Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
| موضوع: اكتشاف أمريكا مراحل ورجال وآثار,في ذكرى اكتشاف الأمريكتين 17 ذي الحجة 898هـ الجمعة 17 مارس - 11:46 | |
| اكتشاف أمريكا مراحل ورجال وآثار,في ذكرى اكتشاف الأمريكتين 17 ذي الحجة 898هـ
خالد أبو بكر
كولومبوس هل كان المكتشف الأول للأمريكتين؟ تعد حركة الكشوف الجغرافية الأوروبية التي تم جزء كبير منها في القرن الخامس عشر الميلادي وتُوجت باكتشاف كريستوفر كولومبوس لأمريكا (العالم الجديد)- من أهم النتائج العلمية لحركة النهضة الأوروبية التي من خلالها عبرت أوروبا عصورها الوسطى المظلمة التي كانت مثلاً للجمود والتخلف والبعد عن ركب الحضارة الإنسانية نتيجة سيطرة الكنيسة على مقاليد الأمور فيها، والتي وقفت أمام العقل البشري وإعماله، ناشرة الروح المناهضة للإبداع والابتكار، وتجسد ذلك في محاكم التفتيش التي كانت تقيمها لكل مَن يحاول الخروج عن إرادتها وأغلالها. قبيل الدخول في تفاصيل اكتشاف كولومبوس للأمريكتين نشير إلى الدواعي التي حركت أوروبا الناهضة نحو الكشف الجغرافي بصفة عامة، والذي مثل بدورة مرحلة المخاض الأولى لميلاد الحركة الاستعمارية التي كان لها عظيم الأثر في مسار حركة التاريخ إلى اليوم، ويأتي تطور الحياة الاقتصادية في أوروبا آنذاك في مقدمة الدوافع التي شجعتها على الكشوف الجغرافية، حيث زادت العلاقات الاقتصادية بين دول القارة؛ وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على المعادن الثمينة وبصورة خاصة الذهب والفضة، ولما كانت موارد الذهب والفضة في العالم القديم محدودة وقليلة ولا تفي بحاجات التجارة الدولية أصبح البحث عن مصادر جديدة لهذه المعادن أمرًا ملحًا. ويضاف إلى ذلك تطور صناعة السفن إذ بات من الميسور بناء سفن أكبر وأسرع وأكثر قدرة على مواجهة الأنواء والعواصف وعلى تحمل السفر الطويل، وهو ما فتح أمام العاملين في صناعة النقل آفاقًا جديدة وسمح لهم بالتوغل في البحار والابتعاد ولمدة طويلة ولمسافة أكبر عن المناطق المسكونة والمعروفة. أما أهم دوافع أوروبا على الإطلاق نحو الكشف الجغرافي فيرجع إلى محاولة الالتفاف حول الدولة العثمانية التي وضعت العراقيل أمام تجارة أوروبا مع الشرق الأقصى حيث قضت عليها تقريبًا في أواخر القرن الخامس عشر، فضلاً عن الضرائب الجمركية المتصاعدة التي كان يفرضها مماليك مصر، ومن هنا بدأ الناس في أوروبا يتساءلون عن إمكانية الوصول إلى الهند مباشرة للتخلص من سيطرة العثمانيين المتزايدة على تجارتهم، والبعض يضيف إلى جملة هذه الدوافع دافعا دينيا آخر ممثلاً في الرغبة في نشر الدين المسيحي(1). البرتغال وإسبانيا والريادة من بواكير الدول التي قادت حركة الكشف الجغرافي الأوروبي البرتغال وإسبانيا، وإن اختلفت كل منهما عن الأخرى في التوجه، فبينما اتجهت كشوف البرتغال إلى غرب إفريقيا شرقًا حتى منطقة جزر الهند الشرقية من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، نجد إسبانيا اتجهت كشوفها غربًا لتصل إلى نفس الهدف والغاية التي سعت إليها البرتغال ليتم إثبات كروية الأرض علميًا، وجاء اكتشاف الأمريكيتين تتويجا للكشوف الإسبانية(2). كولومبوس واكتشاف الأمريكتين
خط سير رحلة كولومبس كان كريستوفر كولومبوس قد استهوته الملاحة عن طريق التجارة، وكان أبوه عاملاً متواضعًا في جنوة، وكان هو شخصيًا أميًا، وكان ذلك من المعوقات التي اعترضته حتى وصل إلى مرحلة الرجولة. ومع ذلك فقد تجلت مواهبه في مرحلة مبكرة من حياته. فاشترك في أول الأمر في بعض الرحلات على سفن تجارية تابعة لجنوة، ومن بينها رحلة إلى إنجلترا، وانتقل بعد ذلك من إيطاليا إلى أيبريا حيث استقر نهائيًا وتعلم القراءة والكتابة وبمرور الوقت استطاع أن يقرأ الأعمال الجغرافية التي كانت مشهورة في ذلك الوقت مثل أعمال بطليوس وماركو بولو وأعمال الجغرافيين والرحالة المسلمين ، وأثناء عمله في البرتغال اشترك في الرحلات على سواحل غرب إفريقيا، وعن طريقها بدأ يثبت ذاته ويحظى بالاهتمام. وقد أفاد كثيرًا من زواجه الذي ساعده على تشكيل حياته حيث كان والد زوجته واحدا من كبار الملاحين الذين عملوا مع الأمير هنري، والذي زوده بمجموعة من الخرائط الهامة التي زودت اهتمامه بالكشف الجغرافي وخصوصًا بكشف طريق إلى الشرق الأقصى بالملاحة نحو الغرب(3).
