القول الثاني: وذهب بعض الفقهاء، أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الجائر ولا تجزئ صاحبها، إن دفعها إليه ما لم يصرفها في مصارفها الشرعية المنصوص عليها، وهذا القول ذهب إليه بعض الصحابة والتابعين والفقهاء، وبه قال بعض المالكة كابن القاسم وهو وجه عند الشافعية ذهب إليه الماوردي والعز بن عبد السلام، بل يروى أن عبد الله بن عمر تراجع عن رأيه الأول، فقال عندما سئل ذات مرة "ادفعها إليها" وفي مرة قال "لا تدفعها إليهم، فقد أضاعوا الصلاة" وفي رواية إن صديقا لابن عمر قال لإبن عمر "ما ترى في الزكاة؟، فإن هؤلاء لا يضعونها مواضعها؟، فقال، ادفعها إليهم، فقال، فقلت أرأيت لو أخروا الصلاة عن وقتها، أكنت تصلي معهم؟ قال لا، قال فقلت، هل الصلاة إلا مثل الزكاة؟، فقال: لبسوا علينا لبس الله عليهم. ومن هنا، نرى أن ابن عمر لم يلبث أن رجع عن رأيه الأول في دفع الزكاة إلى الولاة إلا إذا وضعوها مواضيعها، ولقد استبعد حمّاد بن أبي سليمان رحمه الله، شيخ أبي حنيفة أن يقول بن عمر "ادفعوا الزكاة إلى الأمراء وإن تمزعوا لحوم الكلاب على موائدهم" وقال حمّاد "معاذ الله أن يقول ابن عمر ذلك"، قال عطاء بن رباح رحمه الله "إعطهم إذا وضعوها مواضعها"، وقال الشعبي رحمه الله "إذا رأيت الولاة لا يعدلون، فضعها في أهل الحاجة"، وقال ابراهيم النخعي رحمه الله "ضعوها في مواضعها، فإن أخذها السلطان، أجزأك" وقول "لا تؤدوا الزكاة لمن يجور فيها"، ولأنصار هذا القول أدلة أخرى لا يتسع المقام لسردها، فلتنظر في مضانّها.
القول الثالث: وذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين الأموال الظاهرة والباطنة، فتجزئ في الظاهرة إذا صرفها في محلها، وإلا فعلى رب المال إعادة إخراجها فيما بينه وبين الله، وبهذا القول قال الحنفية، فانظر تفصيل ذلك في كتب الأحناف.
القول الرابع: وذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين أن يدفعها إليهم مختارا، فلا يجوز ولا يجزئ وبين أن يدفعها إليها مكرها، فيجوز ويجزئ صرفا في مصارفها، وإلا ففي الإجزاء قولان، وهذا قول بعض المالكية، كاللّخمي، وابن الحاجب والدسوقي وعليه سار خليل في مختصره ودليلهم في ذلك قوله تعالى "وتعاونوا عل البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"، فإعطاء الزكاة لحاكم الجائر الذي لا يصرفها في مصارفها الشرعية يدخل في التعاون على الإثم والعدوان.
ج- بالنسبة للحاكم الكافر: لا خلاف بين أهل العلم أن الكافر لا يجوز بل يحرم دفع الزكاة إليه، لاسيما إذا ظهر منه الكفر البواح، أو بدل أو غيّر أو استبدل أحكام الشريعة بغيرها، والكفر البواح كما فشره أهل العلم هو المعصية، قال الإمام النووي رحمه الله "المراد بالكفر البواح هنا المعصية، ومعنى الحديث،لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليه، إلا أن ترو منهم منكرا محققا، تعلمونه من قواعد الإسلام" ، وقال الخطابي رحمه الله "بواحا، إذا أذاعه وأظهره " فمثل هذا الحاكم يجب عزله أو خلعه إن أمكن ذلك، قال الإمام القاضي عياض المالكي "أجمع العلماء، على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لم طرأ عليه كفر، وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل، إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة، وجب عليهم القيام بخلع الكافر" وقال السفاقسي رحمه الله "أجمعوا على أن الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة يثار عليه"، ولا يشترط أن يعلن الحاكم الردة أو الكفر، وإنما يكفي إظهار المظاهر الموجبة للكفر، قال الكشميري رحمه الله "ودلّ على أن هذا الحديث (حديث عبادة بن الصامت) أيضا على أن أهل القبلة يجوز تكفيرهم وإن لم يخرجوا عن القبلة، وإنه قد يلزم الكفر بلا التزام، وبدون أن يريد تبديل الملة، وإلا لم يحتج الرائي إلى برهان". وهذا مسألة تحتاج إلى شرح وإيضاح لسنا الآن بصدده، جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن زكاة ماله، فقال ادفعها للسلطان، قال الرجل:إن أمراءنا الدهّاقين، قال ابن عمر: وما الدهاقين؟، قال: من المشركين، قال "فلا تدفعها إلى المشركين"، وفي رواية "لا تدفعوا صدقاتكم إلى الكفار"، وأمّا إعطاء الزكاة للحكومات المعاصرة، قال محمد رشيد رضا رحمه الله "...ولكن أكثر المسلمين لم يبق لهم في هذا العصر حكومات إسلامية تقيم الإسلام بالدعوة إليه، والدفاع عنه، والجهاد الذي يوجبه وجوبا عينيا أو كفائيا وتقيم حدوده وتأخذ الصدقات المفروضة، كما فرضها الله وتضعها في مصاريفها التي حددها، بل سقط أكثرهم تحت سلطة دول الإفرنج وبغضهم تحت سلطة حكومات مرتدة عنه، أو ملحدة فيه"، وقال ابن مقصد في "حسم الخلافات الفقهية" "لا يجوز دفع الزكاة إلى حكام وملوك وأمراء عصرنا لأنهم خرجوا عن دائرة الإسلام ودخلوا في الردة للأسباب التالية:
1- لا يحكّمون القرآن، 2- إلغاء شريعة الله عز وجل، 3-تبديل أحكام الإسلام بقوانين وضعية،
4-إجبار الناس بالقوة والترهيب على العمل بهذه القوانين، 5-محاربة وقتل كل من يطالبهم بتحكيم الله تعالى، 6-لا يهدون ولا يقتدون بسنة الرسول على الله عليه وسلم، 7-ولاؤهم لليهود والنصارى والكفار، 8-تعذيب الصالحين لاعتقادهم ولدينهم، 9-خيانتهم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، 10-إباحة المحرمات ونشر الرذيلة والفجور، 11-الاستهزاء بدين الله أو السماح لمن يريد ذلك، تحت مسمى حرية الرأي، 12-لم تكن ولايتهم عن بيعة شرعية ولا رضا من المسلمين،
13-ومن أسباب كفرهم فتح بلاد المسلمين للغزاة المعتدين ونصرهم على الموحدين
