رغم الاختلاف في مفهوم الثقافة، واتخاذه دلالات متعددة ومتباينة بحسب اختلاف المرجعيات الفكرية والاجتماعية والدينية وباختلاف الحقول المعرفية، إلا أن جميع التعاريف تركز على كون الثقافة تجمع بين أنماط التفكير والتعبير والتدبير التي تنتظم وفقها حياة الإنسان داخل مجتمع ما، وفي سبيل تقريب المفهوم يمكن الاعتماد على تعريف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الذي جاء فيه "إن الثقافة تشمل مجموعة المعارف والقيم وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتصرف والتعبير وطرز الحياة، كما تشمل تطلعات الإنسان إلى المثل العليا، والبحث الدائب عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته".
وعندما يتعلق الأمر بالمجتمع الإسلامي فإن نمط الثقافة يتحدد بما هو إسلامي أيضا تفكيرا وتعبيرا وتدبيرا، وهي التي أكسبت المجتمع الإسلامي الوحدة في الجوهر مع الاختلاف والتنوع في المظهر، وجعلت من الشعوب الإسلامية "مثل الجسد الواحد" الأمر الذي أكسب العالم الإسلامي قوة حضارية ومكانة في علاقاته مع الكيانات الثقافية والسياسية المباينة له.
لكن هذه الثقافة ظلت تتعرض لمحاولات الهدم والتخريب من قبل المفسدين والمغرضين منذ عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما بعده إلى اليوم، ولم تصل هذه المحاولات ذروتها في الخطورة إلا في الفترة المعاصرة، خاصة مع مرحلة الاستعمار الغربي وما تلاه من استقلالات شكلية للبلدان الإسلامية إذ أصبحت محاولات تشويه الثقافة الإسلامية وتخريبها وتغريبها ذات طابع منظم وممنهج وشامل ومتواصل، ولا يزداد إيقاعها إلا سرعة، ولا يزداد سعارها إلا هيجانا، ولا يزداد المناوئون لها إلا تكالبا وتحالفا.
فأين تتجلى هذه الهجمة الشرسة على مكونات الثقافة الإسلامية ومقوماتها؟ وما هي وسائلها وأساليبها وأهدافها؟ وما هي حدود آثارها في جسم هذه الثقافة؟
ـ مظاهر التحدي في وجه الثقافة الإسلامية:
تتعدد هذه المظاهر والتجليات تعددا واسعا، حتى إنه يشب عن طوق الدراسات والبحوث المتخصصة فكيف بمثل هذا المقال القصير، ولعل من أبرز ذلك:
1- الهجوم على القرآن والسنة:
وذلك بالطعن فيهما من جهات متعددة منها:
- من جهة مصدرهما الإلهي: فالتشكيك في هذه المصدرية الربانية، ونفي النبوة والرسالة واعتبار القرآن والسنة ليسا وحيا، وإنما هما مجرد تأليفات فكرية - كبقية التأليفات البشرية - أبدعها محمد "العبقري" وليس محمد الرسول والنبي، إنما القصد منها التمهيد للقول ببشرية الوحي ونسبيته الزمانية والمكانية، ومن ثم التمكن من تجاوزه كما يتم تجاوز كل ما هو بشري تاريخي!
- من جهة صلاحيتهما لكل زمان ومكان: ذلك أن كثيراً ممن أقر بربانية القرآن والسنة شك في صلاحيتهما للإنسان على الدوام، وحاول الكثير من هؤلاء ربط الأحكام الشرعية بأسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث؛ بقصد الوصول إلى ربط هذين الأصلين بالظرفية التاريخية والاجتماعية التي أنتجتهما، حتى إذا ما تغير التاريخ والمجتمع أمكن القول معه بوجوب تغيير هذه الأحكام!! ووجوب الاجتهاد خارج دائرتهما! فيتم التحلل من الشريعة الإسلامية والتخلص منها بطرق عقلية في الظاهر وهي في الأصل أبعد من العقل، إذ العقل الصريح ما كان أبدا مخالفا ولا مناقضا للنقل الصحيح، بل مؤيد له على الدوام ومحتاج إليه باستمرار، ولم يثبت أبدا أن العقل البشري بإمكانه الاستقلال عن تسديدات الشرع الإلهي.