الملكة إيزابيلا ملكة إسبانيا وافقت على الرحلة ومولتها وقد عرض مشروعه هذا على ملك البرتغال فرفضه بناء على توصية مستشاريه الذين رأوا أنه لا ضرورة للبحث عن طرق جديدة، وعلى أثر ذلك لم يجد من بد سوى التوجه لإسبانيا وبعد وصوله عرض المشروع على الملكة "إيزابيلا" ولكنها رفضت بدعوى أنها مشغولة بالحرب مع العرب عام (891 هـ = 1486م) إلا أنه لم ييئس من رفضها وانتظر إلى أن انتهت الحرب وعاد ليجدد طلب تمويل "إيزابيلا" لمشروعه، وبالفعل وافقت له ومولته في عام (897 هـ= 1492م). أبحر كولومبس بعد أن نال موافقة إيزابيلا ملكة إسبانيا وتمويلها ، حاملا معه رسائل منها لملوك آسيا والصين. وفي ليلة 11-12 أكتوبر ظهرت لكولومبس ومن معه بعض معالم الأرض فظنها آسيا (وقد كانت تلك التي اقترب منها كولومبوس هي إحدى جزر "لوكايس" بالقرب من أمريكا الشمالية، عند مدخل مضيق لوريد؛ فأطلق عليها "سان سلفادور") وفعلاً أخذ يبحث عن مملكة "كاتي" التي هي الصين؛ ليقدم لملوكها الخطابات التي زودته بها ملكة إسبانيا، ولكن دون جدوى، هناك سارع بالعودة ليعلن نتائج اكتشافه في إسبانيا، فوصل ثغر بالوس في (15 مارس 1493م=26 جمادى الأولى 898هـ) أي بعد سبعة أشهر من مغادرته إياه. مات كولومبوس عام (1506م=912هـ) وهو يعتقد أنه وصل إلى آسيا، وأن الجزر التي اكتشفها إنما هي تلك التي توجد بالقرب من الهند، ومن هنا ترجع تسميتها إلى جزر الهند الغربية، وكذلك تسمية سكانها الأصليين بالهنود، ولم تلبث الأذهان أن أخذت تشك في أن هذه الأرض التي وصل إليها كولومبوس هي آسيا ولا سيما بعد تلك الرسالة التي نشرها "أميركو فسبوتشي" الفلورنسي، فأشار إلى هذه الأرض المكتشفة بالعالم الجديد؛ ولذلك سميت هذه الأرض على اسمه "أمريكا"(4). هل اكتشف العرب أمريكا قبل كولومبوس؟ سؤال محل جدل بين أوساط المهتمين بالتأصيل للدور الريادي للجغرافيين العرب والمسلمين في علم الجغرافيا بصفة عامة وفي حركة الكشوف الجغرافية بصفة خاصة توجهنا به إلى الأستاذ الدكتور/ يوسف عبد المجيد فايد – أستاذ الجغرافيا الطبيعية- جامعة القاهرة والمتخصص في الأمريكتين فقال: ليس ثمة دليل على اكتشاف العرب للعالم الجديد أو أمريكا قبل كريستوفر كولومبوس رغم الكلام الكثير الذي يثيره البعض حول هذا الموضوع، فتجد مثلاً آراء تقول إن المصريين القدماء كانوا أول من اكتشف هذا العالم الجديد مستندين في هذا إلى وجود بعض الأهرامات في المكسيك والتي تعود إلى عصور قديمة والتي تشبه الأهرامات في مصر القديمة، ولكن رغم ذلك فإن أي مزاعم بوصول عرب أو حتى أوروبيين إلى أمريكا قبل كولومبوس مشكوك في صحتها غير أن الهجرات الحقيقية إلى أمريكا والتي سبقت كولومبوس بقرون هي هجرات أسلاف الهنود الأمريكيين الذين وجدهم كولومبوس عند وصوله إلى أمريكا. وقد هاجر أسلاف الهنود من آسيا عن طريق مضيق "بيرنج" من الطرق الشمالي الشرقي لقارة آسيا إلى "آلاسكا" الطرف الشمالي لقارة أمريكا وهذا يفسر صفات الأمريكيين المغولية أو الشبيهة بالمغولية الواضحة. ويضيف قائلاً: إن الذين يجتهدون لإثبات أن العرب قد وصلوا إلى العالم الجديد قبل الأوروبيين ينسون أن الوصول إلى شواطئ ذلك العالم ليس في نفسه بذي أهمية ولا يدل على تقدم، ولا يوصف بأنه كشف، فالهنود الذين تحدثنا عنهم توًا كانوا قطعًا أول من وصل إلى هذا العالم