مَسْأَلَةٌ : مَنْ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا هُوَ حَيٌّ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : تُؤَدَّى كُلُّهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ ؛ وَسَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ لِهُرُوبِهِ بِمَالِهِ ؛ أَوْ لِتَأْخِيرِ السَّاعِي ؛ أَوْ لِجَهْلِهِ ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ ، وَالْحَرْثُ ، وَالْمَاشِيَةُ ، وَسَوَاءٌ أَتَتْ الزَّكَاةُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَمْ تَأْتِ ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ مَالُهُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ ، وَلَا يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الزَّكَاةُ وَقَالَ مَالِكٌ : إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا - ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً - فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَزْنُ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ، وَالذَّهَبُ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا ، فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السِّنِينَ ؟ وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ أُخِذَتْ كُلُّهَا وَإِنْ اصْطَلَمَتْ جَمِيعَ مَالِهِ ؟ وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً . فَإِنْ كَانَ هُوَ هَرَبَ أَمَامَ السَّاعِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ عَامٍ ؛ فَإِذَا رَجَعَ مَالُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلَّا مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ لِسَائِرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ ، وَإِنْ كَانَ السَّاعِي هُوَ الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا وُجِدَ بِيَدِهِ لِكُلِّ عَامٍ خَلَا - سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ فِيمَا خَلَا أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ؛ فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ عَامَيْنِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا : إنَّهُ يُزَكِّي لِلْعَامِ الْأَوَّلِ شَاتَيْنِ . وَلِلْعَامِ الثَّانِي شَاةً وَاحِدَةً وَقَالَ هُوَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ - لَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا - فَلَمْ يُزَكِّهَا سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا : إنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيهَا هَذَا نَصُّ كَلَامِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ ؟ وَقَالَ زُفَرُ : عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ أَبَدًا . وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ ، وَأَصْحَابُنَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ ، لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ . وَمَا الْعَجَبُ إلَّا مِنْ رِفْقِهِمْ بِالْهَارِبِ أَمَامَ الْمُصَدِّقِ وَتَحَرِّيهِمْ الْعَدْلَ فِيهِ وَشِدَّةِ حَمْلِهِمْ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي ، فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ زَكَاةً أَلْفَ نَاقَةٍ لِعَشْرِ سِنِينَ ؛ وَلَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّمَا مَلَكَ فِي سَائِرِ الْأَعْوَامِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَقَطْ . وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَنَّ هَكَذَا زَكَّى النَّاسُ إذْ أَجْمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا مُعَاوِيَةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَعْطِيَةِ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ؛ وَقَلَّدُوا هَاهُنَا سُعَاةَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ ، كَمَرْوَانَ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَمَا هُنَالِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ إبِلٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْلِمُ وَتُعَطَّلَ زَكَاةً قَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى ؟ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ - فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ - فِي الْمَالِ نَفْسِهِ ، وَلَا فِي الذِّمَّةِ /97 ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ قَبْلُ /97 ؛ وَأَوْضَحْنَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ ، وَلَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ نَفْسِهِ ؛ وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَى خِلَافِهِ ؛ وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ ؛ فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ ذَهَابُ مَالِهِ ، وَلَا رُجُوعُهُ إلَى مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ امْرَأً لَوْ بَاعَ مَاشِيَتَهُ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْمَبِيعَةِ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ وَمَا لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَالًا مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي ؛ وَلَا يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةٌ مِنْ عُمَرَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى زَيْدٍ ؛ وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ بِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
