Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: بحث مفصل عن كوسوفا الحقيقة المرة كامل بالتنسيق الخميس 20 أبريل - 9:51 | |
| بمناسبة اقتراب الذكرى الأولى للتدخل الدولي في يوغوسلافيا / كوسوفا كثرت التصريحات والتعليقات والتوقعات حول رصيد هذا الإقليم ذي الأغلبية الألبانية المسلمة الذي كان وراء أكبر مأساة حرب تعرفها أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين، وبالتحديد حول احتمالات "الوضع القائم" و"الوضع القادم". كوسوفا.. الماضي والمستقبل اشتعلت أزمة كوسوفا في العام 1999م عندما تدخلت قوات الجيش اليوغسلافي- وقتذاك- لضرب سكان الإقليم الألبان الذين طالبوا باستقلال الإقليم، وقد ارتكب اليوغسلاف في الإقليم فظائع وصلت إلى مستويات مماثلة لما ارتكبه الصرب ضد المسلمين خلال حرب البوسنة التي لم تكن قد هدأت بعد الأمر الذي دفع المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلنطي إلى التدخل في الإقليم من خلال شنِّ عملية عسكرية انتهت بوقف الانتهاكات اليوغسلافية ضد سكان الإقليم ووضع كوسوفا تحت إدارة الأمم المتحدة منذ ذلك العام. وقد تشكلت مجموعة اتصال دولية لمتابعة ملف الإقليم تضم في عضويتها كلاًّ من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، كما تمَّ تعيين مارتي أهيتساري مبعوثًا دوليًّا لكوسوفا، ولم تفِ مجموعة الاتصال بالتعهد الذي أطلقته بالتوصل إلى حلٍّ للأزمة في الإقليم في نهاية العام الماضي 2006م؛ حيث وقع تطورٌ سياسيٌّ كبيرٌ في المنطقة، وهو انفصال الجبل الأسود "مونتينجرو" عن جمهورية صربيا ومونتينجرو التي ورثت الاتحاد اليوغسلافي السابق، مما أسفرَ عن وقوع الإقليم في الدولة الجديدة، وهي دولة صربيا والتي نشط فيها الحزب القومي الصربي الذي يتخذ موقفًا خاصًّا من إقليم كوسوفا فماذا هو هذا الموقف..؟! الحزب القومي الصربي يتخذ موقفًا رافضًا تمامًا لاستقلال كوسوفا، وكان قد طالب الحكومة الصربية في يوليو الماضي بالتدخل عسكريًّا في الإقليم إذا فكَّر في الاستقلال وأعلن زعيم الحزب توميسلاف نيكوليتش أن الحزب سيقوم بالتحرك في الشارع لإسقاط الحكومة الصربية إذا لم تتخذ أي إجراءٍ في حالة إعلان كوسوفا الاستقلال، ويجد المتطرفون القوميون الدعم الكافي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن رفضه التام لأية محاولات استقلالية من جانب الإقليم لكنه أعلن أنه سيقبل بأي موقفٍ يتوافق عليه الصرب والألبان. لذا فإنَّ صعودَ الحزب في المشهد السياسي الصربي وفوزه بالانتخابات التشريعية الأخيرة يعني تضرر الجهود الدولية المبذولة لحل أزمة كوسوفا من أكثر من جهة، وأولى تلك المشكلات إنه في حالة تشكيل الحزب للحكومة من خلال ائتلاف مع بعض الأحزاب الصغيرة فإنَّ المفاوضات بين الحكومة الصربية والمجتمع الدولي حول مستقبل كوسوفا سوف تتوقف تمامًا؛ مما يعني إطالة أمد معاناة أهل كوسوفا في ظل الانتهاكات التي يقوم بها الصرب ضدهم، وحتى في حالة عدم تشكيل الحزب ومشاركته في ائتلاف حكومي تكون فيه قدرته محدودة فإنَّ تلك الحكومة المفترضة لن تكون قادرةً على اتخاذ قرارات حاسمة في مسألة حق كوسوفا في الاستقلال أو على الأقل منحه الحكم الذاتي خشيةَ خروج الحزب القومي الصربي من الائتلاف الحكومي؛ مما يُدخل البلاد في حالةٍ من الفراغ السياسي تقود إلى انتخاباتٍ مبكرة قد يحقق فيها الحزب انتصارًا يجعله قادرًا على تشكيل الحكومة بصورةٍ منفردة. أيضًا فإنه سواء كان الحزب في داخل الحكومة أم خارجها فإن انتصاره السياسي في الانتخابات سيدفع أنصاره إلى التصعيد من خطابهم السياسي، مستندين إلى تحولهم لقوةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ في البرلمان والحياة السياسية الصربية بصفةٍ عامة؛ الأمر الذي قد يتحول في جزءٍ منه إلى ممارسات عدوانية ضد مسلمي كوسوفا تتمثل في تزايد أعمال العصابات التي يعاني منها أهل الإقليم في الفترة الحالية وتهدف إلى إرهاب سكان الإقليم ومنعهم من التفكير في الاستقلال أو حتى الحكم الذاتي. ومما يدعم توجهات التيار القومي المتطرف في صربيا صدور دستور صربيا الجديد بعد الانفصال عن الجبل الأسود، وهو الدستور الذي يعتبر كوسوفا جزءًا لا يتجزَّأ من صربيا، وكان محل انتقادٍ كبيرٍ من سكان الإقليم. على الرغم من أن مستقبل كوسوفا بلغ اليوم المرحلة الأكثر حسما منذ اندلاع الأزمة في عام 1999، فإنه من الواضح ألا شيء قد أنجز واقعيا على مدار الأعوام الثمانية السابقة لحل أزمة كوسوفا. ويعود السبب في هذا الفشل تحديدا إلى القوى الغربية المركزية التي كانت العائق الأساسي أمام إيجاد حل للأزمة حيث غاب عنها حسن التصور والابتكار والفاعلية. وبدت جهود هذه الدول كأنها نوع من الإجراءات التعسفية والنزوات الذاتية؛ لأنها أغمضت أعينها عن دراسة الواقع على الأرض وقدمت من الحلول ما يخدم مصالحها الخاصة بأكثر مما يخدم شعبي كوسوفو وصربيا. وفي الوقت ذاته، تملكت نبرة الغضب واستحضار الماضي كلا من برشتينا وبلجراد، وبدلا من أن يطرحا مبادرتهما الخاصة، انتظرتا القوى الغربية لتمدهما بالإجابات على المشكلات الحاسمة. ونتيجة لذلك بقيت قضية كوسوفا ضمن الأزمات المجمدة التي تنتظر حلا إلى درجة يمكن القول معها أن خروج الأزمة عن هذه الحالة الجامدة قد يكون بعودة العنف مجددا إذا لم يقدم الطرفان فعلا ذاتيا خاصا بهما. ومنذ أن أصبحت قضية كوسوفا في عهدة الأمم المتحدة ومجموعة الاتصال الدولية، فتحت نوافذ للفرص يمكن استغلالها لحل هذه الأزمة. لكن هذه النوافذ لن تبقى مفتوحة طويلا إذا لم تتمكن بلجراد وبرشتينا من الاتفاق على تسوية مرضية وحل وسط للأزمة التي قد تعود لمرحلة الصراع العنيف إذا أعلنت برشتينا الاستقلال من جانب واحد، كما أنه من الضروري لكل من بلجراد وبرشتينا -إذا أرادتا استغلال هذه الفرص- أن تدركا وجود ست حقائق صعبة على أرض الواقع حتى وإن لم ترق هذه الحقائق لهذا الطرف أو ذاك. ست حقائق ماثلة أولا: موت خطة المبعوث الدولي إلى كوسوفا "مارتي أهتيساري" (تتضمن هذه الخطة اقتراحا بمنح الإقليم استقلالا تحت إشراف مدني وعسكري دولي. وقد ناقشها مجلس الأمن في شهر إبريل الماضي 2007، لكن لم يصدر قرار دولي بها بسبب المعارضة الروسية؛ الأمر الذي دعا إلى تشكيل ترويكا لبحث حل لمستقبل إقليم كوسوفا). ورغم حديث بعض أعضاء الأمم المتحدة عن إحياء أجزاء من هذه الخطة؛ فالأحداث الآن قد تجاوزتها باعتبارها في الأصل مقترحا أوليا من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، يقوم على خلق نوع من التجمعات الإثنية "المشتركة" في كوسوفا عبر فرض الحل على الطرفين، الصرب والألبان، وهو حل يتجنب الواقع على الأرض