بحث عن الوعد المنجز في نقد النص المؤسس - بحث مفصل عن الوعد المنجز في نقد النص المؤسس
صلاح بن علي الزيات
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
إنّ استبانة سبيل المجرمين مقصدٌ من مقاصد الشارع الحكيم كما قال تعالى
وكذلك نفصِّلُ الآياتِ ولتَستَبِيْنَ سبيلُ المجرمين) والمجرمون قد سلكوا سبلاً كثيرةً للصدِّ عن سبيل الله تعالى ،ومكروا مكراً لو زالتِ الجبالُ منْ شدَّة شيءٍ لزالتْ من شدَّته (ومكروا مَكْرَهُمْ وعند الله مكرُهُم وإنْ كانَ مكرُهُم لِتَزُوْلَ منه الجبال) .
وقد كان من أعظم السدود التي وقفت حاجزاً دون ذوبان المسلمين –على مرِّ العصور- بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم هو: القرآنُ الكريم , الذي أبطل جميع نظرياتهم التي تزعم أنَّ الأديانَ –وعلى رأسها الإسلام – ما هو إلا ظاهرةٌ تاريخيةٌ جاءت نتيجةً لمؤثراتٍ وأوضاعٍ معينةٍ ؛ وسوف تزول وتتغيَّر بتغيُّر العصر واختلافِ البيئة , مما يعني : أنَّ الإسلام آن أوانُ التخلِّي عنه واستبداله واطِّراحُ دستوره"القرآني" لما مرَّ بالعالم وبالجنس البشريِّ من تغيراتٍ كثيرةٍ ضِمْنَ ما يسمَّى بالتطُّور التاريخيّ ؛ ولكنَّهم صُدموا ببقاءِ القرآن الكريم واتِّساع دلالته لتشمل كل ما يجدُّ من أمورٍ وقضايا, ومن ثَمَّ يزدادُ التفاف المسلمين عليه.
فلم يكن بدٌّ أمامَ أولياء الشيطان من أنْ يفَوِّقُوا سهامهم صوب القرآن الكريم, ليشككوا فيه ويضعفوا مكانته في نفوس المسلمين, فجاءت تلك الجهود البائرة الكثيرة، و "المحاولات اليائسة لتصديع الدين وتحقيق حلم موت الكائن المسلم الإيماني.
وستثبت الأيام القادمة بأن هذه المحاولات ليست سوى آليات مصطنعة تلجأ إلى تدليس النص القرآني، وستبقى مثل هذه المحاولات تعاني من نزعات التناقض والعبثية، لأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي يعلو على كل مفردات الخطاب البشري المألوف.
لقد قهر القرآن الكريم مقولة الانحدار الزماني بعد أن أثبت تعاليه عن عقبة ممارسة فعل الزمان لأي شكل من أشكال التغيير أو إحداث أي نمط من أنماط اندثار معانيه ودلالات مفرداته التي لا تخلق مع كثرة الرد. وستستمر عملية صنع المثقف الإيماني الذي تتشبع خلايا نسيج فكره وبدنه المتناهي بمعاني سامية قادرة على التصدي لكل محاولات الهيمنة التي تسعى لتحريف التاريخ، واجتثاث حقائق إعجاز النص القرآني من النسيج الكوني " .
ونحن الآن أمام صورةٍ من صور ذلك المكر الكُبَّار؛ إنه كتابُ " النص المؤسس ومجتمعه" لمؤلفه: "خليل عبدالكريم" وكِبَرُ المَكْرِ في هذه الصورةِ جاء من جهةِ عِظَم الفِرية وغِلَظ الكفر..لا من جهةِ قوَّة الحجَّة واتِّضاح الدليل ؛ فليس في هذا الكتاب إلا جهلٌ مصفوفٌ وكذبٌ ملفَّقٌ, دعاوى قَمَّهَا صاحبُها مما قاءه المستشرقون الأعاجم, ومزجها بشيء من الظلم والكبر؛ مع صفاقَةِ وجهٍ وعِرَض قَفَا وإمعانٍ في الفسق؛ ثم ذرَّ عليها شيئاً من الخَبَل والتخريف, ليجيء نتاجُ ذلك كله في الكتاب المسخ: النص المؤسس ومجتمعه.
