المكان الذي تلقن فيه القيم وموازين الحكم. كما تعتبر الأسرة الوعاء الثقافي الأول الذي تشكل حياة الفرد ويتناوله بالتنشئة,فالأسرة أداة لنقل الثقافة وتختار من الثقافة ما تراه مهمّا حيث تقوم بتفسيره وإصدار الأحكام عليه,مما يؤدي إلى التأثير على اتجاهات الطفل لعدد كبير من السنين, وعليه يمكن القول إن نظرة الطفل إلى الميراث الثقافي تتكون من وجهة نظر أسرته. كما تقوم الأسرة بمهمة التطبيع الاجتماعيSocialization فتصبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية, وكما سنرى أن الطفل في جميع أحواله يعكس مشاعر أسرته ومدى ثقة أفرادها في أنفسهم, فما نشا عليه المرء واكتسبه من اتجاهات في طفولته,إنما يرتسم على طول حياته,لان الخبرات التي يمر بها خلال طفولته تظل منقوشة على سلوكه وعلى سلوكه وعلى وجهه وتتبدى في حركته وفي نظرته وفي مناحي سلوكه وعلاقته بالآخرين. ونوعية العلاقات في الأسرة تختلف من أسرة لأخرى, فعلى مستوى الأسلوب الانفعالي واتجاهات أعضاء الأسرة نحو بعضهم نجد أن بعض الأسر تتسم بالدفء الانفعالي والبعض الآخر يتسم بالبرود,ونجد أعضاء بعض الأسر متباعدين وأعضاء اسر أخرى ذوي علاقة حميمة تكافلية,وبعض الأسر منفتحة على الآخرين بينما نجد أخرى منغلقة....
مفهوم الأسرة :
لا نستطيع أن نحدد مدلول الأسرة بشكل دقيق نظرا لاختلاف أشكالها ووظائفها من مجتمع لآخر, فالبعض يعرّفها انطلاقا من شكلها المعاصر بأنها معيشة رجل وامرأة أو أكثر على أساس الدخول في علاقات جنسية يقرها المجتمع وما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات كرعاية الأطفال المنجبين وتربيتهم,ثم امتيازات كل من الزوجين إزاء الآخر. وكما يعرّفها كل من بيرجس ولوك في كتابهما "الأسرة" 1953 بأنها "مجموعة من الأفراد يربطهم الزواج والدم أو التبني يؤلفون بيتا واحدا ويتفاعلوا سويا ولكل دوره المحدد كزوج أو زوجة,أب أو أم أو أخ أو أخت مكونين ثقافة مشتركة". وهذا ينطبق على ما يعرف بالأسرة النوويةNuclear Family. ولعل أول من صك هذا المصطلح هو عالم الاجتماع الشهير جورج ميردوك George Murdock حسب ماصرح به جيري لي في كتابه القيم "البناء الأسري والتفاعل" حيث عرّف الأسرة- والتي اعتبرها عالميةUniversality –بأنها "تجمع إنساني عالمي وهي إما أن تكون على الشكل السائد الوحيد للعائلة وإما أن تكون كالوحدة الأساسية بوصفها جماعة فتتميز وظيفيا بشكل واضح وتتركب منها أشكال من العائلات أكثر تعقيدا وهي توجد في كل المجموعات المعروفة", ولكن تعريف ميردوك أمر اختلف عليه فيما بعد وخاصة فيما يتعلق بعالمية الأسرة- وكما يوحى من هذا التعريف يبدو انه دمج في مفهومه للأسرة بين النووية والممتدة Family Extended والتي عرّفت بأنها "التي تقوم في مسكن واحد وتتكون من الزوجة والزوج وأولادهما الذكور والإناث غير المتزوجين والأولاد المتزوجين وأبنائهم وغيرهم من الأقارب كالعم أو العمة والابنة الأرمل الذين يقيمون في مسكن واحد ويعيشون عيشة اجتماعية واقتصادية واحدة تحت إشراف رئيس العائلة" أي أنها تشمل كل خلف أو نسل جد أعظم مشترك بزوجاتهم وأولادهم. ولعل عمومية تعريف ميردوك للأسرة يعود لرؤيته بان نمط الأسرة السائد في العالم هي التي وصفه في تعريفه بما اسماه بعالمية الأسرة. وفضّا للاشتباك بين مفهوم الأسرة النووية والممتدة نستطيع القول أن مصطلح الأسرة يمثل ما ينطبق عليه في تعريف الأسرة النووية وان مصطلح العائلة يمثل ما ينطبق عليه في تعريف الأسرة الممتدة
.