تحقيقا لمصالح هذه الدول على حساب مصالح من يعيشون في هذه المنطقة. ولا يعني انهيار خطة أهتيساري سوى ضرورة أن تدرك أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون الغربيون ألا أمل في الحل دون اعتبار الصرب والألبان شريكين حقيقين في أية مفاوضات جادة. ثانيا: تضاؤل التأثير الأمريكي عن ذي قبل، وصعوبة قيام أمريكا بفرض حل على أعضاء مجموعة الاتصال. فالتعليقات الواردة حديثا على لسان "فولفجانج إيشينجر" ممثل الاتحاد الأوروبي و"بوتسان خارتشينكو" ممثل روسيا في مجموعة الترويكا -تضم إلى جوارهما أمريكا- التي أوفدت مؤخرا (أواخر يوليو 2007) إلى كوسوفا لبحث الواقع الميداني هناك والتوسط من أجل الوصول لاتفاق بشأن مستقبلها، أكدت "أن لا شيء مستحيل.. وكل شيء يمكن أن يحل على مائدة التفاوض". ويعد هذا الموقف تطورا إيجابيا يشير إلى موقف روسيا والاتحاد الأوروبي القائم على مد الفترة التفاوضية لأبعد من المائة والعشرين يوما التي حددها مجلس الأمن الدولي لمناقشة القضية، وتنتهي في 10 ديسمبر 2007. وإذا حدث ذلك، فربما تلجأ الولايات المتحدة بطريقة انفرادية للسعي لإعلان كوسوفا المستقلة، لكن هذا يحمل مخاطرة كبرى ويسبب توترات مع الحلفاء الأوروبيين؛ لأن بناء دولة جديدة والاعتراف الدولي بها يتطلب موافقة الأمم المتحدة. وبالنظر إلى الكارثة الأمريكية الراهنة في العراق، فلا يمكن لأمريكا أن تغض الطرف عن القانون الدولي خاصة لدى الاعتراف الدولي بدولة جديدة. ثالثا: لا تزال بلجراد وبرشتينا حبيستين للكره المتبادل، وتنظر كل منهما للقضية باعتبارها مباراة صفرية الطابع. وإذا لم ينكسر هذا الحاجز النفسي، فمن المؤكد أن تعود وتيرة العنف بسرعة، فكافة مستويات السلطة في المجتمع الألباني تصر على استقلال كوسوفو -وفق الحدود الحالية- ولن تتراجع برشتينا عن هذا الموقف، بينما الحل الوحيد المقبول من بلجراد هو اعتبار كوسوفا مقاطعة صربية حتى وإن حظيت بما هو أكثر من الحكم الذاتي. وواقعيا، فقد نص الدستور الصربي الجديد على أن كوسوفو مقاطعة صربية، لكن في ذات الوقت هناك وميض من الأمل في تراجع بلجراد عن هذا الموقف المتصلب بعد أن أعلن بعض المسئولين إمكانية العدول عن هذا الموقف. رابعا: موت التعدد الإثني في كوسوفو، إذ تشير الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي والأحاديث المتواترة عن العامة بالمنطقة إلى أن غالبية الصرب والألبان لا يريدون العيش معا في مجتمع واحد أو أن يحكما بواسطة حكومة من المجموعة الإثنية الأخرى. ولا يدرك صانعو السياسة الغربيون الساذجون اليوم هذه الحقيقة، فهم يرون ألا وجود الآن للدولة الإثنية في أوروبا.. تلك الدولة التي عرفتها أوروبا في القرن الماضي بعد الحرب العالمية الأولى مع انهيار الإمبراطوريات النمساوية/المجرية والألمانية والعثمانية، وعرفتها مرة أخرى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا بعد نهاية الحرب الباردة، وبالتالي يتغاضون، وبمثالية وأمنيات غير مبررة، عن حقيقة أن الإثنيات تعد عاملا جوهريا في بناء المجتمعات السياسية في غرب البلقان حتى اليوم. خامسا: إن تجدد العنف داخل وحول كوسوفو مجددا سيؤدي لعودة التدخل العسكري الخارجي من لدن أمريكا والاتحاد الأوروبي اللذين لن يسمحا بإبقاء غرب البلقان مرة أخرى خارج السيطرة، وهذا تلقائيا سيؤدي إلى بقاء قواعد الناتو في كوسوفو كما يقترح البعض في صربيا. بيد أن تحمل الأوروبيين عبء اتخاذ رد فعل عسكري جديد، علاوة على بقاء عدد من القوات الأمريكية المحدودة في قاعدة "بوندستيل"، ورغم أنه سيكون أساسا للفصل بين المناطق العسكرية الألبانية والصربية، فإن هذا التواجد العسكري لن يدوم للأبد، كما أن اعتماد هذا الخيار سيقود إلى فشل الجهود لإيجاد حل سياسي دائم، ولن يحل كذلك مشكلة الأمن بالمنطقة. سادسا: إن قضية كوسوفو هي في التحليل الأخير قضية إثنية وقضية سيادة على الأرض. وهذه حقيقة يعتبرها بعض المسئولين والدارسين من خارج المنطقة عابرة، ويجادلون في ذلك بالقول إن كيان المنطقة سيذوب يوما ما داخل الاتحاد الأوروبي حيث تصبح مفاهيم الدولة والسيادة أقل أهمية. ويقيم هؤلاء رأيهم على أن تأسيس الاتحاد الأوروبي أنهى آلاف السنين من العنف القومي والإثني اللذين قاما على المفهوم التقليدي لسيادة الدولة، والتي أصبحت غير ذي مضمون جدي في شمال وغربي أوروبا الآن. لكن للأسف يعد هذا إخفاقا في فهم منطق الدولة والسيادة في غرب البلقان؛ لأن الدول في هذه المنطقة لا تزال تعتمد المفهوم التقليدي لكل من الدولة والسيادة بل ويفهم غالبية الناس هناك أن عضوية الاتحاد الأوروبي -إذا حدثت- والاستفادة الكاملة من عوائد هذا الانضمام تتطلب فترة من الزمن؛ لأنه لا بد من تحقيق العديد من الاشتراطات على المستوى الوطني وعلى مستوى الترتيبات الإقليمية. نحو طريق للحل إن هذه الحقائق الست إذا ما سلّم بها القادة السياسيون في كوسوفو وصربيا، فإنه يمكنهم التأسيس لتسوية دائمة لمستقبل كوسوفو وإيجاد مقايضات وتساومات ضمن اتفاق يقوم على أربعة مرتكزات أساسية، وهي: أولا: يحتاج الطرفان القبول بالتفاوض حول تقسيم الإقليم، وذلك بتعديل الخط الحدودي الحالي ليصبح تقسيم الأراضي أكثر "توازنا" للطرفين. وبالرغم من أن المسئولين الصرب لم يقروا رسميا بمبدأ التقسيم، كما ترفض برشتينا بحزم أي تعديلات حدودية، لكن على برشتينا أن تدرك حجم المخاطر واحتمال عودة العنف إذا ما قررت إعلان الاستقلال أحاديا عن صربيا حتى حدود شمال نهر إيبار (نهر يفصل كوسوفو إلى قسمين). ويقول المنطق أن التقسيم أو الحدود الجديدة لا بد وأن تؤسس وفق مسار نهر إيبار بحيث يبقى الجزء الشمالي تابعا لصربيا والجنوبي يصبح لدولة الألبان المستقلة، بل إن هذا التقسيم يجب قبوله من الطرفين بالنظر إلى الواقع الإثني بالإقليم. لكن الملاحظ حتى الآن أن الطرفين الأمريكي والأوروبي لم يخصصا خلال المفاوضات الجارية أي نقاش أو طرح حول تعديل الحدود، ويبدو أنهما لا يستوعبان حقيقة أن الحدود داخل أوروبا تغيرت على مدار ألفي عام لأسباب متعددة، وأنه بالإمكان تغيير الوضع النسبي للحدود بشكل سلمي -إذا ما توافرت الرغبة السياسية- كما حدث في أجزاء في أوروبا الوسطى وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بعد نهاية الحرب الباردة. ثانيا: إن التقسيم وترسيم الحدود بالطبع ليس إجراءً كافيا، حيث من المؤكد أن ثمة مخاضا عنيفا سيصاحب هذا التعديل من قبل المعارضين من الطرفين؛ فهناك من يعتقد على الجانبين أن المناطق المحيطة بنهر إيبار "مقدسة" ولها مكانة تاريخية، ولا يمكن التنازل عن أي جزء منها. ويتوقع كذلك أن يصر بعض السكان من الجانبين على البقاء داخل