الخصخصة فى ظل العولمة - بحث علمى عن الخصخصة فى ظل العولمة كامل بالتنسيق
مقدمة :
بعد مضي عقود من السيطرة الحكومية على القطاع الاقتصادي، ووضع الكثير من النظريات الاجتماعية والاقتصادية لتفسير نشوء دولة الرفاه الجماهيري في إطار القطاع الاقتصادي العام.
ومحاولة العديد من تلك النظريات الربط بين: دولة الرفاه، وبين توسع القطاع الحكومي، وبين عوامل أخرى شديدة التأثير مثل الثورة العلمية التكنولوجية ودورها الكبير في زيادة حجم العاطلين عن العمل في المجتمعات الرأسمالية
وبأن المجتمع الاشتراكي(حيث الجميع شركاء في القطاع العام)هو وحده المنقذ من حالة استغلال الإنسان للإنسان في المجتمع الرأسمالي، ومن أخطار الثورة العلمية التكنولوجية المتسارعة التطور، ومن حالة البطالة الحتمية في المجتمعات الصناعية والحالة ما تقدم.
وقد انتشرت تلك الأفكار والسياسات الداعمة لها خلال القرن الماضي بشكل كبير تتقبلها حركات التحرر في البلدان النامية الخارجة لتوها من تحت نير الاستعمار الإمبريالي
وتزايدت في العقود السبعة الماضية سيطرة القطاع الحكومي على الاقتصاد الوطني والمجتمع وبشكل شمولي أو " الدولوة "، و محاولة حل الاحتياجات الاقتصادية للمجتمع ومشكلاته من خلال العملية السياسية، مما أدى إلى سقوط الحريات الشخصية، والملكية الخاصة، وحرية التجارة في الأسواق التنافسية، كضحايا لعزم الدولة على تحقيق الأمن الاقتصادي
كما تنامت أحجام تلك الحكومات بشكل هائل. وهيمنت على أجزاء أكبر من الدخل القومي وقامت بتأميم الكثير من المنشآت الخاصة، أو فرض الرقابة المتشددة عليها. كما فرضت على المجتمع أعباء ملايين العاملين بشكل بطالة مقنعة.
أما أولئك المنظرون الذين ساندوا السوق الحرة والقطاع الخاص فقد كانوا يعانون من مشكلات الأزمات الرأسمالية خاصة أزمة 1929-1933 وحجم البطالة العمالية المتزايدة بسببها، وبسبب التطور العلمي التقني.
كما أن أهم الناقدين لمبدأ تدخل الدولة في الاقتصاد الوطني قد حوصروا فكريا أثناء بلوغ الدولة ذروتها في القوة والهيمنة، فالمفكر "مايسس" في كتابه " الاشتراكية " المنشور عام 1920، والاقتصادي ( Hayeh ) في كتابه "الطريق للعبودية " المنشور عام 1940، هي من بين الأمثلة الدالة على هذا الوضع، غير أنه حتى يسود مبدأ السوق الحر فقد ترتب على أصدقائه عاجلاً أو آجلاً ابتداع الاستراتيجية اللازمة لتفكيك هيمنة الدولة على الاقتصاد الوطني، وحركة المجتمع الديناميكية، لذا كان لابد من دعم المفكرين المنظرين بالأساليب العملية لتحويل ما هو "عام " إلى ما هو " خاص " أي أنه ما تم تشريكه في الماضي يجب أن يخضع الآن للخصخصة.
وعندما حلت السبعينيات تجلى للعيان الحصاد المرير لنتائج الاشتراكية كنتيجة للبيروقراطيات الحكومية الثقيلة، والأعباء الضريبية الباهظة اللازمة لتمويل آلية الدولة، والأحجام المخيفة للمديونية والعجوز في الموازنات العامة...الخ
هكذا بدأ المسؤولون العامون والمواطنون على حد سواء بالبحث عن إجابات لما حدث. وبدأ سعي الحركات الاجتماعية اليمينية باتجاه الحرية والأسواق الحرة لكسب التأييد من المفكرين. وتزايد أتباع هذا الاتجاه من مختلف شرائح المجتمع
مفهوم الخصخصة
تستحوذ عبارة الخصخصة او التخصيص او الخوصصة على اهتمام معظم دول العالم سواء كانت متقدمة او نامية و هي جميعها تسميات لمصطلح اقتصادي بالغة الانكليزية او الفرنسية لكلمة privatization .
