الإثنين 15 مايو - 11:57 الإثنين 8 مايو - 22:14 الأحد 19 أغسطس - 16:42 الأحد 19 أغسطس - 15:17 السبت 18 أغسطس - 17:10 السبت 18 أغسطس - 17:00 السبت 18 أغسطس - 16:56 السبت 18 أغسطس - 14:52 السبت 18 أغسطس - 10:07 الخميس 16 أغسطس - 17:02 الخميس 16 أغسطس - 16:54 الأربعاء 15 أغسطس - 18:13 الأربعاء 15 أغسطس - 18:08 الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
موضوع: تهديد الخلافة العباسية الإثنين 20 مارس - 23:50
تهديد الخلافة العباسية
حقَّق جنكيزخان حلمًا غاليًا، ما كان يتوقَّع أن يكون بهذه السهولة، وهذا الحلم هو احتلال أفغانستان.
ولكن! لماذا يكون احتلال أفغانستان بالتحديد حلمًا لجنكيزخان أو لغيره من الغزاة؟!
لماذا يكون احتلال أفغانستان خاصَّة خطوة مؤثِّرة جدًّا في طريق سقوط الأُمَّة الإسلامية؟!
ولماذا يجب أن يكون سقوط أفغانستان في يد محتلٍّ -أيًا كان- نذير خطر شديد للأُمَّة بأسرها؟!
الواقع أن سقوط أفغانستان يحمل بين طيَّاته كوارث عدَّة:
أولاً: الطبيعة الجبلية للدولة تجعل غزوها شبه مستحيل؛ وبذلك فهي تمثِّل حاجزًا طبيعيًّا قويًّا في وجه الغزاة، وهذا الحاجز يُخَفِّف الوطأة على البلاد المجاورة لأفغانستان، فإن سقطت أفغانستان كان سقوط هذه البلاد المجاورة محتملاً جدًّا، وسيكون غزو أو مساومة باكستان وإيران ثم العراق بعد ذلك أسهل جدًّا.
ثانيًا: الموقع الإستراتيجي المهم لأفغانستان يُعطيها أهمية قصوى؛ فهي في موقع متوسِّط تمامًا في آسيا، والذي يحتلُّها سيملك رؤية باتساع 3600 درجة على المنطقة بأسرها؛ فهو على بُعد خطوات من دول في غاية الأهمية، إنه لا يُراقب باكستان وإيران فقط، ولكنه يُراقب -أيضًا- دولًا خَطِرة مثل روسيا والهند؛ وفوق ذلك فهو قريب نسبيًّا من الصين؛ وبذلك تُصبح السيطرة على كامل آسيا -بعد احتلال أفغانستان- أمرًا ممكنًا.
ثالثًا: صلابة شعبها؛ الطبيعة الجبلية لأفغانستان أكسبت شعبها صلابة وقوَّة قد لا تتوافر في غيرها من البلاد، فإن سقط هؤلاء فسقوط غيرهم سيكون أسهل.
رابعًا: النزعة الإسلامية؛ يتمتَّع سكَّان هذا البلد بنزعة إسلامية عالية جدًّا، وبروح جهادية بارزة، وليس من السهل أن يقبلوا الاحتلال، وظهر ذلك واضحًا في انتصارهم مرَّتين على التتار؛ بينما فشلت كل الجيوش الإسلامية في تحقيق مثل هذا النصر، ولا شكَّ أن سقوط هؤلاء يُعَدُّ نجاحًا عظيمًا للقوى المعادية للمسلمين.
خامسًا: الجانب النفسي؛ فوق كل ما سبق، فإن الأثر المعنوي السلبي على الأُمَّة الإسلامية، والإيجابي على التتار، سوف يكون عاملًا شديد التأثير في الأحداث، فأنَّى لأُمَّة محبطة أن تُفَكِّر في القيام، وأَنَّى لأُمَّة ذاقت طعم النصر الصعب أن تُفَرِّط في الانتصارات السهلة! هذا عادة لا يكون!