المجتمع الإثني الآخر. ويستلزم ذلك قيام أطراف الترويكا، ومن خلال الأمم المتحدة، بضمان الأمن في هذه المناطق وفرض عقوبات على الحكومة التي لن توفر الحماية المطلوبة للأقليات، أو التي قد تلحق بهم ضررا ما أو تميز ضدهم، كما يمكن تأسيس صندوق مالي لمساعدة من يختار العيش داخل المجتمع الإثني الآخر على الارتباط به حياتيا وسياسيا. ثالثا: تحتاج التسوية الابتكارية أن تأخذ بعين الاعتبار واقع الحدود المشابهة في غرب البلقان. وهنا بالتحديد تظهر مشكلة جمهورية سربسكا ( الجزء الصربي من البوسنة، وتعرف بالجمهورية البوسنية الصربية)؛ فقادة ومواطنو سربسكا لا يريدون العيش في البوسنة، ولو وجدوا وسيلة ملائمة لغادروها منذ سنوات عديدة، وفضلوا إما الاستقلال أو أن يكونوا جزءا من صربيا. وفي هذه الحالة يجب على بانيا لوكا "عاصمة البوسنة" وبلجراد أن ينقاشا إمكانية الارتباط بين سربسكا وصربيا وتحت أية ظروف، وهذا يكون باعتماد الخيار الديمقراطي لسكان سربسكا. وعلى الرغم من أن نفس المنطق سيتم استدعاؤه بالنسبة لعلاقة منطقة وادي بريسيفو ( منطقة بجنوب صربيا غالبية سكانها من الألبان) بكوسوفو المستقلة فيما بعد، فإن ذلك لن ينطبق على جنوب مقدونيا حيث اتفاق أوهريد للسلام ( وقع في 13 أغسطس 2001 بين الجيش المقدوني والمقاتلين الألبان لحل مشكلات الأقلية الألبانية) حتى الآن يقدم حلا للمشكلة العرقية هناك، كما لا ينطبق ذلك على إقليمي ساندجاك أو فويفودينا (وهما إقليمان صربيان يتمتعان بحكم ذاتي) حيث لا تثور بهما مسألة الاستقلال عن صربيا. رابعا: بمجرد وضع اللمسات السياسية والأمنية على الاتفاق بين بلجراد وبرشتينا، يجب التفاوض سريعا حول سبل التعاون الاقتصادي؛ لأن ضعف التعاون الاقتصادي الإقليمي من شأنه أن يزرع بذور عدم الاستقرار في كوسوفو وصربيا وما حولهما، خاصة أن المؤشرات تقول أن كلتيهما يعاني من ارتفاع معدلات البطالة وتراجع الدخل القومي وزيادة الدين الخارجي...إلخ. ويستلزم تحقيق هذا التعاون أن تتعرف بلجراد وبرشتينا على المساحات الأكثر قابلية لتطوير الاقتصاد في كلتيهما وتعزيز خطط الشراكة الاقتصادية في قطاعات معينة مثل الطاقة الهيدروإلكترونية في كوسوفو، واستخراج المعادن على جانبي الحدود، وإقامة برامج للتعاون الزراعي جنوبي صربيا وكوسوفو. وإزاء هذه الخطوة سيمكن للاتحاد الأوروبي أن يقدم مساعدات فنية ومالية. وفي الحاصل الأخير، فإن الاستقرار في جنوبي شرق أوروبا (منذ عام 1999) يعتبر ضعيفا بعض الشيء، إلا أن اتباع المسار رقم 2 القائم على دعم التنمية الاقتصادية سوف يعزز فرص إقامة برامج منتجة وفعالة بين صربيا وكوسوفو. وقد أعلنت روسيا أنها ستمارس في مجلس الأمن الدولي حق النقض "الفيتو" بشأن القرار الذي يؤيد إعلان استقلال كوسوفا من جانب واحد, إذا أعلن الناتو والاتحاد الأوروبي عن نيتهما في كيفية تقسيم صربيا، مستخفين بكافة الآليات القانونية المشروعة المتوفرة لدى الأمم المتحدة؛ فإنهما يتجاوزان بذلك القانون الدولي. واعتبر وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أنه من واجب الأمين العام للأمم المتحدة وبعثة المنظمة الدولية في كوسوفا تهيئة الظروف لتحقيق التسوية السياسية، وقال: "إنهما ملزمان بالإعلان عن عدم شرعية قرار قادة كوسوفا بشأن إعلان الاستقلال من جانب واحد". وفي سياق ذي صلة، أعرب مسئولون في كوسوفا عن نيتهم إعلان الاستقلال عن صربيا خلال أسابيع؛ وذلك في أعقاب فشل المحادثات التي جرت في الأمم المتحدة بشأن تقرير المستقبل السياسي للإقليم. وقال رئيس الأغلبية الألبانية من سكان كوسوفا فاتمير سيجديو، تأكيده بأن الاستقلال هو الخيار الوحيد, مضيفاً:" إننا نعتبر أيضًا أن الاستقلال نتيجة وخاتمة لدورة هامة خضنا غمارها، وأصبحت الآن وراءنا لذلك فنحن جاهزون سوية مع أصدقائنا لاتخاذ خطواتنا نحو إعلان مستقبلي لاستقلال كوسوفو"، مشيرًا إلى أن استقلال كوسوفو ليس موجّهًا ضد أحد، ولن يسبب الضرر أو الأذى لأحد". وتأتي تصريحات سيجديو في الوقت الذي أعرب فيه كل من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن اعتقادهما بأن فرص التوصل إلى تسوية بين الأطراف المعنية بشأن تقرير المستقبل السياسي للإقليم استنفدت؛ وبالتالي يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يتولى زمام الأمور المتعلقة بمستقبل كوسوفا من الآن فصاعدًا. ودعت سلوفينيا الاتحاد الأوروبي إلى الاستعداد لقيادة كوسوفا نحو طريق الاستقلال بعد فشل مجلس الأمن الدولي في الاتفاق حول مستقبل الإقليم, وقال وزير الخارجية السلوفيني دميتريج روبل، الذي ستتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد في يناير المقبل، إن على الاتحاد وكوسوفا "الاتفاق على ما سيحصل بداية من الآن، علينا أن نكون عقلاء، لكن بعض المسارات لا يمكن إيقافها". وأضاف روبل في مؤتمر صحافي ببروكسل: "إننا مستعدون للاعتراف بالأمر الواقع القائم بغربي البلقان"، متوقعًا أن يتم إيجاد حل لوضع الإقليم في نهاية يونيو المقبل على أبعد تقدير, وأعربت 20 دولة من 27 من أعضاء الاتحاد عن استعدادها للاعتراف باستقلال كوسوفا تحت رقابة دولية، وهو ما تضمنه تقرير المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتي أهتيساري في خطته التي رفضتها روسيا في الأمم المتحدة بيوليو الماضي, وبالمقابل تعارض روسيا أي استقلال أحادي الجانب، كما هددت صربيا بتنفيذ "خطط عمل" سرية ضد كوسوفا وفرض حصار على الإقليم. ولهذا كان من الطبيعي أن يرفض الرئيس الصربي بوريس تاديتش استقلال إقليم كوسوفا بعد الكشف عن تفاصيل مشروع الأمم المتحدة الذي يسمح بانفصال الإقليم عن صربيا تدريجيا ، وهدد قادة الصرب المتطرفين بمنع هذا الاستقلال واستئناف حرب الإبادة ضد المسلمين ، كما عارضت الكنيسة الأرثوذكسية الصربية أيضا خطة الأمم المتحدة التي وضعها (أهتيساري) ، معتبرة أنه لا يمكن لوسيط الأمم المتحدة تحديد مصير الإقليم، مشيرة إلى أن كوسوفا جزء لا يتجزأ من صربيا ! . بل أن الصرب يركزون في رفضهم لخطة الأمم المتحدة علي مزاعم أن كوسوفا بها أهم الأديرة المسيحية وتراثهم التاريخي ، ومع أن خطة مبعوث الأمم المتحدة وعدت بالتغلب علي هذا بتحديد 40 منطقة وموقعا من كوسوفا ستعطي الحكم الذاتي (!) لمجرد أن بها أديرة مسيحية ، فهم يرفضون بإصرار هذه الخطة . والمشكلة الأن أن خطة الأمم المتحدة الخاص بكوسوفا مفترض أن يتم عرضها علي مجلس الأمن للموافقة عليها ، وهنا من المؤكد أن روسيا – حامية المسيحية الأرثوذوكسية في أوروبا الشرقية – سوف تستخدم حق الفيتو لمنع حصول كوسوفا علي هذا الاستقلال النسبي عن صربيا ، ما يعني تجميد المشكلة كما هي .
