فيلسوف وتربوي ألماني، أثر كثيرًا في نظرية التربية في نهاية القرن التاسع عشر. اعتقد هربارت أن التربية مرتبطة كثيرًا بالأخلاق (دراسة أنماط الصواب والخطأ) وعلم النفس. حيث توفر الأخلاق الهدف الشامل للتربية لبناء صفات أخلاقية قوية، ويزوّد علم النفس وسائل تحقيق هذا الهدف.
ولد هربارت في أولدنبرج، بألمانيا. ودرسَ الفلسفة في جامعة جينا. وذهب، في عام 1797م، إلى سويسرا ليعمل معلمًا خاصًا. والتقى هناك بالمعلم السويسري يوهان بستالوزي، الذي أثر في العديد من نظرياته. قام هربارت بتدريس التربية والفلسفة في جامعة جوتنجن من عام 1802 م إلى عام 1809م، وفي جامعة كونيجسبرج من عام 1809م إلى عام 1833م. وعاد بعد ذلك إلى جوتنجن، حيث مارس التعليم حتى وفاته.
ركز هربارت على أهمية تطوير ورعاية اهتمام الطلاب بالتعليم. ونادى باتباع أربع خطوات في التعليم.
أولاً: يقدم المعلم معلومات للطلاب.
ثانيًا: يساعد المعلم الطلاب على تحليل المادة الجديدة ويقارنها أو يضاهيها مع الأفكار التي تعلموها بالفعل.
ثالثًا: يستخدم المعلم والطلاب المعلومات الجديدة في تطوير قاعدة عامة لحل مشكلاتهم.
رابعًا: يساعد المعلم الطلاب على تطبيق المعلومات الجديدة في مواقفهم الأخرى أو استخدام القاعدة في حل مشكلات أخرى. ويطبق العديد من المعلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية الخطوات الأربع لهربارت،
حركة هربارت التربويه
بنى هربارت عمله على عمل بستالوتزي، ولكنه لم يلبث أن وضع مبادئ تربوية أهم وأوسع. (1) لقد كان الاهتمام الأكبر في عمل بستالوتزي موجهاً إلى التدريب على الادراك الحسي ومع ان غاية التمرين على الملاحظة كانت انشاء (أفكار واضحة)، فإن بستالوتزي لم يبين كيفية حدوث التمثل والنمو العقليين ابتداء من هذه النقطة. أما هربارت فقد أظهر كيفية تحول الادراك الحسي االى أفكار عن طريق العملية التمثيلية Apperception وكيفية انشاء علاقة بين المعرفة والخلق بطريقة عملية التعليم. (2) جعل بستالوتزي دراسة العالم المادي عن طريق الادراك الحسي عمل المدرسة الرئيسي، أما هربارت فقد جعل من التصوير الأخلاقي للعالم غاية التعليم. (3) ونتج عن ذلك ان القيمة التي نسبها بستالوتزي للرياضيات والجغرافية والدراسات الطبيعية، نسبها هربارت إلى اللغات الكلاسيكية والآداب والتاريخ. (4) أعلن بستالوتزي رغبته في (جعل التربية سيكولوجية) ورفض السيكلوجيا القديمة، ولكنه لم يبن سيكولوجية جديدة وأغلب الظن انه لو اراد لما استطاع. أما هربارت فقد كانت أعماله في حقل السيكولوجية لا تقل أهمية عن عمله في الحقل التربوي. (5) كان عمل هربارت، بصورة عامة، منطقياً ذا صفة فلسفية، على عكس عمل بستالوتزي الذي لم تكن له صيغة فلسفية أو منطقية. لقد كان في عمل الأول نظرة الفيلسوف الشاملة ومنطقه الهادئ وتجلى في عمل الثاني حماس المصلح الذي يعمل لاصلاح عاجل رغم عدم دقة الفكرة ووضوح الهدف البعيد.
حياة جون فردريك هربارت (1776 ـ 1841) J.F.Herbart وكتبه
ليس في حياة هربارت ما يلقي ضوءاً على نظرياته التربوية، فقد مر بمدرسة الجمنازيوم والجامعة التقليديين، وترك الجامعة في الحادية والعشرين من عمره ليكون معلماً خاصاً طيلة سنين ثلاث. وقد بنى على اختباره هذا كثيراً من نظرياته التربوية كما بنى عليه اعتقاده بأن المعرفة الحقيقية لسيكولوجية التربية إنما تكتسب، لا من دراسة الأطفال كجماعات، بل من دراسة طويلة وثقة للتطور العقلي عن بضعة أطفال. وقد عاد هربارت إلى الدراسة ثم عين معلماً للفلسفة والتربية في جامعة (كوتنكن Gotingen) وقد قضى بقية حياته في هذه الجامعة وفي جامعة (كونسبرغ Konigsberg) التي انشأ فيها درساً تربوياً ألحقت به مدرسة للتطبيقات لتعليم التربية والتجريب فيها. ومع أنه اشترك في الاصلاح التربوي بعض الاشتراك، فإنه قضى معظم حياته في البحث والتدريس والتأليف.