2- الهجوم على التراث الإسلامي:
من حيث هو ذلك الموروث الديني الذي ورثه المسلمون عن الرسول ومن بعده من الصحابة والتابعين وكل المخلصين، وبذلك يمكن القول إن التراث الإسلامي يتضمن جانبين: جانب الوحي، وجانب المجهود الإنساني الخالص والمخلص لفهم هذا الوحي على أسسه الشرعية وقواعده العلمية، والذي أثمر تلك العلوم الإسلامية التي شكلت النواة الصلبة لميلاد الثقافة الإسلامية وتجذرها اجتماعيا واستمرارها تاريخيا، وتركز الطعن في هذا التراث في القول بنسبيته الزمانية والاجتماعية، وارتباطه بعوامل تاريخية أفرزته، دون التمييز في هذا التراث بين ما هو إلهي المصدر كالقرآن والسنة، وبين ما هو بشري المصدر كسائر ما أنتجه المسلمون في تفاعلهم المزدوج مع الوحي الإلهي والواقع البشري، فما هو إلهي المصدر يعتبر مقدسا ولا ينبغي إخضاعه للمقاييس البشرية، بينما الثاني قد يصح فيه ذلك خصوصا في ما يتعلق بالمسائل الفروعية القابلة للاجتهاد وتفاوت الأنظار، أما ما كان من الأصول الإيمانية والأخلاقية فلا ينبغي إخضاعه لهذه المقاييس.
3ـ الهجوم على اللغة العربية:
وهو هجوم قديم ازدادت حدته مع سقوط العالم الإسلامي في يد الدول المستعمرة، وتأجيج الحركات الانفصالية العرقية والقوميات الضيقة، ودعم اللهجات المحلية وتطعيمها بطابع الحقد والصراع، وتشجيع اللهجات العربية العامية من أجل القضاء على اللغة العربية الفصحى، وليس هذا فحسب بل تم تشجيع تعليم اللغات الأجنبية ودعمه بكل الوسائل والإمكانات وأصبحت هذه اللغات وسيلة للترقي الاجتماعي في البلدان العربية والإسلامية، أما حامل اللغة العربية فلا يترقى مثل غيره وكأن حاملها ليس مثقفا ولا مفكرا، وكأن اللغة العربية ليست لغة السيادة و الريادة، ولا لغة العلم والحضارة، ولا لغة الإدارة والمناصب العليا!! وفضلا عن هذا فإن كثيرا من الحكومات العربية والإسلامية، كانت قد تبنت سياسة التعريب في بداية استقلالها لكنها سرعان ما تخلت عن هذه السياسة واعتمدت سياسة "الانفتاح اللغوي" محليا ودوليا، ذلك الانفتاح الذي كان على حساب اللغة العربية فحصل تراجع هذه اللغة عن مواقعها الريادية والثقافية، وظل التعريب مجرد شعار سياسي لتغذية الجماهير المسلمة وإلهائها وإرضائها ظاهريا، بدليل أن أصحاب هذه الشعارات يتقنون اللغات الأجنبية أكثر من العربية، ويعلمون أبناءهم في المدارس الأجنبية وليس في المدارس العربية.! ولا يخفى أن ضرب لغة أي مجتمع إنما هو ضرب لثقافته، واعتداء مبيّت على حقه الثقافي، وحقه في الحياة والوجود الاجتماعي والحضاري لأنه لا وجود ولا قيمة لثقافة بدون لغة حاملة لهذه الثقافة، ولا وجود لمجتمع بدون ثقافة، فاللغة روح الثقافة، والثقافة مظهر حياة اللغة والإنسان في المجتمع، ومن هنا كان الهجوم على اللغة العربية هجوما على الثقافة الإسلامية وروحها وهجوما على الإسلام ذاته.
