الهجرة غير الشرعية هروب من الواقع أم تهريب للشباب أم تحقيق آمال؟
وهب الله امتنا العربية الكثير من الكنوز والموارد التي لم تنلها مجتمعة أمة غيرنا , فتنوعت بين الحضارية والثقافية والمادية , والدينية , والبشرية
وبالرغم من الطاقات البشرية الهائلة التي تحظى بها امتنا العربية , إلا أن هذه الطاقات أصبحت بفعل فاعل عالة علي المجتمع , ومشكلة تسبب الأرق لكل الأنظمة العربية , جمهورية كانت أو ملكية , ديمقراطية أو دكتاتورية , ولا ادري أنحاسب الأنظمة أم نحاسب الرعية من الضائعين التائهين علي طرقات الحياة
الغريب أن هذه الطاقات تنمو وتزدهر وتكون سببا في رقي دولا أخرى , تؤثر فيها أيما تأثير , ويكون لها فيها كلمة وحضورا .
راجعت الخبر المنشور في جريدة الأهرام القاهرية عدد الجمعة 30 ديسمبر 2005وحاولت أن أقيس مدي التغير الذي طرأ علي أيدلوجية العمل التي تدعو إلى تفعيل دور الشباب في المجتمع , و إعطاء البحث العلمي فرصة لاٍحياء حضارة تعفنت وسارت في طريق اللاعوده .
وبرغم قناعتي انه لا جدوى من تلك الأطروحات , مادامت قد بنيت علي تجنب رأي أصحاب المشكلة, إلا أن ضمير الكاتب قد أغراني بأنه قد يكون هناك تغيرا ولو شبه ملموس.
يقول الخبر وهو من إحصائيات الجهاز المركزي للمحاسبات نقلا عن الدكتور احمد فؤاد باشا نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق , أن الكفاءات المصرية المهاجرة إلى دول العالم المختلفة تخطت حاجز 650 ألف مبدع وخبير مصري في شتى المجالات الإبداعية , ففي أمريكا 318 ألفا , وفي كندا 110 ألفا , وفي استراليا 70 ألفا , و35 ألفا في بريطانيا , و 36 ألفا في إيطاليا و 12 ألفا في أسبانيا , و 60 ألفا في اليونان وبلغ نسبة ما ينفق الإنفاق العربي علي الأبحاث العلمية والتطوير 0,02% وهي نسبة مروعة بكل المقاييس توضح مدي الإهمال في أهم المجالات التي هي شرط لبناء أي حضارة
وفي الوقت الذي في مصر وحدها حسب كلام د.محمد السيد السعيد للأهرام ويكلي : 150 ألف أكاديمي يحمل معظمهم الدكتوراه و لكن القليل منهم يعمل بالبحث العلمي. و المؤسسات البحثية الضخمة داخل و خارج الجامعات باٍستثنائات نادرة لا تنتج شيئا و هذا يفسر المستوى المتدني للتقدير العالمي للبحث في مصر.
ثم نفاجأ بدراسات وبحوث أخرى تسال لماذا تهاجر العقول العربية؟؟!!!
قمة الاستهتار أن تتحدث الدولة عن هجرة العقول وضياع المهارات والخبرات دون أن تسأل أصحاب المشكلة الأصليين عن سبب هجرتهم وتركهم لبلدانهم , ولم تسأل عن ما إذا كانت قد قدمت لهم ما يجعلهم يعدلون عن التفكير في الهجرة , من رفع للمهارات, وتدريب جيد , واستيعاب للابتكارات والأفكار , والاختراعات والمواهب الشابة , فضلا عن التمويل والرعاية ولن اسرد أمثلة لشباب غربيين استوعبتهم دولهم فاصبحوا علامات مشرفة لأنها الأمثلة كثيرة ومتنوعة
وبمقارنة بسيطة بين صفقات الكرة أو أجور الفنانين ننجد أن اجر عادل إمام عن فيلم يقوم ببطولته , واجر عمرو دياب عن البوم يغنيه تعادل نسبة الإنفاق علي البحث العلمي في دولة عربية ونسأل أنفسنا بعدها لم يهرب المبدعون , اخذوا من الغرب أسوا ما فيه , فهناك اللاعب بالملايين نعم , لكن كم تنفق هذه الدول علي البحوث العلمية والمبدعين الآخرين في شتى المجالات؟
ولن أقارن بين الدول العربية وأوروبا أو أمريكا , لأن الفارق شاسع سواء في مصادر التمويل التي تتعدد أو نسبته التي تتخطي نسيتنا مئات المرات
وعلي طريقة حزبي السعديين والدستوريين في بدايات القرن العشرين انتهكت كرامة الخبرات العربية , فأقعدت في سن العطاء , و أتحفت مع المومياوات الفرعونية بلا جنازة أو عزاء ترك بعضهم الكتابة أو البحث ليعمل بائعا في أحد الأكشاك , أو المقاهي فأنا شخصيا كان لي صديق في الدراسات العليا في مرحلة الدكتوراه يعمل في مقهى في الوقت الذي تتعدد فيه وظائف الكبار
وقد كان التعدد في الوظائف والعضويان السمة الرئيسية لبدايات القرن العشرين التي قامت ثورة يوليو لإنهاء فسادها , وتحرير المصرين منها , و ها هي تعود من جديد فاحمد باشا ماهر كان رئيسا لمصانع نسيج القاهرة , ودكتور حسين هيكل رئيس الدستوريين رئيسا لمجس إدارة شركة حديد الدلتا ثم سيكو ثم نسيج الفيوم
والدكتور احمد عفيفي رئيس الديوان الملكي عضوا في مجلس إدارة 41 شركة , واحمد عبود عضوا في مجلس إدارة 26 شركة
و ها نحن نعود بالزمن إلى الوراء, فكثير من الشخصيات المعروفة تعيد نفس المشكلة التي جعلت الكوادر والخبرات تهرب , وتتفاخر بهذا , واحد أعضاء مجلس الشعب وصل عدد عضوياته في مجالس الإدارات والاتحادات الوطنية والقومية والقارية 36 عضوية , تتنوع بين أستاذية في إحدى الجامعات وعضوية مجلس إدارة إحدى مراكز الشباب وطبعا بلا عطاء ملموس في أيها وهو مثالا صغير علي مدي الفساد المستشري
ناهيك عن المد المتواصل لسن التقاعد لبعض من لهم صلات بالأنظمة في تحد لحقوق الآخرين و منع أو إقعاد من يخالفون الأنظمة لا لشيء إلا لمجرد الخلاف الفكري , و نسال أنفسنا بعدها لم تهرب الكفاءات والخبرات , لهذه الأسباب تهرب