لا يوجد مفهوم دولي متفق عليه لكلمة الخصخصة ، حيث يتفاوت مفهوم هذه الكلمة من مكان إلى اخر ومن دولة إلى اخرى. و لكن لو اردنا تعريف هذه الظاهرة التي اصبحت موضوعا رئيسيا يتم استخدامه في معظم الدول ، فانها فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية ، لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية و الخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة ، من القطاع العام إلى القطاع الخاص. فالدولة ، في المفهوم الاقتصادي الحديث ، يجب ان تهتم بالامور الكبيرة كالامور السياسية و الادارية و الامنية و الاجتماعية التي ترتبط بسياستها العليا, اما سائر الامور الاخرى فيمكن تامينها من قبل القطاع الخاص و ذلك في اطار القوانين و الانظمة التي تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع.
تعددت و اختلفت مفاهيم الخصخصة و تعريفها إلى تعدد مجالات تنفيذ هذه الاستراتيجية و إلى تعدد اساليبها ، فيتسع التعريف او يضيق بقدر شموله لهذه الأساليب و تلك المجالات. و نظرا لاهمية تعريف هذه الكلمة قبل الخوض في تفاصيل البحث ، فتعرف الخصخصة بانها نقل ملكية او إدارة نشاط اقتصادي ما ، اما جزئيا او كليا من القطلع الخاص اي انها عكس التاميم.
ولا تعتبر الخصخصة غاية بحد ذاتها انما هي عادة ما تكون وسيلة او اداة لتفعيل برنامج اصلاح اقتصادي شامل ذي محاور متعددة يهدف إلى اصلاح الاوضاع الاقتصادية في دولة ما.و من هذا المنطلق عادة ما يتزامن مع تنفيذ برامج الخصخصة تنفيذ برامج اخرى موازية و متناسقة تعمل كل منها في الاتجاه العام نفسه الداعي إلى تحرير كافة الانشطة الاقتصادية في القطاع العام تجاه القطاع الخاص ، اي ان الخصخصة يجب ان تواكبها تغييرات جذرية لمفهوم او فلسفة مسؤولية الدولة من إدارة الاقتصاد و دورها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي تجاه المزيد من المشاركة للقطاع الخاص.
و للخصخصة منظورين اقتصادي و سياسي فمن المنظور الاقتصادي تهدف عملية الخصخصة إلى استغلال المصادر الطبيعية و البشرية بكفاءة و انتاجية اعلى, و ذلك بتحرير السوق و عدم تدخل الدولة الا في حالات الضرورة القصوى, و عبر ادوات محددة لضمان استقرار السوق و الحد من تقلباته . اما من المنظور السياسي فالتخصيص يدعو إلى اختزال دور الدولة ليقتصر على مجالات اساسية مثل الدفاع و القضاء و الامن الداخلي و الخدمات الاجتماعية, لذا فان التخصيص يتجاوز مفهومه الضيق المقتصر على عملية بيع اصول او نقل ملكية ليكون بمثابة نقلة اقتصادية و اجتماعية وسياسية كبيرة و فلسفة جديدة لدور الدولة.