خصائص الأسرة العربية
:
يحدد حليم بركات أهم الخصائص البنيوية للأسرة العربية وهي أنها :
أ- الأسرة العربية وحدة اجتماعية إنتاجية:
تشكل الأسرة العربية تقليديا وحدة إنتاجية اقتصادية اجتماعية أساسية, تقترض في أعضائها التعاون معا والاعتماد على بعضهم البعض في جميع المجالات, وهذا ما يشير إليه مصطلح العائلة (المشتق من عال يعيل)بأنها علاقة الإعالة والاعتماد المتبادل. وان كانت الأسرة بدأت تتعرض لتغيرات شبه جذرية في العصر الحاضر من حيث تقسيم العمل والتخصص نتيجة لتوسع نظام الخدمات وسيطرة الدولة على مختلف مرافق الحياة واتساع نطاق الوظائف البيروقراطية....
ب- الأسرة العربية عائلة أبوية:
تتصف العائلة العربية ببنيتها الهرمية من حيث تمركز السلطة والمسؤوليات ومن حيث الانتساب. والأب يشكل رأس الهرم, وتقسيم العمل والنفوذ والمكانة على أساس الجنس والعمر, وان كان النظام الأبوي يتعرض لتحولات أساسية بسبب التغيرات البنيوية في المجتمع وقيام الأسرة النووية وعمل المرأة لقاء اجر وانتشار العلم والهجرة.... ويعبر هشام شرابي عن أشكال الاضطهاد في المجتمع العربي" اضطهاد الفقير واضطهاد الطفل واضطهاد المرأة" أما عن الشكل الأخير من أشكال الاضطهاد فيأخذ أنماطا متعددة من الاضطهاد فهي التي ينبغي أن تكون في عرف المجتمع الذكوري الزوجة المطيعة والمخلصة لزوجها حتى نكران الذات! وهي الكائن المعتمد على الزواج وبدونه يعتبرها المجتمع عانسا وفي حالة طلاقها فان الواقع أدهى وأمرّ,وان كنا نلحظ تحولات في واقع ادوار المرأة في العصر الحديث مع تعثر هذه الأدوار الجديدة بمجموعة من العقبات التي يضعها ويقننها المجتمع بتقاليده المحافظة. أما عن اضطهاد الطفل فالأسرة العربية الهرمية تقوم على أساس العمر كما تقوم على أساس الجنس فالصغار عيال على الكبار وتوجب عليهم الطاعة شبه الطلقة في علاقة سلطوية ويتم التواصل تقليديا بين الكبار والصغار ليس أفقيا بل عموديا, فيتخذ من فوق إلى تحت طابع الأوامر والتبليغ وتوجيه التعليمات والتلقين والمنع والتحذير التهديد.... لكننا ينبغي أن نلاحظ أن أنماط التنشئة الأسرية للطفل تختلف من طبقة لأخرى ففي العائلة البرجوازية –كما يرى شرابي - الأب يضطهد الصبي فيما تسحق الأم شخصيته عن طريق الإفراط في حمايته. أما البنت فتدفعها العائلة منذ طفولتها المبكرة إلى الشعور بأنها عبء وغير مرغوب فيها. إن هذا الإفراط في الحماية وهذه السلطوية يؤديان إلى شعور الأبناء بالعجز والاتكالية والتهرب من المسؤولية.
