1) الدلالة المتداولة:
تعني النظرية الرأي أو الحكم أو التقدير ... ويعبر عنها بالقول والكلام في مقابل الفعل أو العمل أو الممارسة والتطبيق ...
النظرية إذن تتخذ معنى تحقيريا قدحيا خاصة عندما لا ترتبط بالفعل والعمل، وحين ترتبط بالفعل فهي تكتسي أهمية بالغة، ذات منفعة وفائدة وفعالية عملية.
2) الدلالة المعجمية:
أ- المعنى الإصطلاحي
*- في اللغة العربية:
تدل كلمة "النظرية" على: << ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ما ليس بمعلوم، وقيل النظر... طلب علم عن علم... والبحث >> (لسان العرب لابن منظور)
*- في اللغة الفرنسية:
تعني كلمة "النظرية" في معنى أول << مجموعة من الأفكار والمفاهيم المجردة المنظمة قليلا أو كثيرا، والمطبقة على ميدان مخصوص >> . وفي معنى ثان : << بناء عقليا ذا طابع فرضي...تركيبي >> . (معجم Robert).
ب- المعنى الاشتقاقي:
في اللغة العربية:
لفظ "النظرية" مشتق من " النظر" أي فعل الرؤية والملاحظة بالعين.
في اللغة الفرنسية:
كلمة (théorie) هي كلمة (théoria) الإغريقية المشتقة من فعل (théorein) بمعنى نظر ولاحظ ثم تأمل.
ملاحظة (إبراز الطابع الإستعاري لفعل "النظر")
نلاحظ أن الدلالة الاصطلاحية لكلمة النظرية (بوصفها فعلا للعقل الذي يشتغل على مفاهيم وأفكار وتصورات مجردة) لا علاقة لها بالمعنى الاشتقاقي للفظة والذي يعني النظر والرؤية بالعين. لكن تجتمع الدلالتان ( الاصطلاحية والاشتقاقية). في خاصية واحدة، هي خاصية "الادراك الكلي العام والإجمالي لميدان أو مجال من الواقع".
إن خاصية فعل النظر بالعين ( خاصة عندما يتعلق الأمر بالنظر الحسي من مكان مرتفع ) استعيرت للدلالة على فعل الفكر والعقل القائم على البناء المفاهيمي المنهجي التركيبي المجرد ، الذي يتوخى الإحاطة الشاملة بمجال من الواقع .
إن التشابه ينحصر عند هذا المستوى، مستوى الادراك الكلي الشمولي للموضوع ، بيد أن
الإدراك العقلي المجرد (النظر العقلي) يختلف عن الإدراك الحسي ( النظر الحسي).
3) الدلالة الفلسفية:
- يعرف Lalande النظرية بأنها: << إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ>>. ويعرض لمقابلات النظرية، يمكن تلخيصها كما يلي:
( النظرية منزهة عن المنفعة ومستقلة عن تطبيقاتها)
( النظرية ممنهجة ومنظمة، عكس المعرفة العامية
تلقائية وعفوية )
( النظرية بناء فرضي أو رأي حول قضايا متنازع
عليها)
( النظرية تركيب واسع يهدف تفسير عدد كبير من
الوقائع المتشابهة)
- يعرف ابن رشد النظر العقلي كما يلي: << وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها، وكان الاعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه، وهذا هو القياس ... فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي...وهو المسمى برهانا >> . ( فصل المقال...)
- وبغض النظر عن التعارض بين الطابع الفرضي الاحتمالي غير اليقيني للنظرية مع (لالاند) وبين الطابع البرهاني اليقيني لها (عند ابن رشد). يمكن أن نعطي لمفهوم "النظرية" تعريفا مركبا كالآتي:
<< النظرية بناء عقلي مفاهيمي مجرد تركيبيى استدلالي فرضي >> .
يسمح هذا التعريف المركب بطرح الأسئلة التالية:
-هل تنفصل النظرية عن الممارسة والتطبيق؟
-ماهي وظائف النظرية؟
-ما علاقة النظرية بالواقع الذي تسعى إلى مقاربته؟
II .النظرية والممارسة
مايبرر طرح إشكالية العلاقة بين النظرية والممارسة، هو ما درجت عليه بعض الأطروحات الفلسفية في تقديم النظرية بوصفها منفصلة عن الممارسة العملية، أو مرتبطة بها.
