شرح كتاب الصيام من عمدة الأحكام لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز _ رحمه اللـه
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصيام
1_ عَنْ أَبي هُرَيرَةَ قال : قَالَ رَسولُ الله (( لا تَقَدَّموا رَمَضَانَ بِصَومِ يَومٍ وَلا يَومينِ ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صَوْماً فَلْيَصُمْهُ )) متفق عليه .
_: الشرح :_
قوله ( كتاب الصيام ) : الصيام لغة هو الإمساك عن الكلام ومنه قوله _ جل وعلا _ عن مريم (( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا )) .
ومنه قول الشاعر :
خيل صيـام وخيل غير صائمة [تحت العجاج وأخرى تعلك اللَّجَمَا]
أما في الشرع : فهو إمساك بنية عن المفطرات في نهار الصيام .
يقال صيام إذا أمسك بنية الإمساك عن المفطرات في النهار سواء في نهار رمضان أو غيره يقال له صيام .
فالصيام شرعاً : هو الإمساك بنية التقرب بترك ما حرم الله على الصائم من المفطرات من أكل وشرب وجماع ونحو ذلك .
والصيام قسمان :
1_ فرض .
2_ ونفل .
• الفرض: هو صيام رمضان وهو أحد أركان الإسلام الخمسة وهو الرابع من أركان الإسلام الخمسة .
وهو شهر واحد في السنة فرضه الله على المكلفين من الرجال والنساء .
ويلحق في ذلك صوم الكفارات الفرض ككفارة الظهار وكفارة الوطء في رمضان وكفارة القتل هذا فرض هذا ما شرعه الله مفروض ،كفارة القتل إذا عجز عن العتق ، ومثل هذا كفارة القتل إذا عجز عن العتق ، وكفارة الوطء في رمضان إذا عجز عن العتق يكون عليه الصيام إن استطاع .
ومن الفرض أيضاً النذور إذا نذر مثل لله علي أن أصوم كذا أصوم يوم الاثنين أو صوم يوم الخميس أو يوم كذا .
• ويكون نفلاً مثل صوم يوم الاثنين أو الخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصيام ست من شوال وصيام يوم وإفطار يوم هذا يسمى صوم تطوع .
لا يجوز للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم أو يومين على سبيل الاحتياط يخشون أن يفوته شيء ، ليس له ذلك بل عليهم أن يتحروا دخول الشهر بظهوره أو بإكمال شعبان وليس لهم التقدم على رمضان كما فعلت النصارى وغيرهم ، لا ، الواجب التقيد بالشرع .
أما إن صار يوم الشك ( فلا يصوم المسلمون قبله ) بل على (المسلم) التحري فيصام برؤيته ويفطر برؤيته .
فإن غُمَّ الهلال وجب إكمال شعبان عدته ثلاثين يوماً ثم يصوم المسلمون .
ولا يجوز التحري في ذلك وصوم يوم الشك بل لابد من إكمال العدة إن لم يرى الهلال .
فإن رأي الهلال لثلاثين من شعبان صام الناس صام الناس ، وإن لم يرى أكملوا شعبان ثلاثين هذا هو الراجح .
عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قال : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) وهذا أبلغ في التحذير ، وأنه بعد النصف من شعبان لا يمكن الصيام للتطوع أما إذا صام اكثر شعبان فلا بأس وكان النبي _ عليه الصلاة والسلام _ يصوم أكثره .
2_ عَن ابنِ عُمَر قال : سمَعْتُ رَسُولَ اللهِ يقول : (( إِذَا رَأَيتُمُوهُ فَصُوموا وَإِذا رَأَيتُموهُ فَأَفطِروا فَإِن غُمَّ عَلَيْكُم فَاقدُروا لَهُ )) . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعنى هذا الكلام أن الواجب أن يصوموا لرؤية الهلال وأن يفطروا لرؤية الهلال .
وليس لهم الصوم بالحساب ولا بالاحتياط ، لا ، لابد من الرؤية أو إكمال العدة ولهذا قال : (( فإن غم عليكم فأكملوا العدة )) ثلاثين ، وفي رواية أخرى (( فأكملوا عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً )) وفي لفظ آخر (( فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين )) (( فعدوا ثلاثين )) والمعنى واحد .
