وتتحدث المادة 12 عن الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص؛ حيث توضح حالات ثلاثة لدول يقع عليها ممارسة الاختصاص، وهي:
1 - الدولة التي تصبح طرفا في هذا النظام الأساسي.
2 - حالتا الفقرة أ وج من المادة 13، أي إحالة دولة طرف حالة إلى المدعي العام، أو أن يكون هو بدأ مباشرة في التحقيق، ففي هاتين الحالتين تمارس المحكمة اختصاصاتها على الدولة الطرف أو الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة، وهنا يقع اختصاص المحكمة في الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أو دولة تسجيل السفينة أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن أحدهما، وعلى الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.
3 - حالة القبول الإلزامي، وهنا تنص المادة 12/3 على الآتي: "إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازما بموجب الفقرة 2 من المادة 13 (الإحالة من مجلس الأمن)، جاز لتلك الدولة -بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة- أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصاتها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث، وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون تأخير أو استثناء".
ويفهم من نص هذه الفقرة أن ثمة حالة يتم فيها القبول الإلزامي بممارسة المحكمة لاختصاصاتها، لكن يجوز للدولة أن تقبل بذاتها ذلك الاختصاص بإيداع إعلان لدى سجل المحكمة بقولها ذلك، ولا يعني ذلك أن تستثنى الدولة التي لا تقبل إيداع مثل هذا الإعلان من أن تقع تحت اختصاصات المحكمة، والتي تم تكليفها من مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع.
ويؤكد ذلك المادة 2، والتي تنص على الآتي: "تنظم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة نيابة عنها".
هل من حصانة لأحد؟
تحدث الباب الثالث من النظام الأساسي عن المبادئ العامة للقانون الجنائي؛ وذلك في المواد من 22 إلى 33، وتشير المواد 22 و23 و24 إلى أنه: لا جريمة إلا بنص، ولا عقوبة إلا بنص، وإلى عدم رجعية الأثر على الأشخاص، أي لا يسأل الشخص بموجب هذا النظام الأساسي عن سلوك سابق لبدء نفاذ النظام.
وتفصل المادة 25 المسئولية الجنائية الفردية، أي وقوع اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين، والحالات المختلفة التي يكون فيها الشخص مسئولا عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب.
وتشير المادة 26 إلى أنه لا اختصاص للمحكمة على الأشخاص الذين كان عمرهم أقل من 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة.
أما المادة 27 فجاءت تحت عنوان: (عدم الاعتداد بالصفة الرسمية)، وتنص على الآتي:
1 - يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية وبوجه خاص؛ فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة، أو عضوا في حكومة أو برلمان، أو ممثلا منتخبا، أو موظفا حكوميا، لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة.
2 - لا تَحُول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القوانين الوطنية أو القانون الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصاتها على هذا الشخص.
ويفهم من ذلك أن النظام الأساسي للمحكمة واجب التطبيق على ما سواه في سائر المواثيق الدولية فيما يتعلق بالحصانة الخاصة بالرؤساء والمسئولين وسفراء الدول.
وهذا ما سعت المادة 10 إلى توضيحه بداية حين نصت على الآتي: "ليس في هذا الباب (الباب الثاني حول اختصاصات المحكمة) ما يفسر على أنه يقيد أو يمس شكلا من أشكال قواعد القانون الدولي القائمة أو المتطورة المتعلقة بأغراض أخرى غير هذا النظام الأساسي".
وتأتي المادة 26 من الباب الثالث تحت عنوان (مسئولية القادة والرؤساء الآخرين) حيث تتحدث الفقرة (أ) منها على مسئولية القائد العسكري أو الشخص القائم بأعمال القائد العسكري الجنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، نتيجة عدم ممارسة هذا القائد العسكري أو الشخص سيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة، وتقدم حالتين لهذه الممارسة غير السليمة، هما: أن يكون قد علم، أو يفترض أنه قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم، وإذا لم يتخذ جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع ارتكاب هذه الجرائم.
أما الفقرة (ب) من هذه المادة فتتحدث عن علاقة الرئيس والمرءوس غير الوارد وصفها في الفقرة السابقة، وتنص على الآتي: "يسأل الرئيس جنائيا عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرءوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين؛ نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرءوسين ممارسة سليمة".
وتعدد الفقرة حالات هذه الممارسة غير السليمة في حالات محددة هي:
1 - إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح أن مرءوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم.
2 - إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسئولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.
3 - إذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم، أو لعرض المسألة على السلطات المتخصصة للتحقيق والمقاضاة.