1) أطروحة ارتباط النظرية بالممارسة:
أ- ابن خلدون:
يقول ابن خلدون: << أول العمل آخر الفكرة، وأول الفكرة أخر العمل، فلا يتم فعل للإنسان في الخارج إلا بالفكر >>
على هذا الأساس تبدو النظرية غير منفصلة عن الممارسة العملية، بل هناك تكامل بينهما، فالنظرية بوصفها ثمرة للفكر لا غنى عنها لأي عمل يتوخى الإنسان إنجازه، إنها شرط للفعل ومقدمة له، والعمل بدوره امتداد للفكر.
ب- مالينوفسكي (B.Malinowaski)
يرى مالينوفسكي أنه ما من فعل أو عمل مهما كان بسيطا أو معقدا، تلقائيا أو مخططا له إلا ويتضمن حدا أدنى من النظرية، ولإثبات هذه الفكرة يسوق لنا مثالا حول ممارسة الإنسان العملية، يتعلق الأمر بتقنية بدائية هي إشعال النار. إذ يتبين له كيف أنها تنطوي على نظرية علمية دقيقة، فحركة اليدين وهيأتها وسرعة الفعل...كلها عناصر لنظرية حتى ولو لم يتم تدوينها في كتاب، ولاتمت صياغتها في قالب رياضي. وتبعا لذلك فالفعل والممارسة يحتويان الفكرة أي النظرية .
ج- بياجي (Jean Piaget )
إذا كان كل نشاط عملي لابد له من تصور وتخطيط وتدبير عقلي لموضوع هذا النشاط ،أي ما نسميه معرفة أو تنظيرا، سواء كان صريحا أو ضمنيا، فإن المعرفة بدورها عبارة عن فعل ،حسب بياجي، مادمت استيعابا للواقع و إدماجا له في خطاطات سابقة ( في بنيات ذهنية سابقة ) . أي أن المعرفة (النظرية) تنشأ بواسطة الممارسة ومن خلالها.
2) أطروحة انفصال النظرية عن الممارسة:
أ- لالاند (Lalande) :
إذا عدنا إلى النظرية في تعريف (لالاند) نجدها منزهة عن المنفعة ومستقلة عن تطبيقاتها. أي بوصفها منفصلة عن الممارسة العملية، فهو يطرح هذه الأخيرة كإحدى تقابلات النظرية، وبالتالي فلا ترابط بينهما.
ب) باشلار:
يقول باشلار : << إن النزعات العادية للمعرفة لايمكن لها أن تستمد حوافزها من النزعة المنفعية... أن تكون انطلاقتها وكذا الاتجاه الذي تسير فيه إلا خاطئين >>.
يبرر هذا القول انفصال النظرية ( المعرفة العلمية ) عن الممارسة أو التجربة العادية أي العفوية و التلقائية التي تهدف المنفعة المباشرة .
III .النظرية: مكوناتها ووظائفها
هل النظرية وصف للواقع أم تفسير له؟
هل تقتصر النظرية على تركيب مجموعة من القوانين أم تعمل على توحيدها بردها إلى مبدأ؟
إن الحديث عن وظائف النظرية يستدعي، أولا وقبل كل شيء، الوقوف على مكونات النظرية.
1) مكونات النظرية:
يعرف فولكييه النظرية في معجمه الفلسفي، كما يلي:
<< النظرية بناء عقلي يتم بواسطة ربط عدد من القوانين بمبدأ، يمكن أن تستنتج منه بدقة وصرامة . >>
لا تتشكل النظرية من أفكار ومفاهيم مجردة فحسب، بل من قوانين ومبادئ، تقوم بربطها على نحو استنتاجي، بحيث تكون القوانين نتاجا لمبادئ. إذن الأمر يتطلب الوقوف عند مفاهيم: القانون ، المبدأ...
*القانون (loi) : يستعمل في مجالات عديدة ( الحقوق ، الأخلاق ، المنطق ، العلم ....) وفي العلم يدل القانون ، حسب تعريف أوجست كونط على : << علاقة ثابتة بين الظواهر الملاحظة.>>
يتصف القانون العلمي بمجموعة من الخصائص، منها:
- خاصية الشمول: القانون صالح لكل زمان ومكان
- خاصية الضرورة: أي عكس الجواز والصدفة ( الحتمية)
- خاصية القابلية للتجربة
- خاصية التعبير الكمي بصيغ رياضية (معادلة أو دالة أو متتالية)
*المبدأ (principe):
يفيد مفهوم السبب والعلة والأصل، والأساس والبداية، كما يشير إلى مقدمات الاستدلال أو البرهان.