الجديد، ورغم ذلك فلم يوصفوا بالتقدم ولم يعدوا مكتشفين، إنما العبرة في عمل كولومبوس أنه قام على نظرية علمية وأثبت صحتها، وهو أن المتجه من شواطئ أوروبا غربًا يصل إلى آسيا؛ لأن الأرض كروية، وكروية الأرض نظرية عربية يوجد فيها نصوص صريحة وواضحة للعالم الجغرافي المسلم أبو عبيد الله البكري، وهذا هو الكشف الصحيح وموضع الفخر، أما أن يكون الذي قام بتطبيق هذه النظرية العربية كولومبوس أو غيره فمسألة تلي ذلك في الأهمية، وقد تحققت لعوامل علمية وصناعية أخرى مثل إتقان فن الخرائط البحرية، أو تقدم صناعة السفن وإحكام استخدام البوصلة، ثم لعوامل سياسية أهمها المنافسة الشديدة بين البرتغاليين والأسبان، فأما البرتغاليون فقد قادهم العرب علميًا وعمليًا إلى آسيا؛ إذ إنه من الثابت تاريخيًا أن البحار العربي "ابن ماجد" قد أفاد فاسكو دي جاما البرتغالي مكتشف طريق رأس الرجاء الصالح بما قدم له من خرائط عربية ممتازة توضح معالم الرحلة، فجعله قائدًا لسفينة القيادة التي كان عليها حتى تم الوصول إلى الهند؛ ليكون أول من سلك طريق رأس الرجاء الصالح بمساعدة ابن ماجد.
كيف قاد العرب كولومبوس علميًا؟
بحارة بملامح عربية على سفينة كولومبس يمكننا القول بأن القيادة العلمية من قبل العرب لكولومبوس في رحلة اكتشافه لأمريكا جاءت من خلال استعانته بالتراث العلمي الجغرافي الذي ساهم فيه العلماء العرب والمسلمون الذي كون لكولومبوس الإطار المعرفي الذي مكنه من الانطلاق على أسس واقعية، ولعل نظرة سريعة على أهم إنجازات الجغرافيين العرب والمسلمين في العصور الوسطى التي سبقت كولومبوس كفيلة لتوضيح الدور العربي في اكتشاف أمريكا حتى ولو كان بطريقة غير مباشرة. ففي مجال الجغرافيا الوصفية قدم الجغرافيون العرب والمسلمون نظريات حول شكل الأرض تؤكد كرويتها للجغرافي الأندلسي المسلم "أبو عبد الله البكري" وللتدليل على هذه الفكرة قدم عالم آخر اسمه أبو الفدا ولد 1273م/672هـ بعض الأدلة المنطقية عليها مثل تغير وقت شروق الكواكب وغروبها كلما تحرك الشخص من الشرق إلى الغرب، وتزايد ارتفاع النجم القطبي والكواكب الشمالية كلما تقدم الشخص نحو الشمال، وفكرة كروية الأرض كما سبق وأوضحنا هي التي انطلق منها كولومبوس في رحلته الاستكشافية نحو الغرب والتي وصل من خلالها إلى العالم الجديد(5). ويضاف إلى ذلك إسهام المسلمين في فكرة خطوط الطول ودوائر العرض، ووصول المسلمين إلى درجة عالية من الإتقان في القياس، ففي القرن العاشر الميلادي ذكر "المقدسي" أن الأرض كروية، وأن خط الاستواء يقسمها نصفين، وأن محيطها مقسم إلى 360ْ درجة طولية 180ْ درجة عرضية، كما أن البيروني كان أستاذًا في نفس الموضوع، وقد وضع أرقامًا دقيقة لدوائر عرض عدد كبير من الأماكن، وكانت الطريقة التي استخدمها في حسابها مبنية على رصد النجوم التي تدور حول القطب، وبالإضافة إلى ذلك فإن للبيروني إسهامات أخرى في اكتشاف قوانين التوازن المائي وتأثيرها على حياة العيون والآبار الارتوازية. وقد كانت صناعة الأجهزة من ضمن الإنجازات العلمية الهامة للمسلمين، ومن أشهر هذه الأجهزة جهاز الإسطرلاب، والساعة المائية والمزولة التي كان خط العرض يوضح عليها بدقة، وكذلك البوصلة التي استخدمها العرب في أوقات مبكرة كما أشار الإدريسي، وكل هذه الأدوات استعان بها كولومبوس في رحلته نحو