السيكولوجيا الهربارتية
ان الحركة التي بدأها لوك والتي جعلت الطفل موضع الاهتمام التربوي والنظريات التربوية، تلك الحركة التي وضع روسو شكلها العام بنقده وتهديمه، تلك الحركة التي أدخلها بستالوتزي إلى غرفة الدرس، مدينة لهاربارت التي جعلها دائمة بإعطائها أساسا علمياً بدلاً من الأساس الخيالي الذي أعطاها روسو إياه وبدلاً من الأساس الجدي الذي منحها إياه بستالوتزي. ولسنا هنا في مقام شرح فلسفة هربارت ونظرياته السيكولوجية ولذلك فسنقتصر على ذكر تطبيقاتها التربوية الهامة، مع التذكير بأن كثيراً من هذه النظريات قد ثبت صلاحها فبقيت وان كثيراً قد ثبت بطلانه فألغي أو عدل.
أهم ما في عمل هربارت السيكولوجي انه بنى العمل التربوي على أساس من الحياة والنمو العقليين موحد. من المعلوم ان السيكولوجيا التي كانت سائدة في ذلك الحين هي سيكولوجيا الملكات التي كان أرسطو أول من قال بها، أما هربارت فقد اعتبر النفس وحدة غير مزودة بملكات موروثة، بل هي صحيفة بيضاء وقت الولادة. ولا تملك إلا قوة الاتصال بمحيطها بطريق الجملة العصبية. وعن طريق هذه الاتصالات تحصل النفس على ادراكاتها الحسية التي تتكون منها النفس فيما بعد وتنمو، والتأثير المتبادل بين هذه الادراكات الحسية يقود إلى المفاهيم عن طريق التعميم، وبعملية مماثلة من التأثير المتبادل تتوصل النفس إلى احكامها ومحاكماتها. والمادة الخام التي يشتغل بها المعلم هي مجموعة من هذه الادراكات الحسية التي تصدر عن مصدرين رئيسيين هما: الخبرة أو الاتصال بالطبيعة والتعامل أو الاتصال بالمجتمع. فعلى المعلم أن يولد المعرفة من الخبرات، والعطف من الاتصال وذلك عن طريق تنمية القوة الأصلية.
والنفس لا تبنى أو قل لا تحصل على محتواها، عن طريق نمو الملكات الكامنة بل عن طريق خبرتها الخاصة، وهي في الاصل ليست خيرة ولا شريرة ولكنها تأخذ وجهة الصلاح أو الطلاح بحسب التأثيرات الخارجية أي بحسب ما تتلقاه من الادراكات الحسية وبحسب طريقة تمازج هذه الادراكات. وينتج عن ذلك أمران هامان (1) قوة التمثل هي الصفة الأساسية للنفس (2) التربية ـ التي تحدد نوع الادراكات الحسية التي تتلقاها النفس وطريق تمازج هذه الادراكات الحسية التي تتلقاها النفس وطريق تمازج هذه الادراكات في تكوين العمليات النفسية العليا ـ هي العامل الأهم في تكوين نفس الطفل وخلقه.
وهكذا يبني هربارت نظرياته التربوية على قوة النفس التمثلية أي تمثل الأفكار الموجودة في علاقات خبرة جديدة مع الأفكار السابقة وبواسطتها. وليس من الأهمية في شيء أن يتفق العلم مع هربارت أو يخالفه في اعتقاده بعدم كمون القوى في النفس. وذلك لأن ضبط القوى الأصلية، إذا كانت موجودة، غير ممكن وخير ما يفعله المعلم هو توجيه نمو النفس عن طريق ضبط هذه العملية التمثلية.
مفهوم التربية وغايتها
استخلص هربارت مفهومه عن التربية من الفلسفة كما اشتق هدفها من علم الأخلاق. ليست الأرادة، عند هربارت، ملكة مستقلة تستطيع خلق الأعمال المستقلة عن الأفكار أو عمليات التفكير، بل ان الارادة عمل نفسي يصدر عن الأفكار والادراكات ويتوقف عليها. ان هذا المفهوم عن الارادة أساسي هام ويجب وضعه نصب أعيننا في اثناء حديثنا عن نظريات هربارت، فالارادة يجب ان تعتبر نتاج الخبرة لا السبب الرئيسي في العمل كما كان يظن. والعملية التمثلية أساسية لأن الأفكار تقود إلى العمل، والعمل يحدد الطبع.
أما هدف التربية بالنسبة إلى هربارت فاخلاقي يقول في الجملة الاولى من كتابه (التقديم الاستيتيكي) ما ترجمه: " يمكن تلخيص عمل التربية كلها في كلمة واحدة هي الأخلاق " . والفضيلة عنده هي " فكرة الحرية الداخلية التي صارت حقيقة دائمة في فرد ما " أي انها محصول تطوري في كل فرد ناتج عن مجموعة متراكمة من الخبرات لأن كل علاقة نتعرف عليها ينتج عنها حكم مستقل موافق أو غير موافق. وهدف التربية الرئيسي هو مساعدة الفرد على تفضيل ما يكون (الحرية الداخلية) أو الطبع الأخلاقي وإلى تحويل كل ذلك إلى حقيقة دائمة في الفرد. وتنحصر طريقة عمل ذلك (بتقديم الكون تقديماً بديعياً) عن طريق (الخبرة والمناقشة والتثقيف).