ارتباط المبدأ بمفهوم " العلة "- يجعله يأخذ خاصية ميتافيزيقية (غيبية).
2) وظائف النظرية
اختلف العلماء والفلاسفة في تحديد وظائف النظرية، فمنهم من حصر وظائفها في الوصف، ومنهم من تعدى الوصف إلى التفسير ثم التنبؤ.
أ-النظرية لها وظيفة وصفية (fonction de,,,,,,ive)
- حين تقتصر النظرية على تركيب مجموعة من القوانين تكون لها وظيفة وصفية ترمي إلى وصف الظاهرة، وليس إلى تفسيرها بإرجاءها إلى أسبابها.
*موقف أوجست كونط:
إن تحديد كونط للقانون العلمي بوصفه " علاقة ثابتة بين الظواهر الملاحظة" كان الهدف منه إبعاد مفهوم السبب (أو العلة). باعتباره ذا خاصية متيافيزيقية غيبية. وتبعا لذلك أبعد التفسير باعتباره ربطا لظاهرة ( معلول) بعلة. واستبدل به مفهوم "الوصف"، أي الوقوف عند ملاحظة العلاقات بين الظواهر دون البحث عن أسبابها.
*وجهة نظر بيير دوهيم:
يقول دوهيم : << إن اعتبار النظرية الفيزيائية كتفسير افتراضي للواقع المادي يترتب عنه جعل هذه النظرية تابعة للميتافيزقا...إن النظرية الفيزيائية ليست تفسيرا، إنما نسقا من القضايا الرياضية المستنبطة من عدد قليل من المبادئ غايتها أن تمثل تماما وببساطة، وبصورة صحيحة، ما أمكن ذلك، مجموعة من القوانين التجريبية .>>
النظرية العلمية إذن، حسب دوهيم، لها وظيفة وصفية، فهي تقتصر على تركيب مجموعة من القوانين. وبذلك فهو يرفض إعطاءها وظيفة تفسيرية تنبؤية.
ب- النظرية لها وظيفة تفسيرية تنبؤية:
- حين تربط النظرية القوانين بمبدأ يفسرها تكون تفسيرية explicative، وذلك عندما تعمل هذه النظرية على تفسير العديد من الظواهر، كما هو الحال في النظرية الفيزيائية الحديثة من خلال قانون الجاذبية مثلا، الذي مكن من تفسير مجموعة من الظواهر المتعلقة بالأجسام المتساقطة.
- وحين تتيح النظرية التنبؤ بظواهر جديدة انطلاقا من انتظام الظواهر الملاحظة تكون تنبؤية. تقترن الوظيفة التنبؤية بمدأ الحتمية الذي ينبني على ثبات وتكرار العلاقات السببية بين الظواهر، وانتفاء العشوائية والصدفة في حدوثها، بحيث يمكن التوقع بحدوث الظاهرة بمجرد معرفة أسبابها.
* موقف هامبل:
يقول هامبل: << يمكن للنظرية أن تفسر ظواهر متنوعة كل التنوع عن طريق توحيدها توحيدا منهجيا منظما، إنها تردها جميعا إلى نفس العمليات الكامنة تحتها ... وأخيرا فإن نظرية جيدة توسع أيضا نطاق معرفتنا وفهمنا عن طريق التنبؤ بوقائع لم تكن معروفة عند صياغة النظرية وتفسيرها . >>
IV .علاقة النظرية بالواقع
ما علاقة النظرية بالواقع الذي تسعى إلى وصفه أو تفسيره؟
هل النظرية صورة مطابقة للواقع، أم بناء عقلي مستقل؟
ما معيار صدق وصلاحية النظرية : هل المطابقة مع الواقع أم التماسك المنطقي لبنيتها الداخلية؟
الإجابة عن هذه التساؤلات تضعنا أمام اتجاهين:
- اتجاه عقلاني معاصر يقول بانفصال النظرية عن الواقع
- واتجاه تجريبي يقر بالارتباط بينهما.