ج- الأسرة العربية ممتدة وتتحول إلى نووية:
الأسرة في المجتمع التقليدي تعني هناك علاقات وثيقة تقوم ليس بين الأب والأم والأخوة فقط إنما تتعداهم إلى الجد والجدة والأحفاد..... كما بينا آنفا, وان كنا نلحظ انه مع التقاء الشرق بالغرب في فجر الحديث بدأت الأسرة العربية تتحول إلى النووية وهي التي يعيش فيها الأب والأم والأولاد فقط تحت سقف واحد. وهذا التحول ناتج عن عوامل كثيرة أهمها- كما اشرنا سابقا- توسع نظام الخدمات والتوظيف والهجرة إلى المدينة....
خصائص النظام الأسري:
إذا اعتبرنا أن الأسرة نظاماSystem له أهدافه وقواعده وتركيبه ...فإننا يمكن أن نعرّفها بناء على هذا الاعتبار بأنها : " نظام اجتماعي أساسي هام لبقاء المجتمع ويشكل نسقا من الأدوار الاجتماعية المتصلة والمعايير المنظمة للعلاقات بين الزوجين مع تنشئة الأطفال وبناء العلاقات الرقابية.. وهي تقوم بتوسيع معاييرها وقيمها وتوقعاتها للأفراد الذين يعيشون فيها,وتقوم بتوسيع وتعديل القواعد والإجراءات لتنظيم سلوك أفرادها وفقا لتلك المعايير للإبقاء على النظام ذاته".
ومن المناسب إلقاء الضوء على خصائص الأسرة كنظام اجتماعي والتي هي :
1" - اجتماعية الأسرة:
إذا كانت الأسرة خلية يتكون منها البنيان الاجتماعي فلا نكاد نجد مجتمع يخلو من النظام الأسري.ولذلك فان المجتمع يرسم للأسرة الاتجاهات الخاصة بالزواج والعلاقات القرابية والأدوار والواجبات المتبادلة بين أفراد الأسرة ويفرض عليهم الالتزام بحدودها ومن يخرج على ذلك يقابله المجتمع بقوة وعنف ويفرض عليه عقوبات رادعة . ومن ناحية أخرى فان الأسرة بوصفها نظام اجتماعي تؤثر فيما عداها من النظم الاجتماعية الأخرى وتتأثر بها، فإذا كان النظام الأسري في مجتمع ما منحلا وفاسدا فان هذا الفساد يتردد صداه في وضعه السياسي وإنتاجه الاقتصادي ومعاييره الأخلاقية، وبالمثل إذا كان النظام الاقتصادي أو السياسي فاسدا فان هذا الفساد يؤثر في مستوى معيشة الأسرة وفي خلقها وفي تماسكها.
2"- أهداف الأسرة :
تنشأ النظم الأسرية لأسباب عديدة ومن بين الأسباب البارزة لقيام الأسرة الحاجة للأمن والانتماء والحاجة للحب والأسرة توفر وسيلة مقبولة اجتماعية لإنجاب الأطفال .
لكن "درو" وآخرون Drew,et al رأوا أن الوالدين لديهما أسباب أخرى لإنجاب الأطفال فالبعض ينظر للطفل كامتداد للذات أو النفس.والبعض الآخر قد يكون لديهم أسباب دينية, وآخرون يشعرون أن الطفل يزودهم بالإحساس بالأمان, وأخيرا وليس آخرا هناك طائفة تحب الأطفال لان من الطبيعي عمل ذلك. ولقد قدم الباحثون توجهات متعددة لأهداف الأسرة ففي كتابهما (الأسرة المفتوحة )Opened Family قدم كل من "جينس وفينجان"Gannas & Fannegan1976ستة أهداف أساسية لنظم الأسرة التقليدية :
ا- استمرار وبقاء الجنس البشري من خلال إنجاب وتربية الأطفال.
ب- مجتمعية الأطفال والتي تعني تنشئة الأطفال منذ الميلاد وفي مرحلة الرشد ورعاية النساء في فترة الحمل وحضانة الأطفال.
ج – تقديم مصدر للعلاقات البينشخصية المتعمقة.
د- تقديم جماعة مرجعية أساسية للانتماء وتحقيق الهوية الذاتية.
ه- خلق واستمرار وحدة اقتصادية ووحدة عملية.
و – تقديم الرعاية للوالدين في مرحلة الهرم.