أمريكا(6). وإسهام العرب والمسلمين في مجال الخرائط بكافة أنواعها حقيقة معلومة؛ إذ بلغ عدد الخرائط التي رسموها في عصر النهضة الإسلامية قرابة 450 خريطة أشهرها خريطة العالم للإدريسي، والتي صنع بجوارها كرة أرضية من الفضة. وقد أشار "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم في دراسة الأقاليم" إلى الخرائط الملاحية المعقدة التي استخدمها العرب للملاحة بسفنهم الشراعية في المحيط الهندي، وقد لاحظ في أسفاره المهارة الفائقة للملاحين العرب في استخدام هذه الخرائط، وكيف أن الخرائط نفسها كانت مرسومة بحسابات غاية الدقة. ومن المعروف أن ماركو بولو استعان بهذه الخرائط في المحيط الهندي. كل هذا بالإضافة إلى العديد من المؤلفات الضخمة التي لا يتسع المقام لعرضها(7). وأيًا ما كان الأمر فإننا نعتقد أن كولومبوس ما كان له أن يصل إلى اكتشاف أمريكا بدون الاستفادة من هذه الخلفية المعرفية الجغرافية التي قدمها علماء المسلمين بالإضافة إلى أن ثلث بحارته كانوا من العرب. أثر الحركات الكشفية على العرب والمسلمين يرى الدكتور عمر عبد العزيز (أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الإسكندرية) أن ثمة انعكاسات حادة وخطيرة ترتبت على حركة الكشوف الجغرافية على عالمنا العربي والإسلامي؛ إذ عمل الأسبان والبرتغاليون بعد أن تم الكشف الجغرافي على التبشير بالمسيحية على المذهب الكاثوليكي بين أهالي المكسيك وأمريكا الجنوبية، وكان ذلك أكبر تعويض للبابوية والكنيسة الكاثوليكية عن نفوذها الذي ضاع في كثير من جهات أوروبا بعد ظهور حركة الإصلاح الديني، وتعذر بالضرورة وصول الدين الإسلامي إلى هذه البلاد في وقت مبكر. وقد أثرت حركة الكشوف الجغرافية بدرجة كبيرة على مركز مصر التجاري، وكان العرب قد اهتموا اهتمامًا بالغًا بالتجارة التي درت عيهم ثروات طائلة بصفتهم وسطاء بين الهند والصين من ناحية وأوروبا من ناحية أخرى، وسيطروا على التجارة العالمية في العصور الوسطى؛ حيث كانت تنقل تجارة التوابل والحرير إلى أوروبا عبر الطرق الهامة المارة بالمنطقة العربية. وجنت مصر من هذه التجارة الكبيرة الكثير، وأصبحت الضرائب المفروضة على هذه التجارة موردًا هامًا من الموارد المالية المصرية، وظل الأمر كذلك حتى شاهد العالم التحول الواضح من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي. وعندما فتح هذا الطريق الجديد في عام 1498م حاول مماليك مصر يؤيدهم في ذلك البنادقة الذين عانوا أيضًا من جراء هذا الكشف أولاً بالوسائل الدبلوماسية ثم بالحرب، القضاء على هذا الخطر البرتغالي. ولكن جهودهم باءت بالفشل إذا استطاع البرتغاليون إيقاع الهزيمة بالأساطيل المصرية، وتوغلوا حتى الخليج العربي والبحر الأحمر. وفي عام 1510م وقعت مسقط وهرمز والبحرين في أيدي البرتغاليين. ولم يستطع الشرق العربي استعادة طرق مواصلاته مرة أخرى حتى القرن التاسع عشر. ونتج عن تحول طريق التجارة آثار متعددة، أفقرت أسواق القاهرة والإسكندرية من تلك الحركة التجارية الهائلة، وحرمت حكومة مصر من تلك الضرائب التي طالما تمتعت بها، كما فقد الأهالي الفوائد الكثيرة التي كانوا يجنونها من نقل هذه المتاجر، بينما أخذت دول غرب أوروبا في التوسع والاستعمار. وعلى الصعيد السوري تدهورت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لهذه