1) الاتجاه العقلاني المعاصر: ( انفصال النظرية عن الواقع)
إن ما عرفته العلوم من تطور في القرن 20 في مجال الرياضيات بعد ظهور الهندسات اللاأقليدية، أوفي مجال الفيزياء النسبية مع أينشتاين، أو في الميكروفيزياء الذرية... قد خلق أزمة في المنهاج التجريبي، فأصبح على الإيستمولوجيا المعاصرة أن تراجع تصورات العلوم في علاقتها بالتجربة وبالواقع، وأدى هذا إلى استعمال المنهج الأكسيومي(axiomatique) بدل المنهج التجريبي، فتعددت النظريات بتعدد الفرضيات التي لا تشترط في صحتها إلا الإمتثال لشروط المنهج الأكسيومي، أي إلى مدى انسجامها المنطقي وليس تطابقها مع الواقع من خلال قوانين التجربة.
( المنهج الاكسيومي يقر بأن النظرية بناء مفاهيمي يتشكل على مستوى العقل والمنطق بالاستنباط )
أ- وجهة نظر أنشتاين (Einstein)
يقول إنشتاين: << إن نسقا كاملا من الفيزياء النظرية يتكون من مفاهيم وقوانين أساسية للربط بين تلك المفاهيم والنتائج التي تشتق منها بواسطة استنباط المنطق، وهذه النتائج هي التي يجب أن تتطابق معها تجاربنا... لا يمكن استنتاج القاعدة الأكسيومية للفيزياء النظرية انطلاقا من التجربة إذ يجب أن تكون إبداعا حرا . >>
نستنتج من هذه القولة أن إينشتاين يعتبر أن العقل الحر العلمي الأكسيومي بكل مايتميز به من رمز وتجريد ومنطق كفيل بإنشاء النظرية في الفيزياء، بل هو مرجع النظرية العلمية، وما التجربة إلا المرشد في وضع بعض الفرضيات من جهة وفي تطبيقها تجريبيا من جهة أخرى.
ب- موقف باشلار : (Bachelard)
يقول باشلار: << إن العلم الحاضر اصطناعي، فهو يقطع العلاقة مع الطبيعة لكي يؤسس تقنية، إنه يبني واقعا، ينتقي مادة...>>
إن الواقع العلمي في العلم المعاصر هو الذي يبنى (يشيد) تبعا لتقنيات، وليس نتيجة الواقع المعطى الطبيعي، بهذا يفقد الواقع مفهومه الحسي والأنطولوجي التقليدي، ليصبح نفسه محددا بالنظريات العلمية وتابعا لها.
2) الاتجاه التجريبي المعاصر: ( ارتباط النظرية بالواقع)
ترتبط كل نظرية علمية بالواقع الذي تسعى إلى وصفه وتفسيره، وفي العلوم التجريبية يصبح هذا الارتباط بديهيا وضروريا بين النظريات والواقع.
إذ لا يمكن دراسة الواقع المادي بمعزل عن التجربة العلمية.
أ- رأي بيير دوهيم:
يقول بيير دوهيم: << إن الاتفاق مع التجربة يشكل بالنسبة للنظرية الفيزيائية المعيار الوحيد للحقيقة >>.
إن التجربة، حسب دوهيم، هي منبع النظرية، بحيث تشكل نقطة انطلاق النظرية العلمية، فمنها تستمد معطياتها المصاغة صياغة كمية رياضية في صورة معادلات ودوال. كما أن التجربة تشكل نقطة الوصول بالنسبة للنظرية العلمية. إذ بواسطتها يتم التحقق من صدق وصلاحية النظرية أو بطلانها.
استنتاج:
إن علاقة النظرية بالواقع مطبوعة بمفارقات ، فمن جهة تبدو النظرية مرتبطة بالواقع عبر التجربة، وتظهر من جهة أخرى منفصلة عن الواقع باعتبارها بناء عقليا مستقلا.
النظرية (: Theory
) لها عدد من المعاني المختلفة باختلاف الفرع التي تستخدم به هذه الكلمة. بشكل عام، تكون النظرية نوعا من التفسير لشرح كيفية حدوث ظاهرة طبيعية، بشرط تحقق حدوث هذه الظاهرة وعدم وجود نزاع في حدوثها، تأتي الآن النظرية لتشرح آلية حدوث هذه الظواهر وتكون بشكل عام عرضة للصواب والخطأ، لكن التماسك المنطقي والرياضي للنظرية ثم شرحها لأكبر عدد ممكن من النتائج التجريبية يدعم النظرية و يعطيها تأكيدا أكثر فأكثر.