الاستقلال الإسلامي في أوروبا ..ممنوع ! القضية أصبح واضحة بالتالي ولا تحتاج لتفسيرات سياسية ، فلأن الأمر يتعلق بمسلمين – وفي أوروبا- فمحظور عليهم الاستقلال ، تماما مثلما حدث مع البوسنة التي حولوها إلي كيان مشترك بين الصرب والكروات والبوسنة وذات حكم طائفي ثلاثي علماني رغم أن غالبية السكان مسلمون (90%) ، ولهذا بدأت المحاولات الصربية – مدعومة بالكنائس الارثوزوكسية في روسيا وباقي دول أوروبا الشرقية لإجهاض خطة الأمم المتحدة وإثارة العراقيل في وجهها . ومع أن هذا الاعتراف الأممي الدولي بضرورة أن يكون هناك نوع من الاستقلال الذاتي لإقليم كوسوفا المسلم تأخر كثيرا لأكثر من 8 سنوات ، منذ انتهاء حرب الإبادة الصربية ضد مسلمي كوسوفا بعدما اجبر حلف شمال الأطلسي القوات الصربية على الانسحاب منه عام 1999 ، خصوصا أن المفاوضات الجارية منذ ذاك الحين بين الطرفين لم تفض إلى أي اتفاق ، فهناك من يستكثر علي مسلمي الإقليم الاستقلال . والأغرب أن التحذيرات الصربية والمسيحية الشرقية عموما عادت لتكرر نفس النغمة الخبيثة التي قيلت عن البوسنة ، من أن كوسوفا قد تتحول لمرتع للمتطرفين لو استقلت ، وربما تنظيم القاعدة لاحقا بهدف تخويف الأوروبيين من السماح بأي مبادرات انفصالية قد تؤدي لاستقلال الإقليم لاحقا ، وربما تساعد حملة الإرهاب الفكري هذه - في ظل غيبة أي دور إسلامي مساند – في تراجع الأوروبيين ، خصوصا أن خطة المبعوث الاممي تفادى – وهو أمر غريب - الإشارة إلى أية رموز لاستقلال الإقليم عن صربيا رغم أنها وضعت لبنة هذا الاستقلال . وربما يزيد المخاوف الأوروبية والصربية أن الزعيم الكوسوفي الأكثر اعتدالا من وجهة نظرهم ( روجوفا) قد توفي العام الماضي ، وأصبحت هناك مخاوف من سيطرة عناصر إسلامية من قادة جيش التحرير الكوسوفي السابق علي الإقليم. وقد ظهرت هذه المخاوف حينما دعا الغرب المسئولين الكوسوفيين إلى سرعة اختيار خليفة للرئيس الراحل روجوفا، وأن يكونوا على مستوى اختيار الشخص المناسب لإكمال الطريق الذي بدأه روجوفا مع المجتمع الدولي، في إشارة للابتعاد عن الشخصيات التي يمكن أن يكون عليها تحفظات إقليمية خاصةً من قبل حكومة بلجراد الصربية، أو دوليا خاصةً من قبل روسيا والصين والاتحاد الأوربي ، والمقصود بذلك هم قادة جيش التحرير الكوسوفي السابق والذين تحولوا للعمل في الميدان السياسي بناء على طلب “المجتمع الدولي” نفسه . إذ أكدت التجربة عدم قبول قوى إقليمية ودولية لصعود أي من هؤلاء الإسلاميين لأعلى منصب في السلطة الكوسوفية، كما حدث في بدايات العام 2005 عقب تمكن “راموش هاراديناي”، وهو أحد قادة جيش التحرير السابق ورئيس حزب (الرابطة) من أجل مستقبل كوسوفا، من تشكيل الحكومة الكوسوفية الجديدة بعد نجاحه في انتخابات ديمقراطية أشاد بها رئيس الإدارة المدنية المؤقتة التابعة للأمم المتحدة نفسها، بينما أعلن الغرب تحفظه على هذه الحكومة على لسان عدد من المسئولين، منهم “خافيير سولانا” منسق الاتحاد الأوربي للشئون الخارجية والأمنية . وعلى الفور تقدمت رئيسة محكمة جرائم الحرب المتعلقة بيوغسلافيا السابقة في لاهاي بطلب اعتقال رئيس الوزراء الكوسوفي الجديد بناء على اتهامات -لم تثبت بعد- تقدمت بها حكومة بلجراد الصربية؛ الأمر الذي يعكس القيود علي كوسوفا من قبل الصرب والأوروبيين علي السواء ، خصوصا أن هناك تخوف من مطالبة هؤلاء الإسلاميين بالاستقلال الكامل وعدم موافقتهم على أي حلول وسط مع حكومة بلجراد . ومع أن الغرب نجح في تنحية رئيس الوزراء الكوسوفي الإسلامي (راموش) رغم أنه جاء بانتخابات حرة - كعادة الغرب في التنكر للديمقراطية لو جاءت بمن لا يرضون عنه – ليحل محله (بيرم قسومي) الذي قدم استقالته بضغط من الائتلاف الحاكم الذي رشح قائد جيش تحرير كوسوفو سابقا الجنرال أغيم تشيكو لشغل المنصب حاليا ، فالصرب يعتبرون أن مجرد تعيين أحد من جيش تحرير كوسوفا في منصب كبير أمر مقلق يساعد علي استقلال كوسوفا في النهاية . تأصيل الأزمة وترجع قصة الأزمة في الإقليم إلى عام 1989 حينما قام الرئيس الصربي السابق “سلوبودان ميلوسيفيتش” بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لكوسوفا والذي منحه إياها الرئيس اليوغسلافي الأسبق “تيتو” عام 1974؛ الأمر الذي دفع مسلمي كوسوفا إلى الرد على ذلك بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991 حيث صوت لصالح الاستقلال 99% ممن شارك به، وبناء عليه، تمت انتخابات رئاسية كوسوفية نجح فيها “إبراهيم روجوفا” الأستاذ السابق بكلية الدراسات الألبانية بجامعة برشتينا في مقدمة لتحقيق الكوسوفيين حلمهم الاستقلال بالطرق السلمية والدبلوماسية . وقد عارضت صربيا كل هذه الأمور لأنها لا ترغب في استقلال كوسوفا الذي يقضي على حلم التوسع الصربي؛ ما دفع مجموعات من الشباب الكوسوفيين إلى تكوين “جيش تحرير كوسوفا” الذي أخذ في شن حرب عصابات ضد جيش الاحتلال وقوات الشرطة الصربية المتواجدة بالإقليم عام 1998/ 1999 وقد ردت صربيا بحملات إبادة شديدة في المناطق التي ينطلق منها جيش التحرير الكوسوفي، من ثم لم تجد أوربا وأمريكا بُدًّا من التدخل عسكريا ضد صربيا للقضاء على هذه الحملات بعد أن فشلت جهود التفاوض السلمي التي كان آخرها مفاوضات “رامبوييه” مطلع عام 1999 نتيجة لتعنت الجانب الصربي مقابل قبول ألبان كوسوفو للشروط الدولية لحل هذا النزاع، وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999 إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفا في 9 يونيو 1999، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفا لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني المسلم وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة. وتبلغ مساحة إقليم كوسوفا حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2,500,000، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفو حوالي 92%، والأقليات هناك (8%) تشمل الصرب والمونتنيغري والبوسنيين والغجر والأتراك ، ويعتبر الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99%، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جدا تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفا . لا يرى مسلمو كوسوفا حلا نهائيا لإقليمهم غير الاستقلال التام، بينما تسوف صربيا وتريد منحهم : ”شيئا أكثر من الحكم الذاتي وأقل من الاستقلال”، ما يعني أن بلجراد لا تريد منح السيادة لسكان الإقليم ، ومع أن خطة الأمم المتحدة جاءت وسطا بين رغبات الطرفين ، فهي لا تزال مرفوضة من الصرب رغم ترحيب المسلمين بها ، ولكن دخول دول كبري علي خط تحديد مصير الإقليم - خاصة روسيا التي تزعم أن بعض أقاليمها المسلمة قد تطالب بالمثل مثل أوسيتيا الشمالية – ربما يعرقل هذه الخطط . الاستقلال لم يكن واردًا |
|
Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: رد: بحث مفصل عن كوسوفا الحقيقة المرة كامل بالتنسيق الخميس 20 أبريل - 9:51 | |
