بحث عن تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي - بحث علمى عن تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي
مجلة كلية التربية – جامعة عين شمس، 2007.
تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي
في مصر: دراسة ميدانية
د. ياسر فتحي الهنداوي المهدي
مدرس الإدارة التعليمية، كلية التربية – جامعة عين شمس
مقدمة
تشهد النظم التعليمية في معظم دول العالم سلسلة من الإصلاحات التربوية من أجل تعزيز جودة التعليم المدرسي، وقد شملت هذه الإصلاحات معظم عناصر العملية التعليمية سواء المناهج الدراسية، أو الوسائل التعليمية، أو الإدارة المدرسية.
ورغم ذلك هناك تأكيدات مستمرة على أن الجودة الفعلية للتعليم تعتمد في الأساس على المعلمين الذين ينفذون كل المهام والأنشطة التعليمية في المدارس، ومن ثم أصبح المعلمون موضوعا محوريا في الحركات المعاصرة للإصـلاح التربوي، وتحسـين المدرسة في العـديد من الـدول؛ انطلاقا من أن المعلم هو العنصر الأساسي لنجاح التعليم المدرسي والفعالية المدرسية عامة.
ويمثل تمكين المعلمين Teachers Empowerment أحد أكثر القضايا شيوعا في أدبيات الإدارة الذاتية للمدارس School Based Managementفي المجتمعات الغربية، كما يعد حجر الزاوية في معظم الجهود المبذولة للإصلاح التربوي المعاصر في كثير من دول العالم.
وقد عُرف تمكين المعلمين بأنه: "عملية منح المعلمين السلطة والصلاحية لصنع قرارات مهنية تتعلق بعملية تعليم وتعلم الطلاب"، إلا أن المفهوم الحديث لتمكين المعلم يذهب إلى أنه بنية متعددة الأبعاد لا تقتصر فقط على منح سلطات إضافية للمعلم، ومشاركته في صنع القرارات المدرسية، وإنما تتضمن أبعادا أخرى مثل الاستقلالية في العمل، والقدرة على التأثير في نواتج العمل المدرسي، والإحساس بالتقدير والمكانة المهنية، والفعالية الذاتية، والنمو المهني للمعلم. والمدافعون عن تمكين المعلم ذهبوا إلى أنه يمثل وسيلة أساسية للتغلب على الوضع الإداري السائد وتحقيق سيطرة مهنية متزايدة.
ولقد أدى الطلب على المدارس الفعالة عالميا إلى التأثير على صناع السياسة التربوية في مصر، فأصبحت جميع المجالات المدرسية تقريبا متضمنة في الإصلاحات التربوية التي تمت خلال السنوات القليلة الماضية، والتي تسعى تدريجيا نحو تطبيق الإدارة الذاتية في المدارس المصرية، حيث تشير الوثائق الرسمية إلى أن هناك توجهًا نحو منح المدارس المصرية مزيدا من الصلاحيات في إطار تدعيم الإدارة الذاتية للمدرسة من خلال المشاركة في صنع القرار بدلا من المسئولية الفردية في صنعه، وفي هذا السياق تبذل وزارة التربية والتعليم جهودا مستمرة لتطوير العملية التعليمية داخل المدارس؛ وذلك بهدف نهائي هو تحسين عملية تعليم وتعلم الطلاب، وقد طالت هذه الجهود معظم عناصر العملية التعليمية، وخاصة الإدارة المدرسية إيمانا بأن إدارة المدرسة هي العامل الأساسي لنجاح العمل المدرسي ككل، وبناء عليه أصدرت الوزارة عددا من القرارات الوزارية يمكن اعتبارها بمثابة خطوات نحو تحقيق الإدارة الذاتية للمدرسة مثل القرارات المتعلقة بإنشاء مجموعة من الوحدات النوعية داخل كل مدرسة كالوحدة المنتجة، ووحدة التدريب والتقويم، ووحدة الإحصاء والمعلومات..الخ، والقرار المتعلق بتشكيل مجلس الآمناء والآباء والمعلمين، والذي من ضمن أهدافه تحقيق اللامركزية في الإدارة والتقويم والمتابعة وصنع القرار، وتحقيق الرقابة الذاتية على الأداء.
والنظرة الفاحصة لمضمون هذه القرارات تُظهر محاولة وزارة التربية والتعليم في مصر - بشكل أو بآخر - تحقيق التمكين للمدرسة المصرية وعلى نحو خاص تمكين المعلمين وتفعيل دورهم في أعمال الإدارة والقيادة المدرسية.