تزداد النظرية صحة عندما تقدم تنبؤات بشأن ظواهر غير مثبتة بعد، ثم تأتي الأرصاد والتجارب بإثباتها، فنظرية النسبية العامة مثلا تنبأت بانحرافات دقيقة في مدار الكوكب عطارد لم تكن مرصودة بعد، وتم التحقق من ذلك بعد ظهور النظرية مما أعطاها مصداقية أكبر.
هناك فرق شاسع بين الاستعمال العلمي لكلمة نظرية والاستعمال العام لها. بشكل عام يقصد بكلمة نظرية أي ؤأي او فرضية, في هذا المجال لا يتوجب ان تكون النظرية مبنية على حقائق. اما في المجال العلمي تشير النظرية إلى نموذج مقترح لشرح ظاهرة او ظواهر معينة بامكانها التنبؤ باحداث مستقبلية ويمكن نقدها. ينتج من ذلك انه في المجال العلمي النظرية والحقيقة ليسا شيئين متضادين. مثلاً الحقيقة هي ان الاجسام تسقط إلى مركز الكرة الارضية, والنظرية التي تشرح سبب هذا السقوط هي الجاذبية.
مثال على ذلك : خطأ نظرية أرسطو (مركزية الأرض) بأن الأرض هى مركز الكون وأن الكواكب والنجوم تدور حول الأرض، وثبوت صحة نظرية فيلاكوس كوبرنيكوس بأن الشمس هي المركز (مركزية الشمس). و تنطلق النظرية من مسلمات أو مبادىء متفق عليها و تكون أساسا لبناء النظرية و ما يترتب عليها من نتائج.
[] قائمة النظريات المهمة
• علم الفلك: نظرية الانفجار العظيم
• علم الكواكب: Giant impact theory
• علم الأحياء: نظرية الخلية Cell theory - نظرية التطور
• علم المناخ: نظرية التغير المناخي العالمي (due to anthropogenic activity)
• معلوماتية: نظرية المعلومات الخورازمية Algorithmic information theory — نظرية التحسيب
• هندسة تطبيقية: نظرية الدارات — نظرية التحكم — نظرية الإشارة - نظرية الأنظمة
• جيولوجيا: تكتونيات الصفائح Plate tectonics
• فيزياء: نظرية الصوتيات — نظرية الهوائي Antenna theory - النسبية العامة — النسبية الخاصة — نظرية النسبية — نظرية الحقل الكمومي
• كيمياء: النظرية الذرية — النظرية الحركية للغازات
• علم الاجتماع: نظرية اجتماعية - Social theory - النظرية النقدية
• سياسة: نظرية سياسية Political Theory
• اقتصاد: نظرية القرار Decision theory
• إحصاء : نظرية القيمة العظمى Extreme value theory
• ألعاب: نظرية الألعاب - نظرية الخيار العقلاني Rational choice theory
• فلسفة: نظرية البرهان — Speculative reason — نظرية الحقيقة — نظرية النمط — نظرية القيمة — Virtue theory
• إنسانيات: النظرية النقدية
• الأدب: النظرية الأدبية Literary theory
• رياضيات: نظرية الكوارث — نظرية التصنيف — نظرية الشواش — نظرية المخططات — نظرية الأعداد — نظظرية الاحتمالات — نظرية المجموعات
• موسيقى: نظرية الموسيقى
• إتخاذ القرار: نظرية إتخاذ القرار
• سينما: نظرية السينما
• أخرى: النظريات العلمية المستبدلة Obsolete scientific theories — نظرية فيلغستون Phlogiston theory
النظـرية
1. مدخل (من الدلالات إلى الإشكالية)
يدل مفهوم النظرية في التمثل الشائع على الرأي الشخصي، أو التمثلات والأحكام الفردية التي قد يتبناها شخص معين حول قضية ما أو مسألة ما. لذا يشترط أن تكون النظرية مرتبطة بالممارسة والعمل. ومن هذا نستنتج أن مفهوم النظرية في الدلالة الشائعة يحمل بعدا برجمائيا.
وفي اللغة العربية، فإن لفظ النظرية مشتق من النظر، الذي يحمل في دلالاته معنى التأمل العقلي. وكلمة Théoria اليونانية تحمل معاني التأمل والملاحظة العقلية. وفي الفرنسية فإن كلمة Théorie تفيد أن النظرية هي بناء (أو نسق) متدرج من الأفكار، يتم فيه الانتقال من المقدمات إلى النتائج.
