اليوم سنقوم بسرد عليكم قصة عثمان بن عفان ” إن تاريخ النبوات لم يعرف أحدا أصهر إلى نبى مرتين سوى عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه ” إنه ذو النورين وصاحب الهجرتين وزوج الإبنتين عثمان بن عفان رضى الله عنه.
قصة عثمان بن عفان ( ذا النورين )
كان عثمان رضى الله عنه فى الذروة (وهى المقام الرفيع) من قومه فى الجاهلية فهو عريض الجاه (أى ذو قدر عظيم ) وافر الثراء سابغ النعمه جم التواضع شديد الحياء فأحبه قومه أشد الحب وأصدقه حتى إن المرأه من قريش كانت ترقص صبيها وتقول: أحبك والرحمن … حب قريش لعثمان ولما أهل الإسلام بنوره على مكة كان عثمان من السابقين إلى الإستضائة بمشكاته.
ولإسلام عثمان قصة مازال يرويها الرواة ذلك أنه حين بلغه فى الجاهلية أن محمد بن عبدالله زوج ابنته رقية من ابن عمها عتبة بن أبى لهب ندم أشد الندم لأنه لم يسبق إليها ولم يحظ بخلقها الرفيع وبيتها العريق فدخل على أهله مهموما.
فوجد عندهم خالته (سعدى بنت كريز ) وكانت هذه امرأة حازمة عاقلة طاعنة فى السن فسرت عنه وبشرته بظهور نبى يبطل عبادة الأوثان ويدعو إلى عبادة الله الديان ورغبته فى دين ذلك النبى وبشرته بأنه سينال عنده ما يبتغيه .
قال عثمان : فانطلقت وأنا أفكر فى كلام خالتى فلقيت أبا بكر , وحدثته بما أخبرتنى به , فقال : والله لقد صدقت خالتك , فيما أخبرتك وبشرتك بالخير يا عثمان وإنك لرجل عاقل حازم ما يخفى عليك الحق , ولا يشتبه عندك مع الباطل .
ثم قال لى : ما هذه الأصنام التى يعبدها قومنا ؟!.. أليست من حجارة صم لا تسمع ولا تبصر ؟. فقلت : بلى فقال : وإن ماقالته خالتك يا عثمان قد تحقق فلقد أرسل الله رسوله المرتقب , وبعثه إلى الناس كافة بدين الهدى والحق .
فقلت : ومن هو ؟! فقال : إنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقلت : الصادق الأمين ؟ فقال أبو بكر : نعم إنه هو فقلت : فهل لك أن تصحبنى إليه ؟.
فقال : نعم ومضينا إلى النبى عليه الصلاة والسلام فلما رآنى قال : (أجب يا عثمان داعى الله فإنى رسول الله إليكم خاصة , وإلى خلق الله عامة) قال عثمان : فوالله ما إن ملأت عينى منه , وسمعت مقالته , حتى استرحت له , وصدقت رسالته ثم شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
لم يؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام أحد من قومه بنى (هاشم ) حتى ذلك اليوم غير أنه لم يكن فيهم أحد يناصبه العداء غير عمه (أبى لهب ) فقد كان هو وزوجه (أم جميل ) من أشد قريش قسوة عليه , وأعنفهم إيذاء له وتنكيلا به .
فأنزل الله فيه وفى امرأته “تبت يدا أبى لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات اللهب * وامرأته حمالة الحطب * فى جيدها حبل من مسد ” فازداد أبو لهب ضغينة على الرسول صلوات الله وسلامه عليه , واشتد حقده وحقد زوجته أم جميل عليه , وعلى المسلمين معه .
فأمرا ابنهما ( عتبة ) بأن يطلق زوجته رقية بنت محمد عليه الصلاة والسلام فطلقها نكاية (أى إغاظة له وقهرا ) بأبيها ما كاد عثمان بن عفان رضوان الله عليه يسمع بخبر طلاق رقية حتى استطار فرحا وبادر فخطبها من رسول الله عليه الصلاة والسلام فزوجها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منه .
وزفتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد وقد كان عثمان من أبهى قريش طلعة , وكانت هى تضاهيه قسامة وصباحة , فكان يقال لها حين زفت إليه أحسن زوجين رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان .
لم يسلم عثمان بن عفان على الرغم من سابق فضله ، وسابغ معروفه من أذى قومه حين أسلم فلقد عز على عمه (الحكم ) أن يصبأ (أى أن يترك دين) فتى بنى (عبد شمس ) عن دين قريش .
وكبر عليه ذلك فتصدى له هو وأتباعه أعنف التصدى وأقساه وأخذه ، وشد عليه الوثاق وقال : أو ترغب عن ملة آبائك وأجدادك ، وتدخل فى دين محدث ؟! والله لا أدعك حتى تنبذ ما أنت عليه فقال عثمان : والله لا أدع دينى أبدا ، ولا أفارق نبيى ما امتدت بى الحياة .
فما زال عمه الحكم ينكل به وما زال هو يشتد صلابة فى دينه ، واستمساكا بعقيدته حتى يئس عمه منه ، وأطلق سراحه ، وكف عنه لكن قريش ظلت تضمر له العداء ، وتلحق به الأذى حتى حملته على الفرار بدينه ومفارقة نبيه عليه الصلاة والسلام .
فكان أول المسلمين هجرة إلى (الحبشة ) هو وزوجه رقية رضوان الله عليهما ولما أزف رحيلهما رحيلهما ودعهما الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهو يقول: (صحب الله عثمان وزوجه رقية صحب الله عثمان وزوجه رقية إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد نبى الله لوط .
لم يطل عثمان وزوجه المكث فى ( الحبشة ) كما فعل غيرهما من المهاجرين ، فقد اشتد به وبرقية الشوق إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، والحنين إلى مكة فعاد إليها ولبث فيها إلى أن أذن الله لنبيه والمؤمنين بالهجرة إلى المدينة ، فانطلقا مع المهاجرين .
شهد عثمان بن عفان مع الرسول عليه الصلاة والسلام مشاهده كلها , وحضر معه غزواته جميعها ولم يحرم من غزوة غير غزوة ( بدر ) فقد شغل عنها بتمريض زوجته رقية رضوان الله عليها .
ولما عاد الرسول الكريم من ( بدر ) وجد رقية قد لحقت بجوار ربها فحزن عليها أشد الحزن وواسى عثمان بن عفان على مصابه بها أكرم المواساة ، فعده من أهل ( بدر ) وأسهم له فى غنيمتها ، وزوجه من ابنته الثانية أم كلثوم فدعاه الناس (ذا النورين) .
وكان زواجه الثانى من ابنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، منقبة لم يظفر بها زوج سواه ذلك أن تاريخ النبوات لم يعرف أحدا أصهر إلى نبى مرتين سوى عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه ولقد كان إسلام عثمان رضوان الله عليه من أعظم النعم التى أنعم الله بها على المسلمين وأجزل الخير الذى أمد الله به الإسلام .
فما مس المسلمين من ضر إلا كان عثمان أول من واساهم فيه ولا نزل بالإسلام خطب إلا كان ابن عفان طليعة كاشفيه ( أى أول من يكشف هذه المصيبة ) من ذلك لما عزم الرسول عليه الصلاة والسلام على غزوة ( تبوك ) كانت حاجنه لا تقل عن حاجته إلى الرجال .
فجيش الروم كثير العدد ، وافر العدة وهو يقاتل على أرضه أما المسلمون فكانت رحلتهم طويلة ومئونتهم قليلة ورواحلهم أقل وكانوا يعانون من جدب قلما أصيبت جزيرة العرب بمثله فاضطر الرسول صلوات الله وسلامه عليه إلى رد نفر كبير منهم عن الجهاد وحرمانهم من الاستشهاد لأنهم لا يملكون راحلة تحملهم فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع.