"3- تركيب الأسرة :
تختلف صور التركيب الأسري من مجتمع إلى آخر, ومهما اختلفت صوره فان هذا التركيب يبدأ بالزواج وقيام علاقة رسمية واجتماعية مشروعة بين الرجل والمرأة ،يرتبط بهذه العلاقة الرسمية سلوكيات وتوقعات مرتبطة بالسيطرة او الخضوع وتقسيم العمل ،والمسؤوليات ، والطرق الجنسية ،والطرق التعبيرية ،والسلوك الاجتماعي ... ومن ناحية أخرى يرتبط بالزواج إنجاب الأبناء الذين يمثلون العنصر الثاني في التركيب الأسري بعد الزواج ومن ثم فان مستويات الدور المعياري لممارسات تربية الطفل وعلاقة الوالدين بالطفل وعلاقة الأخير بأخوته...كل ذلك يختلف تبعا لحجم الأسرة وترتيب الطفل الميلادي من إعادة تعريفات توقعات الدور وسلوكيات الدور المقبول في علاقة أفراد الأسرة لبعضهم البعض :
• فمن ناحية حجم الأسرة :
- في الأسرة صغيرة الحجم : تكون قدرة الوالدين على تكريس الوقت والانتباه الكافيين لكل صغير واضحة،كما يكون هناك تحكم ديمقراطي في سلوك الصغار ،ويكون هناك إرادة وقدرة على إعطاء كل طفل نفس المزايا ،ويكون توزيع الأدوار بمعرفة الوالدين هو الشائع،وتظهر ضغوط الوالدين من اجل الانجاز الأكاديمي والاجتماعي .
- وفي الأسر المتوسطة الحجم : يكون هناك تحكم اقل ديمقراطية وأكثر استبدادية, وكثيرا ما يمنع الصغار من الصداقات الخارجية للحاجة إلى مساعدتهم بالبيت, وتكون ضغوط الوالدين للتحصيل الدراسي متمركزة عادة على الكبار ، وتوجد مشاحنات وأحقاد حادة بين الأشقاء ، وتكون قدرة الوالدين على تحديد المزايا والمراكز محدودة ،ويكثر مقارنة الوالدين لتحصيل الصغير بتحصيل أشقائه .
- أما في الأسر كبيرة الحجم : فلا توجد خطة واضحة لتربية الأبناء مع وجود احتكاكات زوجية راجعة لوجوب التضحيات الشخصية والمالية ، ولابد في الأسرة الكبيرة أن يقوم الوالدين بتوزيع ادوار كل فرد من اجل الانسجام في الأسرة ، وغالبا ما يسود التحكم الاستبدادي لتجنب الارتباك او الفوضى.وغالبا ما تحدث المشاحنات والاحتكاكات بين الأشقاء التي لا يوقعها إلا تحكم الوالد اذا كانت شخصيته قوية .
• ومن ناحية الترتيب الميلادي للطفل :
- فان الطفل الأكبر للأسرة يمثل التجربة الأولى للوالدين ويكون عادة محط آمالهما وتطلعاتهما ، وقد يدفعهما هذا إلى تدليله او القسوة عليه او إعطاءه حقوقا لا يتمتع بها باقي أخوته،ويزيد من تعقد وضعه انه لا يجد في الأسرة من يحذو حذوه في مواجهة مشكلات نموه وارتقاءه ، ومن هنا فانه يحاول جاهدا الاحتفاظ بعرشه ومكانته في محيط الأسرة . ولتحقيق هذا فانه يبذل كل طاقاته النفسية من اجل التفوق والسيادة والنجاح ي المجالات المختلفة لكي يبرهن لمن حوله على قوته وتفوقه وانه جدير بالعرش حتى ولو انضم الى الأسرة مولود جديد أو أكثر.