وتكاد الدلالات اللغوية تقترب - إلى حد كبير – من المدلول الفلسفي للنظرية. فهذا ابن رشد يربط النظر بمفهوم الاعتبار. ولما كان الاعتبار – في نظر ابن رشد – هو القياس، فإن النظر العقلي هو أفضل أنواع البرهان لأنه يتم بأفضل أنواع القياس. أما لالاند Lalande فيعطي للنظرية بعدا فلسفيا يقترب كثيرا من الدلالة المعجمية بالفرنسية. ونستخلص من ذلك أن النظرية تتعارض مع الممارسة، وتتقابل مع المعرفة العامية لأن هذه الأخيرة معرفة إمبريقية (نابعة من التجربة اليومية). وتتعارض أيضا مع المعرفة اليقينية، لأن النظرية بناء فرضي استنتاجي. وتتعارض أخيرا مع المعرفة الجزئية، لأن النظرية بناء شمولي.
من خلال هذه التقابلات، يمكن أن نتمثل الإشكالية الفلسفية التي يحاول هذا الدرس مقاربتها والتي سنعمل على التعبير عنها من خلال التساؤلات التالية :
• ما هي نوعية العلاقة بين النظرية والممارسة؟
• ما هي وظائف النظرية؟
• من أين تستمد النظرية مبادئها؟ هل تستمدها من الواقع أم أن النظرية إنشاءات حرة؟
2. النظرية والممارسة
إن الفلاسفة اليونان يفصلون بين النظرية والممارسة، حيث يرتبط المفهوم عندهم بالتأمل العقلي المتعالي عن الواقع المادي الحسي. فكلما توغلت النظرية في التجريد؛ كلما حققت – في نظرهم – أبعادها الإبستيمية(= المعرفية). وذلك يرجع إلى طبيعة المجتمع اليوناني الذي كان فيه العمل اليدوي مستهجنا لارتباطه بالعبيد. فكان شعارفلاسفة اليونان هو "المعرفة من أجل المعرفة". وفي مقابل ذلك نجد فلسفات حديثة تربط النظرية بالممارسة. وفي هذا النهج تسير الماركسية لأن ماركس يؤمن بضرورة ربط النظرية بالبراكسيس la Praxis (= الفعل) وكل تفكير متعال عن الواقع تفكير ميتافزيقي. هكذا أراد ماركس لفلسفته أن تكون ممارسة اقتصادية وأيديولوجية. وفي هذا السياق يقول ماركس :"لقد اهتم الفلاسفة حتى الآن بتفسير الوجود.. وآن الأوان أن نعمل على تغييره لا تفسيره".
أما مالينوفسكي Malinowski فيرى أن ما من عمل يدوي، ولو كان بسيطا، فإنه يحمل بين ثناياه تفكيرا نظريا ذي أبعاد علمية بيداغوجية (تربوية)، ويهدف إلى تحقيق غايات، ويحمل بصمات الطبيعة الإنسانية الصناعية والفكرية والمدنية.
إن الاختلاف حول علاقة النظرية بالممارسة يتطلب منا إبداء رأي حاسم في الموضوع. ومن أجل ذلك نجعل من العلم الحكم والفيصل. لقد كان العلم، يعتبر يقينا لأن كل الإبداعات العلمية تجد لها تطبيقا على أرض الواقع. لكن مع التحولات الإبستيمولوجية التي عرفها العلم، تأكد أن كثيرا من النظريات العلمية غير قابلة للتطبيق (الممارسة) بشكل مباشر، وذلك لا ينتقص من قيمتها أبدا. فالفيزياء – مثلا – التي كانت تحتكم إلى التجربة في كل أحكامها ونتائجها، أصبحت اليوم أنساقا فرضية استنباطية، وأصبحنا نتحدث اليوم عن فيزياء رياضية.