| ربما سرع في ذلك الأمر اندلاع العنف المفاجئ في مدينة "متروفيسا" المقسمة خلال شهر شباط / فبراير الماضي، الذي أدى إلى سلسلة زيارات وتقديمات وقرارات بما فيها إرسال المزيد من قوات حلف الناتو إلى كوسوفا في شهر آذار/ مارس الماضي. وكان التقسيم إحدى الخيارات التي طرحت مع دخول القوات الدولية إلى كوسوفا، وخاصة مع تسلل القوات الروسية بشكل مفاجئ إلى بريشتينا وتقسيم الإقليم إلى عدة مناطق. ولكن بعد التفاهم الروسي-الغربي ( الذي يعتقد البعض أنه في إطار صفقة تشمل الشيشان ) لم يعد الحديث عن التقسيم واردا، وربما جاءت أحداث متروفيسا الأخيرة لتؤكد على ذلك أكثر، فقد كان هدف بلغراد/الصرب من ذلك إثبات أن التعايش مع الألبان مستحيل، ولذلك لا بد من التقسيم والحصول على كانتون تكون متروفيسا الشمالية عاصمة له ويشمل الجزء المجاور لصربيا الغني جدا بالثروات الطبيعية، وهو ما كانت بلغراد تفضله حتى قبل التدخل الدولي في آذار/مارس 1999. إجراءات تمايز كوسوفا أما الآن وبعد اتهام حلف الناتو لبلغراد ولميلوسوفيتش بافتعال تفجير الوضع، فإن تصريحات قادة الناتو ( جورج روبرتسون ووست كلارك ) في 18/2/2000 تؤكد أكثر من أي وقت المضي على رفض تقسيم متروفيسا/كوسوفا. والأكثر من ذلك فإن أحداث متروفيسا دفعت إلى بعض التصريحات التي تلمح إلى مستقبل كوسوفا. وهكذا فقد كان الجنرال وست كلارك قائد قوات الناتو في أوروبا شديد الوضوح، بل إنه خرج عن السياق الرسمي لأول مرة حين صرح في زيارته الأخيرة لبريشتينا في 18/2/2000 أن قوات الكفور الدولية " لن تسمح أبدا بعودة القوات الصربية إلى كوسوفا "، مشددا هنا على كلمة "أبدا " never بكل ما توحي به هذه الكلمة من ترتيب للوضع المستقبلي بين كوسوفا وصربيا. ويبدو أن الجنرال كلارك كان " يترجم " ما كان قد صرح به قبل أيام (6/2/2000) كارل بيد المبعوث الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة إلى البلقان لصحيفة " بوبيدا " التي تصدر في الجبل الأسود. ففي لقاء مع هذه الصحيفة صرح بيد في أن " صربيا فقدت حقها على كوسوفا " حيث إن قرار مجلس الأمن يشير إلى علاقة كوسوفا بيوغسلافيا فقط، ولذلك " يجب إعادة النظر بشكل جذري في يوغسلافيا وفي وضع كوسوفا "وفي الواقع لقد جاء هذا التصريح بعد شهور من التغيرات على الأرض والتي تصب كلها في اتجاه واحد يعطي المزيد من الاستقلال لكوسوفا. وهكذا بعد عودة مئات الألوف من اللاجئين الألبانيين من مقدونيا وألبانيا والجبل الأسود، والعودة المنتظرة لمئات الألوف خلال ربيع/صيف 2000 من بلدان أوروبا الغربية ( التي لجئوا إليها بعد إلغاء الحكم الذاتي في 1989 )، والهجرة المضادة للصرب من كوسوفا إلى صربيا، أصبحت كوسوفا الآن بغالبية ألبانية ساحقة تفرض نفسها في كل المجالات. ويبدو هذا بوضوح الآن في مؤسسات الإدارة الدولية ( المجلس الانتقالي ومجلس المحافظات ..إلخ ) والمؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية التي تغطي الأقاليم. وفي الواقع لقد جاءت جملة قرارات الإدارة الدولية لتقر تمايز كوسوفا عن صربيا، حيث إن قرار مجلس الأمن 1244 الذي شكلت بموجبها هذه الإدارة لا يشير بالاسم سوى إلى يوغسلافيا كإطار يتمتع فيه الألبان بحكم ذاتي كبير. وفي هذا الإطار كان من أهم القرارات تكريس المارك الألماني كعملة رسمية في كوسوفا، وتحويل " جيش تحرير كوسوفا " إلى " فيلق حماية كوسوفا "، وتأسيس قوات شرطة/أمن تتكون من غالبية ألبانية ووسائل إعلام مستقلة ووسائل اتصال ( طيران ) مستقل مع العالم وحتى إصدار طوابع خاصة تحمل رموز خاصة بكوسوفا. وقد توجت هذه القرارات بإجراء إحصاء للسكان وإصدار وثائق/ جوازات سفر خلال ربيع/ صيف هذا العام يمهد لإجراء انتخابات محلية وتشريعية حتى نهاية هذا العام يفترض أن تحسم " الوضع القادم " لكوسوفا بعد تبلور الوضع في بقية يوغسلافيا ( صربيا والجبل الأسود ). وكان من الملفت للنظر أن المعارضة التي تولت الحكم في الجبل الأسود بعد انتخابات 1997 كانت معارضة بقوة لسياسة ميلوسوفيتش القمعية في كوسوفو، والتي استمرت في معارضتها أكثر خلال تصعيد الوضع في 1998، ووصلت إلى حد تحييد الجبل الأسود خلال التدخل الدولي ضد يوغسلافي على الرغم من أن يوغسلافيا أصبحت تعتمد على صربيا والجبل الأسود فقط. وفي الواقع لقد كان الموقف من كوسوفا أحد الأسباب للخلاف والافتراق بيت بلغراد وبودغوريتا، وبالتحديد لسعي الجبل الأسود نحو مزيد من الاستقلال عن صربيا/يوغسلافيا. وعلى الرغم من تصريحات رئيس جمهورية الجبل الأسود ميلو جوكانوفيتش خلال التدخل الدولي وبعده كانت توحي باقتراب موعد الحسم أو الاستفتاء ( الاستقلال )، إلا أنه جرى بعد ذلك نوع من التعتيم على هذا الموضوع لأنه اتضح أن استقلال الجبل الأسود في حينه يمكن أن يخل بالسيناريو القائم. ففي حال استقلال الجبل الأسود ستبقى يوغسلافيا تقتصر على صربيا فقط، ولا بد أن تأخذ اسمها الحقيقي " صربيا" لأن يوغسلافيا تعني الدول التي تجمع سلاف الجنوب اليوغسلافي ولم يعد منهم سوى شعب واحد " الصرب "، وهذا ما ينسف أي احتمال لاستمرار كوسوفا مع صربيا في إطار واحد؛ لأن الألبان ليسوا أصلا من السلاف ولا يربطهم بالصرب ما يربط الكروات والبشناق الذين لم يرغبوا في العيش مع الصرب في دولة واحدة. عام 2000 عام الحسم ولذلك فقد " هدأ " الحديث عن استقلال الجبل الأسود، ووجه حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تهديدات لميلوسوفيتش في هذا الشهر تمنعه من أي تدخل في الجبل الأسود. وقد صرح الرئيس جوكانوفيتش مؤخرا ( 2/2/2000 ) أن هذا العام ( 2000 ) عام الحسم ، أي بعد أن تجري الانتخابات في صربيا وكوسوفو التي من المفترض أن تفتح الطريق لبناء يوغسلافيا جديدة. فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ( بلسان وزير خارجيتها أولبرايت خلال زيارتها الأخيرة إلى تيرانا ) ضد استقلال كوسوفا بالكامل لما يجر ذلك من إحياء مشاريع قديمة في البلقان ( ألبانيا الكبرى وصربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى ). وعلى العكس من ذلك فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع مزيد من الاندماج في البلقان، ويمكن أن يساعد على ذلك إعادة قولبة يوغسلافيا. فالتغيرات المذكورة التي جرت على الأرض في كوسوفا، والتي تصب كلها في تعزيز التمايز عن صربيا فقط، يجعل من المستحيل على الألبان أن يقبلوا بدلا من أن يتصوروا أي تواجد لصربيا في كوسوفا، مما يجعل الخيار الآخر الممكن هو يوغسلافيا حسب ما جاء في قرار مجلس الأمن 1244. وبعبارة أخرى يمكن أن تكون كوسوفا على نمط الصرب في البوسنة، أي أن نموذج البوسنة الدايتونية يمكن أن يتكرر في يوغسلافيا الجديدة، التي يمكن أن تتكون من ثلاثة كيانات على درجة كبيرة من الاستقلال: صربيا والجبل الأسود وكوسوفا. وفي هذه الحالة يكون وجود أو استمرار الجبل الأسود في أية يوغسلافيا ضروريا، لأنه لا يمكن لأية يوغسلافيا أن تستمر دون الجيل الأسود. وفي حال إصرار الجبل الأسود على الانسحاب أو الاستقلال لا يعد ليوغسلافيا من مبرر أن تقتصر على صربيا وكوسوفا، ويصبح