ما سبب البطالة؟ التقدم التقني،
أم خلل أساسي في التوزيع؟
يقال بعامة، أن البطالة ناجمة عن تقدم العلم والتقنية، أي تقدم وسائل الإنتاج، وهذا ما يزعمه الخطاب السائد. هذا الخطاب صحيح تماماً في الظاهر، أي هكذا تبدو الأمور على السطح. لكن ما هي الحقيقة؟ وهل هذه تطابق الظاهر، أم تختلف عنه؟ فليس من شك إطلاقاً أن استخدام وسائل إنتاج أكثر تقدماً يؤدي بصورة إجمالية إلى زيادة الإنتاجية،
وبالتالي إلى خفض كمية العمل اللازم للإنتاج وخلق فائض من الوقت، وقت الفراغ الذي يمكن تخصيصه لأغراض أخرى. هذا، أصلاً، أحد الأهداف الرئيسية للتقدم التقني، وهو يؤديها بنجاح تام. أما ما هو مصير هذا الفائض من الوقت الذي يحرره التقدم التقني من عملية الإنتاج، فتلك هي المسألة. وهذه المسألة ليست من مسؤولية التقدم التقني، وإنما هي من مسؤولية النظام الاجتماعي، ومن مسؤولية الإنسان العامل ذاته، فهما اللذان يقرران مصير هذا الفائض.
وهنا يكمن لب المشكلة كلها، لب الحقيقة التي يبرزها التقدم العلمي بجلاء، والتي يأتي الخطاب ليخفيها ويزيفها. ماذا نفعل بهذا الفائض؟ تلك هي المسألة الجوهرية التي تحددها مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة، أي "النظام العالمي". فإما أن يستخدم كتلة الوقت الفائض لخير الإنسان والبشرية، فيكون نظاماً اجتماعياً جيداً، تقدمياً، يمثل مصالحها تمثيلاً صحيحاً، أو على العكس من ذلك، يستخدمها لأغراض أخرى غير نافعة أو ضارة، ويكون عندئذ نظاماً اجتماعياً سيئاً، لاعقلانياً، وبالياً.
بعبارة صريحة، السؤال هو على الصعيد الوطني: أنهدر الفائض بتحويله إلى بطالة، أي برمي كتلة من العمال إلى قارعة الطريق، وحرمانهم من العمل والأجر، وإرهاق أسرهم، ودفعهم إلى اليأس والضياع وربما إلى ممارسة أنشطة محظورة و" أعمال" طفيلية ضارة وإلى الجريمة المنظمة، أو إلى الهجرة والاغتراب، وغير ذلك، مما يؤدي إلى خسائر فادحة اجتماعية وأخلاقية، أولاً، واقتصادية، ثانياً، حيث تنعكس في زيادة التكلفة العامة للإنتاج الوطني وبالتالي في ضعف المنافسة إزاء السلع والخدمات الأجنبية؟
الإجابة على هذا التساؤل، وفقاً للخطاب المذكور، هي بالإيجاب وهي واضحة نظرياً وعملياً ولا تترك أي مجال للشك. فالممارسة الرأسمالية في جميع البلدان الغربية تثبت ذلك صراحة
دون لبس، حيث الدول الرأسمالية لا تسعى إطلاقاً إلى وضع حل صحيح ونهائي لمشكلتي البطالة والفقر، كما سنرى لاحقاً، فهي تدرك تماماً أن مثل هذا الحل ليس مرغوباً من قبل سادة النظام من ناحية، وهو مستحيل عملياً في إطاره من ناحية اخرى. في هذه الحال ألا يغدو التقدم العلمي والتقني مناقضاً لغايته التي هي خدمة الإنسان وراحته ورقي شخصيته، وتكون زيادة الإنتاجية ضد مصلحة العامل، دون معنى، بل ذات معنى لا إنساني؟
أم نعيد استخدام الفائض في مجالات اقتصادية أخرى، أي في توسيع العملية الإنتاجية لإشباع الحاجات بشكل أفضل، وبخاصة الحاجات العليا التي تعطي معنى للحياة، من ناحية، ولزيادة أوقات الفراغ اللازمة للتمتع بالحياة والراحة والفنون، والاهتمام بالأسرة والأصدقاء وبالأمور الشخصية، وممارسة الأنشطة الاجتماعية التضامنية التي تحقق غاية إنسانية جميلة ونبيلة، وما شابه ذلك؟ أليس هذا بالضبط هو الحل الصحيح الذي يحقق الغاية من التقدم التقني ومن زيادة الإنتاجية؟ أليس هذا هو المنهج الصحيح الواجب تطبيقه لامتصاص فائض العمل كله وتقليص البطالة، أو إلغائها؟ أليس هو الحل الأفضل بل الوحيد الذي تفرضه نظرية اقتصادية-اجتماعية-أخلاقية هدفها وغايتها خير البشر وتناغم المجتمع والتقدم الإنساني؟ أليس في هذا بالضبط يكمن العلم الاقتصادي؟ لكن مثل هذا العلم يناقض النظرية الرأسمالية التي همها الأول حرية السوق والمنافسة والربح والسيطرة وتراكم الثروة في أيدي الأقلية، وحرمان الغالبية من البشر والشعوب من ثمار العمل والتقدم العلمي والتقني.