انطلاقا من هذا، نستنتج أنه لا تجب مقارنة المعرفة العلمية بالمعرفة العامية. فهذه الأخيرة إمبريقية وبراغمائية، تحتكم إلى الممارسة والمنفعة المباشرة. أما المعرفة العلمية فهي صروح نظرية فرضية-استنباطية، لا يراعى في صدقها إلا بناؤها وتماسكها المنطقيان. لهذا لا يمكن اعتبار الممارسة معيارا ضروريا لتصديق النظرية. هكذا يحق لنا أن نتساءل ما هي وظائف النظرية إذن؟
3. وظائف النظرية
إن النظرية بناء فكري يربط منطلقات بنتائج. فالنظرية العلمية تبنى وتشيد على مجموعة من الفرضيات التي توجه بدورها التجربة العلمية. وتجدر الإشارة إلى أن النظرية تقودها كذلك، مبادئ عقلية منطقية خاصة منها: مبدأ السببية ومبدأ الحتمية. والأول يفيد أن ما من ظاهرة إلا ولها سبب، والثاني يعني أن نفس الأسباب تعطي دائما نفس النتائج. وغالبا ما يتولد عن النتائج ما يصطلح على تسميته بالقانون. والقانون العلمي هو مجموع العلاقات الثابتة بين ظواهر معينة، ويتميز بالخصائص التالية : قيامه على التجربة، قابلية التكرار (لارتكازه على مبدأ الحتمية)، قابلية التعميم، يتيح إمكانية التنبؤ، قابلية الصياغة الرياضية.
من هذا المنطلق نستطيع القول : إن القوانين العلمية إذا ما تألفت فيما بينها، فإنها تشكل نظرية علمية متماسكة. وقد تختلف وظائف النظرية باختلاف الأهداف التي توجه القانون العلمي. فقد تكون وظيفة النظرية وصفية إذا كانت القوانين تفيد مجرد الوصف كما هو الحال بالنسبة لقانون كوبرنيك مثلا حينما أكد أن الكواكب تدور حول الشمس دورة إهليلجية (دون أن يتضمن القانون سبب ذلك). وقد تكون وظيفتها تفسيرية إذا كانت القوانين تهدف إلى تقديم العلاقات السببية التي تؤطر بعض الظواهر كقوانين غاليلي Galilée المفسرة لظاهرة سقوط الأجسام (مثلا لما أثبت أن الهواء هو الذي يفسر اختلاف تسارع الأجسام أثناء السقوط). وحين تهدف النظرية إلى احتضان ظواهر مستقبلية تفسيرا وتحليلا فإن وظيفتها تكون تنبئية. وتجدر الإشارة إلى أن النظرية ذات الوظيفة التفسيرية تكون وظيفتها تنبئية كذلك.
إذا كانت الفيزياء الكلاسيكية تقدم إمكانية تصنيف وظائف النظرية، فإن ذلك لا يمكن تعميمه على النظرية العلمية حيث تشكل البيولوجيا والعلوم الإنسانية الاستثناء. وذلك نظرا للاختلاف الحاصل بين المفكرين وهو صراع يرقى أحيانا إلى الاستخفاف بالنتائج التي يصل إليها الآخر. فداخل البيولوجيا نشهد صراعا تقليديا بين المدرسة اللاماركية والمدرسة الداروينية. فإذا كانت اللاماركية – مثلا – تؤكد إمكانية انتقال الخصائص المكتسبة بالوراثة؛ فإن أغست فايزمان A.Weismann يبين أن الخلايا تنقسم إلى خلايا جسمية SOMA وخلايا جرثومية (أو جنسية) GERMEN والبيئة لا تؤثر إلا الخلايا الأولى. ومن ثمة هناك احتمال ضعيف لانتقال الخصائص المكتسبة وراثيا. أما في مجال العلوم الإنسانية، فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدا، لأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة ومتغيرة، تدخل في تكوينها اعتبارات وجدانية وأخلاقية ودينية. لذا يصعب إيجاد قوانين علمية دقيقة ومضبوطة. ولما كانت محاولة ربط العلوم الإنسانية بالعلوم الدقيقة أضر بها أكثر مما نفعها – كما يرى مالينوفسكي – أضحت مهمة البحث عن نموذج آخر للعلمية، بالنسبة للعلوم الإنسانية، أمرا ضروريا.