أثار و نتائج تطبيقات الخصخصة
ان الخصخصة مستحيلة وفقاً للظروف الحالية لأغلب الدول العربية و ذلك بسبب تفشي الفساد و بسسب تطور جوهري تمثل في فشل أغلب الدول النامية أو ما أطلق عليه العالم الثالث إصطلاحاً في ظل تعايش النظامين – الرأسمالي و الشيوعي- و صراعهما في الانتقال المتوازن خلال التحول الأول و في إدراك بواكير التحول الثاني و يرجع ذلك وفقاً لوجهة نظرنا بشكل أساسي للنجاح السلبي لغالبية الدول النامية و منها الدول العربية بالانتقال بالنظام الإقطاعي من المستوى الجغرافي المكاني للمستوى القطاعي الاقتصادي, حيث سيطر الاقطاع فيما سبق على منطقة جغرافية و على ما يقوم عليها و لكن نظراً للتطورات الفكرية المتسارعة و الاندماج في الفكر الاقتصادي العالمي فقد أصبحت هذه السيطرة غير مقبولة اجتماعيا طبقاً لنظريات الحقوق المدنية و حقوق الانسان فعمل هذا النظام الممثل لمصالح حفنة من كبار الملاك و أصحاب الثروات الجدد المرتبطين شخصياً بمراكز اتخاذ القرار ضمن الدول النامية للتخلي عن السيطرة المكانية الجغرافية و الاتجاه نحو السيطرة القطاعية و قد نجحوا بذلك نسبياً حيث يلاحظ وجود أفراد يسيطرون على قطاعات إقتصادية كاملة- بالرغم من عدم وجود كفاءة اقتصادية لهم و لمشاريعهم – ضمن الدول النامية مستغلين أنظمة الحصر و السيطرة على الشركات الحكومية العاملة في القطاع أو المسؤولة عن السلعة و مستندين على ارتباطهم بمراكز إتخاذ القرار و بما يكفل لهم فرض جملة من الشروط النوعية التي تحدث فجوة هائلة بين العرض و الطلب أو تحقق عملية إذعان و خلال فترة زمنية معينة بما يكفل لهم الحصول على أرباح إحتكارية خيالية مع الإشارة لأن العمليسة السابقة ديناميكية و حركية خلال الزمن. هذا مع الإشارة لغياب المصلحة الحقيقية لهؤلاء في التطور و الارتقاء بمستوى الأداء الاقتصادي و مستوى الكفاءة الانتاجية و جودة السلعة او الخدمة خلال التحول الأول و ذلك لغياب المنافسة الحقيقية. فكيف يمكن للخصخصة ان تنجح في ظل الفساد المستشري؟
تتناول الدراسة موضوع الخصخصة كأحد الوسائل المعاصرة في إطار إصلاح القطاع العام وإعادة الهيكلة في الدول النامية عموماً وفي الجمهورية اليمنية على وجه الخصوص بعد تحول دور الدولة إلى إنمائي و تصحيحي. وتعتبر مسألة إعادة الهيكلة والتصحيح التي تنتهجها هذه الدول مدفوعة من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين في منتهى التعقيد. فهذه الدول تعتمد على سلعة واحدة (أو عدد محدود جداً من السلع ) في صادراتها، ومن ثم فهي أكثر عرضة للصدمات الخارجية، وهي تعاني من مديونيات خارجية ثقيلة، وبالتالي عبء كبير من خدمة الدين الخارجي لا يتناسب مع قدراتها الاقتصادية وبالتالي ينتج عن ذلك عجز متزايد ومزمن في موازناتها العامة وفي ميزانها التجاري وميزان المدفوعات ومعدلات تضخم مرتفعة وبطالة واسعة ، كما أن هذه الدول تعاني من ضعف البنية التحتية وانخفاض كفاءة المؤسسات المالية والاقتصادية وانخفاض متوسط دخل الفرد .
إيجابيات الخصخصة :
1- إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجياً من بعض النشاطات الاقتصادية و إفساح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص .
2- التخفيــف مــن الأعبــاء الماليــة التـي تتحملهــا الموازنــة العامــة نتيجة دعمهــا للمشروعات العامة الخاســـرة ، وتكريس مواردها لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة ،والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشآت الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية .
3- تطوير السوق المالية وتنشيطها .
4- خلق مناخ الاستثمار المناسب،وتشجيع الاستثمار المحلـي لاجتــذاب رؤوس الأموال المحلية والعربيــة والأجنبية .
