العنف الأسري كمفهوم هو سلوك عدواني موجه من واحد أو أكثر من أفراد الأسرة تجاه فرد أو أكثر من أفراد ذات الأسرة .. بحيث يكون هذا السلوك فيه ترجيح لميزان القوة بكفة الطرف المعتدي مما يخلق طرفاً ضعيفاً غير قادر علي مواجهة هذا العنف ..
هذا السلوك العدواني لا يقتصر فقط علي العنف الجسدي وإنما يمتد ليشمل كافة أشكال الإعتداء المادي كالإعتداء الواقع علي الجسم .. والإعتداء المعنوي الواقع علي الفكر والإرادة .. والإعتداء اللفظي ..
هذا السلوك العدواني لا يقتصر فقط علي العنف الجسدي وإنما يمتد ليشمل كافة أشكال الإعتداء المادي كالإعتداء الواقع علي الجسم .. والإعتداء المعنوي الواقع علي الفكر والإرادة .. والإعتداء اللفظي ..
المعروف أن الأسرة السليمة هي الأساس لمجتمع سليم .. وجيل سليم .. وتعرض الأسرة لأي شكل من أشكال العنف الأسري .. يؤدي بالضرورة إلي خطر محدق يحيط بالأسرة كخلية من خلايا المجتمع .. وكونها المحيط التربوي الأساسي للطفل .. والعنف الأسري في حد ذاته عبارة تحتوي قدرً كبيراً من التناقض في مدلولها .. فالمفروض بالاسرة أن تكون هي الراعي الأكبر لمصالح أفرادها وأن تقوم علي الإحترام والمودة والتعاضد .. لا علي العنف والاضطهاد ..
العنف الأسري من الظواهر التي اتخذت لها مقعداً ثابتاً في كافة المجتمعات دونما استثناء أو تمييز .. مما حدا ببعض المتخصصين إلي استبعاد الأساباب الدينية والإختلافات المجتمعيه ومستوي التحضر من طائفة الأسباب التي حالت دون تمركزه في مناطق دون أخري .. مما يدفع إلي التساؤل عن حقيقة الأسباب التي جعلت منه آفة تجتاح الأسر والمجتمع في العالم بأسره ..؟؟؟
كما أنه في مجتمعاتنا العربية علي وجه الخصوص عرف عنا تلفيق الحقائق في مثل هذه الأوضاع الحساسة .. والسكوت عما يجري وراء الاسوار واحياناً امامها .. واعتبار التحدث عنه نوع من العيب وقلة القيمة .. مما يقود إلي التفكير عن وقت بزوغ الظاهرة .. هل هي ظاهرة حديثة ودخيلة ومن نتاجات العولمة السالبة علي مجتمعاتنا كما يدعي البعض .. أم أنها ظاهرة متأصلة في عمق وجدان المجتمع كما يدعي البعض الآخر ..؟؟
عادة ما يشير إصبع الإتهام الأول إلي الرجل عن حالات العنف التي تقع في نطاق أسرته وفقاً للمكانة التي يحظي بها في محيط الأسرة والمجتمع وبصفته الطرف الأقوي عادة في العلاقة .. فهل ينحصر عليه الاتهام حقاً .. أم أن هناك أفراد آخرون داخل الأسرة يتحملون المسؤولية .. ؟؟
بالنهاية لابد من البحث عن حلول تساعد الأسر علي عل تخطي هذه العتبة حفاظاًُ علي أستقرارها وعلي سلامة الطفال الجسدية والنفسية لينشؤوا رجالاً ونساءً فعالين في المجتمع .. ومربين مسؤولين عن الاجيال التي تليهم ..
العنف شتات الاسرة و دمار المجتمع
يلجأ بعض الرجال إلى الشدة والعنف ظنا منهم أنهم بذلك يحكمون السيطرة ويسيرون أمور بيوتهم وحياتهم بالطريقة المثلى التي من شأنها أن تنشئ جيلا مهذبا ومثقفا، والحصول على زوجة مطيعة تحفظ البيت والأولاد.
لكن هذا السلوك ليس من شأنه إلا أن يهدم بيوتا ويشرد نساء وأطفالا، كما أنه يتسبب في انتشار الكثير من الحالات النفسية والاضطرابات السلوكية لدى النساء والأطفال الذين يعيشون في وسط ينتشر فيه العنف وتسير حياته العصا.
ولما يحمله هذا الموضوع من أهمية كان لـ (الصحة أولا)،هذا التحقيق الذي يبين معاناة بعض أفراد هذه الفئة المضطهدة كما يلفت نظر من يمارسون هذا العنف إلى الأذى الجسدي والنفسي الذي يسببونه للذين يشاركونهم حياتهم ومستقبلهم.
«أجل بت أكرهه وأشعر بالاختناق بمجرد عودته للبيت»، هذا ما بدأت به س. م كلامها عن زوجها الذي اتخذ من الضرب لغة للتفاهم.
وتابعت: بعد مرور أقل من سنة على زواجنا بدأت تظهر صفات الوحشية عليه، أصبحت يده تسبق كلمته، أجل أنا أتحاشى الاقتراب منه حتى في أبسط نقاش يدور بيننا، فردة فعله أصبحت معروفة بالنسبة لي، الضرب دون اللجوء لأي نقاش. بالنسبة لي بت أتناسى ألمي الجسدي عندما أراه ينهمر بالضرب على أطفالي، فصراخ كل واحد منهم أشعر به كأنه طعنة سكين تقطع أوصالي. أصبح أطفالي يصابون بنوبات هستيرية بمجرد دخوله المنزل خوفا وجذعا من الضرب المبرح الذي اعتاده في تربيتهم، غير ملتفت لمدى الكره الذي زرعه داخلي ونفوس أبنائه تجاهه.
