بحث عن القصر لغة واصطلاحا - بحث علمى عن القصر كامل بالتنسيق , بحوث جاهزة
تعريف القصر
القصر لغة: الحبس، و منه قوله تعالى: «حُوُرٌ مَقْصُورَاتٌ فِى الخِيام»(1). و اصطلاحاً: «تخصيص شيء بشيء بطريق مخصوص». فالأول يسمى مقصوراً، و الثاني مقصوراً عليه.
طرق القصر
للقصر طرق كثيرة، أهمّها أربعة:
الطريق الأوّل: العطف بأدوات مخصوصة و هي: «لا، و بل، و لكن».
أما «لا» فيشترط فيها أن تسبق بكلام موجب، كقولك: «زيد شاعر لا كاتب». و أما «بل، و لكن» فيشترط أن يتقدمهما نفي، كقولك: «ما زيد شاعراً بل عمرو، و ما زيد شاعراً لكن كاتب». و المقصور عليه في «لا» هو المذكور قبلها، المقابل لما بعدها، و في «بل، و لكن» ما يذكر بعدهما.
الطريق الثاني: النفي و الاستثناء، كقوله تعالى: «وَ ما تَوْفِيقِى إلاّ بِاللّهِ»(1). و المقصور عليه هو الواقع بعد أداة الاستثناء.
الطريق الثالث: «إنّما»، كقوله تعالى: «إِنَّما يَخَشى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَمَاءُ»(2) و المقصور عليه معها واجب التأخير.
الطريق الرابع: تقديم ما حقّه التأخير، كقوله تعالى: «عَلَى اللّهِ تَوَكَّلنا»(3) و قد تقدم البحث عنه في الباب الرابع. و المقصور عليه هنا هو المقدم.
تقسيمات القصر
للقصر تقسيمات ثلاثة: كل واحد منها باعتبار.
* التقسيم الأوّل: ينقسم القصر باعتبار الحقيقة و الواقع إلى قسمين:
أ) القصر الحقيقي: و هو «كل قصر يختص فيه المقصور بالمقصور عليه، و لايتعداه إلى غيره أصلاً». نحو: «و َ مَا مِن إلهٍ إلاّ اللّه»(4)، فالألوهية صفة مختصة به تعالى، و لاتتعداه إلى كل ما يصدق عليه أنه غير اللّه.
ب) القصر الإضافي: و هو «كل قصر يختص فيه المقصور بالمقصور عليه، بالإضافة و النسبة إلى شيء معين». نحو: «وَ مَا مَحَمَّدٌ إلاّ رَسُولُ»(5)، حيث قصر محمد صلىاللهعليهوآله على كونه رسولاً، بالإضافة إلى شيء معين، و هو الخلود و عدم الموت.
* التقسيم الثاني: و هو تقسيمه باعتبار طرفيه إلى قسمين:
1. قصر الموصوف على الصفة. و هو «القصر الذي يختص فيه الموصوف بالصفة، و لايتجاوزها إلى غيرها، و لا مانع من اتصاف غيره بها». مثاله في الحقيقي(1)، قولك: «إنما اللّه جامع لجميع صفات الكمال». و مثاله في الإضافي، قوله تعالى: «وَ مِا مَحَمَّدٌ إلاّ رَسولُ»(2).
2. قصر الصفة على الموصوف. و هو «القصر الذي تختص فيه الصفة بالموصوف، و لاتتجاوزه إلى غيره، و لا مانع من اتصافه بغيرها». مثاله في الحقيقي، قوله تعالى: «إِنَّما يَخَشى اللّهَ مِن عِبادِهِ العُلَمَاءُ»(3). و مثاله في الإضافي، قولك: «زيد شاعر لا عمرو».
* التقسيم الثالث: و هو مختص بالقصر الإضافي، حيث قسم بلحاظ حال المخاطب إلى ثلاثة أقسام:
1. قصر الإفراد: و هو «القصر الذي يلقى لمخاطب، معتقد باشتراك موصوفين في صفة واحدة، أو باشتراك صفتين في عروضهما على موصوف واحد».
2. قصر القلب: و هو «القصر الذي يلقى لمخاطب، معتقد بعكس ما تثبته»
3. قصر التعيين: و هو «القصر الذي يلقى لمخاطب متردد، طالب للتعيين». و أمثلتها: أنا سعيت في حاجتك، و حجازي أنا.