الكشوف الجغرافية، واضطر التجار السوريون بعد ذلك إلى أن يجعلوا جل اعتمادهم على التجارة البرية؛ إذ كانت رأس الخط التجاري الذي ينتهي إلى بغداد فالبصرة. وهكذا تمكنت حلب من التفوق على دمشق، بينما استطاعت الإسكندرية وطرابلس أن تنتزعا من بيروت مكانة مرفئها التجاري، وبقيت حلب حتى القرن السابع عشر السوق الرئيسية للشرق الأوسط. ولكن أهم نتيجة لحركة الكشوف الجغرافية الحديثة هي أن الدولة العثمانية دخلت في المواجهة مع الأوروبيين محل المماليك الذين كانوا يسيطرون على مصر والشام. * المراجع: (1) عبد الفتاح حسن أبو عطية، تاريخ أوروبا وأمريكا الحديث، الرياض دار المريخ 1979، ص 16. (2) زينب عصمت راشد، تاريخ أوروبا الحديث، القاهرة، دار الفكر العربي 1998، ص 47. (3) جورج هارب، الموجز في تاريخ الكشف الجغرافي، تعريب (عبد العزيز طريح) مؤسسة الثقافية الجامعية الإسكندرية 1993، ص 143. (4) زينب عصمت راشد، مرجع سبق ذكره. (5) أحمد رمضان أحمد، الرحلة والرحالة المسلمون، جدة، دار البيان العربي، ص200. (6) حسين مؤنس، تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس، مكتبة مدبولي القاهرة 1986، ص 172. (7) جورج هارب، مرجع سابق، ص 163.
علم الاستغراب والرد على المركزية الأوروبية
مهمة علم الاستغراب هو القضاء على المركزية الأوروبية، بيان كيف أخذ الوعي الأوروبي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث داخل بيئته الحضارية الخاصة. مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده أبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء، ودور النشر الكبرى، ومراكز الأبحاث العلمية، والاستخبارات العامة. مهمته القضاء على أسطورة الثقافة العالمية التي يتوحد بها الغرب، ويجعلها مرادفة لثقافته، وهي الثقافة التي على كل شعب أن يتنباها حتى ينتقل من التقليد إلى الحداثة. فالفن فنه، والثقافة ثقافته، والعلم علومه، والحياة أساليبه، والعمارة طرازه، والعمران نمطه، والحقيقة رؤيته. مع أن الثقافات بطبيعتها متنوعة، ولا توجد ثقافة أم، وثقافات أبناء وبنات. ومن هنا أتت عمليات المثاقفة التي تحدث عنها علماء الأنثروبولوجيا الثقافية والتي يوهم لغرب بأنها تعني الحوار الثقافي أو التبادل الثقافي أو التثقيف وهي في الحقيقة تعني القضاء على الثقافات المحلية من أجل انتشار الثقافة الغربية خارج حدودها، وهيمنتها على غيرها، واعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدم حضاري، ولا نمط سواه، وعلى كل الشعوب تقليده، والسير على منواله. والتراث الغربي وكما هو معروف عادة ليس تراثاً إنسانياً عاماً يحتوي على نموذج التجربة البشرية، وليس فقط وريث خبراتها الطويلة تراكمت فيه المعارف انتقالاً من الشرق إلى الغرب بل هو فكر بيئي محض نشأ في ظروف معينة هو تاريخ الغرب وهو نفسه صدى لهذه الظروف. ويعبر الكتاب الغربيون أنفسهم عن ذلك بقولهم: فلسفتنا، حضارتنا، فكرنا، أدبنا، فننا، تاريخنا، موسيقانا، علومنا بل حتى ديننا، إلهنا! فعند الكتاب الأوروبيين إحساس واضح بأنهم ينتمون إلى حضارة بعينها فيقولون دائماً: أما نحن، نحن الآخرون، بالنسبة لنا .. الخ إحساس منهم بالتمييز، وبأنهم قوم لهم حضارتهم الخاصة المتميزة عن الحضارات الأخرى بل لهم جنسيتهم الخاصة، وتاريخهم الخاص المختلف عن باقي