أما البلدان الفقيرة، فمثل هذه السياسات ترهق شعوبها اقتصادياً وسياسياً، كما أرهقت الاتحاد السوفييتي سابقاً، حيث تشكل أحد أهم أسباب تبديد الموارد والفقر، وعسكرة المجتمع وممارسة القمع والاستبداد وانتشار الفساد. لذا فإن هذه السياسات التي تفرضها العلاقات الدولية السائدة، وتفرضها عليها بخاصة، وبشكل مباشر وفج في كثير من الأحيان، القوى الكبرى والأنظمة المرتبطة بها، كإسرائيل على سبيل المثال بالنسبة للبلدان العربية، تشكل جريمة لا تغتفر بحق الشعوب الفقيرة وبحق البشرية ككل.
هكذا تبرز لنا ظاهرة البطالة كتعبير عن سوء العلاقات الاجتماعية وإجحافها، كوجه آخر لسوء توزيع أو تقسيم العمل الاجتماعي، وسوء توزيع الدخل والثروة، على المستويين المحلي والوطني، وعلى المستوى العالمي بين الدول الغنية والدول الفقيرة. وبالتالي يتضح لنا أيضاً، أن البطالة والقهر والحرمان التي تشكل آفات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية معاً، ليست نتيجة طبيعية للتقدم التاريخي، وبخاصة ليست نتيجة حتمية للتقدم العلمي والتقني، كما يزعم الفكر المحافظ المدافع عن المصالح والامتيازات المكتسبة ضد منطق العلم والتاريخ، وإنما هي ناجمة عن فساد وجور وخلل أساسي في النظام الاجتماعي السائد، في العملية الاقتصادية-الاجتماعية كلها الجارية اليوم في ظل العولمة وعلى جميع الصعد، الدولية والإقليمية والمحلية. هذا ما تذكرنا به تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة سنوياً، داعية الجميع، حكومات ومنظمات وشركات، إلى توجيه جهودها لتصحيح الخلل وبناء علاقات أكثر عدلاً وانسجاماً. لكن هذا "الجميع" لا يعني أحداً من الأحياء بالذات. فالمحرومون المهمومون بخبز يومهم، صوتُهم لا يُسمع. والأسياد غارقون في ترفهم وحساباتهم المصرفية، التي ليس لهم أوطان ولا قلوب ولا آذان. فلمن إذن النداء؟
ألا يمكن إذن حل المشكلة، مشكلة البطالة والفقر والحرمان والجوع؟ أليس ثمة بديل أو أمل حقيقي؟ نعم، دون ريب. هنالك مستقبلات بديلة، لكنها لن تهبط علينا من الأعالي. مستقبلات يزخر بها التاريخ، وعلينا أن نبحث عنها بجد وإيمان، ونعمل لتجسيدها في الواقع. نعم إننا "محكومون بالأمل"، والأمل يقتضي منا الاجتهاد والعمل دون كلل.
البطالة ... مشكلة مزمنة تبحث عن حل
أضحت مشكلة البطالة عائقا تنمويا كبيرا في الكثير من دول العالم الثالث وأصبحت سببا في تهديد استقرار العديد من الأنظمة والحكومات في ظل المعدلات المتزايدة للنمو السكاني في هذه البلدان وزيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.ووفقا لتعريف منظمة العمل الدولية فإن البطالة هي حالة الفرد القادر على العمل ويرغب في العمل ويبحث عن فرص عمل ولا يجد فرص العمل المطلوبة وليس له مورد رزق.وقد حذرت الأمم المتحدة من ارتفاع البطالة حول العالم إلى معدلات قياسية بلغت حوالي 186 مليون عاطل، وأشار التقرير الذي أعدته منظمة العمل الدولية إلى العديد من العوامل التي لعبت دورا مؤثرا في ارتفاع مؤشرات البطالة إلى 6,2 في المائة من إجمالي القوة العاملة في العالم .وشدد التقرير على أهمية خلق حوالي 8 مليون وظيفة جديدة خلال الـ12 عاما المقبلة في دول جنوب الصحراء الإفريقية حيث تبلغ معدلات البطالة 10,9 في المائة وإلا فإن الأهداف التي وضعتها قمة الألفية عام 2000 بتحقيق نسبة سكان العالم الذين يعيشون عند خط الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 لن تتحقق.
بركان البطالة يوشك على الانفجار
إرهاب ومخدرات وسرقة واغتصاب والبقية تأتي ! تنعكس بلا شك البطالة التي يعاني منها الشباب على سلوكهم وتلقي بظلالها على المجتمع الذي يعيشون فيه حيث بدأت تظهر في مجتمعنا صورة متكاملة لأوضاع شاذة في شكل تعاطي المخدرات والسرقة والاغتصاب والإحساس بالظلم الاجتماعي وما تولد عنه من قلة الانتماء والعنف وارتكاب الأعمال الإرهابية والتخريبية وهناك فئة أخرى تقوم بالكبت بداخلها مما يتحول بمرور الوقت إلى شعور بالإحباط ويخلق شبابا مدمرا نفسيا وعضويا.
وما الجرائم التي نطالعها يوميا على صفحات الحوادث من اغتصاب وسرقة وقتل وعنف ، ما هي إلا أصدق ترجمة وأدل تعبير عن حالة التخبط والواقع المتردي لشباب عاجز عن نيل أبسط حقوقه ، شباب يمتلك الطاقة والطموح ولا يجد المنفذ الطبيعي لتوجيهها، وللأسف قبل أن يبادر المجتمع بالسؤال : لماذا انتشرت هذه الجوانب السلبية بادر بالإدانة دون أن يبحث وينقب في جذور المشكلة الأصلية وهي البطالة وقلة فرص العمل المتاحة أمام الشباب.
