من يستطيع دفع 100 مليون مستقبلا لشراء قبره؟
ارتفعت أسعار العقار في العاصمة (السكنات، التراب، الإيجار) في ظرف قياسي وبشكل غير مسبوق.. ولا شيء في الأفق يؤشر إلى أن سعر المتر المربع من التراب سينخفض إلى ما دون الـ30 ألف دينار، حتى بالمناطق التي تقل بها التهيئة الحضارية مثل براقي والكاليتوس، طالما أن هيكلا سكنيا غير مكتمل برويسو يقدر ثمنه بـ7 ملايير سنتيم. بل وفاق المتر المربع من التراب بسطاوالي الـ50 مليون سنتيم. ما يقود إلى طرح تساؤل أكبر عما إذا كنا قادرين على دفن موتانا مستقبلا؟!
تشير الأسعار التي تتضمنها الصفحات الإشهارية للعقار على صدر الصحف الوطنية، إلى أن قيمة السكنات بكل أنواعها من فيلات إلى شقق وسكنات بسيطة ارتفعت في خلال عام ونصف بشكل لافت. ومن بين ما لحظناه في هذه الصفحات الإشهارية، أن (فيلا) كولونيالية من 6 غرف وحديقة متواضعة، تقع على مرمى حجر من الجزائر شاطئ، يعادل ثمنها 7 ملايير سنتيم. فيما يزيد ثمن سكن من أربع غرف بقلب مدينة الرغاية عن الـ700 مليون سنتيم. بينما وصل سعر هذا النوع من السكنات بمنطقة أولاد فايت بأعالي العاصمة إلى 1 مليار ومائتي مليون سنتيم.
بعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم عن مسألة العقار بنواحي الحراش والكاليتوس وساحة أول ماي، اختصروا الأمر في جملة واحدة ''في هذا البلد، عندما تنام تستيقظ على أسعار جديدة''. ويعترفون أنهم لم يستسيغوا بعد كيف أن سعر شقة من ثلاث غرف دون عقد قانوني التي كان سعرها قبل ثلاث سنوات بالحراش لا يتعدى 300 مليون سنتيم، فاق سعرها اليوم الـ600 مليون سنتيم. بل إن الزائر مثلا لكل من الشراربة والكاليتوس وبراقي والأربعاء، شريط سكاني يقع إلى جنوب العاصمة، عانى من سنوات الجمر الناجمة عن الإرهاب، ومازال يعاني من غياب التهيئة والتنمية، يقف بنفسه على أن سعر المتر المربع من التراب هناك وصل إلى سقف 35 ألف دينار، بعدما كان قبل 3 سنوات لا يتجاوز 6 آلاف دينار. وما لاحظناه أن هذا الارتفاع في أسعار الفيلات والشقق والسكنات البسيطة والتراب امتد أيضا ليلهب أسعار الإيجار عبر كامل بلديات وأقاليم العاصمة، حيث إن أسعار كراء شقة من غرفتين يتراوح ثمنها شهريا بين 35 ألف دينار بدالي إبراهيم و45 ألف دينار بحيدرة، وبين 15 ألفا إلى 20 ألف دينار بالحراش.
إذ إن اللافت للانتباه، يشير أحد المواطنين المهتمين بالعقار بساحة أول ماي، هو أننا مازلنا نعيش على وقع ظواهر تفسر اللامنطق في ارتفاع أسعار العقار ''مع أن الدولة قامت بتوزيع حصص سكنية على المواطنين في عدة بلديات وأقرت منح قروض سكنية بنسب فوائد قريبة من الصفر لفائدتهم، إلا أن الأسعار لم تنخفض، بقدر ما واصلت ارتفاعها''. لعل ما يعكس ذلك أنك إذا استفسرت عن سعر المتر المربع من التراب في إقليم بلدية الجزائر الوسطى مرورا ببلدية سيدي أمحمد والعناصر وصولا إلى سعيد حمدين بحيدرة، فستجد أن سعره يتراوح بين 25 مليون سنتيم و30 مليون سنتيم، بعد أن كان سعره لا يتعدى 10 ملايين سنتيم قبل نحو ثلاث سنوات. وقد بيع هيكل سكني غير مكتمل برويسو بسعر 7 ملايير سنتيم. فيما تشير آراء مواطنين من بلدية اسطاوالي، غربي العاصمة، إلى أن سعر المتر المربع من التراب حطم مستوى قياسيا غير مسبوق، ليصل إلى 50 مليون سنتيم في المناطق القريبة من النشاط التجاري. بينما عادل سعر فيلا من 8 غرف مزودة بمرآب 12 مليار سنتيم. ولعل هذا الارتفاع المذهل لأسعار العقار يطرح تساؤلا أكبر عن مصير دفن الموتى في هذا البلد مستقبلا.. وهل كل المواطنين قادرون على شراء مساحة 2 متر مربع بـ100 مليون سنتيم (مساحة قبر) لدفن أقاربهم وذويهم؟
نائب رئيس الفدرالية الوطنية للوكالات العقارية
الأسعار ستواصل ارتفاعها إذا لم يوضع حد للوسطاء العقاريين غير المهنيين
قال نائب رئيس الفدرالية الوطنية للوكالات العقارية، عبد الحكيم عويدات، إن عدم انخفاض أسعار العقار في الجزائر رغم انخفاضها في مناطق عدة من بقاع العالم جراء الأزمة الاقتصادية، يقف وراءه عدد من الوسطاء العقاريين غير المهنيين المضاربين. وأكد أن هذا المجال بات محل سمسرة للطباخ والموظف والمعلم.. مشيرا إلى أنه لا يعقل أن يعادل سعر المتر المربع من التراب في الحراش وبراقي سعر المتر المربع في حيدرة وحسين داي.