الحضارات والأجناس والشعوب. لذلك كان خطؤنا، نحن الكتاب غير الأوروبيين الذين ترجموا مؤلفاتهم وشرحوها وعرضوها بل وانتسبوا إليها واعتنقوها اعتبار الحضارة الأوروبية حضارة عامة للناس جميعاً، ولم نر نوعيتها، أو رأيناها وتغافلنا عنها رغبة في الحصول على الجديد بأي ثمن، وفي فترة لم نكن فيها على وعي كاف بتراثنا القديم أو كان هذا الوعي محصوراً في فئة معينة من المصلحين والإحيائيين. ولا يعني ربط الحضارة الأوروبية ببيئتها تطبيق أي مذهب وضعي أو منهج اجتماعي بل تقرير الواقع من كتابات الأوروبيين أنفسهم واعترافاتهم وما تكشفه أعمالهم الأوروبية والفنية والعلمية والفكرية عن بناء واحد متجانس للشعور. لم يكن في الإمكان التعرف على هذا البناء في بداية الشعور الأوروبي في العصور الحديثة بل أمكن ذلك في نهايته في العصر الحاضر بعدما تكررت المواقع وتقاربت وجهات النظر، وظهر البناء الشعوري الواحد كمصدر لكل المذاهب والتيارات والاتجاهات الفكرية. كما لا يعني الربط بين الحضارة وبيئتها الرغبة في القضاء على عموميتها أو التقليل من أهميتها بل يعني وضعها في مكانها ا لصحيح كحضارة نوعية خاصة نشأت في ظروف معينة، وشكلت شعوراً ذا طابع معين على فترة من الزمن حتى أصبح المكتسب طبيعة، والواقع مبدأ. مهمة علم الاستغراب هي القضاء على ثنائية المركز والأطراف على مستوى الثقافة والحضارة. فمهما حاول رجال السياسة والاقتصاد القضاء على هذه الثنائية في ميدان السياسة والاقتصاد دون القضاء عليها مسبقاً في الثقافة فإن تبعية الأطراف للمركز في السياسة والاقتصاد قائمة. وطالما أن الثقافة الغربية هي المركز والثقافات اللا غربية في الأطراف ستظل هذه العلاقة أحادية الطرف، من المركز إلى الأطراف، علاقة المعلم بالتلميذ، والسيد بالعبد. فالغرب هو المعلم الأبدي، واللا غرب هو التلميذ الأبدي، والعلاقة بينهما أحادية الطرف، أخذ مستمر من الثاني وعطاء مستمر من الأول، استهلاك دائم من الثاني وإبداع دائم من الأول. ومهما تعلم التلميذ فإنه يكبر تلميذاً، ومهما شاخ الأستاذ فإنه يظل معلماً. ولن يلحق التلميذ بالأستاذ لأن معدل الإبداع عند الأستاذ أسرع بكثير من معدل الاستهلاك عند التلميذ، فيجري التلميذ لاهثاً وراء المعلم ولن يلحق به. وكلما جرى ازدادت المسافة اتساعاً حتى تدركه الصدمة الحضارية فيقع، ويدرك قدره ويرى مصيره، ويقبل وضعه في التاريخ. مهمة علم الاستغراب هو إعادة التوازن للثقافة الإنسانية بدل هذه الكفة الراجحة للوعي الأوروبي والكفة المرجوحة للوعي اللا أوروبي. فطالما آن الكفتين غير متعادلتين سيظل الوعي الأوروبي هو الذي يمد الثقافة الإنسانية بنتاجه الفكري والعلمي وكأنه هو النمط الوحيد للإنتاج. وبالتالي يسمر هذا الظلم التاريخي الواقع على الثقافات غير المتميزة في سبيل الثقافة المتميزة. ولا يتضمن هذا العلم الجديد مجرد إعلان لنوايا وتعبير عن أماني لدينا جميعاً بل أنه يمكن أن يحتوي على عدة بحوث عديدة ومراجعات للمفاهيم والتصورات من أجل إيجاد رؤى بديلة عن رؤي الوعي الأوروبي. فمثلاً من ضمن هذه المفاهيم ((الكشوف الجغرافية)) أو ((الاستكشافات الجغرافية)) وهو مفهوم يدل على عدة أمور: أ ـ النظرة الذاتية الخالصة التي تنم عن عنصرية دفينة وكأن العالم يوجد عندما يعرفه الوعي الأوروبي، ولا يوجد عندما يجهله. فالمعرفة تساوي