للبطالة آثار نفسية واجتماعية
تفيد الإحصاءات العلمية أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية كما أن لها آثارها على الصحة الجسدية ، وأن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي .
شعور بالنقص وتقول الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية : أن البطالة تولد عند الفرد شعورا بالنقص بالإضافة إلى أنه يورث الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، وتضيف أن الفرد العاطل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع فتنشأ لديه العدوانية والإحباط ، والبطالة تحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه، وكذلك في الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير يمتد بدوره إلى الزوجات سلبا وينعكس الأمر على العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء .وتؤكد الدكتورة عزة على جانب خطير لمشكلة البطالة وهو تأخر سن الزواج حيث كشف تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة وبحوث الإحصاء حول الحالة الاجتماعية في مصر عن أن عدد عقود الزواج خلال عام 2004 قد انخفض إلى 491 ألف عقد مقابل 511 ألف عام 2003 وذلك بالرغم من تزايد عدد السكان، وتشير الدراسات كذلك إلى أن متوسط عدد الفتيات والشباب في سن الزواج من 20 ـ 30 سنة في مصر لهو أكبر من حيث النسبة مقارنة بعدد الشباب في نفس السن في المجتمعات الأوروبية، والنتيجة هي ارتفاع متوسط سن الزواج وإدراك الشباب بأنه ليس لديه أمل في الزواج فنشأت مأساة أخرى وهي وجود حاجة قائمة لم يتم إشباعها فكان البحث عن وسائل أخرى للتفريغ والإشباع فكان انتشار ( الزواج العرفي ) كمخدر وكمخرج لعدم القدرة على الزواج الشرعي وكغطاء للعلاقات المحرمة البعيدة عن القيم والأخلاق.
نماذج مشرفة في محاربة البطالة وبحثا عن سبيل لمواجهة البطالة فقد أطلق الداعية الإسلامي عمرو خالد حملة لمحاربة البطالة العربية والعمل على إيجاد فرص عمل لنحو 16مليون عاطل في الوطن العربي .
وأشار الداعية عمرو خالد في موقعه على شبكة الإنترنت إلى أن كثيرا من الإحصائيات العالمية تقول بأن معظم الوظائف في الدول المتقدمة ( ما يزيد عن 80 % ) موجود في منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة، بينما إجمالي المشروعات الصغيرة في الوطن العربي حوالي 700 ألف منشأة فقط .
وأوضح الداعية الشاب أنه يريد أن يحول قضية محاربة البطالة إلى مشروع قومي كبير يلتف الناس حوله مثل مشروع السد العالي .
وأكد عمرو خالد في إحدى حلقات برنامج ( صناع الحياة ) التي ركزت على مكافحة البطالة أن هذه المشكلة ستولد مصائب رهيبة مترتبة على بعضها توصل لأمراض نفسية أو للإدمان والجرائم وأن الكارثة قد تصل لحد ضعف الانتماء للبلد وكراهية المجتمع لينتهي الأمر بالعنف والإرهاب لأن هذا الشاب العاطل منهار وكاره للمجتمع، وأضاف خالد أن البطالة ستعمل على تأخر سن الزواج وانتشار الزنا والزواج العرفي .
البطالة فى مصر
يتأثر تقدير حجم البطالة في مصر بعدة مشاكل أهمها قلة البيانات وعدم دقتها بشكل يقود إلى تصور إجراءات التصحيح والعلاج. ويمكننا تتبع تطور حجم مشكلة البطالة في مصر من خلال بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حول تقدير حجم البطالة حيث نجد أنه في عام 1960 كان معدل البطالة 2.5 % من إجمالي حجم القوى العاملة، وفي تعداد 1976 يقفز الرقم إلى 7.7 % ثم إلى 14.7 % من تعداد 1986، ولكنه وصل في 1996 8.8 %.
على أنه من المهم هنا أن تشير إلى أن تلك الأرقام تتعلق فقط بالبطالة السافرة فهي لا تشمل البطالة المقنعة الإنتاجية كما لا تشمل البطالة الموسمية أي هؤلاء الذي يعملون في موسم معين ثم يتعطلون باقي العام كما لا تشمل أولئك الذين يعملون في حِرَف وقطاعات هامشية لا استقرار فيها تتسم بضعف الدخل للدرجة التي لا توفر الحياة اللائقة.
أما بالنسبة لرقم ومعدل البطالة الحقيقية في الوقت الراهن فهناك اختلاف فيها، فبيانات الحكومة متمثلة في الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن عدد العاطلين في مصر قد بلغ نحو 1.78 مليون عاطل في بداية عام 2002 بما يعني أن معدل البطالة قد بلغ نحو 9.1 %، وبالمقابل تشير بيانات البنك المركزي المصري في نشرته الإحصائية والشهرية الصادرة في أبريل 2002، إلى أن عدد العاطلين في مصر ثابت عند 1.5 مليون عاطل من العام المالي 69/97 وحتى العام المالي 2000/2001 حيث بلغ 7.6 % من إجمالي قوة العمل البالغ نحو 19.5 مليون نسمة.