- وعكس ذلك فمن الشائع أن يواجه اصغر الأخوة ضغط غير عادي من والديه وأخوته الذين يقاومون تطلعه إلى النضج والاستقلال ويصرون على أن يعاملوه كطفل, وهو وان كان يحظى بكثير من العطف والحماية فان الجميع يعتبرونه صغيرا مهما كبر ويلزمونه بطاعة أخوته الأكبر منه، ولا يشركونه كثيرا في مسؤوليات الأسرة لاعتمادهم على من هم اكبر منه واقدر منه على تحمل هذه المسؤوليات, ومن هنا يشعر الطفل الصغير بالدونية وعدم القدرة على التفوق على أخوته لأنهم اكبر منه وأقوى وأنهم متقوّمون عليه.
"4- قواعد الأسرة :
يقوم المجتمع بوضع القواعد التي تحكم العلاقات الأسرية ، وتكون هذه القواعد ذات قيمة ودلالة في تأثيرها على علاقات أفراد الأسرة ببعضهم البعض. ومن هذه القواعد ما يلي:
أ- اللامساس بالنسبة للمحارم (كخطر العلاقات الجنسية بين الأشقاء ،أو بين احد الوالدين والخلف).
ب- التنظيمات الداخلية والخارجية التي تحدد من الذي يصلح للزواج ومن أي الجماعات ينبغي اختيار شريك الحياة .
ج – القواعد التي تحدد المسئولية عن رعاية الأطفال وتعليمهم وتوعيتهم وتهذيبهم .
د- القواعد التي تحدد طقوس الطلاق التي بها يمكن ان ينحل عقد الزوجية والإجراءات الرسمية المطلوبة لانحلاله.
وعلى الرغم من أن القواعد الاجتماعية التي تحكم الأسر ليست مكثفة ولا خاصة فإنها توصل فكرة أن المجتمع يقدر بشكل كبير الحياة الأسرية. ومما لاشك فيه فان هذه الرسالة تعتبر عامل دال على الطريقة التي يتم بها تركيب الأسر وكيفية قيامها بوظائفها.
"5- بقاء الأسرة ودوامها :
يقوم المجتمع من خلال القوانين بتنظيم الزواج ، والطلاق ،ورعاية الأطفال، والميراث ،والحقوق والواجبات ... وهو بذلك يعبر عن تعهد ببقاء واستمرار الأسر كوحدات اجتماعية محمية. ويقوم المجتمع بتقييم الأسرة على أنها وحدة أساسية من خلال :
التعليم والتربية والعادات والتقاليد والعرف والأمثال الشعبية والتعاليم الدينية ى التي تشير الى دوام الحياة الأسرية وعدم الخروج على تقاليدها. كما يقوم المجتمع من خلال الشرع والأعراف بتقديم التكافل الاجتماعي للأسر الفقيرة كالذكاء والصدقات والإعانات وكفالة اليتيم ..وغيرها .
بالإضافة لذلك فان العرف الاجتماعي يعلن عن فضائل الحياة الأسرية ومحو فكرة الحياة بمعزل عن الآخرين ومن خلال القوانين والوسائل الملحوظة والملموسة يقوم المجتمع بتحسين بقاء واستمرار النظم الأسرية ..وهكذا فان الأسرة نظام يسعى إلى البقاء والاستمرار وليس مجرد رابطة وقتية وسرعان ما تنفصم .
"6- وظائف الأسرة :
لا اختلاف بين الباحثين أن الأسرة كانت تقوم بجميع الوظائف الاقتصادية والاجتماعية المتعددة, حيث كانت الأسرة في الماضي وحدة اقتصادية مكتفية ذاتيا تقوم باستهلاك ما تنتجه, وباستمرار التغير والتطور في كافة المجتمعات تقلصت وظائف الأسرة بل فقدتها في بعض الأحيان وظهرت المؤسسات والتنظيمات المختلفة كبديل عنها. ومع ذلك ما تزال الأسرة تحتفظ ببعض الوظائف. ويحدد جورج ميردوكGeorge Murdock أهم الوظائف العالمية للعائلة النووية وهي الوظيفة الجنسية ،وظيفة التكاثر ،الوظيفة التربوية ،والوظيفة الاقتصادية ويقول موضحا توزيعه لهذه الوظائف على الأسرة: "تتجمع الوظائف الأربع الأساسية للحياة الاجتماعية في العائلة النووية أو في علاقاتها المكونة وهي الوظيفة الجنسية والاقتصادية وإعادة التكاثر والوظيفة التربوية، وبدون القيام بالأولى والثالثة فان المجتمع سوف ينقرض ، وبالنسبة للثانية فان الحياة نفسها سوف تتوقف وبالنسبة للرابعة فان الثقافة سوف تنتهي ". لكنه من الملاحظ أن ميردوك اغفل وظائف أخرى والتي من أهمها الوظيفة النفسية والتي من أبرزها توفير الأمن والطمأنينة للطفل ورعايته في جو من الحنان والمحبة إذ يعتبر ذلك من الشروط الأساسية التي يحتاج إليها الطفل كي يتمتع بشخصية متوازنة قادرة على الإنتاج والعطاء.