ما هي الأسباب التي تقف وراء هذا الارتفاع الجنوني وغير المسبوق لأسعار العقار في الجزائر؟
السبب الرئيسي هو أن العقار، سواء ما تعلق منه بالسكن أو الإيجار أو التراب، ترك بأيدي وسطاء غير مهنيين وغير احترافيين يتاجرون به. أي لا تربطهم أي علاقة بهذا الميدان. فالسكن مثلا، كجزء من ميدان العقار، ساهم قبل بداية الأزمة الاقتصادية العالمية في اشتعال الأسعار بشكل ملحوظ، وذلك بعد أن أصبحت هذه السوق محل تنافس أجانب في الجزائر. ولكن بعد نشوب الأزمة انخفضت أسعار العقار في العالم، وتراجع الأجانب عن السوق الجزائرية، ما أدى إلى انخفاض الطلب على العقار. ولكن مع ذلك، بقيت أسعار العقار في الجزائر مرتفعة، لأن العقار في الجزائر تتاجر به أيدٍ غير احترافية.
تريدون القول بأنه لا توجد عوامل موضوعية في الجزائر مسؤولة عن ارتفاع أسعار العقار؟
الأمر عندنا في الجزائر يختلف عما هو عليه الأمر في أوروبا وبلدان أخرى، أين تجد ضوابط قانونية وميكانيزمات وحتى تقاليد تحكم سير هذه السوق. فسوق العقار في الجزائر هي في متناول من هب ودب من المضاربين، بدءا من الذي يبيع الرمال والحصى إلى الذي يبيع الإسمنت والحديد وغيرها.. بل في الجزائر تجد من يشتغل طباخا وموظفا في البلدية ومعلما في المدرسة.. يشتغل سمسارا في السكنات والتراب والإيجار.
ما هو نوع المسؤولية التي يمكن أن تتحملها الدولة في مسألة ارتفاع أسعار العقار؟
سوق العقار في الحقيقة هي سوق حرة، لكن ذلك لا يمنع من وضع حد لحالة الفوضى السائدة؛ فمسؤولية الدولة في هذا المجال تكمن في سن سياسة سكنية واضحة مرفقة بإجراءات صارمة للحد من الفوضى. وهنا أشير إلى أن إنجاز 2 مليون وحدة سكنية خلال المخطط الخماسي لا يكفي، بل لا بد من إنجاز 5 ملايين وحدة سكنية لأجل إعادة التوازن لسوق العقار. وثانيا، أن المسؤولية تتقاسمها الدولة والمجتمع من جانب أننا لا نملك اليوم في الجزائر هيئة تقوم بتقييم أسعار العقار؛ بحيث من المفارقات الناتجة عن البزنسة بالعقار أن تجد سعر المتر المربع من التراب في الحراش وبراقي والكاليتوس يعادل سعر المتر المربع في حيدرة أو حسين داي.. مع العلم، أن شراء متر مربع من التراب يتطلب دراسة لمحيطه على نحو ما هو عليه الأمر في أوروبا. ما أردت قوله، هو أن هناك في الجزائر مناطق غير مؤهلة من حيث المرافق، إلا أن سعر المتر المربع فيها يعادل السعر في المناطق الحضرية المتطورة. وينطبق الأمر أيضا على أسعار الإيجار.