وهذه البيانات بدورها تختلف عن البيانات التي أوردها صندوق النقد الدولي في تقريره لعام 2001، ولكنها جاءت معتمدة على بيانات عام 1995، وهو العام الذي تتوقف عنده بيانات صندوق النقد الدولي لعدم وجود بيانات يمكن للصندوق أن يأخذ بها للأعوام التالية لعام 1995.
كما يمكن الوصول إلى تقدير رقم أخر لحجم البطالة يختلف عن الأرقام السابقة، ويستمد من بيانات حكومية موثقة وذلك من خلال البيانات التي أعلنتها اللجنة العليا للتشغيل برئاسة رئيس الوزراء عند تطبيقها لنظام للتعامل المتقدمين لشغل عدد 170 ألف وظيفة حكومية تم الإعلان عنها عام 2001 فقد بلغ عدد عن يسحب استمارة تشغيل نحو 7 مليون شخص أما من قام بتقديم طلب فعلي لشغل الوظيفة فقد بلغ نحو 4.40 مليون.
وقد أشارت اللجنة الوزارية العليا للتشغيل إلى أن 53.5 % من بين 4.4 مليون تقدموا لشغل الوظائف الحكومية لا تنطبق عليهم الشروط وهذا يعني أن 46.5 % منهم أي نحو 2.05 مليون تنطبق عليهم الشروط وأولها أن يكون عاطلاً عن العمل.
يضاف إلى ذلك أنه لو تأملنا من اعتبرت الحكومة أن الشروط لا تنطبق عليهم سنجد أنهم لا زالوا داخل دائرة من يعتبر عاطل، ولكنهم خرجوا من دائرة المنافسة على 170 ألف فرصة عمل بسبب شروط أخرى للتشغيل، حيث أن 10 % من عدد المتقدمين أي نحو 440 ألف لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم بلا مؤهلات كما أنها اعتبرت أن 6.5 % من المتقدمين أي نحو 286 ألفاً لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم من خريجي ما قبل 1984.
كما أنها اعتبرت أن 10% من المتقدمين أي 440 ألفاً لا تنطبق عليهم الشروط لأنهم يعملون في أعمال غير دائمة وغير مؤمن عليهم. كما أعلنت اللجنة أن شروط التشغيل لا تنطبق على نحو 15 % من المتقدمين أي نحو 660 ألفاً باعتبارهم من النساء، ممن هن من خريجات النظام التعليمي اللاتي تزوجن ويعشن حياة مستقرة وكأن زواج المرأة واستقرارها يخرجها من قوة العمل، رغم أنهن في سن العمل ويرغبن في العمل وقادرات عليه.
وبناء على البيانات السابقة فإن عدد العاطلين وفقاً لهذا المصدر الحكومي يصبح 3.436 مليون عاطل (أي أكثر من ضعف الرقم الرسمي المعلن للبطالة) وهو عبارة عن 2.05 اعتبرت الحكومة أنهم تنطبق عليهم شروط التشغيل الحكومي ونحو 660 ألف امرأة مؤهلة وقادرة وطلبت العمل وهي في سن النشاط الاقتصادي، ونحو 440 ألف عاطل من غير المؤهلين ونحو 286 ألفاً من العاطلين من خريجي النظام التعليمي قبل عام 1984 أو بعد عام 200.
وبذلك تتضح حقيقة حجم مشكلة البطالة حيث يتوقع أن حجم البطالة الحقيقي لا يقل بأي حال من الأحوال عن 17 % : 20 % من حجم قوة العمل.
سمات مشكلة البطالة في مصر
أن الشطر الأعظم من كتلة البطالة يتمثل في بطالة الشباب الذين يدخلون سوق العمل لأول مرة . أن البطالة في مصر هي بطالة متعلمة؛ فالغالبية العظمى من العاطلين من خريجي الجامعات ومدارس ثانوية.
دور الافراد فى حل مشكلة البطاله
اولا: توصـيف المشكلة : تعد مشكلة البطالة من أهم واخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المصري والمجتمعات الأخرى في وقتنا الحالي إذا فهي مشكله عالمية وتعد البطالة مشكله اجتماعيه ذات أهمية كبيره لان وجودها يؤدى إلى حدوث اضطراب وخلل كبير في المجتمع.
وتتجلى خطورة هذه المشكلة في التزايد الكبير الذي يحدث في عدد العاطلين وأيضا في نوعية هذه المشكلة لان معظم العاطلين أو غالبيتهم في المجتمع المصري من ذوى المؤهلات العالية أو المتوسطة وتظهر خطورة هذا النوع من البطالة في إن هذه الفئة هم الأكثر وعيا وطموحا في المجتمع ووجودهم في هذاالوضع قد يجعلهم أكثر إحباطا وتمردا بالإضافة إلي إن الدولة تنفق الكثير والكثير من النفقات على تعليم هؤلاء دون إن تجنى منهم اى فائدة تذكر كما ان البطالة لاتؤثر فقط على الإفراد العاطلين بل أنها تمتد أيضا إلى أسرهم ويظهر ذلك في انخفاض دخل الأسرة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لأسر العاطلين.