أزمة السودان والأمن القومي المصري
- مفهوم الأمن القومي
- خطورة الأزمة على الأمن القومي المصري
- الرؤية المصرية لتسوية الأزمة السودانية
- آليات التحرك
إن أحداث السودان الأخيرة المتعلقة بتعرض العاصمة السودانية لمحاولة "انقلابية فاشلة" أشبه بالمغامرة "سواء أكانت محسوبة أو غير محسوبة" أمر له تداعياته الداخلية وأيضا الخارجية خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي المصري.
وهو أمر يضع تحديات أمام القيادة المصرية تماما كما يضع تحديات أمام القيادة السودانية لمواجهة هذا التصعيد الأخير. فالأمر جد ليس بالهزل، وإن ما حدث –حتى وإن كان مغامرة- قد يفتح الباب لإمكانية حدوثه مجددا ما دام أصل المشكلة ما زال قائما ولم يتم حله إلى الآن.
وإذا كانت التحليلات خلال الفترة القليلة الماضية قد ركزت على الأبعاد والتداعيات الداخلية للأزمة، فإن التركيز على الدور المصري أو انعكاسات الأزمة على مصر لم ينل حظه الوافر من الرصد والتحليل، خاصة أن بعض الأخبار الواردة من موقع الأحداث -بفرض صحتها- أشارت إلى دعم عسكري مصري واضح لحكومة الخرطوم من أجل احتواءها.
فوفق ما ذكره بعض شهود العيان السودانيين فإن هناك ثلاث طائرات مصرية مقاتلة وطائرة شحن عسكرية هبطت في مطار الخرطوم لدعم النظام السوداني.
وهنا ينبغي ملاحظة أمرين: الأول أن الحكومة المصرية لم تنف ولم تؤكد صحة هذه الأخبار، والثاني أن الدعم هنا تمثل في الدعم العسكري المباشر وليس الدعم المعنوي. وهو ما يطرح التساؤل البديهي، لماذا؟
ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال قد يكون من المفيد أولا التعريف بمفهوم الأمن القومي على اعتبار أنه يشكل المحدد الرئيسي للسياسة الخارجية لأي بلد تجاه الأوضاع الداخلية والخارجية على حد سواء، ثم معرفة الرؤية المصرية في التعامل مع الأزمة السودانية بصفة عامة، وصولا إلى الإجابة عن السؤال الأهم. ما العمل أو بمعنى آخر ما هي آليات التحرك المصري في التعاطي مع تلك الأزمة؟
مفهوم الأمن القومي
يعني مفهوم الأمن القومي -ببساطة ودون الدخول في جدل نظري لا طائل من ورائه في هذا المقام- الحفاظ على مقدرات وإمكانات البلاد من الأخطار.
وهذه المقدرات تشمل أولا كيان الدولة والرموز الدالة على وجودها كالدستور والعلم والشعار الوطني والعملة الوطنية، ويضم كذلك الإقليم بحدوده المعروفة, والهوية الوطنية واستقرار النظام السياسي, ثم السيادة الوطنية في الداخل وتعني السيطرة التامة للدولة على كامل ترابها وعلى من يعيشون على هذا التراب.
وفي الخارج تشير إلى وقوف الدولة على قدم المساواة مع الدول الأخرى في المجتمع الدولي, وحصولها على جميع حقوقها ووفائها بكامل التزاماتها.
يضاف إلى ذلك استقلالية الدولة سواء في مواجهة القوى الخارجية أو الداخلية, وتتضمن المقدرات أيضا كينونة المجتمع (أرواح المواطنين, والنسيج الوطني والتجانس العام)، وتتضمن ثالثا: الموارد المادية (الطبيعية والاقتصادية), والموارد البشرية (نوعية البشر وصحتهم وتعليمهم وثقافتهم ونظام القيم).
خطورة الأزمة على الأمن القومي المصري
ووفق هذا التعريف لا يمكن اعتبار ما يحدث في السودان شأنا داخليا لا يخص الأمن القومي المصري لعدة أسباب:
1- إن عدم الاستقرار السياسي في السودان قد تكون له آثار اقتصادية وسياسية سيئة على مصر، ففي حالة حدوث قلاقل في الخرطوم مثلا كتلك التي حدثت مؤخرا، فإنه سيترتب على ذلك حدوث نزوح جماعي للاجئين الفارين من الحرب تجاه دول الجوار، ومن بينها مصر.
ونحن نعلم أن هؤلاء اللاجئين قد يشكلون عبئا على مصر سواء في النواحي الاقتصادية، أو حتى الأمنية، لأن هؤلاء اللاجئين قد يهربون ومعهم السلاح، وقد يفكرون في استخدام الأراضي المصرية في شن هجوم مضاد داخل الأراضي السودانية، كما أن بعضهم قد يفكر في التغلغل داخل الأراضي المصرية لحساب دول أخرى تهتم بزعزعة الأمن القومي المصري.
