وجوب الإفطار للسفر :
ذهب أئمة المذاهب الأربعة إلى أن المكلف إذا سافر بالشروط المذكورة في محلها فهو مخير بين الصيام والإفطار ، واختلفوا في أيهما الأفضل ، فذهب أحمد وإسحاق أن الفطر أفضل وإن لم يشق عليه الصوم .
وذهب مالك وسفيان الثوري وابن المبارك إلى أن من وجد قوة فالصيام له أفضل .
وذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصيام أفضل إلا إذا حصلت له مشقة فالفطر أفضل ( 1 ) .
وذهب الشيعة الإمامية إلى وجوب الإفطار ، وقد دلت عليه أحاديث رووها في كتبهم :
منها : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، والترمذي والنسائي والبيهقي في سننهم ، وابن خزيمة في صحيحه ، والطيالسي في مسنده ، وغيرهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان ، فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس . ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ، ثم شرب فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : أولئك العصاة ، أولئك العصاة ( 2 ) .
ومنها : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي في سننهم ، وأحمد والطيالسي في مسنديهما ، والحاكم في المستدرك ، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس من البر الصيام في السفر ( 3 ) .
* هامش *
(1) راجع أقوالهم في سنن الترمذي 3 / 90 ، الفقه على المذاهب الأربعة 1 / 575 ، بداية المجتهد 1 / 296 .
(2) صحيح مسلم 2 / 785 الصيام ، ب 15 ، ح 1114 . سنن الترمذي 3 / 89 ح 710 قال الترمذي : حديث جابر حديث حسن صحيح . سنن النسائي 4 / 488 ح 2262 ( ط محققة ) . وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2 / 482 ح 2136 . السنن الكبرى 4 / 241 . مسند أبي داود الطيالسي ، ص 232 ح 1667 . صحيح ابن خزيمة 3 / 255 ح 2019 .
(3) صحيح البخاري 2 / 578 الصوم ، ب 36 ، ح 1946 . صحيح مسلم 2 / 786 الصيام ، ب 15 ، ح 1115 .
سنن الترمذي 3 / 90 ، ح 710 . سنن النسائي 4 / 485 ، ح 2254 - 2261 . سنن أبي داود 2 / 317 ح 2407 .
سنن ابن ماجة 1 / 532 ح 1664 ، 1665 . مسند أحمد بن حنبل 5 / 434 . سنن الدارمي 2 / 9 . مسند أبي داود = ( * )
والبر هو الطاعة والعبادة كما نص عليه ابن الأثير وغيره . قال ابن الأثير : وفي حديث الاعتكاف : البر يردن أي الطاعة والعبادة ، ومنه الحديث : ليس من البر الصيام في السفر ( 1 ) .
وعليه لا يكون الصيام في السفر عبادة ولا طاعة ، فيكون غير مشرعا ولا مأمورا به ، فيتعين حينئذ الإفطار .
وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لما رأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم . . . وهذا يدل على أن الصيام الذي هو ليس ببر إنما هو الصيام الذي تكون معه مشقة ، لا مطلق الصيام في السفر .
وهذا مردود بأن خصوص المورد لا يخصص الوارد ، فإن لفظ ( الصيام ) في الحديث مطلق غير مقيد بحالة حصول المشقة والحرج ، فلا يصح تخصيصه بما حدث في تلك الواقعة . على أن الحديث الأول أوضح دلالة من هذا الحديث ، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم وصف كل الصائمين بأنهم عصاة ، مع أنه لم يستعلم أحوالهم فوجدهم قد شق عليهم الصوم ، بل ظاهر الحديث أن صومهم لا مشقة فيه عليهم ، لأنهم لو وجدوا فيه أدنى مشقة وكانوا قد رأوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفطر لأفطروا معه ، ولكنهم لما وجدوا في أنفسهم طاقة على الصوم بلا حرج عليه صاموا ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
* هامش *
= الطيالسي ، ص 191 ح 1343 ، ص 238 ح 1721 . السنن الكبرى 4 / 242 - 243 . المستدرك 1 / 433 .
صحيح ابن حبان 2 / 70 ح 355 ، 8 / 317 ، 320 ، 322 ح 3548 ، 3552 ، 3554 .
المعجم الكبير للطبراني 12 / 374 ، 379 ، 446 ، ح 13387 ، 13403 ، 13618 . إرواء الغليل 4 / 58 .
المصنف لابن أبي شيبة 2 / 279 ح 8959 ، 8960 . صحيح ابن خزيمة 3 / 253 ، 254 ح 2016 ، 2017 ، 2018 .
مسند الحميدي 2 / 539 ح 1289 .