4ـ الهجوم على المؤسسات الثقافية والرموز الثقافية:
تعتبر المؤسسات الثقافية الوسائل التي بها تحافظ الثقافة على وجودها واستمرارها، وتضمن بواسطتها صياغة نفسها بشكل يتناسب مع التغيرات والتطورات الزمانية والاجتماعية، ومن أبرز المؤسسات الثقافية في هذا المجال، والتي تم توجيه سهام المسخ والنسخ إليها ما يلي:
- مؤسسة الأسرة:
فهذه الأخيرة تم اختراقها وتغيير مفاهيمها، ابتداء من بنيتها إلى وظائفها فمكوناتها فعلاقاتها، فتغيرت مفاهيم الأبوة والأمومة والبنوة والزوجية، وتغيرت معها الوظائف والأدوار والمسؤوليات، وتغيرت مفاهيم الحقوق والواجبات داخل هذه المؤسسة، ولم تعد الأسرة مسؤولة عن تربية الأجيال وإكسابهم ثقافتهم وقيمها الفكرية والفنية والسلوكية، وإنما أصبحت تتدخل في هذه التربية جهات اتخذت من نفسها شريكا للأسرة في التنشئة الثقافية بمنظور يختلف، كالإعلام والمدرسة والجمعيات والأندية الرياضية وجماعات الأصدقاء، بل إن كثيرا من الهيئات والمنظمات تخطت مفهوم الشراكة مع الأسرة إلى علاقة الوصاية على الأسرة، وأصبحت تفرض على هذه الأخيرة نوع التربية الثقافية والاجتماعية التي ينبغي للأسرة المسلمة اكتسابها وإكسابها.
- المؤسسة التعليمية:
شكلت المؤسسات التعليمية أهم القنوات التي تمر منها الثقافة إلى الأجيال اللاحقة، وقد تم تركيز الاهتمام عليها بتغريب مضامينها ومناهجها الإسلامية وتغييب مقاصدها الحقيقية، فحادت المؤسسات التعليمية عن رسالتها التربوية والتوجيهية.
المؤسسة العلمية والدينية:
ظل العلماء والفقهاء في تاريخ الإسلام هم حاملي مشعل الثقافة، وهم الذين عملوا على غرسها فكريا وعلميا وسلوكيا وفي جميع المستويات حتى أصبحت متجذرة أكثر، ومثلوا على الدوام ضمير الأمة الحي واليقظ، وجهاز المراقبة لكل ما يهدد هذه الثقافة الإسلامية، كما كان لهم أدوار اجتماعية طلائعية ورائدة في توجيه الناس وفي تربيتهم وحل خلافاتهم، إضافة إلى أدوارهم في المشاركة السياسية الفاعلة من حيث تنصيب الإمام وعقد البيعة له أو عزله أو تدبير شؤون الأمة من خلال مجلس الشورى ومجالس القضاء والحسبة، حتى صار العلماء يمثلون رمزا ثقافيا ثقيل الدلالات؛ ونظرا لهذه الأهمية فقد وجهت لهذه المؤسسة ولهذه الرموز طعنات قاتلة، تمثلت في فصلهم عن الحياة الاجتماعية وعن قيادة الجماهير، كما تم تقزيم سلطتهم إلى أقصى الحدود، حتى صار الناس لا يعرفون عن هذه المؤسسة و لا عن رموزها شيئا، فكانت الطعنة خطيرة؛ لأنها توجهت لجهاز المناعة في الجسم الثقافي للأمة.
ويوم أصيبت الأمة في هذا الجهاز العلمي المناعي تداعت بسرعة إلى الانهيار، وتداعت عليها الأمراض والأوبئة بجميع أصنافها وألوانها، كما تداعى عليها كل الأمم الضالة والمغضوب عليها. وهكذا تعطلت وظيفة المؤسسات وغيبت رموزها عن الاستعمال والتداول اليومي والتأثير في الواقع، وبدلا من أن تكون لهذه الرموز ولهذه المؤسسات سلطة مادية ومعنوية كما هو الحال في جميع الثقافات، فقد تراجعت إلى الوراء، لتحل محلها سلطة المؤسسات السياسية المعاصرة، وسلطة الرموز الثقافية الجديدة ("نجوم "الرياضة والغناء المسرح والسينما، و"نجوم" السياسة في أحسن الأحوال وأرقاها) وهكذا أصبحنا نشاهد انقلابا خطيرا في مفهوم الرمز الثقافي الذي كان رمزا ملهما روحيا وفكريا ومصلحا اجتماعيا وسياسيا، وباعثا على كل خير ودافعا إلى كل صلاح وإصلاح، فانقلب الأمر إلى تبني رموز جديدة تقتل في الفرد كل معالم العزة والنخوة والقوة، وتزرع فيه كل خواء وكل فراغ وكل سلبية، وتوقظ فيه كل نوازع الشهوة والغريزة، وتشجع على التنافس، فيها وترصد لها المنافسات المدعومة إعلاميا وماديا، وتخصص لها الجوائز والمكافآت المغرية، في الوقت الذي تمنع وتعرقل الأنشطة التي من شأنها تعزيز الوجود الفاعل للثقافة الإسلامية.