وعلى الرغم من أن مفهوم الخصخصة قد ظهر في بريطانيا منذ نهاية الستينيات إلا أن ما أكسب الخصخصة أهميتها ولفت الأنظار إليها هو البرنامج الشامل الذي نفذته حكومة المحافظين في بريطانيا بزعامة مارجريت تاتشر عام 1979م. وقد تضمن البرنامج تحويل مشروعات وأنشطة القطاع العام إلى القطاع الخاص . وقد دفع نجاح التجربة البريطانية مختلف الدول النامية إلى تطبيق برنامج الخصخصة ضمن سياسات إعادة الهيكلة والتصحيح الذي اتبعته مؤسستا صندوق النقد والبنك الدوليين .
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن الدول التي تبنت برامج الخصخصة قد تجاوزت المائة دولة.
وفـي الجمهوريــة اليمنـية تــم البـدء بـتنفيـذ الخصخصة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ نهاية عام 1994م. من خلال حزمة من القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء .
أهـداف الخصـخصـة
يعتبر الهدف الذي ينشده برنامج الخصخصة حجر الأساس لنجاح البرنامج ، فوضوح الهدف يجعل من السهل تحديد المشروعات الأولى بالخصخصة من غيرها وأي غموض في تحديد الهدف هو شهادة مسبقة لفشل البرنامج .وتختلف أهداف الخصخصة من بلد إلى آخر كأهداف إجمالية أو تفصيلية على مستوى القطاع أو المؤسسات.
الخصخصة لها أكثر من بعد، منها البعد الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي، الإداري، المحاسبي، والبعد التنظيمي، لذلك فهي ليست تخصصاً محدداً وإنما هي تطبيق لمجموعة من العلوم والتخصصات الإدارية والمالية بجميع فروعها منها إدارة الأعمال، المحاسبة، القانون، الاقتصاد، التأمين، الإدارة العامة.
لذلك نتوقع أن يكون من أولويات مشاريع الخصخصة استقطاب الكوادر البشرية المتخصصة علمياً في هذه المهارات والعمل على تأهيلها سواء بالابتعاث للدراسة أو استقطاب أفراد لديهم الخلفية الأكاديمية والعلمية والعمل على تدريبهم من خلال دورات مكثفة في مجال الاستثمار والتمويل ومحاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية والتجارة الدولية والشؤون القانونية والتحكيم الدولي وحل النزاعات التجارية ولا تكفي الدروس الخصوصية أو حضور ندوة أو دورة هناك في هذه المجالات،
عدم الاهتمام بهذا الجانب جعلنا نتلقى نماذج التخصيص والدروس الخصوصية من دول الجوار، ونتج عن ذلك البطء في اتخاذ القرارات حتى نستوعب هذه الدروس.
وتأتي في مقدمة أهداف الخصخصة أهداف الكفاءة والتنمية وإطلاق ديناميكية النمو في الاقتصاد وخلق فرص العمل ، ويتأتى ذلك عن طريق اجتذاب رأس المال (المحلي والأجنبي) والتقنيات الحديثة وتطوير الكفاءات الإدارية والتنظيمية والتسويقية ، ثم يأتي هدف توسيع وتنويع قاعدة الملكية بهدف زيادة المنافسة من خلال تشجيع القطاع الخاص على دخول مجالات اقتصادية كانت حكراً على القطاع العام ، كما أنها تؤدي إلى توسيع نطاق الملكية واجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية .
أما بالنسبة للأهداف المالية فيأتي في مقدمتها التخفيف من أعباء الموازنة العامة والمتمثلة في الاستنزاف المستمر للخزانة العامة في صورة دعم مستمر ومتزايد للمشروعات العامة والخاسرة . هذا فضلاً عما يمكن أن تشكله الحصيلة المتجمعة من عمليات بيع المشروعات أو التصفية أو العوائد المترتبة على تأجير بعض المشروعات من إضافة إلى حصيلة الإيرادات العامة في سد جزء من عجز الموازنة العامة .