إذا غم هلال شعبان يكمل رجب ثلاثين يوماً ، إذا غم هلال رمضان يكمل شعبان ثلاثين يوماً فالشهر إما تسعة وعشرون وإما ثلاثون .
فإن رؤيا الهلال للثلاثين من شعبان صام الناس أو رؤيا الهلال للثلاثين من رمضان أفطر الناس فإن لم يرى كملوا شعبان ثلاثين وصاموا وكملوا رمضان ثلاثين وصاموا .
والأحاديث في هذا كثيرة تدل على وجوب اعتماد الرؤية ولا يجوز الاعتماد على الحساب ولا الصوم بجرد التحري والظن بل لا بد من الرؤية أو إكمال الرؤية هكذا شرع الله _ عز وجل _ .
وقد أجمع علماء الإسلام على أنه لا يعتبر الحساب في الصيام .
3_ عَن أَنِسٍ قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (( تَسَحَّروا فَإِنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةٌ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
( السحور) ما يأكل في آخر الليل يقال له سحور .
( السحور ) بالضم الفعل من التَّسَحٌّر والأكل وبالفتح هو الطعام الذي يأكل يقال له سحور ، مثل الوُضُوء والطُّهُور الفعل ، والوَضُوء والطَّهُور_بالفتح_ الماء المعد للطهارة .
والسحور مشروع للمسلمين أن يتسحروا حتى يتقووا به على طاعة الله .
و قد كان النبي يتسحر كما قال أنس : (( تسحرنا مع النبي _ صلى الله عليه وسلم_ في رمضان فقيل كم كان بين الأذان والسحور؟ قال قدر خمسين آية )
يعني كان سحوره _ صلى الله عليه وسلم _ متأخر في آخر الليل وهذا هو السنة تأخير السحور حتى يكون أقوى للصائم على طاعة الله فيكون السحور قرب الأذان ، يتسحر قبل الأذان بقليل ولهذا قال أنس لما سئل كم بين السحور والأذان قال : (( كان بين السحور الأذان قدر خمسين آية )) . خمسون آية بتلاوة متأنية مرتلة نحو خمس أو سبع دقائق إلى عشر دقائق .
والحاصل أن من السنة تأخير السحور ، وفي حديث علي (( لا يزال متي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور )) وفي الصحيح عن النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ قال : (( فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر )) فالأكل في السحر فيه إقامة السنة ومخالفة أهل الكتاب .
فالمسلمون يشرع لهم السحور في آخر الليل لا في وسط الليل كما يفعل بعض الناس بل السنة أن يتسحر في آخر الليل تأسياً بالنبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ صياماً وعملاً بسنته وهذا للنفل والفرض جميعاً .
**********
5_ عَن عَائِشَةَ وَ أُمِّ سَلَمَةَ _ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا _ (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ _ صلى الله عليه وسلم _ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهوَ جُنُبٌ مِن أَهلِهِ . ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصوم )).
6_ وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه : أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال: (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )) .
7_ عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : (( بينما نحن جلوس عند النبي _ صلى الله عليه وسلم _ إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت . فقال (( وما أهلكك ؟ أو مالك ؟)) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم وفي رواية أصبت أهلي في رمضان .
فقال رسول الله _ صلى الله علي وعلى آله وسلم _ (( هل تجد رقبة تعتقها ؟ )) قال لا .
قال (( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ )) قال : لا .
قال : (( فهل تجد إطعام ستين مسكينا )) قال : لا.
فبينما نحن على ذلك إذا أتي النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بعرق فيه تمر ) والعرق : المكتل .
قال : أين السائل )) ؟ قال : أنا . قال (( خذ هذا فتصدق به )) .
قال على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها _ يريد الحرتين _ أهل بيت أفقر من أهل بيتي .
فضحك النبي _ صلى الله عليه وعلى آله سلم _ حتى بدت أنيابه ، ثم قال : (( أطعمه أهلك )) .
الحرة : الأرض تركبها حجارة سود .
