إن جون ديوي أبرز مثال على صحة المقولة التي تقول إن الإنسان ثمرة بيئته التي يعيش فيها،فقد اجتمعت له ميراث أبوي علمي كبير،وكذا الإقليم الذي نشأ فيه،والتربية التي تلقاها في صغره وحياته،والأمة التي كان واحد من أفرادها والتي كانت تمجد الحرية وديمقراطية،والعصر الذي ولد فيه ،حتى أنه من المفارقات أن العام الذي ولد فيه 1859م هو العام نفسه الذي نشر فيه دارون كتابه " أصل الأنواع" هذا الكتاب الذي لعب في فلسفة ديوي دورا كبيراً فيما بعد،كل هذه العوامل عملت على تكوين جون ديوي ،فكان بذلك حقا ثمرة هذه البيئة الثقافية والحضارية.
يعتبر جون ديوي من أبرز ممثلي ومؤسسي الحركة أو الفلسفة البراجماتية.
لقد ولد في مدينة بورلنجتن (Burlington) من ولاية فيرمونت (Vermont) سنة 1859، وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدينته وتعليمه الجامعي في جامعة ولايته. وبعد إتمامه لتعليمه الجامعي في ولايته عام 1879 اشتغل بالتدريس لفترة من الزمن في إحدى المقاطعات، ثم ما لبث أن تاقت نفسه لمواصلة دراسته العليا في ميدان الفلسفة والعلوم السياسية والتاريخية. وقد استطاع في سنوات قليلة أن يحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة جون هوبكنز عام 1884م.
وبمجرد حصوله على الدكتورة انضم إلى "جامعة ميتشجين" كمحاضر بها في الفلسفة. وقد بقي في هذه الجامعة لم يغادرها إلا فترة قصيرة إلى جامعة "مينيسوتا" حتى دعى عام 1894 لتولي رئاسة قسم الفلسفة بجامعة شيغاغو. وقد استمر في رئاسة قسم الفلسفة في هذه الجامعة حتى انتقل منها في عام 1904 إلى جامعة "كلومبيا"، ثم استمر في جامعة كلومبيا منذ هذا التاريخ حتى تقاعده عام 1930،ومن أبرز أعماله في الميدان التربوي إنشاؤه لمدرسته النموذجية في مدينة شيكاغو سنة 1896، وقد اتخذ ديوي من هذه المدرسة الابتدائية النموذجية حقلا لتجربة نظرياته وآرائه التقدمية في التربية. وفي سنة 1902 ضمت هذه المدرسة لكلية التربية بجامعة شيكاغو لتكون مدرسة تطبيقية تجريبية لها.
اراوه التربويه
ويرى جون ديوى أن التربية هي الحياة وليست إعداد للحياة، وأن واجب المدرسة كمؤسسة تربوية أن تستخدم مواقف الحياة في العملية التربوية، ويعرف جون ديوي التربية بأنها عملية مستمرة من إعداد بناء الخبرة بقصد توزيع محتواها الاجتماعي وتعميقه، وأن الفرد في الوقت نفسه يكتسب ضبطاً وتحكماً في الطرائق المتضمنة في العملية.
نشر جون ديوي كتابه " المدرسة والمجتمعSchool and Society عام 1898،وقد فرق ديوي بين نوعين من الخبرة :الخبرة الساذجة والخبرة العلمية التي اعتبرها أساسا للتربية وهي تقوم على الفهم والإدراك ومعرفة العلاقات بين الأشياء مما يفيد في تكييف الفرد لنفسه في البيئة التي يعيش فيها والسيطرة عليها في المستقبل.
والمهم في رأي البرجماتية في العملية التربوية التأكيد على أمرين الأول: العناية باهتمام الطالب والثاني: العناية بحب الاستطلاع لديه وذلك لأنهما يحفزانه على التعلم بصفة أساسية.أما فيما يخص المعلم عند أصحاب هذه النظرية فإن وظيفته تكون في قدرته على تنظيم الخبرة وبيان الاتجاه الذي تسير فيه فضلاً عن قدرته على شحذ أذهان التلاميذ وهو بذلك يكون عوناً للحرية لا قيد لها.
والبرجماتية لم تجعل من المعلم محوراً للعملية التربوية ووظيفة المعلم من وجهة نظر البرجماتية ليس مجرد تدريس الأفراد , بل تكوين الحياة الاجتماعية الصحيحة.
وقد انعكست النظرية البرجماتية على المنهج وذلك باختيار الخبرات لكل فرد أو جماعة من الخبرات المناسبة التي تساعدهم أن يبنوا منهجاً عقلياً متكاملاً.
وأحد الأهداف الرئيسية في المنهج البرجماتي هو إقرار الدراسات ذات الطبيعة الحديثة والمعاصرة والمفيدة في إعداد الشباب لظروف المجتمع المتغيرة دوماً وخاصة ما يتعلق منها بالعمل والتعامل ودراسة المواقف بما تتضمنه من موضوعات وليس القراءة منها فحسب.
لا يفرق المنهج البرجماتي بين الفعاليات المنهجية وغير المنهجية، فكل ما يمر بخبرة التلميذ هو جزء من المنهج سواء أكان نشاطاً ترويحياً أم اجتماعياً أم عقلياً.
ومن هنا نجد ديوي يعرف التربية بأنها:"عملية اجتماعية تعد الطفل لاندماج في الحياة الاجتماعية،وتنشئته بطريقة تستطيع من خلالها خلق فرد واع ومدرك بالمجتمع الذي يتطور حوله"
3-2) السمات العامة لنظرية جون ديوي التربوية:
1-الميول والنشاطات الفردية للطفل تنظم من خلال النشاطات الجماعية التي تعكس مستوى تطور المجتمع.
2-مهمة المدرسة هي تدريب المتعلم على التعاون وتبادل التأثير للوصول إلى هدف مشترك.
3-أساس التعليم يبنى على اكتشاف الرغبات الخاصة والقدرات الشخصية عند المتعلم. وعلى اكتشاف ما يحتاجه وتدريبه لتكيف مع الوسط.
4-الطلاب والمدرسون يوزعون المهام فيما بينهم.
5-الطالب كائن باحث يستطيع أن يعلم نفسه من خلال المشاركة في النشاطات.
3-3)تعليق على أفكار جون ديوي :
- يقوم التفكير العلمي كنشاط إنساني على مبدأ الإيمان بقدرة الحواس والعقل والبرهان من أجل الوصول للحقائق بصورة موضوعية تعتمد على إجراء التجارب، واثبات النتائج تحت مجهر الاختبار، وهو المنهج الذي ينادي به الإسلام وهو يعمل على كسر احتكار العلم على فئة ما كما يعمل على نبذ الأوهام والغيبيات التي لا سند لها.
- جاء جون ديوي ليركز على الحواس وكل ما يمكن قياسه مادياً وبذلك أخذ جانباً من المنهج العلمي السليم في حين أنه فرَّط في قدرة العقل على الاستنباط والاستدلال فما يتصل بأمر الدين فأخل ديوي بالمنهج العلمي الشامل للتفكير من المنظور الإسلامي. - إن أسلوب حل المشكلات الحاضرة خير مهارة يتعلمها الإنسان لمستقبله ولمواجهة تغيرات الحياة والتغلب على مشكلاتها. - يجمع الباحثون على أن فكر ديوي مازال يلعب دورا حيوياً وعلمياً وعملياً في الميدان التربوي المعاصر رغم الانتقادات الموجهة والتحديات المتزايدة.