مشكلة الدراسة
لقد كان من المألوف القول بأن المعلم المصري قديما له هيبة واحتراما في نفوس الطلاب وفي نظر المجتمع عموما، وأنه كان لذلك انعكاسا إيجابيا على جودة تعلم الطلاب في المدارس، أما الآن فمعظم المعلمين في المدارس المصرية وخاصة معلمي مدارس التعليم الأساسي بعامة يشكون انعدام القوة والإحساس بضعف التأثير والسيطرة على مجريات الأمور داخل المدرسة وحتى داخل الفصل في كثير من الأحيان. وعلاوة على ذلك الشكوى شائعة بين المعلمين من الإحساس بالظلم من المجتمع الذي لا يوفيهم حقوقهم رغم زيادة الأعباء المهنية والمادية في العصر الحالي، فالمعلمون يشعرون بعدم عدالة توزيع الدخل مقارنة بالمهن الأخرى في المجتمع. ومن ناحية أخرى يشعر المعلمون بعدم التقدير الكاف سواء من وزارة التربية والتعليم التي – في ظنهم – سلبتهم الكثير من قوتهم وسلطتهم داخل المدارس، فأصبح لا يهابهم الطلاب وأصبحوا موضع شك وريبة من أولياء الأمور.
والشكوى شائعة بين المعلمين من قلة فرص المشاركة في عمليات صنع القرار المدرسي، وقد يكون ذلك في ظل الواقع المدرسي في مصر الذي يدل على أنه لا تزال الإدارة المدرسية يسيطر عليها التنظيم البيروقراطي الذي يحول بينها وبين صنع القرار أو المساهمة فيه؛ فالسلطة متركزة في يد مدير المدرسة الذي عادة ما يدير العمل بأساليب بيروقراطية، ولا يتيح الفرصة للمعلمين للتصرف في المشكلات التي تصادفهم أثناء العمل، وينفرد باتخاذ القرارات دون مشاركة المعلمين في عملية صنع القرار مما يجعلهم غير جادين عند تنفيذ تلك القرارات.
وبالرغم الجهود المبذولة من قبل وزارة التربية والتعليم في مصر لتقوية وتعزيز دور المعلم في أعمال الإدارة والقيادة المدرسية، ورغم التوجه المعلن نحو تحقيق الإدارة الذاتية للمدارس المصرية، إلا أنه يبدو أن هذه الجهود حتى الآن لم تؤتي ثمارها المرجوة، والأدلة على ذلك متنوعة توصل إليها الباحث من خلال بعض التقارير الرسمية، وتم التأكد منها من خلال إجراء دراسة استطلاعية – تمت في شهر أبريل 2007- على عينة من معلمي مدارس التعليم الأساسي في مصر، وكانت أبرز نتائجها على النحو التالي:
• أن مشاركة المعلمين في صنع القرارات المدرسية ضعيفة ، وخاصة في موضوعات المناهج الدراسية للطلاب، والميزانية المدرسية، واختيار المعلمين الجدد للمدرسة؛ فكل هذه الموضوعات ليس للمعلمين مشاركة تذكر فيها، وحتى قرارات تحديد الجدول الدراسي للمعلمين نادرا ما يشارك فيها المعلمون، فهي عادة في يد الوكيل المسئول وربما يؤخذ رأي المعلم الأول فقط.
• أن فرص النمو والتطوير المهني لمعلمي التعليم الأساسي قليلة وإن توافرت فهي غير فعالة لأسباب عديدة مثل شكلية التدريب، وعدم ملائمته للاحتياجات الفعلية للمعلمين، وحتى وحدة التدريب الموجودة حاليا بجميع المدارس لم تنجح في إشباع احتياجات المعلمين للنمو والتطوير المهني.
• ضعف مكانة معلمي التعليم الأساسي وخاصة معلمي المدرسة الابتدائية سواء على مستوى النظام التعليمي أو على المستوى المجتمعي، فما زالت النظرة لهذه الفئة غير مرضية ومما يساعد على ذلك ضعف رواتب المعلمين، ولجوء الكثير من المعلمين للدروس الخصوصية لسد احتياجاتهم الأساسية.
• شعور المعلمين بضعف الفعالية والتأثير لأسباب عديدة مثل ظروف الفصل من حيث تكدس عدد الطلاب، وقلة الإمكانات المتاحة، وتكدس المناهج الدراسية، وعدم معرفة المعلم لمبررات وأسباب التغيير والتجديد ، كما أن الحالة النفسية والمادية المتدهورة للمعلم تزيد من مشاعر المعلمين بضعف الفعالية والقدرة على التأثير في تعلم التلاميذ.