وبشيء من العمق والنظرة التكاملية رأى محمود حسن (1981) إلى أن أهم وظائف الأسرة ما يلي:
أ- اشباعات الفرد :
فالأسرة بصفة خاصة تميل إلى التعبير عن نمط الاشباعات الحميمة والدائمة للعلاقات الشخصية المتبادلة التي تتميز بالود والعمق والشمول في محيط الأسرة في مقابل الاشباعات الجزئية التي تحققها العلاقات خارج الأسرة .
ب- تحقيق انجازات المجتمع :
فالأسرة تقوم بالمحافظة على أعضاء المجتمع وإعدادهم للعمل والتفاعل الاجتماعي، وهي التي تحافظ على السكان بإنجاب الأطفال وتربيتهم ،وتوفير الضمان في حالات الشيخوخة ،كما أن المجتمع يفوض الأسرة في تحمل مسئولية حماية الأطفال ومنعهم من اقتراف التصرفات اللااجتماعية الضارة بالمجتمع، بالإضافة إلى أن الأسرة تعتبر من أدوات الضبط الاجتماعيControl .
ج- الوظيفة الاقتصادية :
فلا تزال العمليات الإنتاجية في الريف تتم في البيت وتقوم الأسرة بإنتاج عدد كبير من السلع داخل الأسرة ،وتشرف على التوزيع والاستهلاك والتبادل الداخلي .
د- تنظيم السلوك الجنسي والإنجاب:
فالزواج ليس مجرد إشباع حاجات فسيولوجية لاستمرار الجنس البشري فقط ولكنه عملية اجتماعية تخضع لقواعد وقيود ثقافية وتعليمات تحدد الحقوق والواجبات .
ه- إعالة الأطفال وتربيتهم :
فالأسرة تقوم بتنشئة الأطفال وتلقينهم قيم مجتمعهم وعاداته وتقاليده بحيث تخلق في كل فرد كائنا اجتماعيا ، وهي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل والعامل الأول في صبغ سلوكه بالصبغة الاجتماعية وإكسابه الأساليب السلوكية الملائمة للمواقف الاجتماعية،وتعتبر سلوكيات الأسرة وقيمها وطرق عملها إطارا مرجعيا لتقييم سلوك الطفل وسلوك الآخرين بما اكتسبه داخلها من قيم ومعايير.
و- الوظيفة النفسية :
تمثل الوظيفة النفسية أساسا قويا وحاسما في ترابط النظام الأسري . فعلى قدرة وحدة المشاعر والاتجاهات يكون التوافق والانسجام وتتحدد كفاءة الأداء الوظيفي بمختلف جوانبه.
ن- الوظيفة التربوية:
ارتبطت الأسرة بوظيفة التربية منذ أقدم العصور حين كان الطفل يصاحب أباه حيثما تحرك بحثا عن غذاء او صيد. وكانت التربية في هذه المرحلة تقوم على أساس التقليد والمحاكاة. وبدأ هذا النمو يتطور ثم انضمت إلى الوظائف التربوية للأسرة وظيفة جديدة هي وظيفة التعليم بمعناه المدرسي. وكان يقوم بهذه الوظيفة كبار أفراد الأسرة أو العشيرة نحو صغارها خشية ان تضيع بعض خبرات الجماعة. ومع تقدم أساليب الحياة وأنواع المعرفة اخذ المجتمع ينتزع من الأسرة هذه الوظيفة شيئا فشيئا وينشئ للقيام بها مؤسسات خاصة كدور الحضانة والمدارس.... ومع ذلك فما زالت الأسرة عاملا من أهم عوامل التربية فهي المحدد الأول في عمل التنشئة الاجتماعية كما سنبين في الفقرة التالية.