سـياسـات الخصـخصـة :
برزت الخصخصة كإحدى الوسائل المعاصرة في إطار إصلاح القطاع العام وإعادة الهيكلة ، بعد أن تحول دور الدولة من إنمائي إلى تصحيحي وتتحقق الخصخصة من خــلال الفكـر الاقتصـادي بتغيير هيكـل الاقتصـاد الوطني القائــم علــى تعايـش قطـاعات الملكيــة (العــام والخــاص والتعاونـي) بالتحــول إلى القطـــاع الخاص وذلك وفق سياستين هما :
1. الخصخصة التلقائية : تتلخص في تشجيع القطاع الخاص (أفراد ومؤسسات ) ودعمه بشكل يؤهله لزيادة ثقله في الاقتصاد القومي ، على أن لا تؤثر هذه العملية في وضعية الأنشطة التي يضطلع بها القطاع العام ، ويعتمد هذا الأسلوب أساساً على تنفيذ الدولة لوسائل تحفيزية تشجع القطاع الخاص ، مع تهيئة القاعدة الاقتصادية الملائمة لنمو هذا القطــاع ، وذلك بإطـلاق قــوى الســـوق وتهيئــة الوسائل الملائمة للاستثمار والإنتاج في مؤسساته المختلفة .
2. الخصخصة الهيكلية : تتلخص في تقليص دور القطاع العام ووزنه الكبير نسبياً من خلال بيع بعض مؤسساته الإنتاجيــة والخدميــة أو تحويــل إدارتها إلى القطـــاع الخاص ، وبالتالي يندرج هذا الأسلوب بشكل واضح وشامل في سياسات الإصلاح الاقتصادي التي يوصي بها البنك الدولي وتطبقها اليمن شأنها شأن العديد من الدول النامية ، وعادة ما يتطلب تنفيذ هذا الأسلوب فترة طويلة من الزمن ، وبالذات ما يكفي من الزمن لقيام جميــع المؤسســات الحكوميــة والخاصة بتعديل خططها المتعلقة بالادخار والاستثمار ، يتبع هذه الإجراءات إجراءات هيكلية مختلفة تستند إلى تصفية المؤسسات العامة التي يثبت عدم جدوى إصلاحها ليتم بيعها إلى القطاع الخاص أو حتى فصل ملكيتها عن إدارتها ، تمهيداً لضمان إدارة تلك المؤسسات على أســس اقتصادية كفــؤة مــن دون أن تؤثــر فيهـا الاعتبارات السياسية والاجتماعية ، ويعتبر ما قامت به حكومة العمال البريطانية من تحويل مؤسسات القطاع العام (سواء بالبيع أو التأجير) إلى القطاع الخاص من أبرز التجارب العالمية في أسلوب الخصخصة الهيكلية .
أسـاليب وطرق الخصـخصـة :
يمكن تقسيم تلك الأساليب إلى مجموعتين : أساليب تنطوي على بيع جزئي أو كلي لحصة الحكومة في ملكية المنشأة ، وأساليب لا تنطوي على عمليات بيع .
أولاً : أساليب تنطوي على بيع جزئي أو كلي للمنشأة
وتتضمن هذه المجموعة الطرح العام والطرح الخاص جزئياً أو كلياً للأسهم وبيع أصول المنشأة وتمليك الإدارة والعاملين لحصة في رأسمال المنشأة .
1) الطرح العام للاكتتاب : يقصد بالطرح العام قيام الحكومة بطرح كل أو جزء من أسهم رأسمال المنشأة للبيع للجمهور ، من خلال سوق الأوراق المالية . أما إذا لم يكن الأمر كذلك فلا بد من تقييم المنشأة وتقدير عدد الأسهم التي سيتكون منها رأس المال ، إضافة إلى تحديد السعر الذي سيباع به السهم ، ( الذي قد يكون بيتاً للسمسرة أو بنكاً تجارياً ) للقيام بهذه المهمــة بالإضافـــة إلى قيامــــه بمسئولية تسويق الإصدار.ويعتبر هذا الأسلوب أفضل الأساليب على الإطلاق من وجهة النظر الاقتصادية، لما يؤدي هذا الأسلوب من توسيع نطاق الملكية وقاعدة المنافسة .