الآثار الاجتماعية
يحدث العنف الموجه ضد النساء و الأطفال خللاً كبيرا في المجتمعات ويسبب لها تراجعا في الإرادة والتصميم حدثتنا عنها معصومة أحمد رئيسة الخدمات الاجتماعية بالرعاية الصحية الأولية في دائرة الصحة والخدمات الطبية قائلة:
إن للعنف الأسري الموجه ضد النساء والأطفال أثره الكبير على الحياة الاجتماعية، فالأطفال من كلا الجنسين نتيجة السلوك العنيف الموجه ضدهم تنتابهم الانطوائية أو العدوانية، وفي حال الانطوائية يصبح الطفل بعد بلوغه وزواجه ضعيف الشخصية أمام زوجته وأولاده وكذلك الأم التي تتعرض للعنف تصاب بالشيء ذاته، فالذي تعرضوا له في الصغر أثر عليهم سلبا في الكبر حيث دمر شخصياتهم وجعلها مستكينة مهضوماً حقها وغير قادرة على إدارة شؤونها.
أما العدوانية فينتج عنها أشخاص ذوو طبيعة حادة تميل للعنف والحصول على مرادها بالقوة حتى لو كان في ذلك ضير على الجميع.
والأطفال الواقعون تحت وطأة العنف قد ينفسون عما يعانون منه بسلوكيات عدوانية ضد مدرسيهم وزملائهم وقد يكونون خطرين في بعض الأحيان. أما عن المرأة والزوجة فهي نتيجة العنف سواء داخل أسرتها قبل الزواج أو أسرتها بعد الزواج فهي تسعى في معظم الحالات لتحمل ما لا يطاق، إما خوفا على نفسها من الأذى أو على عائلتها وأطفالها، ولهذا تأثيره الكبير عليها من الناحية النفسية والجسدية، فقد تصاب بأمراض عضوية مختلفة جراء الضغوطات النفسية التي ترزح تحتها، ناهيك عن الأذى البدني الذي يلحق بها.
الآثار النفسية
وعن المشكلات النفسية التي يتعرض لها النساء والأطفال حدثنا د.محمد سامح اختصاصي الأمراض النفسية في مستشفى بلهول التخصصي فقال: إن العنف الأسري الموجه ضد الزوجة يوقع في نفسها عدم الشعور بالأمان وهو يعد من أهم ركائز العلاقة الزوجية. ففقدانه يجعل البيت خاليا من الراحة والحب ويقلبه لحلبة صراع نفسي ينعكس سلبا على أفراد العائلة كافة.
ويعد الاكتئاب والقلق والانطوائية وكره الحياة من أكثر الأمراض النفسية التي تصيب كلاً من النساء والأطفال الذين يتعرضون للعنف داخل أسرهم. وتعد الزوجة أكثر الأطراف عرضة لهذا العنف، فهي من جانب تهان وتمتهن كرامتها بالضرب ومن جانب آخر تذوق المرارة نتيجة تعرض أطفالها للعنف الذي لا حيلة لها على حمايتهم منه. أما العنف الواقع على الأطفال فيخلق منهم أطفالا مسلوبي الإرادة فاقدي الشجاعة مضطربي الشخصية.
وبشكل عام العنف يعكس شخصية ذكورية مريضة تسبب القلق والاكتئاب لأفراد الأسرة وترسخ مفاهيم مغلوطة لدى الأطفال، فهو ظاهرة غير صحية ولحسن الحظ أنها في طريقها للتلاشي نتيجة الوعي المتزايد لدى الأجيال الشابة، لأن الأب السوي أو الرجل السوي يستطيع إدارة شؤون بيته بطرق عدة بعيدة عن العنف الموجه للمرأة والأطفال
الفقر أهم أسباب العنف الأسري
تتزايد حالات العنف الأسري بالدول العربية وخاصة بالسعودية ، وهذا ما دفع نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور مفلح بن ربيعان القحطاني التحذير من خطر ازدياد حالات العنف داخل الأسرة .
وأكد القحطاني : "أن العنف موجود ولكن السؤال هو مدى إمكانية خروجه للعلن وهذه مرتبطة بالضوابط الاجتماعية والتقاليد".
وكشف القحطاني أن الجمعية ستصدر إحصائية جديدة لحالات العنف تبين الحالات التي وصلت وتوزيعاتها الجغرافية التي تظهر تركزا للحالات في بعض المناطق لكنه لفت إلى أن ذلك التركز ليس معناه سوى سهوله ظهور الحالات في تلك المناطق أكثر من غيرها.
وأشار د. القحطاني أن الفقر قد يكون من العوامل المؤدية للعنف الأسري لافتا إلى أن شعور الأب بعدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته ينعكس سلبا على تصرفاته تجاه أسرته إضافة إلى سوء سلوك بعض الأزواج وإصابتهم بأمراض نفسية أو إدمانهم للمخدرات أو المسكرات ، إضافة إلى وجود نوع من الرغبة في التحرر من القيود الأسرية عند بعض الأبناء والفتيات.