الأسرة والتنشئة الاجتماعية:
تعتبر الأسرة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية لأهمية دورها في ذلك, فهي بمثابة الوسيط والمؤثر في شخصية الفرد وبناء ذاته، فمنها يكتسب الطفل قيم المجتمع وثقافته ويتعلم طرق التفكير السائد في مجتمعه ويتشرب العادات والاتجاهات والأفكار وأساليب التعاون والتواصل مع الآخرين. والأسرة كمجتمع صغير عبارة عن وحدة حية دينامكية تهدف نحو نمو الطفل نموا اجتماعيا.
مفهوم التنشئة الاجتماعية :
عرّفت التنشئة الاجتماعية عدة تعريفات تقترب في دلالاتها من حيث أنها عملية تعلم وتعليم وتربية وتثقيف وتطبيع واندماج اجتماعي تقوم على التفاعل الاجتماعي وتهدف إلى إكساب الكائن سلوكا ومعايير واتجاهات مجتمعه خلال مراحل نموه المتعاقبة. فقد عرفها إبراهيم الناصر (1993) " التنشئة هي تربية الفرد وتعلمه وتوجيهه وتثقيفه وتلقينه لغة الجماعة التي ينتمي إليها وتعويده الأخذ بعاداتها والخضوع لمعايرها وقيمها والرضا بأحكامها والتمثل بسلوكها والسير وفق معايير حياتها "
ونلحظ من هذا التعريف أن عملية التنشئة الاجتماعية عملية يتم فيها إخضاع الفرد لقيم المجتمع كما يعبر عن ذلك مردوك بقوله"إن الوليد البشري يجب أن يكتسب قدرا هائلا من المعارف والمهارات التقليدية, ويجب أن يتعلم إخضاع نزعاته الغريزية للنظم والقواعد التي حددتها ثقافته, وذلك قبل أن يتبوأ مكانة عضو بالغ في مجتمعه أو أن يفرض مكانته بوصفه عضوا بالغا .إن عبء التربية والتنشئة في كل مكان يقع أولا على عاتق العائلة النووية", ونظرا لان صفات التعريف الناجح كما حدده كركشانك Curackshank والمتمثلة في الإيجاز وتفسير العموميات والربط بين المتغيرات واستخدام المصطلحات المتفق عليها في الميدان المدروس والاتصاف بالإجرائية.
فقد اخترنا التعريف الذي صاغه محرروا تقرير التنمية الإنسانية العربية بأن التنشئة الاجتماعية هي "العملية التي يكتسب الأفراد بمقتضاها المعرفة والمهارات والاتجاهات والقيم والدوافع والتجريدات والأنماط التي تؤثر على تكيف الفرد مع بيئته الطبيعية والاجتماعية والثقافية". ويرى التقرير انه رغم أن التنشئة تمتد في عمليات تعلم في مراحل حياة الفرد المختلفة إلا أن مرحلة الطفولة تعد أكثر المراحل حساسية وتأثرا بها .وعلى الرغم من مركزية الأطفال في عملية التنشئة فنادرا ما ينظر لهم كأفراد فاعلين مؤثرين في هذه العملية.وهناك ثلاثة أنواع من التنشئة الأسلوب المتسلط ،والمتساهل،والحازم. وتبين الأبحاث أن الأطفال الذين تربوا في كنف والدين يستخدمان الأسلوب الحازم اظهروا تكيفا اكبر من الناحية النفسية والاجتماعية ،وكانت درجاتهم أعلى في التحصيل العلمي وتقدير الذات.وتصف ارا ريس Ira Reiss نوعا خاصا بالتنشئة الاجتماعية والذي أطلق عليه تنشئة نمائية Socialization Nurturant ويقصد بالتنشئة النمائية بشكل محدد تقديم العناية والاستجابة العاطفية والحب والمودة خصوصا للأطفال,فيرى أن الأطفال يجب ان يلاقوا دعما ومساندة عاطفية في السنوات المبكرة من الحياة لذا توّجب عليهم أن يطوروا وينموا أنفسهم إلى بالغين فاعلين طبيعيين في المجتمع.
