بحث عن المرأة العربية والإعلام - بحث علمى عن المرأة العربية والإعلام كامل بالتنسيق
إن دور أجهزة الأعلام المختلفة وخصوصا الإذاعة والتلفزيون المتوفرين في كل بيت واللذين اصبحا يبثان على مدار الساعة لهو دور شمولي يتعدى مداه وسرعة الاستجابة إليه ما يمكن أن يتم بثه من خلال المؤسسات التعليمية المختلفة, هذه الأجهزة والتي تطورت بسرعة مذهلة خلال النصف الآخر من القرن الماضي أصبحت قادرة على أداء أدوارها في فترات قياسية.
ما يميز الأجهزة الإعلامية أمران, هما قدرتها على المخاطبة عن بعد بالصوت والصورة فهي قادرة على تجاوز الحدود الجغرافية وبهذا تستطيع مخاطبة جموع هائلة في آن واحد, أيضا استطاعتها مخاطبة جميع فئات المجتمع المختلفة حتى أولئك الذين يجهلون القراءة والكتابة.
أصبح الإعلام علما يدرس وله مؤسسات ومعاهد متخصصة وأصبحت وسائله ذات تقنية عالية وأصبح للإعلام اليوم بجانب دورة الترفيهي والترويحي أدوارا أخرى واضحة تعمل على صياغة المجتمعات وتشكيل الرأي العام العالمي وإيجاد نمط حياتي جديد للمجتمع العالمي فالإعلام اليوم يوظف الترفيه والتسلية لاداء رسالة وإيصال فكرة وتشكيل عقل وصناعة ذوق عام وزراعة اهتمامات معينة حتى أنه لم يكتف برصد الحدث وإيصال المعلومة بل أصبح بما يمتلك من قوة وعوامل تأثير وضغط وتحكم يقوم بصنع الحدث والتحضير له في نفس الوقت.
أن هذه الرؤية الإعلامية الجديدة تقوم بها المؤسسات الإعلامية الضخمة في الدول الغربية وهى تملك أساسيات التقنية المتقدمة وتحتكر المعلومات وتنتج المادة الإعلامية وتهيمن على عمليات البث والتوزيع في العالم. وأما الجانب الآخر، العالم العربي فهو مستهلك للمادة الإعلامية الغربية ولا يملك وسائل التقنية الحديثة وليس لدية البديل المنافس للمادة الإعلامية، لذا خضع الإعلام العربي لمطلوبات الإعلام الغربي.
الاستعمار الغربي وآثاره على الإعلام العربي :
إن الاستعمار الإستراتيجي كان له دور في تغيير معالم الحضارة العربية والإسلامية في الوطن العربي فطيلة فترة الاحتلال عمل المستعمر على إنشاء النظم السياسية والأجهزة التشريعية والمؤسسات التعليمية والإعلامية على النمط الغربي وكانت له في هذا أهداف واضحة فعمل على استبدال الاستعمار العسكري بالاستعمار الثقافي والفكري فالأول ينتهي برحيل العسكر وأما الثاني فله الديمومة والاستمرارية ويعمل على استيعاب الشعوب في منهج الثقافة الغربية.
من أخطر وسائل واليات التغيير الثقافي التي لجأ لها المستعمر هي الإعلام بكل أنواعه وجميع مستوياته، هذه السياسات التغريبية الاستيعابية قد نجحت وساعد على نجاحها الانفتاح العالمي والتقدم المذهل في وسائل الاتصال حيث تساقطت الحدود الجغرافية والسياسية وتسابق أصحاب الأيدلوجيات في ميدان الإعلام مستخدمين أحدث الوسائل للوصول إلى قلوب الجماهير وعقول الناس.
