“ثلاثة دباديب حمر”
تجلس ساهمة وراء المكتب الخشبي، تحدّق في المارين أمام الواجهة الزجاجية، يتوقف أحدهم بين الحين والآخر ليتأمل الدبدوب الأحمر العملاق المعروض فوق بساط من القصاصات الحمراء ووسائد على شكل قلوب حب كُتبت عليها عبارات إنجليزية بتهجئة خاطئة. يفتح أحد الفضوليين الباب ليسأل عن سعره، فتجيبه بوجه باسم بينما تشتمه في سرها لتجرئه على فتح الباب والسماح لهواء الشتاء البارد بالدخول
تنظر إلى الرزنامة الورقية أمامها. الرابع عشر من شباط. تتفقد محفظتها وتعدّ ما بقي فيها، توزعه على بقية أيام الشهر وتترحم على من قرّر اختزاله في ثمانية وعشرين يومًا. هذا أقصى ما يمكن لبشر أن يحتمله من شباط
ينبهها صوت مناورات قطتين في الخارج، تلك الكائنات القميئة لا تجد مكانًا لممارسة طقوس تزاوجها السادية إلا تحت نافذة غرفتها أو أمام بابالمحل. تهمّ بالقيام لطردها ثم تتوقف حين يهشّها طفل في طريقه لدخول المحل، قابضًا بيده على دينار مهترئ.
“أمي بتقوللك بدها كيس عقيدة بالشبة”
“مسعدة أمك!” تتمتم وهي تحضّر له طلبه، لكنه لا يعيرها انتباهًا إذ يقف مشدوهًا أمام الدبدوب الأحمر الذي يفوقه طولًا بمرتين
“قديش حقه هاظ؟”
“خمسين دينار.”
“واااااال! مين بده يشتريه؟”
“الناس البطرانة، بحبوا يتهادوا.” تقول وهي تأخذ منه الدينار المقطّع الموصّل
تجلس بعد خروجه لاستكمال روتينها اليومي، إلا أنّ فكرة جديدة تشغلها. دبدوب بخمسين دينار. هذا يعني أن راتبها الذي تتقاضاه مقابل العمل عشر ساعات في اليوم هنا يعادل ثلاثة دباديب. “دبدوب لقسط الجمعية، ودبدوب لأدوية أمي، ودبدوب للطعام والمواصلات”0
يدخل فتى مراهق ليسأل عن الدبدوب، يسمع السعر ولا يغلق الباب خلفه نسيانًا أو احتجاجًا على سعر الحب الذي يفوق مصروفه الشهري. تناديه ليعود ويغلق الباب، ثم تقوم بامتعاض لإغلاقه بنفسها
تقف بمحاذاة الدب، لا شيء يفصل بينهما. تتأمل لونه الأحمر المستفز، وتعود الفكرة نفسها للنخر في رأسها. تمد يدها وتلمس فراءه الناعم. تغوص يدها في جسده القطني الغض. تنظر حولها، الشارع خالٍ من المارة، تسرع إلى علبة لعدّة تقليم الأظافر، تخرج منها سكينًا صغيرة، تتأكد مجددًا من عدم وجود مشاهدين، وتُعمل السكين في جسد الدب الصامت