يتبين، إذن، أن تحديد الوظيفة العلمية للنظرية قضية لا تتوقف على طبيعة النظرية فقط، بل تتوقف أيضا على طبيعة المناهج المستخدمة والمجالات العلمية التي تبنى فيها النظرية. و من هذا المنطلق نتساءل: ما هي طبيعة العلاقة بين النظرية والواقع؟
4. النظرية والواقع
بما أن النظرية العلمية تسقط كثيرا من تمثلاتها على الواقع، فإن الكثيرين يعتبرون هذا الأخير المحك الحقيقي للنظرية. ومن هذا المنطلق تصبح التجربة العلمية الخطوة الأساسية لبناء النظرية مادامت التجربة هي التي تؤكد أو تكذب الفرضيات. لكن مع التحولات العلمية الحديثة تمت إعادة النظر في علاقة النظرية بالواقع والتجربة. فهذا إنشتاين Einstein يؤكد "أنه لا يمكن استنتاج القاعدة الأكسيومية للفيزياء النظرية انطلاقا من التجربة، إذ يجب أن تكون إبداعا حرا.." فالنظريات العلمية أصبحت لا تخضع للتحقق التجريبي. ومن هذا المنطلق افترض كارل بوبر K. Poper معيارا آخر للتحقق من صدق النظرية، ألا وهو معيار التزييف Falsification . ويعني ذلك أن تكون النظرية العلمية قابلة للتكذيب (دون أن يكون التكذيب مطلقا، وكل ما يعني ذلك فقط أن لكل نظرية المجال الذي تصدق فيه). وهذا ما سيجعل الأنساق العلمية – في نظر بوبر – تخوض صراعا مريرا من أجل البقاء.(= انظر مثلا إلى الاختلاف الحاصل بين الهندسة الأقليدية، والهندسات اللاأقليدية).
ومع ظهور الميكروفيزياء، تغير مفهوم الواقع. حيث أصبح الواقع لا يعني معطى تجريبيا يوجد خارج الذات، وإنما أصبح مفهوما يتغير من الظواهر الماكروسكوبية إلى الظواهر الميكروسكوبية. فالفوتونات والإلكتونات أضحت تفقد كل فردية وتميز. فلا أحد يستطيع الجزم بأنها موجية أو جسمية: لأنه كلما ظهرت بمظهرها الموجي اختفى مظهرها الجسمي، والعكس صحيح. ومن ثمة تصدق النظرية الجسمية والموجية معا. هكذا أصبح – في اعتقاد باشلار – الاهتمام أكثر من ذي قبل بالفرضيات، فأصبحت الفيزياء أكثر فأكثر فرضية-استنباطية.
بناء عليه، أمكن القول بأن التجربة - في صورتها التقليدية – أصبحت متجاوزة، وأصبح الواقع مفهوما عقليا يمكن تمثله بصور متعددة. إلا أن بعض الإبستيمولوجيين يتحفظون من هذا الاستنتاج، حيث يعتقد بوانكاريه H. Poincré، أن المعيار الأساسي للنظرية هو معيار الملاءمة. ويفيد ذلك أن نتساءل أي النظريات تلائمنا أكثر؟ وسيقودنا ذلك – لا محالة – إلى ترجيح نظريات على حساب أخرى.
وكتخريج عام، نستنتج، أنه مهما تعددت دلالات النظرية، فإن إشكالية تحديد علاقتها بالممارسة ستظل إشكالية قائمة. أما تحديد وظائفها فستظل عالقة بالوظائف الإبستيمولوجية التي تعرفها البيولوجيا والعلوم الإنسانية. وفيما يخص علاقة النظرية بالواقع، فهي قضية رهينة بتطور العقلية: فالعقلية الكلاسيكية لا تستطيع أن تتصور النظرية العلمية في غياب التجربة بمفهومها التقليدي. في حين أن العقلية المعاصرة، هي عقلية منفتحة تستطيع أن تحول التجربة المختبرية إلى تجربة ذهنية… ويجب التأكيد أخيرا على أن ربط النظرية بمعيار الملاءمة معناه السقوط في أحضان الفكر البرغمائي، وبالتالي رفض كثير من النظريات العلمية
المصادر
بالمر، روبرت، تاريخ العالم الحديث، ج2، ترجمة حسن علي ذنون، مكتبة دار المتنبي بغداد 1964.
3. توشبار، جان، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة د.علي مقلد، الدار العالمية، بيروت ط1، 1981.
4. البكري، عبد الباقي، نظريات القانون، مطبعة الزهراء بغداد 1969 س.
5. كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار المعارف، مصر، ط1، 1957.
6. ديدجري، البان، ج، التاريخ وكيف يفسرونه، ترجمة عبد العزيز توفيق، الهيئة المصرية للكتاب، مصر 1972.