إما عن حجم البطالة في مصر فقد شهدت مصر نموا كبيرا في حجم البطالة خلال العقود الثلاثة الأخيرة فقد وصلت نسبة البطالة إلي 2,2% عام 1960 ووصلت إلي 7,7% عام 1976 ووصلت إلي 14,7 عام 1986 .كما بلغت نسبة البطالة في مصر في عام 2006 حسب إحصائات وكالة المخابرات المركزية %10.30 ونتجت عن البطالة الكثير من الأمراض الأجتماعية مثل زيادة نسب الجرائم الجنسية حيث أن 90% من الجناة عاطلون عن العمل. وزيادة الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية وإقبال عدد الشباب المصري على الإنتحار للشعور باليأس بسبب البطالة، وعدم قدرتهم على إعالة أسرهم.
وفي عام 2006 أعلن المركز المصري للحد من البطالة والدفاع عن حقوق الإنسان، عن تأسيس أول رابطة "للعاطلين" في مصر، في محاولة لتغيير حياتهم من خلال توفير فرص العمل لهم وقد أوضحت البيانات ارتفاع نسبة البطالة في الريف عنها في المدن وارتفاع نسبة البطالة في الإناث عن الذكور خاصة في الريف حيث وصلت إلي 44% إما في الحضر فقد بلغت نسبة البطالة في الإناث حوالي 17% ويرجع ذلك إلي رفض عمل المرأة في الريف ورفض الأسر الريفية لتعليم الإناث.
ومن ذلك كله تتضح خطورة مشكلة البطالة في المجتمع المصري والتي يجب إن نتصدى له بقوة ونقدم حلولا جادة لهذه المشكلة.
ثانيا: الحـلول المقترحه
كما علمنا أن مشكلة البطالة هي من أهم المشكلات وأخطرها التي تواجه المجتمع المصري ولذلك فيجب تقديم حلول جادة لهذه المشكلة والتي من شأنها القضاء على هذه المشكلة ومن أهم هذه الحلول كالاتى :
1. ...أن تقوم الدولة بالتخطيط لإعداد القوى العاملة بتزويد الأفراد بالتدريبات المناسبة لكل مهنة وان يكون على علم ودراية بكل ما يحدث من متغيرات في هذه المهنة حتى يستطيع التكيف مع متطلباتها
2. يجب أن توجه الدولة اهتماما كبيرا للتربية المهنية وذلك لوجود فجوة بين ما يعطى في المدرسة وبين الأعمال الموجودة المجتمع لذا فعليها توجيه الطالب إلى عالم الإعمال ومساعدتهم على اختيار الأعمال والوظائف التي تناسبهم
3. وهناك دور أخر يقع على عاتق الدولة وهو توعية الأفراد بأهمية العمل اليدوي بسبب النظرة المتدنية للأعمال اليدوية في مجتمعنا المصري والنظرة إلى الأعمال المكتبية على إنها أعظم الأعمال
4. وعلى الدولة أيضا أن توفر فرص عمل جديدة للشباب وذلك من خلال بناء المدارس الجديدة والمستشفيات والمصانع والتي من شانها توفير فرص عمل جديدة وان يعتمد التقدم لهذه الأعمال على كفاءة وقدرة المتقدمين ولا يعتمد على الوسائط والمحسوبيات
5. ويمكن أن تتيح الدولة فرص عمل أخرى للشباب وذلك من خلال إعطائهم القروض المادية وتسهيل إجراءات عمل مشروعات ملائمة للشباب وتوفير الأماكن والخامات المناسبة لهم للقيام بمثل هذه المشروعات
6. لكن حل مشكلة البطالة لا يقع على عاتق الدولة وحدها ولكن على الأفراد أيضا ويقع دورا كبيرا على رجال الأعمال والمسؤلين فعليهم أيضا العمل على توفير فرص عمل للشباب
7. وغير ذلك فإن الأفراد لهم دور كبير في حل مشكلة البطالة فعليهم تعلم الحرف المختلفة ومحاولة تطويرها وعليهم أن يقدروا قيمة الحرف والأعمال اليدوية وإنها مهمة أيضا كباقي الأعمال في خدمة مجتمعهم
8. رفع وتيرة النمو الاقتصادي بشكل يمكن من خلق مناصب الشغل ( في ظل الرأسمالية المعولمة يمكن تحقيق النمو دون خلق فرص الشغل)، و في الدول الصناعية لا يمكن الارتفاع عن نسبة 2.5 في المئة بسبب قيود العرض ( يتم تدمير النسيج الاقتصادي للعالم الثالث لحل أزمة المركز من خلال سياسات التقويم الهيكلي و المديونية التي من نتائجها تفكيك صناعات العالم الثالث و تحويله لمستهلك لمنتجات الدول الصناعية).
9. خفض تكلفة العمل أي تخفيض الأجور بشكل يخفض تكلفة الانتاج و يرفع القدرة على المنافسة و تحقيق الأرباح .
10. تغيير شروط سوق العمل يعني المطالبة بحذف الحد الأدنى للأجور، خفض تحملات التغطية الاجتماعية و الضرائب، وتقليص أو حذف التعويض عن البطالة تخفيض الأجور و سعات العمل ( المرونة في الأجور و سعات العمل ).
أما الحل الجذري لقضية البطالة فيتطلب إعادة هيكلة الإقتصاد على قاعدة التملك الجماعي لوسائل الانتاج و تلبية الحاجيات الأساسية لكل البشر خارج نطاق الربح الرأسمالي، أي بناء مجتمع آخر لا يكون فيه نجاح الأقلية في العيش المترف على حساب عجز الأغلبية في الوصول إلى الحد الأدنى من العيش الكريم.