الانفصال أو الاستقلال لا بد منه في هذه الحالة. كوسوفا: اغتصاب المسلمات زاد في عهد كيفور كشف تقرير أعدّته منظمة هيومن رايتش وتش عن انتهاكات حقوق المرأة في كوسوفا والتي قامت بها القوات الصربية في الإقليم خلال الفترة من مارس إلى يونيو العام الماضي 1999.. كشفت عن تعرّض عشرات السيدات المسلمات لعمليات اغتصاب منظم من قبل القوات الصربية بهدف إرهاب شعب كوسوفا، ووثقت المنظمة شهادة 96 من مسلمات الإقليم تعرضن بالفعل للاغتصاب الوحشي من قبل جنود القوات الصربية. يقول ريجان أي رالف -مدير دائرة حقوق المرأة بهيومان رايتس واتسن-: إن الاغتصاب استخدم كوسيلة للحرب في كوسوفا، ويجب أن تعاقب على كونها كذلك، مشيرًا إلى أنها ليست حوادث ظرفية من قبل بعض الرجال المجرمين فقط. وقال التقرير: إن حالات الاغتصاب التي حدثت في كوسوفا أخذت 3 أشكال رئيسية؛ هي الاغتصاب في بيوت النساء أثناء الحرب في مقارّ الاعتقال؛ حيث كانت تجري عمليات تعذيب واسعة أيضًاً، فكانت قوات الأمن تدخل البيوت وتغتصب النساء إما في الفناء أو أمام أعضاء الأسرة، أو في غرف داخلية، كما كان يتمّ إيقاف المشردين الذين هجروا منازلهم في الطرق ونهبهم وتهديدهم من قبل الجيش اليوغسلافي أو البوليس الصربي، إذا لم تستطع الأسر دفع ما عندها نقدًا تهدد الأسر بأخذ بناتها واغتصابهن، وفي بعض الأحيان كان الصرب بعدما يسلبون الأموال يأخذون البنات غصبًا، وفي مراكز المعتقلات الوقتية.. كان أيضًا يتمّ الاغتصاب إما في بيوت مهجورة أو في الحظائر أو في المخازن. ويكشف التقرير عن أن معظم حوادث الاغتصاب تم ارتكابها من قبل منظمات شبه عسكرية صربية الذين كانوا يلبسون ملابس محددة حاملين غالبًا سكاكين طويلة، ومناديل مربوطة على رؤوسهم، وذوي ذقون طويلة. وتعمل هذه المنظمات عن قرب مع قوات الحكومة الرسمية؛ سواء مع وزارة الداخلية الصربية أو الجيش اليوغسلافي في داخل كوسوفا، وفي حالات عديدة أثار الضحايا والشاهدون أن المغتصبين كانوا من البوليس الصربي الخاص في الزي الأزرق، أو من جنود الجيش اليوغوسلافي في الزي الأخضر العسكري، وفي الحقيقية أن الكثير من الضحايا أقررن بأن مرتكبي تلك الجرائم كانوا من الضباط العسكريين اليوغسلافيين. وتعتقد المنظمة أن العدد الأصلي للنساء اللاتي اغتصبن في كوسوفا فيما بين مارس ويونيو 99 أكثر بمراحل من 96 حالة، ونظرًا للتقاليد الاجتماعية الصارمة.. ترفض الكثيرات من المغتصبات في التحدث عن تجاربهن، بالإضافة إلى أن هؤلاء اللاتي بقين في كوسوفا في ظل الصراع لم يكن عندهن الفرصة لتقديم التقارير عن الانتهاكات. وقالت ب. ب امرأة م ميتروفيتشا: النساء والبنات كن يسحبن بالقوة من ضمن اللاجئين للاعتداء عليهن جنسيًا أمام لاجئين آخرين. لكن الأمر الأشد خطورة في التقرير هو إقرار هيومن رايت وتش بزيادة نسبة جرائم الاغتصاب في كوسوفا بعد دخول قوات حفظ السلام في الإقليم المعروفة اختصارًا باسم كفود كوسوفا.. اضطرابات تحت الوصاية الغربية منذ صدور القرار رقم 1244 بشأن المهمة الدولية في كوسوفا بعد أن وضعت الحرب الأطلسية- الصربية أوزارها.. كان واضحًا أنّ مستقبل المنطقة -في أفضل الأحوال-سيبقى محاطًا بالغموض زمنًا طويلاً. ويسري هذا بصورة خاصة على الوضع القانوني الدولي، وما يمكن أن ينبثق عن ذلك على صعيد بنية الحكم الهيكلية سياسيًا وإداريًا. وإنما نشأ الغموض نتيجة التناقض بين النوايا الرسمية المعلنة من جانب زعماء الغرب عند دخولهم الحرب من جهة، ومعارضتهم المطلقة لاستقلال كوسوفا والمعلن رسميًا أيضًا من جهة أخرى، بدعوى مراعاة موسكو، رغم انتشار الاعتقاد منذ ذلك الحين بأن ما صنعه الصرب جعل الاستقرار في المنطقة مستحيلاً إذا بقيت كوسوفا تابعة لصربيا.. وهذا ما سبق تأكيده مرارًا من جانب جهات عديدة، ويتكرر الآن على ألسنة معظم المتحدثين من باحثين وسياسيين في مؤتمر دولي انعقد في منتصف فبراير 2000 الماضي تحت عنوان: "بعد عشرة أعوام من الحرب والنزاع.. احتمالات مستقبلية" بدعوة من جانب مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية وجريدة "كوها ديتوري" الكوسوفية.. والسؤال الرئيسي الذي بقي مفتوحًا يتركّز على الوضع السياسي المطلوب لكوسوفا ليعود الاستقرار إليها، هل يتحقّق بحلول مؤقتة تنتهي بعودة السيطرة الصربية عليها أم بالسياسة التي أصبحت القوات الدولية تمارسها على أرض الواقع بترسيخ ما يسمى الجيوب العرقية للأقليات داخل نطاق المدن والقرى السكنية بحجة تسهيل حمايتها، وهو ما أدَّى واقعيًا إلى اضطرابات وتوترات متوالية، كتلك التي شهدتها مدينة ميلوفيتسا في الآونة الأخيرة. قد تساءل روبرت نويديك من منظمة كاب آنامور المعروفة بنشاطها في ميدان الإغاثة الإنسانية، علام لا يطبق على الكوسوفيين ما طبقه المجتمع الدولي عبر اتفاقية دايتون على الصرب في البوسنة والهرسك، فأصبحت لهم واقعيًا دولة داخل الدولة. وسياسات الدول الغربية موضع النقد من داخل صفوفها، ومن ذلك قول دان إيفرتس -رئيس بعثة كوسوفا التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا- أثناء حديثه في المؤتمر الدولي المذكور آنفًا، حيث تناول أسباب الاضطرابات الأخيرة، وحمّل مسئوليتها على الدول الغربية، وقال: إنّ الميزانية السنوية المقررة لكوسوفا لا تتجاوز بمجموع حجمها نفقات يوم أو يومين من الحرب الأطلسية الأخيرة، ومع ذلك فحتى الآن لم تؤمّنها الدول المتعهدة بها سابقًا. وسبق أن حمّلت الولايات المتحدة الأمريكية الأوروبيين المسؤولية عن عدم تشكيل قوة أمنية دولية كافية، فقد نص قرار مجلس الأمن بوضوح على إرسال 4500 شرطي دولي إلى كوسوفا، وتعهّدت الدول الأوروبية بذلك، ولم يصل إلى كوسوفا حتى الآن سوى 1900، وبالمقابل.. أمكن خلال أيام معدودة بعد الحرب الأطلسية الأخيرة أن يصل عدد الجنود الدوليين إلى 35 ألف جندي.. نصفهم تقريبًا من الدول الأوروبية نفسها. وقد أصبح على هؤلاء الجنود القيام بمهامّ أمنية لم يسبق إعدادهم للقيام بها، بل أصبح يستعان بهم في تنظيم حركة السير أحيانًا، فضلاً عن تفريق المتظاهرين، والتحقيق في الانفجارات.. فكان لا بدّ أن تسود الفوضى، وأن يسلك من لا يزال ينتظر تنفيذ الوعود الدولية سبل التظاهر والاحتجاج، وأن يستغل من يميل إلى العنف الوضع لممارسة العنف. ويضاف إلى أسباب اندلاع الاضطرابات الأخيرة غياب وجود أجهزة قضائية أو إدارية، ويمكن أن يتصوّر ما يعنيه ذلك عندما يعتقل الجنود مثلاً بعض من يخزّنون الأسلحة، أو يدبّرون عمليات تفجير.. فهم ما بين خيارين؛ أحدهما: احتجاز هؤلاء دون تحقيق ومحاكمة، مما يزيد أسباب تنامي العداء بين السكان والقوة الدولية، وقد اتخذت بذلك شكل احتلال بديل عن الاحتلال الصربي، والخيار الثاني: إطلاق سراح المعتقلين بعد فترة اعتقال قصيرة، مما يعني عودتهم دون رادع إلى متابعة ما يصنعون، وتشجيع غيرهم على ذلك أيضًا. وساهمت هذه الأوضاع في إقدام القوات الدولية على تصرفات لا تستند إلى قواعد تحدّد مهامها، ولا تعود بها إلى القيادات على الدوام، واتخذت تلك التصرفات في كثير من الأحيان