ونقصد بذلك تحديدا إسرائيل، خاصة بعدما أثبتت أحداث أزمة جنوب السودان، وأزمة دارفور وجود علاقات إسرائيلية مشبوهة سواء مع الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب، أو بعض حركات التمرد في دارفور مثل حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور الذي افتتح قبل شهرين تقريبا مكتبا لحركته في تل أبيب.
ولعل هذه المخاوف تزداد مع كثرة محاولات تغلغل لاجئي دارفور في إسرائيل عبر الحدود المصرية، حيث قامت السلطات المصرية بالقبض على العديد منهم، لكن يبدو أن محاولات التغلغل لن تنتهي.
ولعله من المفيد في هذا الشأن تذكر الانعكاسات الاجتماعية والأمنية السيئة لمشكلة اللاجئين السودانيين في ميدان المهندسين قبل ثلاثة أعوام تقريبا واعتصام هؤلاء في هذا الميدان بسبب رفض مفوضية اللاجئين منحهم حق صفة لاجئ، مما اضطر السلطات الأمنية المصرية إلى تفريق هذا التجمع بالقوة. وهو ما أثر بالسلب على العلاقة بين البلدين.
2- إن شمال السودان الذي يعد نقطة التماس المباشر مع الحدود المصرية بدأت تظهر فيه بعض الحركات التي يمكن أن تشكل تهديدا للأمن القومي المصري مثل حركة كوش، وهي حركة تسعى لإقامة دولة النوبة القديمة في مصر والسودان.
وهذا يعني أنها تطالب باستقلال النوبيين عن مصر والسودان وتشكيل دولة النوبة، وهو بالطبع أمر يمس الأمن القومي في الصميم، خاصة أنه يرغب في اقتطاع جزء من الأراضي المصرية.
وهناك مخاوف فعلية من أن تلعب الولايات المتحدة على سبيل المثال بورقة النوبة، كما لعبت -ولا تزال– بورقة أقباط المهجر من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأميركية.
ومما يزيد من هذه المخاوف أن المجتمع النوبي غير مختلط ولا منصهر بصورة كبيرة في المجتمع المصري، خاصة فيما يتعلق بعادات الزواج والمصاهرة، إذ من الصعب أن يتزوج النوبي من غير نوبية.
ومن ثم فإن الأحداث الأخيرة كان يمكن أن تنشط هذه "الخلايا النائمة" وتدفع في اتجاه تعزيز مطالبها بشأن السودان "الممزق" في هذه الحالة.
3- إن حدوث قلاقل في السودان قد يؤثر على إمكانية زيادة حصة مصر من مياه النيل مستقبلا، فمصر تشهد حاليا حالة من الندرة المائية أدى إليها تزايد عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة إلى مصر منذ اتفاقية 1959 (تقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويا).
وتعيش مصر الآن تحت خط الفقر المائي (مقدار هذا الخط ألف متر مكعب للفرد سنويا، في حين يبلغ متوسط دخل الفرد المصري من المياه 985 مترا مكعبا عام 2000، ويتوقع أن يصل إلى خمسمائة متر مكعب فقط عام 2020).
ومعنى ذلك أن مصر مطالبة بتوطيد علاقاتها مع دول حوض النيل خلال الفترة القادمة، ومحاولة التوصل إلى اتفاقيات جديدة تسمح بزيادة كميات المياه الواردة إليها.
ومعروف أن مياه النيل هي شريان الحياة لدى كل المصريين، ومن ثم فإن المساس بها يعد قضية أمن قومي بدون أدني شك وفق التعريف السابق.
لذا فإن حدوث قلاقل في السودان أو تفتيه إلى أربع دول (دولة في الشمال حيث العاصمة الخرطوم، وأخرى في الغرب حيث دارفور، وثالثة في الجنوب حيث قوات الجيش الشعبي، ورابعة في الشرق حيث قوات البجا) قد يجعل هناك صعوبة مصرية في التفاوض المستقبلي حول زيادة حصتها من المياه.
ومعروف أن حصة مصر من المياه تأتي بالكامل عبر الأراضي السودانية من خلال النيلين الأبيض والأزرق، كما أن من الأمور التي ينبغي تذكرها في هذا الشأن هو كيف أن مشروع قناة جونجلي توقف بسبب أزمة الجنوب.
4- إن السودان يعد بوابة العبور المصري تجاه القارة الأفريقية، خاصة دول حوض النيل الثماني غير مصر والسودان.
وقد ازداد الاهتمام بهذه الدول بعد انضمام مصر للكوميسا عام 1998، وسعيها لتدعيم وجودها في هذه المنظمة الفرعية الخاصة بدول الشرق والجنوب لمواجهة التنافس مع الدول القوية في شرق أفريقيا من ناحية "مثل كينيا وإثيوبيا" أو الدول الأخرى في باقي الأقاليم الفرعية "مثل نيجيريا في الغرب حيث منظمة الإيكواس وجنوب أفريقيا في الجنوب حيث تجمع السادك".