وهذه الحلول الذي طرحت من اجل حل مشكلة البطالة ليست هي كل ما يمكن القيام به من اجل القضاء علي هذه المشكلة ولكن هناك حلول أخري تقع علي عاتق الفرد والمجتمع .وعلي الرغم من إننا لا نستطيع حل هذه المشكلة حلا جذريا ولكن علين المحاولة حتى وإن تم تحقيق حل جزئي لهذه المشكلة .
ثالثا: تكلفة الحـل
ولكي تقوم الدولة بحل مشكلة البطالة فإنها ستنفق الكثير من النفقات وتقوم بالكثير من الإجراءات من اجل توفير فرص عمل جديدة للشباب .
عند قيام الدولة مثلا ببناء المدارس والمصانع والمستشفيات وغير ذلك من المنشآت الجديدة التي من شأنها توفير فرص عمل جديدة للشباب من ذوى الحرف وأيضا من ذوى المؤهلات العالية والمتوسطة .
وتزداد التكلفة المادية أيضا التي تقدمها الدولة في إعطاء القروض والتسهيلات للشباب من اجل إقامة المشاريع التي توفر لهم ولغيرهم فرصة عمل وترتفع أيضا تكلفة الأماكن والخامات والأجهزة التي توفرها الدولة لهذه المشاريع
كما تقدم الدولة الكثير من الإجراءات لبناء بعض المدارس التي الحرف المختلفة للشباب وتقوم بتوعيتهم بأهمية العمل اليدوي كما تنفق الدولة علي بناء مثل هذه المدارس الكثير من الأموال لأنها تتطلب توفير الخامات والأجهزة المناسبة لتعليم الحرف المختلفة .
وأيضا تنفق الدولة ملايين الجنيهات علي استصلاح الاراضى وزراعتها مناجل توفير فرص العمل أو إنها تعطى الشباب بعض المساحات من هذه الاراضى الغير مستصلحة من اجل استغلالها أو إقامة بعض المشروعات عليها.
رابعا: قيمـة العائد من حل المشكلة
ومما سبق علمنا أن حل مشكلة البطالة يتكلف الكثير من النفقات والإجراءات ولكن من المؤكد أن حل هذه المشكلة سوف يعود علينا بالكثير والكثير من الأرباح المادية والمعنوية .
. إن توفير فرص عمل للعاطلين يجعلهم قادرين علي تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة لأسرهم على الأقل وبالتالي سيجعلهم قادرين علي العطاء وعلي العمل والإنتاج وتقديم الكثير والكثير لمجتمعهم وبالتالي يستفيد منهم المجتمع بدلا من أن يكونوا عبا عليه .
• وأيضا ستستفيد الدولة من استصلاح الاراضى وإقامة المشروعات الصغيرة عليها لان هذا سيتضمن العائد المادي الذي يعود علي الدولة بدلا من ترك هذه الاراضى دون الاستفادة منها .
• وإذا قدمت الدولة القروض والتسهيلات للشباب فإن ذلك أيضا لديه نتاج مادي يعود علي الدولة من نجاح المشروعات التي يقيمها الشباب من خلال هذه القروض وتحقق هذه المشروعات الكثير من الإرباح والإيرادات والمنتجات التي يستفيد منها الفرد والمجتمع والتي تقوم الدولة بتصدير بعضه إلي الخارج وخاصة المنتجات اليدوية الجميلة . ومن ذلك كله فإن الربح الكبير الذي يعود علي الدولة من حل مشكلة البطالة هو الاستفادة من كفاءة هؤلاء الشباب في العملية الإنتاجية وأيضا تحقيق الربح المادي الكبير من وراء المشروعات التي يقومون بها وبذلك يكون العائد المادي والمعنوي من حل مشكلة البطالة اعلي من التكلفة التي أنفقت في الحل .
خامسا: الخلاصة والتعليق
ومما سبق يتبين أن مشكلة البطالة من أهم واخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المصري وتهدد أمنه والتي تعمل الدولة والحكومات على حلها من اجل تحقيق التقدم والرخاء لمجتمعنا المصري كما تبذل الدولة الكثير من النفقات في حلها والتي تعتبر عائقا بعض الشئ في سبيل القضاء علي هذه المشكلة نهائيا .ولكن حل هذه المشكلة يعود بالكثير من الفائدة الفرد والمجتمع الفائدة المادية والسياسية والاجتماعية والنفسية .وبالتالي فإن القضاء على مشكلة البطالة سيؤدى إلي التقدم السريع في كافة المجالات وخاصة في مجال العمل والإنتاج.
العلاقة بين الفقر والبطاله
البطالة والفقر: ملاحظات وتأملات [1]، حيث بدأت أزمة الركود العالمية في عامي 1981-1982 وانهارت أسعار المواد الأولية؛ وحيث بلغت التباينات في الدخول وأنماط الحياة فيما بين "الأغنياء" و"الفقراء" مستويات لا سابق لها: أسرة من الطبقة الوسطى في ضواحي باريس مثلاً تحصل على دخل يزيد مئة مرة على ما تحصل عليه أسرة قروية في جنوب-شرق آسيا.