وحتى لا استرسل في الوصف الذي أرجو أن يكون صادقاً لهذا الكتاب، فأفسد على نفسي فصل "عرض الكتاب" , فإني أقتصر هنا على هذه التقدمة السريعة , وليلحظ أنا لم نبدأ إلى الآن في النقد العلمي للكتاب, وإنما هي مدخل عجزت فيه عن التجرد من مشاعري تجاه هذا الشيء المسمى كتاباً .
وقد كان من الصعوبة بمكان كبير أن ينقد كتاب مكون من (661) صفحة؛ حشيت هذه الصفحات التي تنيف على الستمائة بالأخطاء الشرعية الكبيرة التي تمس أصولاً أكثر أهل العلم الكلام فيها، وألفوا فيها المؤلفات العظام كالقول في القرآن والكلام في عدالة الصحابة وفضلهم، ونبوة النبي..الخ، كل ذلك خلال ما يقارب (43)يوماً؛ يتخللها شهر رمضان بكل ما فيه! ولا شك أن هذا من الأعذار البارزة لكثير مما اعترى هذا العمل من نقص، مع ضميمة طبيعة النقص التي جبل عليها الإنسان.
سأعرض في هذا البحيث إلى مجوعة من الفصول والمباحث التي أرجو أن أعالج من خلالها ما اشتمل عليه الكتاب من الملحوظات, وأبين فيه –قدر استطاعتي- ما يسجل له مما يؤخذ عليه, وسيكون ذلك من خلال ما يأتي:
الفصل الأول:
وتحته مباحث:
المبحث الأول: ترجمة المؤلف.
المبحث الثاني: مقدمات لا بد منها.
المبحث الثالث: عرض كتاب "النص المؤسس ومجتمعه" .
الفصل الثاني : نقد الكتاب ونقضه.
وتحته مباحث:
المبحث الأول: النقد الإجمالي للكتاب.
المبحث الثاني: الفكرة الرئيسية للكتاب.
المبحث الثالث: جذور الفكرة وأصولها .
المبحث الرابع: إجمال الرد على بعض الملاحظات التي يمكن أن تنتقد على الكتاب.
المبحث الخامس: الرد التفصيلي على بعض المسائل؛ وتخته مسائل:
المسألة الأولى: أمور تتعلق بالقرآن الكريم.
المسألة الثانية: أمور تتعلق بالسيرة النبوية.
الخاتمة.
والله تعالى أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل, وأن يجعل هذا العمل حجة لي لا عليّ , وأن يتقبله منِّي إنه هو سبحانه جواد كريم , وهذا أوان الشروع في المقصود.
"ترجمة المؤلف"
*اسمه:
لم تسعفني المصادر بشيء حول اسم المؤلف أكثر مما كتب على غلاف كتابه الذي بين يدي، وهو: خليل عبدالكريم، وقد جاء في جريدة "الوطن العربي" زيادة: عبدالناصر .
*ولادته:
لم أقف على من ذكر سنة وفاته؛ ولكن بالتقريب يمكن أن يقال إنه ولد سنة 1349هـ تقريباً، وذلك أنه هلك سنة 2002م عن عمر يناهز الثالثة والسبعين، فيكون الزمن التقريبي لولادته هو ما ذكر.
*حياته :
أنهى المؤلف دراسته في الفقه والشريعة الإسلامية في الأزهر، مطلع الخمسينيات الميلادية، وتحول بعدها إلى دراسة القانون حيث عمل محاميا ،وكان تخصصه قبل ذلك في التاريخ الإسلامي كما قال الكاتب "طلعت رضوان" .
