·من خلالها أحببت القتال
لسبب تافه وغير منطقي كنت اخلق المشاكل. محدكثم شاب نكره، قضى عمرا يعبث باتصالات الآخرين. ربما لا تعرفوني ، فأنا اعمل في إحدى شركات الاتصالات. عائلتي سئمت مني، حتى جاء خالي اخو امي وطلبت منه ان يجد لي وظيفة. وظفني في شركة الاتصالات. خالي مسؤول كبير في الدولة.
ولشدة اعجاب المدير والموظفين جعلوني على البدالة التي تحوي منظومة السيطرة. الحقيقة انا احب السهر ، لهذا، وجد الموظفون فرصة مناسبة للراحة مع اهلهم وتركي لسد الفراغ ليلا.
أتنصت على مكالمات الناس واشاغبهم، اسرق من ارصدتهم لأضعها في رصيدي، رغم أني لا اتصل ، ولا أحتاج الى رصيد، فليس لي اصدقاء اصلاً. وحينما يتصلون للشكوى اضعهم تحت رحمة المجيب الالي الذي يفقدهم الصبر.. فأضحك. اكتشفت اسرارا مدهشة، فللعوائل اسرار صادمة ! طالما أفشيتها ودمرتهم.
عاشق وعاشقة يتحدثان ليلاً، وحينما يحتوي حديثهم الحب والدلع أقطع الاتصال، فيغضب الحبيب ويعاتب حبيبته، فأنتظر لحظة ثورتها، واقطعه مرة ثانية، وهكذا، حتى يضيع الصدق بينهم ، فتدب الخلافات، وتعلن المشاكل، وأنسفهم نسفاً.
ومرة شاغبت عجوز، حيث أتصلت على رقمي سهواً، متصورة أني ولدها الذي ذهب للحرب في الموصل. فوجدت فيها فرصة مجانية للمشاغبة. كنت أقول لها : يا أماه هاهم داعش قد اقتربوا من موضعنا، مات صديقي وأنا أصابتني رصاصة.. تبكي العجوز وتولول وتدعوا وتصرخ وتنوح .... وأنا اضحك !.
لكنها امرأة غريبة عجيبة، هل تصدقون أنها صدقت اني ولدها ؟. وراحت تتصل بي كل يوم وكل ساعة، وهكذا استمرت علاقتي بها لشهور. كنت اشكوا لها حالتي وحزني وكآبتي! فتصبر عليّ، وتحدثني عن أبي الذي لا أعرفه، كيف كان شهماً كريما أصيل.... أحببت ابي الافتراضي هذا، واعجبتني أخلاقه وشهامته.
اعتدت على مجاراة العجوز حتى دب العطف بيننا، وقفزت الروح الطيبة في قلبي، فرحت اطمنها عن حالة الجنود. هل تصدقون من خلالها أحببت القتال، وتمنيت لو أني أشارك الشباب شجاعتهم.
أسرتني العجوز بحنانها، وصرت أشعر بأنها أمي فعلاً... وطالما كنت اسأل نفسي لماذا لم يتصل بها ولدها الى الان ؟ هل استشهد يا ترى ؟ لكنني اخشى ان اسألها، فأنا ولدها المفروض انه مقاتل شهم !. تغيرت حياتي بسبب العجوز، وصارت حالتي الإنسانية محط استغراب لعائلتي!.
حتى جاء ذلك اليوم الذي لم تعد تتصل فيه، وحينما اتصلت، رد عليّ صوت ناعم ، أخبرني بان العجوز ماتت. فصرخت يا أماااه !! فجائني الصوت ... عذراً اخي، هذه العجوز ليس لها اولاد ولا بنات، فهي لم تتزوج في حياتها، تسكن دار المسنين، وهي اصلاً خرفة، تخيل أنها تحدثنا كل يوم عن شاب لطيف يدعي انه ولدها ، ذهب للحرب وهي تشيد بـأخلاقه وشجاعته
علي رمثان.