إن "برامج التصحيح الهيكلي" المصمَّم من قبل صندوق النقد الدولي يشكل وسيلة شديدة الفاعلية لإعادة تنميط حياة مئات ملايين الأشخاص، وله أثر مباشر على عولمة البطالة والفقر. إن المزيج الثلاثي ذاته، المكون من التقشف في الموازنة العامة وفتح الحدود والخصخصة، يجري تطبيقه في كل البلدان المدينة في العالم الثالث وأوربا الشرقية، حيث تفقد هذه البلدان كل سيادة اقتصادية وكل رقابة على سياساتها الضريبية والنقدية؛ أما البلدان التي لا تنفذ قواعد صندوق النقد الدولي فتوضع على لائحة سوداء.
إن عدد البشر الآن هو 6 مليارات شخص، منهم خمسة مليارات في البلدان الفقيرة. وبينما الدول الغنية التي تعد نحو 15% من سكان العالم، تتصرف بنحو 80% من الدخل العالمي، فإن نحو 56% من البشر يعيشون في البلدان ذات "الدخل المنخفض"، حيث نحو ثلاثة مليارات من الكائنات البشرية تتصرف بنسبة 4.9% من الدخل الكلي فقط، أي أقل من الناتج الوطني الإجمالي لبلد غربي كألمانيا، على سبيل المثال. أما إفريقيا جنوب الصحراء بسكانها البالغ عددهم 500 مليون شخص، فإنها تحصل على أقل من 1% من الدخل العالمي، أي ما يعادل نصف دخل ولاية تكساس تقريباً[2].
إن أقلية اجتماعية، في العالم كله تثري على حساب الشعوب وتسبب لها الفقر والإملاق والبطالة وتدفعها أحياناً إلى صدامات مهلكة بين القوميات والطوائف. وفي العالم كافة ترتفع الأصوات ضد هذا النظام الجائر. أما البنك الدولي -الذي مهمته الرسمية "الكفاح ضد الفقر" وحماية البيئة- فإنه يساهم ميدانياً في تفكيك خدمات الصحة والتعليم. كما أن دعمه للمشاريع العملاقة في مجالات الطاقة والتصنيع الزراعي يسرّع في القضاء على الغابات وفي تدمير المنظومة البيئية، مما يؤدي إلى تهجير إجباري لملايين من الأشخاص وتوريطهم في البطالة والفقر. وفي الشرق كما في الجنوب، ثمة مئات ملايين من الأطفال ناقصي التغذية والمحرومين من التعليم وملايين الفتيات والنساء اللواتي يدفعهن الفقر إلى مهاوي البغاء والاستعباد. وفي مناطق عديدة من العالم، يؤدّي الضغط الشديد في النفقات الاجتماعية إلى تفشي أوبئة كالسل والملاريا والكوليرا...
إن حقوق الشعوب يتم كبحها بقدر ما تعتمد المنظمة العالمية للتجارة (OMC) بنوداً عديدة من "التصحيح الهيكلي". فالتفويض الممنوح للـOMC قوامه وضع قواعد التجارة العالمية في صالح البنوك والشركات متعددة الجنسية الكبرى، وكذلك "مراقبة" تنفيذ السياسات الحكومية الوطنية بالتعاون الوثيق مع صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
إن السياسات المرسومة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي تزيد في حدة التفاوتات بين البشر والأمم. غير أن الحقيقة يجري تمويهها بشكل متزايد في "العلم الاقتصادي" النيوليبرالي وبتزييف إحصاءات الدخل. هكذا "يقدر" البنك العالمي مثلاً أن في أميركا اللاتينية وجزر الكاريبي ثمة 19% فقط من السكان هم "فقراء" –وهو تقدير خاطئ بكل تأكيد لأننا نعلم أن في الولايات المتحدة ذاتها ثمة واحد من كل ستة أشخاص يقع تحت عتبة الفقر، بحسب الأرقام الرسمية[4].
في العديد من البلدان المدينة انخفض الدخل الحقيقي في القطاعات الحديثة بنسبة 60% منذ بداية عقد الثمانينات. أما وضع المشتغلين في القطاع الموازي والعاطلين عن العمل، فإنه أكثر مأساوية أيضاً. في نيجيريا مثلاً وتحت حكم الجنرال إبراهيم بابانجيدا، انخفض أجر الحد الأدنى بنسبة 85% وهو يتراوح الآن بين 10 و20 دولاراً في الشهر[5]. والأمر مشابه لذلك في الكثير من البلدان الفقيرة. في شمال فيتنام، مثلاً، كانت الأجور نحو 10 دولارات شهرياً في عام 1992، في حين أن سعر الأرز كان يصعد إلى المستوى العالمي في أعقاب تطبيق إجراءات التحرير الاقتصادي كما يوصي بها صندوق النقد الدولي.
إن انتشار وباء الكوليرا، الذي يمكن تفسيره إلى حد بعيد بانتشار الفقر وانهيار البنية التحتية للصحة، هو أيضاً نتيجة مباشرة لبرنامج صندوق النقد الدولي وإعادة "حقيقة الأسعار": بسبب ارتفاع سعر المحروقات 30 ضعفاً، فإن سكان الأكواخ في ليما، وكذلك "الطبقات الوسطى"، لم يعد باستطاعتهم غلي المياه ولا طهي طعامهم[6].