2) الطرح الخاص للاكتتاب : يقصد بالطرح الخاص بيع أسهم المنشأة أو جزء منها لمستثمر واحد أو مجموعة مختارة من المستثمرين بـل وقــد يتم البيع لمنشأة أخرى قائمة بالفعل ، أو لمؤسسة مالية . وقد يفضل الكثير من المستثمرين الطرح الخاص على الطرح العام وذلك لعدة أسباب من أبرزها:
عدم وجود التزام بنشر المعلومات التي تفرض على المنشآت التي تطرح أسهمها للتداول العام ، وهو ما يضفي سرية على أنشطة المنشأة إلى جانب توفير تكاليف لنشر تلك المعلومات ، يضاف إلى ذلك أن الطرح الخاص يتميز بصغر عدد المساهمين ، مما ييسر على الإدارة اتخاذ قرارات كان يصعب اتخاذهــا لــو أن الأسهم تطرح للتداول العام ، ومن بين تلك القرارات ما يتعلق بإبرام صفقات بين الملاك بصفتهم الشخصية وبين المنشأة كشخصية اعتبارية مستقلة ، وقرارات تحدد مرتبات أعضاء الإدارة غير أن هذا الأسلوب ، قد يكون غير مرغوب أحياناً وخاصة إذا كان هناك تواطؤ بين المستثمرين والمتزايدين ، مما يكرس أوضاعاً احتكارية خاصة أشد من الاحتكار العام .
3) تملك العاملين وأعضاء الإدارة لحصة من رأسمال المنشأة : هناك ثلاثة أساليب لتمليك العاملين في رأسمال المنشأة هي : اختيــار الأسهم وخطط مشاركة العاملين في رأسمال الشركة ، وتمويل أعضاء الإدارة شراء أسهم المنشأة بالاقتراض .
ويقصد باختيار الأسهم إصدار المنشأة لوثيقة باسم كل عضو من أعضاء الإدارة ، وتعطيه الحق في شراء حصة من أسهم رأسمال المنشأة في تاريخ لاحق وبسعر يحدد في الوثيقة عادة يكون أقل من أسعار الأسهم المطروحة للاكتتاب. أما خطة مشاركة العاملين في ملكية المنشأة ففيها تقوم وحدة تنظيمية مختصة نيابة عن العاملين (قد تكون نقابة العمال ) بالحصول على قرض طويل الأجل بهدف استخدام حصيلته لتمويل شراء جزء من الأسهم العادية أو حصة في رأسمال الشركة التي يعملون فيها ، ويتم تسديد خدمة القرض (أقساط وفوائد) من التوزيعات التي تتولد عن الأسهم المشتراة .
والأسلوب الثالث وهو شراء الإدارة أو العاملين أسهم المنشأة بأموال مقترضة فيتم ذلك بشكل ينتهي إلى أن تكون نسبة القروض إلى حقوق الملكية 5:1 ، بل ولم تتجاوز نسبة حقوق الملكية في رأس المال في بعض الحالات 2% ، وفي الحالات التي تنتهي الشركة بأن تكون مملوكة لعدد محدود من المساهمين ، فحينئذ تتحول من شركة مساهمة إلى شركة خاصة يديرها ملاكها الجدد.
ثانياً : أساليب الخصخصة التي لا تتضمن عملية بيع
وتتضمن الخصخصة من خلال تقسيم المنشأة إلى وحدات مستقلة، و الخصخصة بجذب استثمارات خاصة إضافيــة، ثم الخصخــصــة بأسلوب التأجيــر وعقود الإدارة .