كانت من أبرز علامات الاضطراب والتذبذب في حياة "خليل عبدالكريم" ذلك التحول غير المبرر من أقصى اليمين –كما يقال- إلى أقصى الشمال، حيث "بدأ خليل عبد الكريم حياته في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ولكنه بدأ يبتعد تدريجيا عنهم، ويسلك طريقا هو النقيض. لقد انتقل من صفوف الإسلاميين، و بدأ يقترب رويدا رويداً من الرؤية اليسارية، وقد كان من المؤسسين لمنبر اليسار عام 1976م قبل أن ينضم إلى حزب «التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» حيث أصبح أحد قادته، وأحد مسئولي الاتجاه الديني فيه ! .
* أبرز أعماله:
كانت له مجموعة من المؤلفات تصل إلى ثلاثة عشر كتاباً، لم يخل كثير منها من استثارة للرأي العام، وجرح لمشاعر عموم المسلمين، ومن جملة هذه المؤلفات:
1-"الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية":
وهو من أوائل كتبه كما قالت الدكتورة سارة محمد حسين ، حاول أن يربط فيه بين الشريعة الإسلامية وما كان سائداً في بلاد العرب قبل الإسلام، وكان مما قاله في هذا الكتاب: (إن هذه الشريعة التي ينادون بها هي مجرد تعاليم كان يقول ويأخذ بها عرب الجاهلية، ثم جاء "محمد" فأخذ هذه التعاليم، وأعمل فيها عقله وفكره حتى بدت وأنها شيء جديد ..) قال بعد ذلك: (هل تصلح هذه التعاليم التي كان يطبقها بدو الصحراء قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا لكي تحكمنا اليوم ..) .
2- "الأسس الفكرية لليسار الإسلامي" :
وفي هذا الكتاب يقول: (إن الإسلام ليس شيئًا غير العبادات، مع أن طلبة المراحل التعليمية الأولى يعرفون أن الإسلام يقوم على دعامتين هما: العبادات ، والمعاملات . ولكنه يحصر الإسلام في العبادات فقط، ولهذا فإن ميدانه الأصلي هو المساجد، والجوامع، والتكايا ، والحسينيات أو الخلاوى، والخانقاهات، والزوايا، والمصليات، وحضرات الصوفية، وحلقات الذكر، ومجالس دلائل الخيرات ..) .
3- "مجتمع يثرب .. العلاقة بين الرجل والمرأة في العهدين المحمدي والخليفى":
ويتضح من عنوان الكتاب أن المؤلف يعالج مواضيع مرتبطة بأفضل المجتمعات التي مرت على البشرية جمعاء، وهي خير القرون، وعنه يقول الأستاذ بدر الشبيب: (وهذا كتاب معيبة لأنه يشوه الإسلام في أعظم عصوره، أي في مرحلة النبوة، وصدر الإسلام، والخلفاء الراشدين .. وسوف يلاحظ القارئ في اللحظة الأولى أن الكاتب يستخدم كلمة "يثرب" ولا يستخدم اسم " المدينة المنورة" علمًا بأن الاسم الأول قد نسخه الإسلام، وألغاه النبي ، وأطلق عليها هذا الاسم الجديد الجميل .. ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ولكن المشكلة هي في الدراسة الاجتماعية المزعومة التي قدمها والتي شوه بها ومن خلالها أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات حيث نكتشف أن المجتمع في مدينة رسول الله ، وهو المجتمع الذي أقام دولة، ونشر دينًا، هذا المجتمع ورجاله لم يكونوا مشغولين بشيء قدر انشغالهم بالمرأة والجنس معًا !) .
4- "شدو الربابة بأحوال الصحابة" :
وهو كالكتاب السابق في المسائل التي عرض إليها، فهو استكمال لأفكاره وشرح لمعانيه.