أهم المرتكزات التي استند عليها الإعلام الغربي في نجاحه هو المشاركة الفاعلة للمرأة بنمط معين ومنهج مدروس ونتائج محسوبة وفقا لفلسفة الحياة العصرية في المجتمع الغربي معتمدة على رفع شعارات مثل الحرية والمساواة لذلك نرى أن أصحاب الحاجات من سياسيين واقتصاديين وتجار وأصحاب المذاهب والعقائد المختلفة في خضم المنافسة لأجل الربح السريع والعائد المادي عملوا على توظيف خصائص الجمال والفتنة لدى المرأة وأهملوا خواصها الإنسانية الأخرى وأصبحت صورتها في الإعلام مرهونة بالفائدة المادية ففي مجال الدعاية والإعلان تصور النساء أما ربات بيوت ينحصر اهتمامهن في الاحتياجات المنزلية أو عنصر أغراء جنسي يضفي على البضاعة المعروضة جاذبية أكثر للإيحاء باقتنائها, وتكونت لدى المرأة بالتالى قناعات عملت على صياغة شخصيتها وتركيبتها النفسية وتعتمد أساسا على مقاييس الشكل والجمال.
إنعكاس المرأة في الإعلام:
أ- صورة المرأة في الإعلام العربي:
إن مكانة المرأة في المجتمعات العربية تتباين من بلد عربي لآخر، أن معظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة تتناقض تماماً مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فتجد بعضها يعلن انحيازه المطلق لكافة حقوق المرأة ثم تفاجأ بها تأتي سلوكيات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع. مواقف مؤسسات الإعلام العربية تتباين بدورها في النظرة للمرأة، فهناك من ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضاً مع تقاليدها وربما مع التعاليم الإسلامية غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنيناً بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية.
إن صورة المرأة العربية وحقوقها أصبحت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر سلاحاً في يد بعض وسائل الإعلام الغربية التي تنشر الأفكار المغلوطة عن المرأة لتشويه أمة بأكملها، وبالتالي فإن أية محاولة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين لا بد أن تبدأ من الصورة المغلوطة المرسخة في أذهان الغرب وعبر تقديم نموذج للمرأة الواعية المتحضرة كاملة الحقوق دون الإخلال بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية.
ب- صورة المرأة في الإعلام عامة:
يمكن تصنيف صورة المرأة في الإعلانات إلى أربعة نماذج هي: المرأة التقليدية، والمرأة الجسد، والمرأة الشيء، والمرأة السطحية، هذه النماذج الأربعة تعمل على تشويه صورة المرأة وتنتقص من قيمتها كإنسان فاعل له دور في الحياة غير الدور الترويجي المؤسف، كما تساهم في تعزيز النزعة الاستهلاكية لديها على حساب الروح الإنتاجية الواجب أن تسود عقل ووجدان المرأة وتحكم سلوكياتها، وتقدم هذه النماذج قدوة سيئة للمراهقات في المجتمع وتكرس مفاهيم خاطئة عن الأعمال المميزة التي يمكن أن تمارسها المرأة وتكسب من ورائها المال الكثير خاصة أن العاملات في الإعلان يحققن ثروات طائلة من هذا العمل.
هذا الاختلاف في صور المرأة لم يمنع من تشكيل ملامح وسمات عامة لصورة المرأة في الإعلاميين المرئي والمسموع في العالم العربي، فمن السمات الغالبة على صورة المرأة أن جميع وسائل الإعلام تركز على المرأة في الفئات الاجتماعية الميسورة أو المرأة في المدن وبعض المهن كالطبيبة أو حتى البائعة في المحال التجارية، وذلك دون التطرق لبعض الشرائح النسائية المشاركة بفاعلية في مناقشة قضايا مجتمعها أو حتى المرأة التي تقطن الأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى ومناقشة همومها وقضاياها الخاصة.
ج- صورة المرأة كإعلامية:
المرأة الإعلامية العربية تتأخر كثيرا عن مسيرة الرجل الإعلامي العربي رغم أنها قد بدأت في هذا المجال مبكرا ولكنها لم تتقدم بخطوات كبيرة, وتحتل عدد بسيط من النساء مواقع قيادية في أجهزتنا الإعلامية العربية واثنتان أو ثلاث ويترأسن قنوات تلفازيه لكن دون أن نلحظ تغيير أو تأثير فيما تبثه هذه القنوات ويصل الأمر إن تصبح القيادية الإعلامية رجل أكثر من الرجل في تناوله التجاري للمرأة.