أساليب التنشئة الأسرية السائدة في المجتمع العربي:
تبدأ عملية التنشئة الأسرية منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل حيث يبدأ الوالدين في الاهتمام به والعناية بتنشئته وإشباع مطالب النمو الأساسية لديه, وقد أكدت البحوث والدراسات على مهمتين تتعلقان بالتنشئة, الأولى: الدور الذي يمارسه الوالدان والثانية: استمرار هذا الدور على مدى حياة الفرد وانعكاس هذه الخبرات على سمات الأطفال وشخصيتهم في الفترات العمرية اللاحقة. وتختلف طرق التنشئة الأسرية من مجتمع لآخر ومن طبقة لأخرى وكذلك من أسرة لأسرة, فتنهج بعض الأسر نهجا قائما على الحوار المتبادل مع الطفل واخذ مشاعره واراه بعين الاعتبار، والإصغاء إليه بحيث يتمكن من التعبير عن ذاته بحرية. وهذا يؤدي الى ان يكون الطفل طرفا فاعلا في الأسرة مما يمكنه من النمو والتفتح وتنمية الاستقلالية والاعتماد على الذات وتعزيز الثقة بالنفس. وتنهج بعض الأسر نهجا مغايرا للطريقة السابقة، نهج يقوم على الاستبداد والتسلط ويستند الى القمع والقسوة .ويؤدي هذا النهج الى توجيه الطفل وقبوله ما يفرض عليه وقتل روح المبادرة والاستقلالية في ذاته ، او الى ثورة الطفل وتمرده ومعارضته المستمرة لكل ما تريد الأسرة منه أن يفعله, ويرى علاء كفافي(1997) أن أهم أساليب التنشئة الوالدية كما يدركها الأبناء ما يلي :
1- أسلوب الرفض :Rejection Style
وهو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه له أنهما لا يتقبلانه وأنهما لا يتقبلانه وأنهما كثيرا الانتقاد له, ولا يبديان مشاعر الود والحب نحوه, ولا يحرصان على مشاعره ولا يقيمان وزنا لرغباته, بل العكس هو ما يحدث,حيث يشعر الطفل بالتباعد بينه وبين والديه, وعلى الجملة فان الطفل يحس- من جراء معاملة والديه- انه طفل غير مرغوب فيه.
2- أسلوب التحكم:Control Style
وهو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه له أنهما يقيدان حركته ولا يعطيانه الحرية الكافية والنشاط كما يريد,ولا يسمحان له بحرية التعبير عن نفسه وعن مشاعره.
3- أسلوب الإهمال:Negligence Style
هو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه أنهما يهملانه ولا يحفلان به, بحيث انه لا يعرف مشاعرهما نحوه بالضبط, هل سلبية ام ايجابية. ولا يعرف الطفل في هذا الأسلوب من المعاملة مواقف والديه من تصرفاته في المواقف المختلفة, هل هما مؤيدان له ام معارضان؟ فهو لا يجد استحسانا لتصرفاته او استهجانا لها. وفي هذا الأسلوب لا يشعر الطفل بالوالدين على أنهما قوة تربوية موجهة.
4- أسلوب القسوة:Cruelty Style
هو إدراك الطفل من خلال معاملة والديه له أنهما عقابيان, يلجآن دائما الى عقابه بدنيا (بالضرب), او يهددانه اذا أخطأ, او اذا لم يطع أوامرهما. ويتضمن هذا الأسلوب أيضا عدم ميل الآباء إلى مناقشة الطفل في ميوله وآرائه ورغباته, بل الإسراع بالعقاب لاي بادرة تصدر منه يرى الوالدان انها خروج على المفروض من ألوان السلوك, او لأنها تسبب الإزعاج لهما. وفي هذا الأسلوب يغلب على المعاملة الوالدية الشدة والعنف.