مَسْأَلَةٌ : فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ، وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً ، لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا ؛ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ . وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ ، وَأَصْحَابِهِمَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ، لَا تُؤْخَذُ أَصْلًا ، سَوَاءٌ مَاتَ إثْرَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ ، أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِسِنِينَ . وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ : أَنَّهُ يَأْخُذُهَا الْمُصَدَّقُ مِنْهَا ، وَإِنْ وَجَدَهَا بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ . وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ : أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ : فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ، وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّهَا تُؤْخَذُ بَعْدِ مَوْتِهِ ، وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْمَاشِيَةِ ، وَالزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ ؛ فَأَمَّا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَقُولُ : بِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ . وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ كَانَ حَاشَا الْمَوَاشِيَ - : فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا ، فَتَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبْدَاةً عَلَى سَائِرِ وَصَايَاهُ كُلِّهَا ، حَاشَا التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ ، وَهِيَ مُبْدَاةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ قَالَ : وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ إنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهَا ، وَقَدْ بَطَلَتْ ، إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا ، فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ مُبْدَاةٍ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا . وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ : فَمَرَّةٌ رَآهَا مِنْ الثُّلُثِ ، وَمَرَّةً رَآهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٍ ؛ فَفِي غَايَةِ الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا بِمَوْتِ الْمَرْءِ دَيْنًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ، بِلَا بُرْهَانٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا : لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا شَاءَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُوَرِّثَ وَرَثَتَهُ شَيْئًا إلَّا أَمْكَنَهُ فَقُلْنَا : فَمَا تَقُولُونَ فِي إنْسَانٍ أَكْثَرَ مِنْ إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا ، وَلَوْ أَنَّهَا دُيُونُ يَهُودِيٍّ ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَا فِي خُمُورٍ أَهْرَقَهَا لَهُمْ . فَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّهَا كُلَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ ، سَوَاءٌ وَرِثَ وَرَثَتُهُ أَوْ لَمْ يَرِثُوا ، فَنَقَضُوا عِلَّتَهُمْ بِأَوْحَشِ نَقْضٍ وَأَسْقَطُوا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى - الَّذِي جَعَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْغَارِمِينَ مِنْهُمْ ، وَفِي الرِّقَابِ مِنْهُمْ ، وَفِي سَبِيلِهِ تَعَالَى ، وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى - : وَأَوْجَبُوا دُيُونَ الْآدَمِيِّينَ وَأَطْعَمُوا الْوَرَثَةَ الْحَرَامَ . وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مِنْ إيجَابِهِمْ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْعَامِدِ لِتَرْكِهَا ، وَإِسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ وَوَقْتُهَا قَائِمٌ عَنْ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا . ثُمَّ تَقْسِيمُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِ الْمَوَاشِي ، وَبَيْنَ زَكَاةِ عَامِهِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الْأَعْوَامِ ، فَرَأَى زَكَاةَ عَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ يَعِيشُونَ مِنْهُ ، وَلَمْ يَرَ زَكَاةَ سَائِرِ الْأَعْوَامِ إلَّا سَاقِطَةً . ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ زَكَاةِ النَّاضِّ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَتُبَدَّى عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ - : وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَلَا تُبَدَّى الْوَصَايَا ، وَهَذِهِ أَشْيَاءُ غَلِطَ فِيهَا مَنْ غَلِطَ وَقَصَدَ الْخَيْرَ ، وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِتَقْلِيدِ قَائِلِهَا . ثُمَّ اسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ نَصْرًا لَهَا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( فِي الْمَوَارِيثِ ) { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } فَعَمَّ - عَزَّ وَجَلَّ - الدُّيُونَ كُلَّهَا ، وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ ، وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ - : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ . قَالَ الْوَكِيعِيُّ : ثنا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ ؛ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ثُمَّ اتَّفَقَ زَائِدَةُ ، وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، قَالَ مُسْلِمُ الْبُطَيْنُ : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ ، وَسَلَمَةُ : سَمِعْنَا مُجَاهِدًا ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا ؟ فَقَالَ : لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى } . قَالَ أَبُو خَالِدٍ : فِي رِوَايَتِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَذَكَرَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الْأَعْمَشَ سَمِعَهُ مِنْ الْحَكَمِ ، وَسَلَمَةَ وَمُسْلِمٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ : سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ ، وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { : فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ } فَهَؤُلَاءِ : عَطَاءٌ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ ، وَمُجَاهِدٌ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ ، بَلْ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطٌ وَدَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَالنَّاسُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَيَسْأَلُونَ عَنْ الزَّكَاةِ أَفِي الذِّمَّةِ هِيَ أَمْ فِي عَيْنِ الْمَالِ . ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ . فَإِنْ قَالُوا : فِي عَيْنِ الْمَالِ ، فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ ، فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ وَتَبْقَى دَيْنُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؟ وَإِنْ قَالُوا : فِي الذِّمَّةِ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطُوهَا بِمَوْتِهِ ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لَازِمٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ إبْطَالُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ؟ فَإِنْ قَالُوا : لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ ، كَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ وَصِيَّةً فَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي الثُّلُثِ ، وَإِلَّا فَهَاتُوا فَرْقًا بَيْنَ الْمَرِيضِ ، وَالصَّحِيحِ . وَإِنْ قَالُوا : لِأَنَّنَا نَتَّهِمُهُ . قُلْنَا : فَهَلَّا اتَّهَمْتُمْ الصَّحِيحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتُّهْمَةِ ؟ لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ قَوْلَ الْمَرِيضِ فِي دَعْوَاهُ : إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ ، وَيُبْطِلُونَ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ ، وَهَذِهِ أُمُورٌ كَمَا تَرَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ : أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ . وَقَالَ رَبِيعَةُ : لَا تُؤْخَذُ وَعَلَيْهِ مَا تَحَمَّلَ - : وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : ثنا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ ، وَطَاوُسٍ : أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَالزَّكَاةِ : هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ قَالَ عَلِيٌّ : وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ : إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَتَحَاصُّ مَعَ دُيُونِ النَّاسِ . قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذَا خَطَأٌ ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى . } قَالَ عَلِيٌّ : هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ - الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا - وَالْقِيَاسَ ، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ نَعْلَمُهُ .
مسألة فى زكاة عسل النحل
معلوم أن عسل النّحل من نِعَم الله على عباده، وجاء في ذلك قوله تعالى( فِيهِ شِفاءٌ للنّاسِ ) [ سورة النحل: 69 ] وتحدّث العلماء قديمًا وحديثًا في معنى الشّفاء الموجود فيه، ويراجع في ذلك كتاب " الطّب النبوي" لابن القيم أو " زاد المعاد " له. أما الزكاة فيه فقد جاء في تفسير القرطبي " ج10 ص 140 " أن الإمام مالكًا وأصحابه ذهبوا إلى أنّه لا زكاة فيه وإن كان مطعومًا مُقتاتًا، واختلف فيه قول الشافعي، ففي القديم أن فيه زكاةً، وفي الجديد قطع بأنّه لا زكاة فيه، وقال أبو حنيفة بوجوب الزكاة فيه قليله وكثيره؛ لأنّ النصاب عنده ليس بشرط، وقال محمد بن الحسن: لا شئ فيه حتى يبلغ ثمانية أَفْراق، والفرق سِتّة وثلاثون رطلاً عراقيًّا، وقال أبو يوسف: في كل عشرة أزْقاق زِقٌّ، متمسكا بما رواه الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صَلّى الله عليه وسلّم - " في العسل في كل عشرة أزْقاق زِقّ " قال أبو عيسى: في إسناده مقال، ولا يصحّ عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - في هذا الباب الكبير شيء، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: ليس في العسل شئ. انتهى.
فالخُلاصة: أن جمهور العلماء لا يُوجِبون الزّكاة في عسل النحل، لعدم وجود الدليل الصحيح، قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يَثبت ولا إجماعٌ، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور. والذي قال بالزكاة فيه أحمد وأهل الرأي، وهم أبو حنيفة وأصحابه. على خِلاف في نصابه، ومقدار الزكاة. وإذا لم تجب الزكاة فصدقة التطوّع مندوبة.
المحرر: اختلف العلماء في زكاة العسل هل يجب فيه شيء أم لا، فالذين قالوا بوجوبها قد تمسكوا ببعض الآثار الواردة في ذلك، أما الذين قالوا بعدم الوجوب فحجتهم أنه لا دليل في المسألة يعتبر صحيحاً، والراجح أن العسل مال، ويبتغى من ورائه الفضل والكسب، فهو مال تجب فيه الزكاة على أن يؤخذ العشر من صافى إيراده، أي بعد رفع النفقات والتكاليف.