وبذلك يكون التتار قد وصلوا من الصين إلى كازاخستان ثم أوزبكستان ثم التركمنستان ثم أفغانستان ثم إيران ثم أَذْرَبِيجَان ثم أرمينيا ثم جورجيا، وقد اقتربوا جدًّا من العراق.
كل هذا في سنة واحدة! سنة (617هـ=1220م)!
حتى إن ابن الأثير يُعَلِّق على هذا فيقول:
«وقد جرى لهؤلاء التتر ما لم يُسمع بمثله من قديم الزمان وحديثه؛ فهذه طائفة تخرج من حدود الصين، لا تنقضي عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلى بلاد أرمينيا، ويُجاورون العراق من ناحية هَمَذَان، وتالله! لا أشكُّ أن مَنْ يجيء بعدنا -إذا بَعُدَ العهد- ويرى هذه الحادثة مسطورة فإنه سيُنكرها ويستبعدها، والحقُّ بيده، فمتى استبعد ذلك فلينظر أنا سطَّرنا نحن، وكل مَنْ جمع التاريخ في أزماننا هذه، في وقت كلُّ مَنْ فيه يعلم هذه الحادثة، فقد استوى في معرفتها العالم والجاهل لشهرتها»[1].
عودة التتار إلى أَذْرَبِيجَان: دخلت سنة 618 هجرية، وعاد التتار إلى إقليم أَذْرَبِيجَان المسلم من جديد، ودخلوا مدينة «مَرَاغَة» المسلمة، ومن عجيب الأمور أن امرأة كانت ترأس هذه المدينة، ولا أدري لماذا أعطى المسلمون زمامهم لامرأة، وخاصةً في هذا التوقيت الحساس؟! إلاَّ إذا كانت البلاد قد عدمت الرجال الذين يصلحون للقيادة!
حاصر التتار مَرَاغَة ونصبوا حولها المجانيق، وأخذوا يضربون المدينة من كل مكان، فخرج أهلها للقتال، فإذا بالتتار يدفعون بالأسارى المسلمين الذين أتوا بهم من بلاد متعدِّدة ليُقاتلوا عنهم، والتتار يحتمون بهم، ومَنْ تأخَّر من الأسارى عن القتال قُتل، فبدأ الأسارى المسلمون يُقاتلون إخوانهم المسلمين في مَرَاغَة طمعًا في قليل من الحياة[2]، وسبحان الله! إن كان الموت لا محالة آتٍ؛ فلماذا تقتل إخوانك قبل أن تُقتل؟! ولو انقلب الأسارى على التتار حمية لإخوانهم في مَرَاغَة، لكان في ذلك فرصة النجاة لبعض المسلمين؛ ولكن ضاعت المفاهيم، وعميت الأبصار، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!
دخل التتار مدينة مَرَاغَة المسلمة في 4 من صفر سنة (618هـ=1221م)، ووضعوا السيف في أهلها، فقُتل منهم ما يخرج عن الحدِّ والإحصاء، ونهبوا كل ما صلح لهم وكل ما استطاعوا حمله، أمَّا ما كانوا يعجزون عن حمله فكانوا يحرقونه كله، ولقد كانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلال فيُضرمون فيه النار[3]!
ويذكر ابن الأثير: أن المرأة من التتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهلها! وذكر -أيضًا- أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مَرَاغَة أن رجلاً من التتر دخل دربًا فيه مائة رجل مسلم، فما زال يُقاتلهم واحدًا واحدًا حتى أفناهم، ولم يمدّ أحد يده إليه بالسوء[4]! ضُربت الذلَّة على الناس، فلا يُدافعون عن أنفسهم قليلاً ولا كثيرًا، ونعوذ بالله من الخذلان!