(1) النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 116 . ( * )
من رأى وحده هلال رمضان أو رأى هلال شوال هل يصوم ويفطر على الرؤيا
المسألة فيها خلاف والقول الراجح
ما ذهب إليه الحنابلة وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الممتع
أن يصوم حسب رؤيته في دخول رمضان وإذا رأى هلال شوال فإنه يصوم تبعاً للناس وهذا من باب الاحتياط في العبادة في الدخول والخروج
1- لقوله تعالى [ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ]
2- قوله صلى الله عليه وسلم [ إذا رأيتموه فصوموا ]
وكونه لا يفطر إلا مع الناس في خروج الشهر لأن الشهر لا يخرج إلا بشهادة رجلين وهذا رجل واحد
المسالة الحادي عشر : هل يقبل في رؤية دخول رمضان وفي خروجه قول رجل أو رجلان
اختلف العلماء في ذلك
والقول الراجح أنه يقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ويلزم الناس الصوم
وهذا قول عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم وهو المشهور عن أحمد والشافعي في الصحيح عنه
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما [ تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه ] أبو داود وصححه الحاكم وابن حبان
وأما في خروج الشهر فلا بد من شاهدين عدل
لحديث [ وإن شهد شاهدان ذوا عدل فصوموا وأفطروا ] أحمد والنسائي
قال الترمذي [ ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة عدلين
3- حكم تبيت النية في الصيام
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن العلماء اختلفوا في تبيت النية على ثلاثة أقوال
وأصح هذه الأقوال
قول أحمد والشافعي قالوا : لا يجزئ الفرض إلا تبيت النية
لحديث حفصة رضي الله عنها [ لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر ] النسائي وصححه الألباني موقوفاً
ولحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً [ من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ] الدارقطني والبيهقي
وأما النفل فيجزئ بينة من النهار كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم [ إني إذا صائم ]
وقال شيخ الاسلام وهذا أوسط الأقوال
مسألة : وقت النية في الصيام
فإنه يكفي نية واحدة من أول شهر رمضان لجميع الشهر . وهذه رواية عن أحمد ذكرها شيخ الاسلام ونقل أنه مذهب مالك
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله [ فإذا نوى الإنسان أول يوم من رمضان أنه صائم هذا الشهر كله فإنه يجزئه عن الشهر كله ما لم يحصل عذر ينقطع به التتابع كما لو سافر أثناء رمضان فإذا عاد يجب عليه أن يجدد النية للصوم ]
4-مفسدات الصوم
الأول : الجماع : وهو إيلاج الذكر في الفرج ولو لم ينزل وهو أعظم المفطرات وأكبرها إثماً
لقوله تعالى [ فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ]
ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال [ بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يارسول الله هلكت قال : مالك قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال رسول الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها قال : لا قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال : لا قال : فهل تجد إطعام ستين مسكيناً قال : لا أجد ] متفق عليه
وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا العمل هلاك
فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضا أو نفلاً ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه القضاء والكفارة وهي
1- عتق رقبة فإن لم يجد
2- فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع
3- فإطعام ستين مسكينا
والكفارة المغلظة تجب على من جامع في الفرج في نهار رمضان من غير عذر شرعي سواء أنزل أو لم ينزل
وفيه مسائل :
1- أن من جامع في أيام متعددة في نهار رمضان فعليه كفارات لكل يوم مع قضاء تلك الأيام
2- إذا جامع دون الفرج فأنزل فسد صومه وعليه القضاء مع التوبة [ إذا كان في رمضان أو قضاء رمضان أو كفارة أو نذر ]
3- المرأة كالرجل إذا كانت راضية بالجماع فعليها القضاء والكفارة
4- إذا أُكرهت المرأة على الجماع فلا كفارة عليها وأما القضاء ففيه خلاف والصحيح
أنه لا قضاء عليها وهو قول الحسن ومجاهد والثوري والشافعي وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله
ونقل عن أحمد [ كل أمر غُلب عليه الصائم ليس عليه قضاء ولا غيره ] ً
5- إذا طلع الفجر وهو يجامع فاستدام الجماع فعليه القضاء والكفارة وبهذا قال الإمام أحمد ومالك الشافعي
6- أن من جامع في غير رمضان في صوم واجب كقضاء رمضان أو صيام نذر أو كفارة فعليه التوبة والاستغفار وقضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه
7- أن من جامع في صوم تطوع فلا قضاء ولا كفارة وإن أراد أن يقضي فلا بأس
الثاني : إنزال المني باختياره
ومن قبل في نهار رمضان فلا يخلو من ثلاث حالات
1- أن لا ينزل : فلا يفسد صومه بذلك بغير خلاف
2- أن ينزل : فيفطر ويفسد صومه بغير خلاف عند أهل العلم
3- أن يمذي : فاختلف العلماء في ذلك هل يفطر أولا على قولين
والصحيح [ أنه لا يفطر بذلك ] وهو مذهب الإمام أبو حنيفة والشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله تعالى
وقالوا : الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل .
حكم من أكل أو شرب يظنه ليلاً فبان نهاراً
المسألة خلافية على قولين
الأول : أن عليه القضاء وبهذا قال جمهور أهل العلم من السلف والخلف ورجحه الشيخ ابن باز
الثاني : لا قضاء عليه وقال به مجاهد والحسن واختيار شيخ الاسلام وابن عثيمين
مسألة :حكم من أكل وشرب شاكاً في غروب الشمس عليه القضاء لأن الأصل بقاء النهار
مسألة : حكم من أكل أو شرب شاكاً في طلوع الفجر ولم يتبين له طلوعه لا قضاء عليه لأن الأصل بقاء الليل
وفرق بين من أكل شاكاً في طلوع الفجر ومن أكل شاكاً في غروب الشمس
الأول : على الأصل وهو بقاء الليل فيصح صومه
الثاني : على الأصل وهو بقاء النهار فعليه القضاء