عند ذلك صعد النبى الرسول عليه الصلاة والسلام المنبر ، وحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهله ثم طفق يحض المسلمين على البذل ويمنيهم بعظيم الأجر .
فوقف عثمان بن عفان وقال : على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها يا رسول الله فنزل الرسول صلوات الله وسلامه عليه عن المنبر درجة غير أنه وقف يحض الناس على البذل من جديد ، فنهض عثمان بن عفان ثانية وقال : على مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها يا رسول الله فتهلل وجه الرسول الكريم سرورا ونزل على المنبر درجة ثم ما لبث أن وقف وجعل يحض الناس على البذل كرة أخرى .
فنهض عثمان بن عفان ثالثة وقال : على مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها يا رسول الله عند ذلك أخذ الرسول عليه الصلاة والسلام يشير بيده الكريمة رضا عما صنع عثمان بن عفان ، ويقول : ( ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ) .
ثم إن الرسول صلوات الله وسلامه عليه ما كاد ينزل عن منبره حتى انطلق عثمان بن عفان إلى بيته وبعث إليه مع النوق ألف دينار ذهبا فلما صب الدنانير فى حجر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم جعل يقلبها بيده الطاهرتين ظهرا لبطن وبطنا لظهر وهو يقول : ( غفر الله لك يا عثمان ما أسررت ، وما أعلنت وما كان منك ، وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ) .
وفى خلافة الفاروق رضوان الله عليه ، أصابت الناس سنة مجدبة أهلكت الزرع والضرع حتى دعى عامها لشدة قحطه بعام الرمادة ثم إن الكرب ما فتىْ يشتد على الناس حتى بلغت الأرواح الحناجر .
فأقبلوا ذات صباح على عمر وقالوا: يا خليفة رسول الله ، إن السماء لم تمطر وإن الأرض لم تنبت أشفى الناس على الهلاك ( أى قاربوا على الهلاك ) فما نصنع ؟! فنظر إليهم عمر بوجه عصره الهم عصرا وقال: اصبروا ، واحتسبوا فإنى أرجو ألا تمسوا حتى يفرج الله عنكم .
فلما كان آخر النهار وردت الأخبار بأن عيرا لعثمان بن عفان جائت من الشام ، وأنها ستصل المدينة عند الصباح فما إن قضيت صلاة الفجر حتى هب الناس يستقبلون العير جماعة إثر جماعة وانطلق التجار يتلقونها ، فإذا هى ألف عير قد وثقت برا وزيتا وزبيبا .
أناخت العير بباب عثمان بن عفان رضوان الله عليه ، وطفق الغلمان ينزلون عنها أحمالها فدخل التجار على عثمان وقالوا : بعنا ما وصل إليك يا أبا عمرو فقال حبا وكرامة ولكن كم تربحوننى على شرائى ؟
فقالوا : نعطيك بالدرهم درهمين فقال :أعطيت أكثر من هذا فزادوا له فقال : أعطيت أكثر مما زدتموه فزادوا له فقال : أعطيت أكثر من هذا فقالوا : يا أبا عمرو ، ليس فى المدينة تجار غيرنا وما سبقنا إليك أحد .
فمن الذى أعطاك أكثر مما أعطينا ؟! فقال : إن الله أعطانى بكل درهم عشرة فهل عندكم زيادة ؟ قالوا : لا يا أبا عمرو فقال : إنى أشهد الله تعالى أنى جعلت ما حملت هذه العير صدقة على فقراء المسلمين لا أبتغى من أحد درهما ولا دينارا وإنما أبتغى ثواب الله ورضاه.
ولما آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان رضوان الله عليه فتح الله على يديه ( أرمينية ) و (القوقاز ) ونصر المسلمين وسودهم على( خراسان ) و ( كرمان ) و ( سجستان ) و( قبرس) وطرف غير قليل من إفريقية . ولقى الناس فى عهده من الثراء مالم يحظ به شعب على ظهر الأرض.