التهديد بغزو شمال العراق: بدأ التتار يُفَكِّرون في غزو مدينة «إربل» في شمال العراق، ودبَّ الرعب في مدينة أربيل، وكذلك في مدينة الموصل غرب أربيل، وفكَّر بعض أهلها في الجلاء عنها للهروب من طريق التتار، وخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله[5] أن يعدل التتار عن مدينة أربيل لطبيعتها الجبلية؛ فيتَّجِهون إلى بغداد بدلًا منها، فبدأ يفيق من السبات العميق الذي أصابه في السنوات السابقة، وبدأ يستنفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها، وأُعلنت حالة الاستنفار العامِّ في كل المدن العراقية، وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهُّز.
تُرى! كم من الرجال استطاع الخليفة أن يجمع؟
لقد جمع الخليفة العباسي «الناصر لدين الله» ثمانمائة رجل فقط[6]!
ولا أدري كيف سينصر الخليفةُ دينَ الله -كما يُوحي بذلك اسمه- بثمانمائة رجل؟!
أين الجيش القوي؟! وأين الحمية للخلافة؟! وأين التربية العسكرية؟! وأين الروح الجهادية؟!
لم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان «صورة» خليفة، أو «شبح» خليفة!
لم يستطع قائد الجيش «مظفر الدين» -طبعًا- أن يلتقي بالتتار بهذا العدد الهزيل، ولكن انسحب بالجيش، ومع ذلك -سبحان الله!- فقد شعر التتار أن هذه خدعة، وأن هذه هي مقدِّمة العسكر، فليس من المعقول أنَّ جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي فقط! ولذلك قرَّرُوا تجنُّب المعركة وانسحبوا بجيوشهم[7].
وانسحاب جيوش التتار يحتاج منَّا إلى وقفة وتحليل؛ فقد كان الرعب يملأ التتار من إمكانيات الخلافة العباسية؛ التي كانت ملء سمع وبصر الدنيا، وكانت تزهو على غيرها من الأمم بتاريخ طويل، وأمجاد عظيمة، ولا شكَّ أن دولة لقيطة مثل دولة التتار ليس لها على وجه الأرض إلا بضع سنوات ستحسب ألف حساب لدولة عظيمة؛ يمتدُّ تاريخها إلى أكثر من خمسمائة سنة؛ لذا فالتتار كانوا يُقَدِّرون إمكانيات العراق بأكثر من الحقيقة بكثير؛ ومن ثَمَّ فقد آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا بذلك ما يُعرف «بحرب الاستنزاف»؛ وذلك عن طريق توجيه ضربات خاطفة موجعة للعراق، وعن طريق الحصار الطويل المستمرِّ، وأيضًا عن طريق عقد الأحلاف والاتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة؛ لتسهيل الحرب ضد العراق في الوقت المناسب.
لذلك فقد انسحب التتار بإرادتهم؛ ليطول بذلك عمر العراق عدَّة سنوات أخرى، كما سيأتي.
[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/346، 347. [2] ابن كثير: البداية والنهاية 13/106. [3] ابن كثير: البداية والنهاية 13/103. [4] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/248. [5] الناصر لدين الله (553 - 622 هـ): أحمد بن المستضيء بأمر الله، الخليفة العباسي، بويع بالخلافة بعد موت أبيه (سنة 5755هـ)، وطالت أيامه حتى إنه لم يلِ الخلافة من بني العباس أطول مدة منه، وكان لا يفعل أمرًا من أمور الخير إلا ويقوم بإلغائه! فمن ذلك أنه عمل دور الضيافة ببغداد; ليفطر الناس عليها في رمضان، فبقيت مدة، ثم قطع ذلك، ثم عمل دور الضيافة للحجاج، فبقيت مدة، ثم أبطلها، وأطلق بعض المكوس التي جددها ببغداد خاصة، ثم أعادها، ويقال: إنه هو الذي كاتب التتر وأطمعهم في البلاد؛ لما كان بينه وبين خوارزم شاه من العداوة. [6] ابن كثير: البداية والنهاية 13/106. [7] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/349، 350.