1. ذكروا أنّ قصر الموصوف على الصفة من الحقيقي، لا يكاد يوجد، لتعذر الاحاطة بصفات الشيء، حتى يمكن إثبات شيء منها و نفي ما عداها، بل ذهبوا إلى استحالته أيضاً؛ إذ انّ للصفة المنفية نقيضاً، و هو من الصفات التي لايمكن نفيها؛ ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين. مثلاً لو قلنا: «ما زيد إلاّ كاتب»، و أردنا أنه لا يتصف بغيره، للزم أن لايتّصف بالقيام، و لا بنقيضه و هو محال، فعليه إنّما صحّ المثال المذكور لخصوصية فيه.
2. آل عمران: 144.
3. فاطر: 28.
تنبيهات
الاول: المقصود بالصفة في التقسيم الثاني، الصفة المعنوية، التي تدل على معنى قائم في الشيء، سواء كان اللفظ الدال عليها، جامداً أم مشتقاً، و ليس المراد بها النعت النحوي.
الثاني: يشترط في قصر الموصوف على الصفة إفراداً، عدم تنافي الوصفين؛ ليصح اعتقاد المخاطب باجتماعهما في الموصوف. فالصفة المنفية في قولك: «ما زيد إلا قاعد» هي كونه نائماً و نحو ذلك، لا كونه قائماً.
الثالث: تعرض علماء البلاغة إلى طرق القصر، و تقسيماته، لكن الأكثر قد أغفل جانباً مهماً منه، و هو بيان قيمته البلاغية.
فاعلم أن القصر يعتبر ضرباً من ضروب الإيجاز، الذي هو أعظم ركن من أركان البلاغة؛ فأن جملة القصر في قوة جملتين، إذ قولك: «ما قائم إلاّ زيد»، في قوّة قولك: «زيد قائم، و غيره ليس بقائم».
و لذا يعد القصر من أدوات التوكيد، و أشد طرقه توكيداً الطريق الثاني، فلذا كان الأصل فيه، أن يجيء لأمر ينكره المخاطب، كقولك لصاحبك و قد رأيت شبحاً من بعيد: «ما هو إلاّ زيد»، إذا اعتقد غيره مصراً على هذا الاعتقاد.
و قد يستعمل في المعلوم إذا نزل منزلة المنكر؛ لاعتبار مناسب، و من هذا الباب قوله تعالى: «وَ مَا محَمَّدٌ إلاّ رَسُولٌ»(1)، حيث قصر محمد صلىاللهعليهوآله على الرسالة، و نفى عنه صفة الخلود، و المخاطبون ـ و هم الصحابة ـ عالمون بذلك غير منكرين له، لكنهم لما كانوا يعدون موته أمراً عظيماً، نزل استعظامهم موته منزلة إنكارهم إياه، فاستعمل له النفي و الاستثناء.
و أمّا «إنما» فلكونها أضعف من النفي و الاستثناء، كان الأصل فيها، أن تستعمل لخبر لايجهله المخاطب، و لاينكر صحته، أو لما ينزل هذه المنزلة.
أما الأول: فكما تقول: «إنما هو أخوك، و إنما هو صاحبك القديم»، لاتقوله لمن يجهل ذلك و يدفع صحته، و لكن لمن يعلمه و يقربه، إلا أنك تريد أن تنبهه للذي يجب عليه، من حق الأخوة، و حرمة الصحبة، و مثاله من التنزيل قوله تعالى: «إنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَ خَشَىَ الرَّحمنَ بِالغيبِ»(1)، فهذا يكون له تأثير، إذا كان مع من يؤمن باللّه و يخشاه،و أما الكافر الجاهل، فالإنذار و تركه معه سيّان.
و أما الثاني: فكقوله تعالى: «إنَّما نحْنُ مُصْلِحُونَ»(2) حيث ادعوا أن كونهم مصلحين أمر ظاهر من شأنه ألا يجهله المخاطب و لاينكره، و لذلك جاء الجواب: «أَلا إنَّهْم هُمُ المُفْسِدُونَ»(3) للرد عليهم مؤكداً بما ترى.
و إذا استقرأت مواضع استعمالها، وجدتها أقوى ما تكون، و أعلق ما ترى بالقلب، إذا كان لايراد بالكلام بعدها نفس معناه، و لكن التعريض بأمر هو مقتضاه، مثلاً: ليس الغرض من قوله تعالى: «إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الألْبَابِ»(4) أن يعلم السامعون ظاهر معناه، بل أن يذم الكفار، و أن يقال إنهم من فرط العناد، و غلبة الهوى عليهم، في حكم من ليس بذي عقل، فطمع التذكر منهم، كطمعه من غير أولي الألباب.