أما الانتفاضات الشعبية ضد التصحيح الهيكلي فيتم سحقها بضراوة، كما حدث في العديد من بلدان العالم الثالث، ومنها البلدان العربية، كمصر والأردن والجزائر وتونس والمغرب، برعاية البنك العالمي ودول الغرب المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان. إن الرئيس كارلوس أندرس بيريز، في شهر شباط 1989 في كراكاس، وبعد أن شهّر شكلاً بصندوق النقد الدولي الذي يطبق «كليانية اقتصادية تقتل ليس بالرصاص وإنما بالتجويع»، كما يعترف هو ذاته بذلك، أعلن هو نفسه حالة الطوارئ وأرسل الجيش إلى أحياء الأكواخ في المرتفعات المهيمنة على العاصمة. لقد كان سبب الانتفاضات زيادة سعر الخبز بنسبة 200%. والنتيجة، بحسب مصدر شبه رسمي، كان ثمة أكثر من ألف شخص قد قتلوا. في المكسيك، في عام 1994: تمرد جيش التحرير الوطني الزباطي في منطقة التشياباس وفي جنوب البلاد. في روسيا الفدرالية، في عام 1993: حركة احتجاجات وقصف مدفعي (انتقامي) للبرلمان من قبل الجيش. طويلة هي لائحة انفجارات الغضب.
إن عولمة الفقر والبطالة تغذي نمو اقتصاد كوني موجه إلى التصدير ومعتمد على يد عاملة رخيصة، بينما طاقات الإنتاج هائلة بسبب ضخامة كتلة اليد العاملة هذه. "التصدير أو الموت"، ذاك هو الشعار. أما الأفكار عن بدائل المستوردات والإنتاج للسوق الداخلية فقد غدت قديمة ورجعية، كما يُعلَن. «يجب على الدول أن تتخصص بحسب الميزات المقارنة التي تمتلكها»، فمفتاح النجاح يكمن في تشجيع التصدير، وهذا ما يدفع إليه البنك العالمي. وهكذا فإن شعوب العالم الثالث، وبلدان أوروبا الشرقية ذوات اليد العاملة الرخيصة، تُدفع في عملية منافسة لا كابح لها، وكل منها يريد أن يبيع إلى الأسواق ذاتها، الأسواق المتخمة في أوروبا وأميركا الشمالية. أما أسعار المنتجات المصنوعة، فتتبع منحنىً يشبه منحنى المواد الأولية. إن تشجيع الصادرات، عندما يخص عدداً كبيراً من البلدان في الآن ذاته، يؤدي إلى فائض الإنتاج وإلى انخفاض المداخيل. ومن هنا هذه المفارقة: ما كان يُعلَن عنه على أنه "الحل" لأزمة المديونية يغدو سبباً لها: إن تشجيع سياسة تصديرية يؤدي إلى انخفاض أسعار المنتجات، وبالتالي إلى انخفاض المداخيل التي يُقدَّر أنها ستخصص لتسديد الديون0 أضف إلى ذلك، أن مدخولات المنتجين في هذه البلدان، والمعتمدة على التصدير تذهب لموزعي الجملة والمفرّق والضرائب المالية في البلدان المتقدمة، هذا عدا مدفوعات العائدات وحقوق استخدام التقنيات الغربية. في قطاع الألبسة، مثلاً، يشتري التاجر قميصاً من فيتنام أو تايلاند، مصمَّماً في باريس، بثلاثة أو أربعة دولارات؛ ثم يباع هذا المنتَج في الغرب بـ45 دولاراً: هناك إذاً 41 دولاراً دخلاً لـ"غير المنتِج" من الشمال، أي عشرة أضعاف أكثر مما يحصل عليه المنتِج المباشر في الجنوب. والأمر كذلك في النفط والمواد الأولية والخضار والفواكه وغيرها: الفقراء ينتجون ويجوعون، والأثرياء يزدادون تخمة وثراء.
ومقابل ذلك الفقر والحرمان، ينمو ويبرز اقتصاد الترف الذي يتمتع به أفراد الطبقات الحاكمة والغنية وأسرهم وحتى أزلامهم: رحلات ترويحية، سيارات، إلكترونيات، ثورة الاتصالات عن بعد، الخ. إن ثقافة الشراء المنتشرة في المناطق الحرة والمعفاة من الرسوم (duty-free) المبنية حول السيارة والطائرة، تجذب موارد مالية غزيرة فتقدم بذلك جرعة أوكسجين لاقتصاد عالمي تهدده أزمة الركود[7]. لكنها بالمقابل تتناقض وبشدة متزايدة مع الكساد في القطاعات المنتجة للسلع والخدمات التي تغطي الضرورات الأولية. نصل هكذا إلى ثنائية في الاستهلاك تنبسط على مستوى الكرة الأرضية كلها: في العالم الثالث وفي أوروبا الشرقية يبرز التناقض بين ركود الإنتاج في المواد الغذائية وبناء المساكن وتوفير الخدمات الاجتماعية، من ناحية أولى، وجيوب صغيرة من أصحاب الامتيازات الذين يعيشون حياة الترف، من ناحية ثانية. إن فئات "النخبة" في البلدان المدينة، وفئات أصحاب المناصب القيادية في الدولة (nomenklatura)، ورجال الأعمال الجدد في أوربا الشرقية، هم جميعا محركو هذا التطور والمستفيدين منه في الآن معاً. فالتفاوتات الاجتماعية في بلدان مثل بولونيا وهنغاريا أصبحت تماثل تلك التي في أميركا اللاتينية.