ولعل الأسباب السابقة تكشف لنا أن أي مساس بالاستقرار في السودان هو مساس بالأمن القومي المصري، ومن ثم فإن مصر ترغب دائما في البقاء على استقرار السودان ومنع تفتيته وتجزئته إلى أقاليم فرعية، أو حتى إضعافه، كما ترغب في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل.
الرؤية المصرية لتسوية الأزمة السودانية
ومن هنا يمكن فهم الرؤية المصرية للتعامل مع كل أزمات السودان سواء تلك المتعلقة بأزمة الجنوب أو الغرب، أو حتى الشرق.
هذه الرؤية تقوم على إبقاء السودان موحدا، مع إعادة توزيع السلطة والثروة بشكل متساو على أساس مبدأ المواطنة.
هذه الرؤية هي التي تمت بلورتها في إطار المبادرة المشتركة مع ليبيا عام 1999، وتركيزها على قضيتي وحدة السودان، وتضمين جميع الأطراف الشمالية والجنوبية في عملية التسوية.
ولعل ذلك كان أحد أسباب اصطدامها بمبادرة الإيغاد المدعومة من خلال شركاء الإيغاد المتمثلين في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي، إذ كان التركيز في المبادرة الثانية على الخيار بين أمرين هما إما علمانية السودان الموحد، أو حق تقرير المصير للجنوب، مع استبعادها لكافة الأطراف غير الجنوبية في عملية التسوية.
ومن ثم تم تهميش تلك المبادرة المصرية لصالح مبادرة الإيغاد، أما فيما يتعلق بأزمة دارفور فقد ارتكز الدور المصري على محاولة حلها سلميا والسعي للتوفيق بين أطراف النزاع مما يساهم في حقن الدماء وإنقاذ السودان من التدخل الأجنبي والحفاظ على وحدة السودان، فضلا عن موقفها الرافض لنشر قوات دولية في الإقليم دون موافقة حكومة الخرطوم.
كما اعترضت مصر على وصف الصراع بأنه صراع عربي أفريقي، وأنه وصل إلى درجة المذابح الجماعية التي تستدعي التدخل الدولي، ومن هنا عملت مصر على التهدئة بين الحكومة السودانية والمجتمع الدولي.
وقامت مصر بالتحذير من خطورة الضغط على حكومة الخرطوم، وفي المقابل طالبت الأخيرة بإبداء قدر من المرونة تجاه مطالب حركات التمرد.
وعندما بات التدخل الدولي أمرا لا مفر منه حرصت مصر على المشاركة في قوات حفظ السلام في دارفور، تماما كما شاركت من قبل في قوات حفظ السلام الدولية في إطار الترتيبات الخاصة بتنفيذ اتفاقيات نيفاشا.
آليات التحرك
لعل الأحداث الأخيرة التي شهدتها السودان تستدعي ضرورة التحرك المصري وبقوة لتسوية الأزمات المختلفة في البلاد خاصة أزمة دارفور.
هذا التحرك المصري يرتكز على منطلقين أساسيين يشكلان زخما له:
الأول: هو أن مصر طرف محايد ليست له أجندة خفية لدعم هذا الطرف أو ذاك، وإن كان وقوفها في بعض الأحيان لجانب الشرعية الدستورية متمثلة في النظام الحاكم قد يكون مثار اعتراض بعض قوى التمرد خاصة في أزمة دارفور.
لكن هذا اللبس يمكن أن يزول من خلال التواصل المصري مع هذه القوى بصورة ترتكز على مقولة أن دعم الشرعية الدستورية لا يعني غض الطرف عن مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة والتوزيع العادل للسلطة.
الثاني: هو أن مصر قد تكون الوسيط المقبول، خاصة بعدما أثبتت التسوية الإقليمية للأزمة من خلال الإيغاد أو شركائها عن تهميش واضح لبعض القوى خاصة قوى الشمال أو حتى الغرب.
ومن ثم فإن إعادة تفعيل المبادرة المصرية الليبية –تحت أي مسمي- قد يكون أحد الحلول الناجعة في هذا الصدد.
ومن هنا فقد تكون الأحداث الأخيرة نقطة انطلاق قوية لمصر لجمع الفرقاء السودانيين، بشتى طوائفهم الفكرية وانتماءاتهم الإقليمية، على مائدة حوار وطني واحد لإيجاد تسوية شاملة للأزمة، حتى لا يتحول السودان إلى لبنان أو حتى عراق آخر لا تستعر بنيرانه قوى الداخل فحسب، وإنما دول الجوار أيضا.
وقد تكون تصريحات الرئيس البشير الأخيرة بشأن تقديم مزيد من التنازلات لقوى التمرد في دارفور نقطة الانطلاق لهذا التحرك المصري من أجل مساعدة السودان الشقيق على الخروج من هذه الحلقة المفرغة.