أحاديث كتاب الحج كغيرها من الأبواب التي تحتاج إلى بيان غريب ألفاظها، سيما وهي من النصوص التي ينبني عليها عمل المكلفين بهذه العبادة العظيمة، فهذه طائفة من الألفاظ الغريبة مرفقة بنصوصها الواردة فيها، وأقوال أهل الشأن في معانيها:
لَبَّيْكَ: قال القاضي عياض: في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - أن تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ».
قوله في التلبية «لبيك» معناه: إجابة لك، وهو تثنية ذلك كأنه قال: إجابة لك بعد إجابة تأكيدا كما قالوا: حنانيك، ومعناه إجابتي لك يا رب لازمة، من لَبَّ بالمكان وأَلَبَّ به إذا أقام، وقيل معناه: قربا منك وطاعة، وَالْإِلْبَاب : الْقُرْب، وقيل: طاعة لك وخضوعا من قولهم: مُلَبٍّ بَيْن يَدَيْك أي خاضع، وقيل: اتجاهي لك وقصدي من قولهم دَارِي تَلُبّ دَارك أي تواجهها، وقيل: محبتي لك يا رب من قولهم اِمْرَأَة لَبَّة إذا كانت محبة لولدها ، عاطفة عليه، وقيل: إخلاصي لك يا رب من قولهم حَسَبٌ لُبَاب أي مَحْض.
وَالرَّغْبَاء إِلَيْك: في الحديث السابق: قال نافع: وكان عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - يزيد فيها «لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك وَالرَّغْبَاء إِلَيْك والعمل».
ومعناه هنا: الطلب والمسألة إلى من بيده الخير، وهو المقصود بالعمل المستحق للعبادة .
هَذِهِ ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ: في سنن أبي داود كتاب فرض الحج بسند حسن عن ابن لأبى واقد الليثي عن أبيه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لأزواجه فى حجة الوداع: « هَذِهِ ، ثُمَّ ظُهُورَ الْحُصْرِ ».
ومعنى « هذه ثم ظهور الحصر »:أي هذه حجة الوداع ثم الزمن ظهور الحصر، والحُصُر: جمع حَصِيْر، وهو ما يبسط في البيت، من الفرش، وهي كناية عن لزوم القرار في البيوت، ولهذا امتنعت بعض نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- عن السفر بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- وتأول بعضهن الحديث على عدم وجوب الحج عليهن مرة أخرى، ولذلك أذن لهن عمر بالحج في خلافته من غير نكير من بقية الصحابة.
وَبِيصِ: في الصحيحين عن عائشة قالت «فكأني أنظر إلى وَبِيصِ الْمِسْكِ فِى مَفْرِقِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مُحْرِم». وفي الصحيحين عن أنس « فكأني أنظر إلى وَبِيصِ خاتمه ».
وَبِيصِ: بكسر الموحدة وبالمهملة أي بَرِيْقُه ولمعانه.
لَبَّدْتُ: في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّداً.
وفي الصحيحين عن حفصة رضي الله عنهما قالت قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :« إني لَبَّدْتُ رأسي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ».
والتَّلْبِيْد: هو جمع الشعر في الرأس بما يلزق بعضه ببعض كالعسل والصمغ وغيرهما؛ لئلا يتشعث ويقمل في الإحرام.
فَتَلْتُ قَلاَئِدَ: في البخاري عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت « فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدُنِ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قَلَّدَها ».
تقليد الهدي: تعليق النعل على عنقه، حتى يعلم من يراه بأنه هدي.
أَشْعَرَها: في السنن عن ابن عباس « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بذي الحُلَيْفَة ثم دعا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم ».
قال الحافظ ابن حجر: إشعار البدن، هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته أي يمسحه بيده، فيكون ذلك علامة على كونها هديا.
يوم القر: في صحيح ابن خزيمة عن عبد الله بن قرط قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :« إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر » وقد جاء مفسرا عند البيهقي بقوله: «وهو الذى يليه» وسمي يوم القر؛ لاستقرار الحجاج فيه بعد أعمال يوم النحر كما في السنن الكبرى للبيهقي«يوم القر يستقر فيه الناس».
أرفضي عمرتك: في صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «ارْفُضِي عمرتَك، وأَهِلِّي بالحج» ،
قال النووي: ليس معناه إبطالها بالكلية والخروج منها ، فإن العمرة والحج لا يصح الخروج منهما بعد الإحرام بنية الخروج ، وإنما يخرج منها بالتحلل بعد فراغها ، بل معناه : ارفضي العمل فيها، وإتمام أفعالها التي هي الطواف والسعي وتقصير شعر الرأس ، فأمرها صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أفعال العمرة ، وأن تحرم بالحج فتصير قارنة ، وتقف بعرفات وتفعل المناسك كلها إلا الطواف ، فتؤخره حتى تطهر ، وكذلك فعلت .