حدث الحسن البصرى رضى الله عنه عما نعم به الناس فى عهد ذى النورين من الرخاء وبلهنية العيش ( أى الرفاهية والرخاء ) وماغمروا به من الهناءة والطمأنينة وقال : رأيت منادى عثمان بن عفان رضى الله عنه ينادى قائلا: أيها الناس اغدوا على أعطياتكم فكان الناس يغدون عليها ويأخذونها وافية.
أيها الناس أقبلوا على أرزاقكم فكانوا يقبلون عليها فيعطونها غزيرة وفيرة ولقد سمعته والله أذناى وهو يقول اغدوا إلى كسوتكم. فكانوا يأخذون الحلل السابغة وكان يقول : هلموا على السمن والعسل أيضا .
ولا غرو فلقد كانت الأرزاق فى عهد عثمان دارة ( أى مستمرة ) وكان الخير كثيرا وذات البين سعيدة ( أى أحوال الناس مع بعضهم ) ولم يكن على ظهر الأرض مؤمن يخاف مؤمنا وإنما كان المسلم يألف المسلم ويواده وينصره .
لكن بعض الناس إذا شبعوا بطروا وإذا أنعم الله عليهم كفروا فعتب هؤلاء على عثمان أمورا لو فعلها غيره ما عتبوها عليه ولم يكتف هؤلاء بالعتب ولو أنهم اكتفوا به لهان الأمر .
فلقد ظل الشيطان ينفخ فى أرواحهم من روحه ويبث فى نفوسهم من شره حتى تألبت عليه طائفة كبيرة من أوباش الأمصار فحصروه فى داره نحوا من أربعين ليلة ومنعوا عنه الماء العذب وقد تناسى هؤلاء الظلمة الطغمة أنه هو الذى اشترى (بئر رومة) من ماله الخاص ليرتوى منه سكان المدينة المنورة وروادها ولم يكن لهم قبل ذلك ماء عذب يرتوون منه .
ثم إنه حالوا دونه ودون الصلاة فى مسجد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وقد تعامى هؤلاء عن أن ذا النورين هو الذى وسع ثانى الحرمين من خالص ماله ليتسع للمسلمين بعد أن ضاق بهم ذرعا .
ولما اشتد على عثمان الكرب وتفاقم عليه الشر نفر إلى حمايته نحو من سبعمائة من الصحابة وأبنائهم فيهم عبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن الزبير بن العوام والحسن والحسين ابنا على بن أبى طالب وأبو هريرة وغيرهم وغيرهم .
وفضل أن تزهق روحه على أن يقتتل المسلمون دونه على أن تراق دماء المسلمين دفاعا عنه فعزم على الذين نفروا إلى حمايته أن يتركوه لقضاء الله وقال لهم : أقسم على من لى عليه حق أن يكف يده وقال لأرقائه : من أغمد منكم سيفا فهو حر .
ولقد غفت عين خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظات قبيل مصرعه فرأى النبى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ومعه صاحباه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسمع الرسول يقول له ( أفطر عندنا يا عثمان ) , فأيقن عثمان أنه لاحق بربه مقبل على لقاء نبيه .
أصبح عثمان رضوان الله عليه صائما ودعا بسراويل طويلة فلبسها خشية أن تكشف عورته إذا قتله الأثمة السفاحون وفى يوم الجمعة لثمانى عشرة خلت من ذى الحجة قتل العباد الزهاد الصوام القوام جماع القرآن الكريم صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلحق بجوار ربه وهو ظمآن صائم وكتاب الله منشور بين يديه وحسب المسلمين عزاء أنه لم يكن فى قتلة عثمان رضوان الله ورحماته عليه صحابى ولا ولد صحابى إلا رجلا واحدا شارك البغاة الطغاة فى أول الأمر ثم استحيا , وارتدع .