الوجود. في حين أنه من منظور أمريكا وأفريقيا، البلاد المستكشفة موجودة سواء عرفها الوعي الأوروبي أم لمي عرف. كما أن الأوروبيين بالنسبة للهنود الحمر وسكان أفريقيا لم يكونوا موجودين قبل حلولهم سواحل أمريكا وأفريقيا طبقاً للمنطق الأوروبي للاستكشافات الجغرافية. ب ـ إنكار التاريخ الحضاري للشعوب اللا أوروبية في أفريقيا وآسيا وأمريكا وكأنها كانت حضارات ما قبل التاريخ، يبدأ تاريخها منذ حضور المستعمر. ج ـ هي بداية الاستعمار التقليدي القديم الذي خرج فيه الوعي الأوروبي ممتداً خارج حدوده ليحوط بالعالم القديم بحراً حول أفريقيا جنوباً وإلى الهند شرقاً وإلى أمريكا غرباً لما كانت أوروبا في الشمال أي خروج الشمال من نطاقه الجغرافي إلى نطاقه الحضاري جنوباً وشرقاً وغرباً. د ـ بداية القضاء على الثقافات المحلية بعد تعلمها وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حولها ثم زرع الثقافة الأوروبية محلها كثقافة بديلة ووحيدة، ممثلة الثقافة العالمية وهي ما سمى في علوم الأنثروبولوجيا الحضارية للتعمية والتغطية المثاقفة أو التثاقف. هـ ـ بداية نهب ثروات الشعوب اللا أوروبية ونقل سكانها في أكبر حركة نهب بشري عرفها التاريخ، عبيد أفريقيا إلى أمريكا، وثروات آسيا إلى أوروبا، وتركزت الثورة البشرية والمادية وانتقلت من الأطراف إلى المركز. و ـ التشويه المتعمد لثقافات الشعوب ((المستكشفة)) حديثاً مع أنها هي الشعوب التاريخية، وقسمة الشعوب إلى حضارية وبدائية أو متقدمة ومتخلفة أو صناعية وزراعية أو عقلية وأسطورية أو موضوعية وذاتية. وقد وجدت كل هذه التقسيمات صياغاتها المتطرفة في النظريات العنصرية وتقسيم الشعوب إلى آرية وسامية في العلوم الإنسانية خاصة الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الحضارات وفلسفة التاريخ. ومثل آخر مما يهدف إليه علم الاستغراب من تصحيح المفاهيم المستقرة والتي تكشف عن المركزية الأوروبية من أجل إعادة كتابة تاريخ العالم من منظور أكثر موضوعية وحياداً وأكثر عدلاً بالنسبة لمدى مساهمة كل الحضارات البشرية في تاريخ العالم، هو مفهوم ((العالمية)) كما هو الحال في ((الحرب العالمية الأولى)) أو ((الحرب العالمية الثانية))، وهي حروب أوروبية صرفة نشأت بين القوى الأوروبية بسبب أطماعها فيما بينها وأطماعها في غيرها. وروسيا بلد أوروبي وإن كانت امتداداً جغرافياً في آسيا. وتركيا وإن كان بلداً آسيوياً جغرافياً إلا أنه بلد أوروبي تاريخياً. والحرب العالمية الثانية صراع بين قوى أوروبية صرفة من أجل السيطرة على المواد الأولية وعلى البحار والمحيطات. أما اليابان فبالرغم من وجودها الجغرافي في آسيا إلا أنها كانت تتعامل بمنطق الدول الأوروبية من أجل السيطرة على الأرض شرق آسيا وعلى المحيط الهادي شرق الجزر اليابانية. أما أفريقيا فقد انجزت إلى الحرب وتم استعمار أجزاء منها بعد الحرب الأولى، ودارت فوقها أهم معارك الحرب الثانية، فهي الخطوط الخلفية للجبهات الرئيسية، أطراف تخدم القلب، ومحيط يدور في فلك المركز. ومن نتائج هذه المركزية الأوروبية ((تحقيب)) التاريخ في ثلاثة عصور وجعل أوروبا مواطنها: العصور القديمة (اليونان والرومان)، والعصور الوسطى (المسيحي واليهودي والإسلامي)، والعصور الحديثة. الأول يمتد من هوميروس على أقصى تقدير أو من طاليس أبي الفلسفة