هل الارتفاع المتواصل للأسعار سيؤدي إلى ندرة العقار، ولو أن الوكالات العقارية لها جزء من المسؤولية في هذا الارتفاع؟
إذا ظل هؤلاء الوسطاء غير المهنيين ينشطون من غير وضع حد لهم ودون تنقية وتصفية مهنة الوكيل العقاري، فإن الأسعار ستواصل ارتفاعها، ونجد أنفسنا أمام ندرة العقار. ولو أنه في المدن الكبرى، هناك عقار يمكن استرجاعه، حيث نجد مثلا بين رويسو وساحة أول ماي عقارا مشكلا من بناءات قديمة هشة يمكن تهديم هذه البناءات واسترجاع العقار ببناء عمارات من طوابق عديدة. ومع ذلك، أقول إن الوكالات لها نسبة ضئيلة في هذا الارتفاع، لأنها لا تمثل سوى 20 بالمائة من حجم النشاط في هذه السوق، لأن 80 بالمائة منها هي بأيدي المضاربين العقاريين.
''أصحاب الشكارة'' يُلهبون أسعار العقار في وهران
يكفي أن تقوم بزيارة ميدانية لبعض الوكالات العقارية، لتكتشف الطفرة الكبيرة التي عرفتها أسعار الحظيرة العقارية في ولاية وهران، رغم البرامج والمشاريع السكنية التي استفادت منها الولاية في السنوات القليلة الماضية في إطار مشروع المليون سكن. وعرفت صفقات بيع الشقق تعديلات كبيرة في أسعارها مقارنة بما كان سائدا في السابق، بفارق يتراوح بين مائة ومائتي مليون سنتيم في ظرف زمني جد وجيز. باعتبار أن سعر الشقق ذات أربع غرف بلغ حدود مليار سنتيم. بينما يصل سعر شقة من غرفتين إلى 400 مليون سنتيم. رغم أن هذا النوع من الشقق لا يتلاءم مع طبيعة الأسرة الجزائرية. ما جعل رئيس الجمهورية يقدم توجيهات للمعنيين بعدم الاستمرار في بناء هذا النوع من السكنات.
وقد وصلت المغالاة في أسعار العقارات إلى حد فرض المرقون العقاريون الأسعار التي يرونها مناسبة دون أي تستر أو مداراة. ضاربين عرض الحائط التسقيف المحدد من قبل الدولة في أسعار السكنات التساهمية الاجتماعية، ومتجاهلين التهديدات التي يلوّح بها من حين لآخر وزير السكن بتسليط عقوبات على من تثبت مخالفتهم لرزنامة الأسعار الخاضعة للتسقيف؛ حيث إن السواد الأعظم من المرقين يحددون سعر الشقة ذات ثلاث غرف بـ320 مليون سنتيم. علما أن سقفها بموجب تعليمات الوزارة محدد بـ270 مليون سنتيم كأقصى سعر. بينما لا يتردد بعض المرقين في عرض شقق فاخرة للبيع بصيغة السكن الترقوي في حدود ملياري سنتيم.
ويُعزي أهل الاختصاص هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل؛ أهمها حظر البيع الذي قررته الدولة في قانون المالية لسنة ,2008 والذي يمنع المستفيدين من السكنات التساهمية من بيع شققهم إلى غاية مرور عشر سنوات من الحصول عليها بغرض مجابهة المضاربة، حيث يرى مسؤولو الاتحاد الوطني للمرقين العقاريين بأن هذا القرار تسبب في نتائج عكسية ألهبت أسعار العقارات بشكل لافت. مشددين على أن الحل الأمثل لبلوغ الديناميكية المطلوبة في السوق العقارية يكمن في تشجيع التداول للاقتراب من الأسعار الحقيقية. مشيرين في ذات السياق إلى أسباب أخرى على غرار ارتفاع سعر بعض مواد البناء وفي مقدمتها مادة الإسمنت التي بلغ سعر الكيس منها ألف دج، فضلا على محدودية الجيوب العقارية.
ومن جانب آخر، ساهمت ظاهرة جديدة تفشت في وهران مؤخرا في لهيب الأسعار، حيث لا يتوانى بعض الأشخاص الميسوري الحال، أغلبهم من خارج الولاية، في شراء فيلات بأسعار خيالية داخل أحياء راقية، ليقوموا في آخر المطاف بهدمها وإعادة بنائها. ما يفتح شكوكا جدية حول فرضية استعمال هذه الطريقة لتبييض أموال، خاصة وأن أسعار هذه الفيلات مرتفعة جدا.