كما إن ظهورها على أجهزة الإعلام المختلفة أنما هو وفقا لتقاليد الثقافة الغربية شكلا ومضمونا, فالمعايير التي يتم بموجبها اختيار المرأة للعمل في مجال الإعلام لا تقوم على قيم ومبادىء المجتمع العربي وليست مستوحاة من البيئة العربية بل خاضعة للمعايير الغربية ويتم اختيار النساء المتمدنات أكثر من نساء الريف, وذلك ربما يرجع إلى أبراز نساء يرتدين أزياء أنيقة ولا يتقيدن بالزي الإسلامي المحتشم ولا بأسلوب المخاطبة الوقور الذي يلائم المرأة المسلمة. حتى المواضيع المطروحة تهمل القطاع الأعظم من النساء العربيات في الريف والبادية.
التحديات التي تواجه انخراط المرأة العربية في العمل الإعلامي
من المؤكد أن مشاركة المرأة في العمل الإعلامي تصطدم بالعديد من المعوقات، من جملة ذلك ما يلي:
أ- المعوقات الاجتماعية:
أن المجتمعات العربية ما زالت مجتمعات ذكورية تمنع على المرأة ممارسة أعمال بعينها وتراها الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى حماية ورعاية من الرجل الزوج أو الأب الذي يحدد مساحة مشاركة المرأة في الحياة العامة, المجتمعات الذكورية تنظر لمسألة أمن المرأة باعتباره مسؤولية الرجل رغم أن الواقع يؤكد أن أمن المجتمع كله مسؤولية الطرفين.
ب- المعوقات السياسية:
أن تدني مشاركة المرأة في العمل الإعلامي يعود إلى أن المؤسسات الإعلامية تعمل وفق السياسات الإعلامية للدول فهي لا تُقْدم على توظيف غير النساء المتمدينات من سكان المدن على وجه الخصوص معتبرة أن ذلك يرجع إلى أن الصور التي تريد هذه المؤسسات أن تعكسها عن المرأة هي صورة المرأة التي ترتدي الثياب الأنيقة المتحضرة بالمفاهيم الغربية المتعارضة في أحيان كثيرة مع التقاليد والمبادئ الإسلامية.
أن المرأة برغم كل ما اكتسبته من حقوق على مر التاريخ ما زالت مهمشة في مشاريع التنمية البشرية التي تنهض بها الدول العربية، فما زالت المرأة غير متساوية تماماً مع الرجل في الفرص المتاحة أمام الطرفين على أرضية الكفاءة والقدرة وما زالت منقوصة في الحقوق السياسية فهي بعيدة عن مراكز القيادة وصنع القرار، إن تقرير التنمية البشرية الصادر عام 1995 والذي أكد أن المرأة في مختلف دول العالم لا تحظى بنفس الفرص المتاحة أمام الرجل وهو ما ينعكس على ممارستها لحقوقها السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص حيث تشغل المرأة نحو 12% من المقاعد البرلمانية و14% من المناصب الإدارية والتنظيمية.
ج-المعوقات الاقتصادية:
المرأة هي الأفقر في العالم حيث تمثل 75% من فقراء العالم البالغ عددهم 1,3 مليار , لندرة الفرص المتاحة أمامها وبذلها أعمالاً غير مأجورة تستنزف ما يزيد على 75% من وقتها.
خامسا: كيف نعزز دور المرأة الإعلامي؟
أ- على المستوى الفردي:
بداية لابد من التسليم بأن جزء من الغبن الواقع على المرأه إعلاميا تساهم فيه شخصيا بتساهلها في حقوقها وتباطئها في رد فعلها واكتفائها بمقعد المتفرج السلبي بدلا من المشاركة الفاعلة. فمن أجل أنسنة صورتها عليها أن تضحى ربما بقليل من وقتها لتدفع بعجلة التنمية والتغيير. وقبل هذا على المرأة أن تؤمن بقدراتها وإمكاناتها وتعتز بخصوصيتها الجميلة كامرأة ولا تتنكر لها كخصوصية منتقصة. فإعلائها لقيم الحب والخير والجمال لانتقص من رجاحة عقل المرأة وخفضها لجناح الذل والرحمة هو مصدر تحليق الجنس البشرى. كما أن على المرأة أن تؤمن بأنها من خلال أي موقع يمكنها أن تسهم في التغيير.