- الوسائل والأساليب المعتمدة:
إن محاولات تغريب الثقافة الإسلامية وتغييبها ومسخها ثم نسخها، ما كان لها أن تنجح في تحقيق نتائجها في التدمير الثقافي لولا اعتمادها على وسائل عمل متنوعة ومنظمة، وعلى تخطيط متواصل، ومما يمكن التنبيه إليه ما يلي:
أ- البعثات التعليمية وتسخير الطبقة المثقفة ذات الثقافة الغربية: تعتبر البعثات العلمية بين الدول والمجتمعات وسيلة فعالة لانتقال الثقافات وهجرتها، ووسيلة للتقارب بين الشعوب والحضارات، وأداة من أدوات التلاقح الفكري وتطوير الإمكانات الذاتية لكل أمة، لكن هذا الأمر وظّف في العالم الإسلامي بطريقة سلبية، وكان وسيلة لسلخ أبناء الأمة الإسلامية عن هويتهم، أو مسخها وتسخيرهم بأنفسهم لتشويه ثقافات بلدانهم ومجتمعاتهم، وتتزعم ذلك حركات الانسلاخ والتغريب تحت شعارات براقة كشعار الانفتاح الحضاري والتعاون الثقافي وشعارات الحداثة والحريات.
ب- الاعتماد على المؤسسات التعليمية في مسخ الهوية الإسلامية: كان التعليم الإسلامي يستجيب لخصوصيات الأمة، ويسد حاجياتها، وهو الذي مكنها من الريادة الحضارية، وساعدها على الحفاظ على هويتها، ومقاومة جميع أشكال الغزو والمحو والمسخ والنسخ والتغريب والتغييب المغرضة، لذلك توجهت العناية إليه بقصد محو عناصر القوة فيه، وإفراغه من محتواه الإسلامي مضمونا ومنهجا وغاية، وتجفيف منابع الخير فيه حتى صار تعليمنا تعليما ليس له من الصفة الإسلامية إلا الاسم، ومن حمولة ثقافتنا الإسلامية إلا الرسم، وصار في عمقه تعليما ضد مقومات الأمة الإسلامية، لا ينتج إلا أجيالا ضائعة تائهة رافضة ويائسة، لا تجد ذاتها إلا في اللهو والمجون، ولا تجد البطولة إلا في تحقيق الشهوات والملذات الحسية، من لباس وجنس وخمر وغناء وعري وفحش وتخريب وتدمير.
ج- الاعتماد على الإعلام في إشاعة ثقافة الانسلاخ والانحلال والميوعة وإفساد الذوق العام للمسلم: فالإعلام وإن كان في أصله إخبارا يحتمل الصدق والكذب، فإنه لم يعد يحتمل اليوم إلا الكذب، كما أنه أصبح مع تطور المجتمعات البشرية وتعقدها وتطور تقنياته أداة ناجعة للتكوين والتثقيف والتربية والتنمية، لكنه صار عندنا سلاحا ذا حدين، وتم استغلال وجهه السلبي أكثر وتوجيهه لخدمة أغراض الفئات المتحكمة في المجتمع تحكما غير عادل، وهكذا صارت القنوات التلفزية بالخصوص تقوم بتسطيح الوعي الفردي والاجتماعي، من خلال اهتمامها المفرط بالبرامج الغنائية و (الترفيهية)، والأخبار الزائفة، والتحاليل المزيفة للقضايا العظمى والمصيرية، والحوارات المجانية لملء الفراغات والتحقيقات في القضايا الظرفية والهامشية أو المختلقة، والغريب في الأمر أن القنوات الموجهة للعالم الإسلامي تكاد تكون وحدها التي يطغى عليها مثل هذه التوجهات والاهتمامات المناهضة لمقومات الثقافة الإسلامية، ولمقومات الأمة، بل إن هذه القنوات هي التي تحظى بحق الترخيص لها، ويرفع عنها سيف الرقابة والمحاسبة، ويتم تشجيعها ماديا ومعنويا، بخلاف القنوات التي يشتم فيها بعض رائحة الصدق الإسلامي، فإنها تخضع للمراقبة الجمركية والتفتيش العسكري والمنع الفوري والمصادرة قبل الأوان والملاحقة المستمرة!! وتتناسب هذه المراقبة وآليات التضييق والخنق تناسبا طرديا وعكسيا مع حجم وجود هذا الصدق الإسلامي قوة وضعفا!