أشكالاً معبرة عن الانحياز، حتى شاع داخل كوسوفا أن الجنود الفرنسيين يميلون إلى الصرب، والجنود الألمان يميلون إلى الألبان، بغضّ النظر عن التصريحات الرسمية المتوالية لتأكيد موقف حيادي.. يلتزم به الغربيون بصورة مثيرة للجدل، سواء عند مقارنته بما جرى ويجري على الأرض من عدوان طرف معيّن على الطرف الآخر، أو عند مقارنته بمواقف غربية أخرى من استخدام أي جهة (غير غربية) للقوة، ليس للعدوان.. بل لمجرد مقاومة الاحتلال كما في جنوب لبنان!. وليس مجهولاً ما صنعه الصرب في كوسوفا والبلقان عمومًا طيلة السنوات الماضية.. ويبدو أنهم يستغلون الوضع المضطرب الحالي للقوات الدولية لاستئناف ما قطعه التدخل العسكري الأطلسي، فكثير من الاضطرابات الأخيرة انطلقت من جانب الطرف الصربي. وكانت بداية الموجة الأخيرة منها في الثاني من فبراير 2000 الماضي، عندما صادرت القوات الدولية كميات من السلاح تم العثور عليها في قرية تسكنها غالبية صربية، واعتقلت أحد الصربيين، فحوصر 400 جندي دولي في القرية لعدة ساعات.. ثم تجاوزت الاعتداءات حدود السكان الكوسوفيين والقوات الدولية إلى منظّمات الغوث ومنظمات حقوق الإنسان، لا سيما تلك التي أخذت لنفسها مقرًا في أحد الجيوب الصربية، كما كان مع منظمة "وورلد فيزيون" في شمال مدينة ميلوفيتسا حتى اضطر أفرادها إلى الرحيل قبل أسبوعين تقريبًا، عقب سلسلة من الاعتداءات عليهم وعلى سيارات تابعة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وقد تتكرّر في الفترة القادمة، بعد أن أعلنت المفوضية في 24/2/2000م ضمن تقاريرها الدورية أنّ الكوسوفيين في جنوب صربيا عند المنطقة المتاخمة لحدود كوسوفا يتعرّضون لضغوط شديدة أدّت إلى الآن إلى هجرة زهاء 6 آلاف من أصل 60-70 ألفًا يقطنون هناك، من المنطقة إلى كوسوفا نفسها.. ولا يستبعد وقوع موجة هجرة أخرى بعد اندلاع اضطرابات جديدة يوم 3/3/2000م في منطقة أخرى متاخمة للحدود. كما لا يستبعد أن يكون ميلوسوفيتش فعلاً من وراء إثارة موجة الاضطرابات الأخيرة، كما اتهمه قائد القوات الدولية كلاوس راينهاردت.. ومن المؤشرات على ذلك حملة إعلامية مكثفة يقوم بها الصرب حاليًا، وشجّعهم عليها ما صنعه الروس في الشيشان دون رد فعل غربي حقيقي، كما شجعهم ولا ريب إقدام الاتحاد الأوروبي على تخفيف إجراءات المقاطعة -الضعيفة في الأصل-، ضد صربيا.. وتضمنت الحملة الدعائية المشار إليها تجنيد الكنيسة الأرثوذكسية أيضًا.. حتى وصل الأسقف الأرثوذكسي المسؤول عن كوسوفا إلى "لجنة هيليسينكي" التابعة للكونجرس الأمريكي، فصوّر أوضاع الصرب في كوسـوفا أنهم مهددون بالإبادة، قد تشرد ثلثاهم، وهدّمت مساكنهم، وأحرقت مزارعهم وقتل منهم المئات، واختطف مئات آخرون!. والواقع أنه لم يصدر عن منظمات دولية رسمية أو غير رسمية ما يدعم تلك الاتهامات من قريب أو بعيد، مقابل تلك التي تشير إلى ما يتعرّض له ألبان كوسوفا، وتتعرض له المنظمات الدولية نفسها من اعتداءات صربية.. وباستئناءات معدودة.. بات جلّ ما يقوم به ألبان كوسوفا هو التظاهر والمسيرات، ومحاولات العودة بالقوة إلى بيوتهم التي شرّدوا عنها من قبل، في مناطق يسكنها الصرب الآن، وتحميهم القوات الدولية، وهو ما يسري على مدينة ميروفيتسا المجزّأة واقعيًا. وربّما أقدم الكوسوفيون على أكثر من ذلك لو كان في استطاعتهم التحرك.. فمعظم الدلائل بعد الحرب الأطلسية الأخيرة تؤكّد أنّ من بين سـائر أهدافها الرسمية المعلنة لم يتحقق إلى الآن هدف آخر بصورة مماثلة لتحقيق هدف تجريد جيش تحرير كوسوفا من السلاح.. فقد كان موضع التركيز المتواصل طيلة الأسابيع الأولى لدخول القوات الدولية، واقترن ذلك بوعود سياسية من قبيل انخراط أفراده في القوة الأمنية الدولية المطلوبة لكوسوفا، ثم أحاط الصمت بذلك بصورة كاملة، وبقيت القوة الدولية أقل من نصف العدد المطلوب ودون مشاركة الكوسوفيين. وليس من المنتظر في الوقت الحاضر على الأقل أن يعود جيش التحرير إلى الظهور في ساحة قتال، أو في عمليات تفجير، ربما باستثناء بعض الأعمال الفردية. ولكن يبقى في سائر الأحوال أن المسؤولية عن الوضع الراهن في موسكو تحملها القوات الدولية، وعلى وجه التحديد الدول الغربية التي تولّت واقعيًا الوصاية الدولية على كوسوفا.. وسيان أحققت لنفسها مكسبًا أطلسيًا بالتوجه شرقًا، أو أمريكيًا على حساب الأوروبيين وتميزهم العسكري، أو أوروبيًا في اتجاه المساعي المبذولة لهذا التميز.. يبقى أن الحصيلة بالنسبة إلى أصحاب القضية -أهل كوسوفا أنفسهم- وهم زهاء مليونين من المسلمين كانت إلى الآن حصيلة خاسرة؛ سواء من حيث الوضع السياسي بعد أن اتضح دوليًا أن بقاء السيادة الصربية المفروضة على كوسوفا بات مستحيلاً، أو من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.. وكان تحسين هذه الأوضاع في مقدمة المبررات المعلنة للحرب الأطلسية، ولكن بعد مرور 9 شهور كاملة يزعم المسؤولون عن تنفيذ ما سمّي في حينه "عقد الاستقرار من أجل البلقان" أنّهم كانوا يدرسون المشاريع المطروحة، ويقارنون بينها، ويختارون الأفضل منها، وأصبحت الحصيلة جاهزة للتنفيذ.. فهي تنتظر التمويل، وقرار التمويل مطروح على مؤتمر الدول المانحة يومي 29 و30 مارس 2000م في بروكسل! تكليف هاشم تاجي بتشكيل حكومة جديدة في كوسوفا كلف فاتمير سيديو رئيس كوسوفا هاشم تاجي زعيم حزب كوسوفا الديمقراطي تشكيل حكومة جديدة للإقليم إثر الانتخابات التشريعية التي جرت في 17 نوفمبر الماضي. وكان حزب كوسوفا الديمقراطي حصل في الانتخابات على 34% من الأصوات متقدما على رابطة كوسوفا الديمقراطية بزعامة الرئيس سيديو الذي حصل على 21.8% من الأصوات. يذكر أن تاجي من أنصار إعلان سريع لاستقلال الإقليم الذي يشكل رسميا جزءا من صربيا لكنه خاضع لإدارة الأمم المتحدة منذ عام 1999م. استقلال كوسوفو.. بضاعة للمقايضة؟ ليس من المستغرب أبدا أن تجري التضحية بالمسلمين ومصالحهم في الشرق أو الغرب ما دام الثمن هو المصلحة الغربية والأمريكية تحديدا، فلم تكن مفاجأة أن تسحب الدول الغربية مشروع القرار الذي كانت قد قدمته إلى مجلس الأمن الدولي، والذي كان سيضع إقليم كوسوفا ذا الأغلبية المسلمة على طريق الاستقلال عن جمهورية صربيا؛ بسبب المعارضة الروسية لمشروع القرار كما قيل، وربما السعي لإرضائها في ملف الدرع الصاروخي!. فقد تعرض مسلمو إقليم كوسوفا (15% من مساحة صربيا) لمجازر وقمع شديدين من قبل الصرب في دولة صربيا، على مدار قرابة 10 سنوات منذ عام 1989م حينما قام الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لكوسوفا والذي منحه إياها الرئيس اليوغسلافي الأسبق تيتو عام 1974؛ ولقي -نتيجة لهذا- 10 آلاف مدني ألباني حتفهم، فيما تم تشريد 800 ألف عن مناطقهم في كوسوفو، وردّ المسلمون على ذلك بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991 انتهى بتصويت السكان على الاستقلال بنسبة 99% وانتخاب رئيس مسلم. وبعد 8 سنوات من بحث الأمم المتحدة مشكلة أهالي كوسوفا، قرّر المبعوث الأممي الخاص إلى كوسوفا (مارتي اهتساري) في فبراير