(1) تقسيم المنشأة إلى وحدات مستقلة: ينظر إلى تقسيم المنشأة إلى وحدات مستقلة، على أنها عملية إعادة هيكلة للمنشأة تمهيداً لخصخصتها، أما اعتبارها أسلوباً للخصخصة فربما يرجع إلى أن عملية التقسيم ذاتها قد تنطوي على بيع لبعض الأصول ، التي وجد أنه من الملائم التخلص منها وهو ما يعني خصخصةً جزئيةً للمنشأة .
(2) جلب استثمارات خاصة إضافية : قد يتمثل أسلوب الخصخصة في جلب استثمارات إضافية من القطاع الخاص إما لإعادة تأهيل الشركة أو لتمويل استثمارات جديدة وفي ظل هذا الأسلوب لا تتخلى الحكومة عن ملكيتها الأصلية إذ لا تنطوي العملية على بيع أصول أو بيع لحصة الحكومة في رأس المال .
(3) التأجير وعقود الإدارة : للتأجير وعقود الإدارة سمات مشتركة ، تبرر تناولهما معاً في قسم واحد فكلا الأسلوبين يزود المنشأة محل الخصخصة بالكفاءات والمهارات الإدارية والتكنولوجية خلال فترة التعاقد وذلك في مقابل تعويض مادي ، وكما هو واضح فإن هذا الأسلوب من أساليب الخصخصة لا ينطوي على بيع لأصول المنشأة أو لحصة الحكومة في رأس المال، ذلك أنه أسلوب مميز ينصرف إلى خصخصة الإدارة وعمليـــات المنشأة دون أن يمتد إلى خصخصة الملكية .ومن المزايا التي يقدمها التأجيــر توفير نفقــات التشغيل بدون التخلي عن ملكية المشروع وكذلك الحصول على دخل سنــــوي ، كما يسمح التأجير بجذب مهارات تقنية وإدارية متطورة .
وفي الجمهورية اليمنية وفقاً لقانون الخصخصة تنــص المادة الخامسة على أن تجري عمليات الخصخصة الكلية أو الجزئية عبر الأساليب التالية :
أ- طرح الأسهم للاكتتاب العام .
ب- مساهمة العاملين من خلال تملك كل أو حصة معينة مـــن أسهـــم الوحـــدات الاقتصاديــة المطروحــة للخصخصة أو المزمع خصخصتها .
ج- عقود المشاركة في رأس المال والتشغيل .
د- عقود الإدارة أو الإيجار .
ه- بيع مفردات الأصول المملوكة للدولة .
و- بيع الأسهم أو الحصص المملوكة للدولة في القطاع المختلط بما لا يتعارض مع القوانين النافذة ولا يؤدي إلى الاحتكار الخاص .
ز- إعادة الوحدات الاقتصادية المملوكة كلياً للدولة إلى ملاكهـــا الشرعييــن السابقيــن قبــل صدور قرارات التأميـم مــن قِبل الحـــزب الاشتراكي الحاكــم في المحافظات الجنوبية في فترة ما قبل الوحدة.
أسباب انخفاض كفاءة المشروعات العامة
يرجع انخفاض كفاءة المشروعات العامة أو فشلها إلى عدد من الأسباب ، فغالباً ما تقوم هذه الوحدات الاقتصادية على أسس غير اقتصادية إذ أن معظمها قام لإعتبارات اجتماعية وسياسية وأيدلوجية وتبيع منتجاتها بأسعار أقل من سعر التكلفة ويكمن السبب الثاني في أن عمليات المشروعات العامة ، يمكن أن تكون مصدر استنزاف سهل للخزانة العامة ، حيث تتلقى المشروعات العامة مساعدات حكومية صريحة في صور عديدة :
تحويلات نقدية أو دعم نقدي ، أو امتيازات ضريبية خاصة ، أو في صورة ائتمان ميسر ، أو امتيازات معينة تمنحها الحكومة للمشروعات العامة في الشراء … الخ ) ، وحتى إذا لم يكن هناك مساعدات صريحة في صورة أو أكثر من الصور السالفة الذكر ، فان المشروعات العامة قد لا تحقق أرباحاً كافية حتى لتغطية متطلبات الإهلاك أو لا تتمكن من توليد أموال داخلية للتوسع في أنشطتها الرأسمالية أو عملياتها الإنتاجية ، ويمكن أن تحدث مواقــف لبعــض المشروعــات العامة تكون الأرباح فيها غير كافية حتى في ظل المساعدات والدعم المقدم من قبل الحكومة ، وينتج عن ذلك أن تصبح المشروعات العامة عبء كبير على الخزانة العامة ، ليس فقط في إمدادها بالمساعدات والدعم من الائتمان الداخلي ، بــل يمكن أن تضطر الحكومة إلــى الاقتــراض مـــن الخــارج لمساعــدة هــذه المشروعات على الاستمرار في النشاط .