د- توظيف النعرات العرقية وتشجيع التوجهات العلمانية والإباحية: وتقويتها كما وكيفا أفقيا وعموديا وقد ساهمت هذه التوجهات بتنظيماتها وهيئاتها وبرامجها في إحداث شروخ عميقة في جسم الأمة الثقافي، ازدادت مع ازدياد الدعم الدولي لها، وركوبها موجات الدعاوى الديموقراطية والحداثية، وموجات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والعرقيات في تقرير المصير.
هـ- الاعتماد على المرافق الاجتماعية: كالمقاهي ودور السينما والنوادي والسهرات الليلية والألعاب الرياضية ومسابقات الغناء والرقص والمجون واللهو، إذ يلاحظ أن أثر هذه المرافق الاجتماعية التي غزت مجتمعاتنا غزوا سلبيا أخذ يتعاظم خطره يوما عن يوم، وأصبحت هذه المؤسسات الجديدة وسيلة ناجعة " للتأطير الثقافي "، واستقطاب الأفراد وتكوينهم تكوينا ثقافيا لا يمت بصلة إلى هويتهم ولا يخدمها، بل يهدمها هدما سريعا، ويشوهها تشويها مريعا، بل يجعل من المستقطبين عناصر للفساد ودعاة للإفساد والتمييع والتيئيس، وتعتبر المرأة والشباب أهم عنصر في ذلك غاية ووسيلة إذ بهما يتحقق كل خير وكل شر وإفسادهما هو أقرب طريق لإفساد ما تبقى!! و-الاعتماد على منظمات حقوق الإنسان: وسن قوانين تحمي المتطاولين على القيم الخلقية والدينية الإسلامية، باسم تعزيز الحريات العامة والخاصة، وترسيخ السلوك الديمقراطي!! وكأن وظيفة الديموقراطية وحقوق الإنسان ليست حماية حقوق الجميع، وإنما حماية المتطاولين والمعتدين على الحقوق المقدسة عند الغير من العقاب ليس إلا!
وفي الأخير يمكن القول إن محاولات مسخ الثقافة الإسلامية ونسخها متعددة ومتجددة باستمرار، ورغم ما يظهر من أنها تحاول إحكام الطوق والحصار على الإسلام ومقومات ثقافته، وانتظار ساعة الإعلان عن موت هذه الثقافة، إلا أن ذلك ليس إلا محاولات يائسة تحاول زرع اليأس، إذ الواقع يعكس بوادر وعي فردي واجتماعي مضاد يحمل في طياته الرفض الصريح لكل أشكال المسخ والتشويه، وبدأت تظهر معالمه في أوساط المجتمعات الإسلامية في هذه الصحوة المباركة، التي تحمل مشروع الإحياء والتجديد الثقافي الإسلامي، مشروع يبعث الأمل العريض والتفاؤل في غدٍ أكثر إشراقة، وأكثر صلاحا وإصلاحا، وليس القصد في هذه المقالة تصوير واقع الثقافة الإسلامية تصويرا سوداويا من أجل التيئيس والتثبيط، بقدر ما هو إبراز لحجم المسؤولية الملقاة على المسلمين للنهوض الجماعي من أجل مقاومة كل أشكال التذويب والتغريب والتغييب، ومن أجل إثبات الحضور الفاعل والمتوازن في التدافع بين الحق والباطل لتحقيق الخيرية و الشهود الحضاري على العالمين؛ ولئن كانت جهود المخالفين ترمي إلى نسخ ثقافتنا الإسلامية بثقافات هجينة، فإن جهود المخلصين من هذه الصحوة ترمي إلى نسخها للعالم، وإصدار نسخ عديدة لهذه الثقافة الإسلامية، تناسب كل مجتمع إنساني في خصوصياته المحلية والزمانية والمكانية والله غالب على أمره، وإن الله بالغ أمره.