الماضي 2007 أن الإقليم يجب أن ينفصل عن صربيا وأن يكون له دستور وعلم ونشيد خاص، وينضم للمنظمات الدولية مثل أي دولة دون أن ينفصل كليا عن صربيا، على الرغم من أن المواصفات الأممية تعطي له ضمنا حق الاستقلال، بيد أن روسيا رفضت بشدة وعارضت صدور قرار من مجلس الأمن يقرّ هذه التوصية الأممية. وقد سعت الدول الغربية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لطرح قرار بديل في الأمم المتحدة لقرار استقلال كوسوفا الذي ترفضه روسيا، يقترح وجود فسحة من الوقت مدتها 120 يوما بحيث تكون مهلة للصرب وألبان كوسوفا للتفاوض قبل أن يتم تطبيق خطة أهيتساري مبعوث الأمم المتحدة آليا لفصل الإقليم، إلا أن روسيا رفضت مرة أخرى هذه الخطة أيضا بهدف أن يبقى الوضع على ما هو عليه ويظل الألبان المسلمون خاضعين للصرب!. واللافت أن الولايات المتحدة -التي كانت تشجع المسلمين من قبل على الاستقلال وتعد بدعمهم- باتت أقل تحمسا لاستقلال كوسوفا الكامل، خاصة في أعقاب تفجّر مشكلة الردع الصاروخي مع روسيا، ما فسره بعض المحللين على أنه ربما يكون نوعا من المقايضة.. التخلي عن خطط استقلال كوسوفا المسلمة مقابل تليين الموقف الروسي من الدرع الصاروخي!. ووسط هذه الأجواء وتوقّع أن تعترض روسيا بالفيتو على أي قرار في الأمم المتحدة لصالح استقلال كوسوفا، أعلن جان مارك دو لا سابلييه، السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة أنه لم يعد بالإمكان التوصل إلى أي قرار في الوقت الراهن، وأنه تم تجميد مشروع قرار الاستقلال، وإحالة الملف إلى مجموعة الاتصال حول كوسوفا (تضم بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والولايات المتحدة، وروسيا) مرة أخرى من أجل مناقشته، أي العودة لنقطة الصفر!!. استقلال من جانب واحد والحقيقة أنه لم يعد أمام مسلمي كوسوفا سوى أن ينفذوا خطة قديمة تتعلق بالاستقلال من جانب واحد عن صربيا، بعدما ظهر أن المقايضات الدولية يمكن أن تعصف بحقوقهم، وهو ما ألمح إليه بالفعل أجيم تشيكو-رئيس حكومة كوسوفا- الذي قال إنه من المفترض أن يعلن الإقليم الاستقلال من جانب واحد عن صربيا يوم 28 نوفمبر المقبل، وأنه من المقرر أن يتبنى برلمان كوسوفو قرارًا يحدد موعد الاستقلال. ربما يكون تراجع الغرب عن مشروع القرار يهدف إلى تهدئة التوترات المتصاعدة بينه وبين روسيا؛ بسبب العديد من القضايا الخلافية، وفي مقدمتها أزمة الدرع الصاروخي الذي تريد الولايات المتحدة نشره في أوروبا وترفض روسيا، بالإضافة إلى عمليات الطرد الدبلوماسي المتبادلة بين الروس والبريطانيين على خلفية مقتل عميل المخابرات الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في بريطانيا قبل أشهر. وربما يكون التدخل الروسي غرضه عرقلة انضمام صربيا للاتحاد الأوروبي وفقد دولة حليفة، بعدما خيَّرت واشنطن بلجراد في وقت سابق ما بين الاحتفاظ بالإقليم والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي!. وما يدفع مسلمي كوسوفو للتفكير في هذا الخيار المستقل وعدم التعويل كثيرا على مساندة الغرب لهم -وهي المساندة التي ترتكز على محاولة إضعاف الروس وحليفتهم صربيا لا الأسباب الإنسانية أو الأخلاقية- أنّ هناك رائحة صراع ديني تفوح على خلفية استقلال كوسوفا.. فالحرب في كوسوفا نشأت لأسباب دينية، وعوامل استمرارها لا تزال قائمة، وهناك أصوات أوروبية تطالب بمنع نشوء هذه الدويلة المسلمة في قلب أوروبا؛ فالكنائس الأرثوذوكسية في روسيا وباقي دول أوروبا الشرقية تلعب دورا كبيرا في إجهاض خطة الأمم المتحدة وإثارة العراقيل في وجهها، والتحذيرات الصربية والمسيحية الشرقية عموما عادت لتكرر نفس النغمة الطائفية التي قيلت عن البوسنة، من أن كوسوفا قد تتحول لمرتع للمتطرفين إذا استقلت، وربما لتنظيم القاعدة لاحقا، بهدف تخويف الأوروبيين من السماح بأي مبادرات انفصالية قد تؤدي لاستقلال الإقليم لاحقا. أيضا يلفت الأنظار تهديد قادة الصرب المتطرفين بمنع هذا الاستقلال واستئناف حرب الإبادة ضد المسلمين، ومعارضة الكنيسة الأرثوذكسية الصربية لخطة الأمم المتحدة، والأهم وضع الصرب حججا واهية لرفض استقلال كوسوفا مثل الزعم أن في كوسوفا أهم الأديرة المسيحية وتراثهم التاريخي، ومع أن خطة مبعوث الأمم المتحدة وعدت بالتغلب على هذا بتحديد 40 منطقة وموقعا من كوسوفا ستحظى بالحكم الذاتي! لمجرد أن بها أديرة مسيحية، فهم يرفضون بإصرار هذه الخطة لاستقلال كوسوفا كلها ويريدون تعطيله بـ"مسمار جحا" جديد، وهو الأديرة والتراث المسيحي في كوسوفا. ويبدو أن تعلق الأمر بمسلمين -وفي أوروبا- يسهل على الطرفين الروسي والأمريكي عقد صفقة تحظر في نهاية الأمر ظهور هذه الدويلة الإسلامية في البلقان قرب روسيا الأرثوذوكسية، تماما مثلما حدث مع البوسنة التي حولوها إلى كيان مشترك بين الصرب والكروات والبوسنة وذات حكم ثلاثي علماني، على الرغم من أن غالبية السكان مسلمون (90%)، ولهذا بدأت المحاولات الصربية –مدعومة بالكنائس الأرثوذوكسية في روسيا وباقي دول أوروبا الشرقية- لإجهاض خطة الأمم المتحدة وإثارة العراقيل في وجهها. وتبلغ مساحة إقليم كوسوفا حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2,500,000، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفو حوالي 92%، والأقليات هناك (8%) تشمل الصرب والمونتنيغري والبوسنيين والغجر والأتراك، ويُعتبر الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99%، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جدا تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفا. لقد تنفس مسلمو كوسوفا الصعداء وتصوروا أن مشكلتهم تقترب من الحل حينما صدر التقرير الخاص لمبعوث الأمم المتحدة الذي يعطيهم حق الاستقلال الذاتي مع تقييد انفصالهم التام عن صربيا لمراحل لاحقة، ولكن هذا القرار الدولي أصبح مجرد حبر على ورق لا قيمة له بعد رفض روسيا له والتهديد بالفيتو لمنع تمريره، وبدلا من إصرار الغرب كما يفعل في قرارات مماثلة تتعلق بعقاب دول عربية إسلامية، نشهد نوعا من المساومات والتفاوض حول هذا الاستقلال والمقابل له في حالة تخلي الغرب عن دعم استقلال الدولة المسلمة. لم يعد بالتالي أمام مسلمي كوسوفا حل نهائي لإقليمهم غير الاستقلال التام، لأن بلجراد لا تريد منح السيادة لسكان الإقليم، وترفض مع روسيا خطة الأمم المتحدة، كما أن مساندة الغرب وأمريكا لهم "فاترة" ومتوقفة على مصالحهم مع روسيا ومقايضة الاستقلال بقضية الدرع الصاروخي. ويبقى السؤال الصعب، وهو: في حالة إعلان مسلمي كوسوفا الاستقلال من جانب واحد.. من سيساند هذه الدولة المستقلة الجديدة؟ وهل سيكون استقلالها مجمدا بحيث تصبح ثاني دولة مسلمة محاصرة وغير معترف بها دوليا كدولة مستقلة على غرار "قبرص التركية" التي لا يعترف بها سوى تركيا؟ وهل يمكن أن تعترف بها الدول العربية والإسلامية التي تباكت على مذابح مسلمي البوسنة وكوسوفا؟ أم أن المصالح الدولية ستمنع حتى الاعتراف العربي والإسلامي بهذه الدويلة ذات الأغلبية المسلمة؟!.
|
|