• ضعف حرية المعلم واستقلاليته ، فحرية المعلم في تدريس أي موضوع يختاره خارج المنهج المحدد ضعيفة، كما أن استقلاليته في عمله يشوبها الضعف فلا يسمح له باتخاذ أي قرارات إبداعية أو بصورة مستقلة لتحسين تعليم وتعلم التلاميذ.
• ضعف تأثير المعلم في الحياة المدرسية عموما فهو عادة منقاد للقوانين واللوائح والقرارات والنشرات الصادرة من جهات أعلى.
وفي ضوء ما سبق تتلخص مشكلة الدراسة الحالية في الأسئلة التالية:
1- ما العوامل المكونة لبنية تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر ؟
2- ما مستوى التمكين لدى المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر؟
3- هل تختلف درجات تمكين المعلمين باختلاف بعض المتغيرات الديموغرافية؟
4- ما معوقات تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر؟
5- ما الآليات المقترحة لتدعيم تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر ؟
حدود الدراسة
• اقتصر تطبيق مقياس تمكين المعلمين على عينة عشوائية من المعلمين بمحافظات القاهرة، والإسكندرية، والمنيا، والقليوبية؛ لكون هذه المحافظات تمثل بيئات متنوعة في المجتمع المصري ويمكن أن تقدم صورة ممثلة له إلى حد بعيد.
• اقتصرت الدراسة على فحص علاقة تمكين المعلمين بالمتغيرات الديموغرافية التالية:
الحلقة التعليمية (ابتدائي،إعدادي).
نوع المدرسة (حكومي، خاص، تجريبي).
المحافظة التعليمية (القاهرة، الإسكندرية، المنيا، القليوبية).
الخبرة التدريسية (قليلة، متوسطة، كبيرة).
الجنس (ذكور، إناث).
مؤهل المعلم (تربوي، غير تربوي).
الوظيفة (معلم، معلم أول).
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة الحالية إلى الكشف عن العوامل المكونة لبنية تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر، وتقدير مستوى التمكين لدى المعلمين، واختبار مدى تأثير بعض المتغيرات الديموغرافية على إحساس المعلمين بالتمكين، والتعرف على أبرز معوقات تمكين المعلمين، وصولا إلى طرح بعض الآليات المقترحة لتفعيل عملية تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر.
أداة الدراسة
أعـد الباحث أداة لقيـاس تمكين المعلمين بالمدارس المصرية، بعد الإطلاع على المقاييس المستخدمة في الدراسات السابقة لقياس تمكين المعلمين في المدارس، ومقاييس تمكين العاملين في أدبيات الإدارة التنظيمية، واستند الباحث بصورة أساسية في إعداد مقياس الدراسة الحالية على المقياس الذي طوره شورت ورينهرت 1992 لقياس تمكين المعلم؛ لأنه يعتبر أكثر المقاييس استخداما وانتشار في معظم الدراسات التربوية السابقة.
منهجية الدراسة وخطواتها :
يستخدم البحث الحالي المنهج الوصفي، ويعتمد أسلوب التحليل العاملي الاستكشافي An Exploratory Factor Analysis كطريقة منهجية للتحليل في إطاره لاستكشاف العوامل المكونة للتمكين لدى معلمي مدارس التعليم الأساسي في مصر، كما يستخدم مجموعة من الأساليب الإحصائية الأخرى المناسبة للإجابة على أسئلة الدراسة.
ويمكن إجمال الخطوات الرئيسة التي تسير فيها الدراسة الحالية على النحو التالي:
- الخطوة الأولى : الإطار العام للدراسة.
- الخطوة الثانية: الإطار النظري للدراسة، ويصف ظاهرة تمكين المعلمين بالمدارس في ضوء مراجعة الأدبيات.
- الخطوة الثالثة: دراسة تحليلية للجهود المصرية نحو تمكين المعلمين بمرحلة التعليم الأساسي.
- الخطوة الرابعة: دراسة ميدانية: وتصف الواقع ميدانيا من خلال إعداد مقياس التمكين وتطبيقه على عينة من معلمي مدارس التعليم الأساسي في مصر وتفسير النتائج وتحليلها.
- الخطوة الخامسة: آليات مقترحة لتدعيم تمكين المعلمين بمدارس التعليم الأساسي في مصر