اليونانية حتى ظهور المسيح. والثاني من ظهور المسيح حتى عصر النهضة مع تخوم في البداية بين اليونانية والمسيحية في العصر الهلنيستي، وتخوم في النهاية بين الوسيط والحديث في عصر الإحياء (القرن الرابع عشر)، والإصلاح الديني (القرن الخامس عشر) والنهضة (القرن السادس عشر). والثالث من العصور الحديثة ابتداءمن القرن السابع عشر حتى القرن العشرين. ويدل ذلك على عدة أشياء: أ ـ إلحاق الحضارات كلها بالتاريخ الأوروبي. ويمكن عمل ذلك من منظور كل حضارة تضع نفسها في المركز وبالتالي يضيع التاريخ العالم للحضارات البشرية جميعاً. وقد قام الوعي الأوروبي بذلك واستقر لأنه هو الذي له الريادة في العصر الحديث، وهو الذي قام بالتدوين له. ب ـ إنكار دور الحضارات القديمة، الصين، والهند، وفارس، ومصر القديمة، وكأن تاريخها سابق على تاريخ البشرية، وكأن البشرية لم تكن قد وجدت في هذه الفترة، أو وجدت وكانت ما زالت في مرحلة الطفولة، ولم تبلغ بعد درجة النضج والرجولة. ج ـ الحضارة الإسلامية بالنسبة لنا ليست في العصر الوسيط بل لها مسارها الخاص فهي ممتدة عبر خمسة عشر قرناً من الزمان في مرحلتيتن كبيرتين، كل منها سبعة قرون. الأولى الحضارة الإسلامية في عصرها الأول، النشأة (القرنان الأول والثاني) والازدهار (القرنان الثالث والرابع) والاكتمال (القرنان الخامس والسادس) ثم بداية الانهيار بعد ذلك، وظهور ابن خلدون ي نهاية هذه الفترة ليؤرخ لها. والفترة الثانية، عصر الشروح والملخصات وتدوين الموسوعات الكبرى أبان الحكم المملوكي العثماني منذ القرن الثاني عشر حتى القرن الرابع عشر بما في ذلك القرنين الأخيرين، فجر النهضة الحديثة، وحركة الإصلاح الديني، وحركة التحرر الوطني المعاصرة. د ـ لما كانت العصور الوسطى بالنسبة للغرب هو بالنسبة لنا عصرنا الذهبي فإن العصور الحديثة بالنسبة للغرب هي عصورنا الوسطى أي الفترة الثانية من مسار الحضارة الإسلامية التي توقف فيها الإبداع ثم استمر في الحضارة الأوروبية. هـ ـ ويظهر هذا الارتباط والتردد والاشتباه في تداخل التاريخين الأوروبي والإسلامي في وعينا الحالي لدرجة زحزحة الوعي التاريخي الإسلامي كلية لحساب الوعي التاريخي الأوروبي. فإذا سئلنا: في أي قرن نحن نعيش؟ لأجبنا في القرن العشرين! أي أننا نجيب بحضور الوعي التاريخي الأوروبي ونحن لسنا أوروبيين. ولو سئلنا: في أي عصر نحن نعيش؟ لأجبنا: في عصر العلم والتكنولوجيا مع أننا ما زلنا في عصر النهضة، نحاول الخروج من العصر الوسيط، وننقل الإصلاح الديني إلى نهضة شاملة. إن مهمة مفكرينا وباحثينا هي إعادة صياغة فلسفات التاريخ الأوروبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر خاصة والتي صاغت التاريخ كله بحيث يصب في النهاية في الحضارة الغربية، ووضع الحضارة الغربية في مكانها الطبيعي كمرحلة من مراحل تطور الإنسانية والتي تكون مرحلة واحدة، مجرد قوس صغير. ولكن ما زال وعينا بالتاريخ غائباً. بل إننا لم نبحث بعد أسباب الغياب. ولم نعرف بعد مقومات الحضور. ولا يوجد شعب ينهض أو يأفل دون أن تظهر لديه فلسفة في التاريخ تعلن عن نهضته، كما نفعل الآن أو تعلن عن نهايته كما هو الحال في فلسفات التاريخ المعاصرة. فلسفة التاريخ هي المؤشر على حركة الشعوب إقداماً أم إحجاماً، تقدماً أو نكوصاً. -----------------------------
|
|