وقد أجريت دراسة حول هذا الموضوع في الستينيات على عدد مــن الدول الناميــة انتهت إلى أن كل 1£ جنية يصرف على نشاط المشروعات العامة يحتاج إلى مساندة الحكومة بـ0.33£ جنية من الإيرادات العامة ، ومثلها من القروض . كما توصلت إلى أن مثل هذا الاعتماد على مساندة الحكومة للشركات العامة كان في الدول الأفريقية بدرجة أكبر من دول أمريكا اللاتينية .
كما قدم شورت المزيد من المعلومات الشاملة حول هذا الموضوع ، حيث قام بمسح عدد كبير من تجارب الدول في نهاية السبعينيات ببيانات عن فترات سابقة لبعض الحالات .
وقد توصل إلى أن المشروعات العامة في كل الدول النامية (في العينة ) قد قيمت بما يفوق 8% من الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار قد زاد زيادة فعلية في السبعينات عما كان عليه في الستينات ، وتتميز عمليات المشروعات العامة في الدول النامية بعدم الكفاءة ، وبالعمل في جو بيروقراطي وبتقديم خدمات ذات نوعية منخفضة(الكهرباء ، المياه ،التليفون، المواصلات ، مثلاً ) ، حيث أنه من الصعوبة ،بل من غير المنتظر في مثل هذه الأجواء استقطاب الكفاءات الإدارية المتميزة ، والقادرة على العمل المنتج، للعمل في المشروعات العامة.
ويرجع برست فشل عمليات المشروعات العامة في الدول النامية إلى السياسات السعرية ،ويضرب أمثلة عديدة: ففي سري لانكا لم تتغير أسعار أجور ركوب الأتوبيسات العامة خلال الفترة 1939-1970م ، وفي إندونيسيا ظلت أسعار استهلاك الكهرباء منخفضة لعدة سنوات ، بهدف تشجيع الاستثمار ولا يمكن قبول دعم الحكومة لخدمة كالكهرباء مثلاً بهدف التوزيع العادل للدخل فمثل هذه الخدمة لا تدخل في ميزانية الفقراء في المناطق الريفية ،وفي إندونيسيا أيضاً تقدم سياسة الدعم معونات لصناعة السكر الأبيض ، ولا تقدم إعانات لصناعة السكر العادي والذي يستهلك من قبل الفقراء ، وهذا بالتحديد يتنافى مع أهداف عدالة توزيع الدخل ، وأخيراً ما حدث في مناطق الكاريبي حيث قدرت السلطات المالية هناك أن تكلفة تزويد المواطنين بالمياه تقارب 12 مرة مستوى الأسعار التي يحصل بها المواطنون على هذه الخدمة وقد يقال بأن تزويد المياه في المناطق الحارة يعتبر خدمة عامة ، ولكن برست يرد على هذه الحجة بأنه في المملكة المتحدة وهي دولة ذات طقس بارد لا يتم تزويد المواطنين بالوقود بالمجان ، بالرغم من أن هناك مطالبات عديدة بذلك وكان الرد الرسمي على ذلك دائماً "نعم ، ولكن هذه دولة فقيرة " . ويخلص برست إلى أنه يجب أن تغطي كافة تكاليف التشغيل الجارية ، ومخصصات الإهلاك ، والمساهمة في تغطية التكاليف الرأسمالية .