ب- على المستوى الأهلي:
• يجب أن تعني الجمعيات الأهلية وخاصة النسائية بهموم وقضايا المرأة وتشكل أوراقا ضاغطة على الحكومات لتغيير سياساتها الإعلامية, وعليها خلق شبكة معلومات جيده حول كل المنظمات والجمعيات الأهلية المعنية بشئون المرأة أو تدرجها ضمن اهتماماتها.
• تكوين رابطة للإعلاميات العربيات.
• منظمه المرأة العربية يجب أن ترفع التوصيات التالية إلى مجلس وزراء الإعلام العرب:
1- توفير مساحة لبرامج توعية جادة للمرأة حول حقوقها القانونية والمدنية وتشجيع إشراكها في الحوارات والمناقشات.
2- أعطاء المرأة الفرص لتولي مناصب قيادية إعلامية.
3- أشراك المرأة في صياغة الاستراتيجية الإعلامية.
4- تشجيع المرأة على الانخراط في برامج التدريب والتأهيل الإعلامي.
ج- على المستوى الحكومي:
على الحكومات أن تهتم بالتنمية الشاملة لشعوبها، وذلك في المجالات التالية:
1- في مجال تنمية الموارد البشرية:
إحداث أي تغيير في أي نمط من أنماط السلوك الاجتماعي يتطلب ذلك إحداث تغيير مواز في مفاهيم أفراد المجتمع، وذلك يتطلب إحداث تغيير جوهري وأساسي في أدوار المؤسسات التربوية في المقام الأول ثم المؤسسات الإعلامية اللتان تتكاملان مع بعضهما في غرس المفاهيم والثقافات الإنسانية.
لذا يجب الاهتمام بالتأهيل والتدريب للكادر الإعلامي من النساء لكي لا ينحصر دورهن في الربط والتقديم والدور الإعلاني فقط وهذا يشكل الخطوة الأولى في دمجها في خطة التنمية.
2- في مجال التنمية الاقتصادية:
وذلك بإحداث تغييرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية للمجتمع بهدف إحداث معدلات نمو متزايدة للاقتصاد القومي إلى جانب التغييرات اللازمة للنمو الاقتصادي.
سادسا: وضع إستراتيجية إعلامية في ظل شريعتنا السمحاء:
إن المجتمع العربي والمجتمع المسلم مجتمع رسالي يحتاج لوضع فقه للعمل الإعلامي مستمد من القران الكريم ومن تراث الحضارة العربية والإسلامية ويكون في نفس الوقت أنموذجا يستوعب فلسفة الحياة العصرية ويلبى حاجات المجتمع. وقد أرسى القران الكريم مبادىء وقيم تخدم المصلحة العامة للمجتمع وتدخل في صميم العمل الإعلامي وهى الأمانة وتحرى الدقة في نقل المعلومة والصدق في الحديث والبعد عن الابتذال في المظهر والحديث والمقال.
يجب أعادة النظر في الاستراتيجية الإعلامية لدولنا, ماذا نريد كأمة عربية أعلاما متطورا يلعب دوره كسلطة رابعة أم نريد أعلاما خاضعا يستخدم لتخدير الشعوب وأشغالها عن قضاياها المصيرية. إننا عندما نطرح إشكالية المرأة العربية والإعلام تطرح علينا تساؤلات عديدة ومتعددة هل أعلامنا يطرح ويتناول حقيقة أوضاع النساء ببلدنا بما يكفى من الجرأة والموضوعية من قبيل / العنف ضد النساء / الاستغلال الجنسي / البطالة المؤنثة / الفقر والأمية / الخ.
إن استراتيجية الإعلام العربي يجب أن تتجه نحو الأسرة العربية التي أصبحت تعيش في زمن العولمة ولا ينبغي أن تقتصر على مجرد تحسين صورة المرأة أو إتاحة مساحة لا بأس بها لصوتها أو تقديم هامش يعبر عن قضاياها ويطالب بحقوقها ....