_: الشرح :_
حديث عائشة وما جاء في معناه كحديث أم سلمة _ر ضي الله عنهما _ يدلان على أنه لا حرج على من أصبح جنباً أن يغتسل بعد الصبح ويصوم ، وأن المحرم إنما هو الجماع ، إذا جامع في الليل أو في آخر الليل وأخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر فلا حرج في ذلك ، وقد النبي __ عليه الصلاة والسلام _ يصبح جنباً ثم يغتسل ويصوم _عليه الصلاة والسلام _ وفي رواية أم سلمة (( ولا يقضي )) فدل ذلك على أنه لا مانع من تأخير الغسل قد يحتاج إلى الشغل في السحور وغير ذلك و إذا أخر الغسل فلا بأس . يغتسل ولو بعد طلوع الفجر وصومه صحيح وليس عليه قضاء .
المحرم الجماع بعد طلوع الفجر أما كونه يؤجل الغسل .
وهكذا الحائض إذا طهرت آخر الليل وصامت واشتغلت بالسحور وأخرت الغسل إلى بعد طلوع الفجر فلا حرج في ذلك ، تأخير الغسل لا يضر لا من الحائض ولا من النفساء ولا من الجنب لكن عليهم المبادرة بالغسل حتى يصلوا الصلاة في وقتها على الحائض وعلى النفساء أن تبادر بالغسل بعد طلوع الفجر إذا رأت الطهارة في آخر الليل تصوم شهر رمضان وتغتسل قبل طلوع الشمس وهكذا الرجل الجنب عليه أن يغتسل ويبادر حتى يصلي مع الجماعة ولا يضره تأخيره إلى ما بعد الأذان أذان الفجر .
والحديث الثاني حديث أبي هريرة _ رضي الله عنه _ (( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )) .
هذا من فضل الله _ عز وجل _ الإنسان يعتريه النسيان كما قال النبي _ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَعَلى آلهِ وَسَلَّمَ _(( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون )) فالبشر من طبيعته النسيان فإذا نسي وهو صائم في رمضان أو في كفارة فأكل أو شرب أو تعاطى مفطراً آخر نسياناً فصومه صحيح لهذا الحديث الصحيح وفي رواية أخرى عند الحاكم (( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة )) فلو جامع ناسياً أو أكل ناسياً أو شرب ناسياً فإن صومه صحيح ولا كفارة عليه ولا فطر عليه ولا قضاء عليه إذا كان ناسياً والله أعلم بالحقائق فالله يعلم الحقيقة والله يعامله على ما هو عليه من صدق أو كذب لكن إذا كان الإنسان صادقاً أنه ناسي فلا قضاء عليه صومه صحيح .
أما ن كان يكذب فهذا أمره إلى الله لا تنفعه الفتيا ولو أفتاه ألف مفتي إذا كاذباً فعليه إثم ما فعل _ والعياذ بالله _ لكن مادام صادقاً أنه ناسي فإن صومه صحيح .
والإنسان يبتلى بالنسيان _ وهو معذور _ حتى في الصلاة التي هي أعظم من الصيام قد ينسى ويسلم عن نقص وقد يترك بعض الأركان فيعمل ما شرعه الله في الصلاة إذا نسي ركعة أتى بركعة أخرى وكمل صلاته بسجود السهو .
وإذا سلم ونسي ركن أتا به .
وإذا نسى واجباً سقط عنه (..؟..) .
وهكذا في الصوم الأمر ليس باختيار الإنسان ولكنه مخلوق على هذه الصفة ينسى ، وقد نسي النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وهو أفضل الخلق وسهى في الصلاة _ عليه الصلاة والسلام _ فهكذا بنوا آدم كلهم ابتلاهم بالنسيان في الصلاة وغيرها .
وقد بين الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ أحكام النسيان في الصلاة وهكذا في الصوم أخبر النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أخبر أنه لا يضره أكله وشربه ناسياً وهكذا الجماع وهكذا الحجامة وكل ما مر من المفطرات إذا فعلها ناسياً ولم ينتبه إلا بعد ذلك فصومه صحيح .
وهكذا لو جامع عامداً فعليه كفارة ولهذا لما جاءه الرجل وقال هلكت فقال (( وما أهلكك ؟ أو مالك ؟)) قال وقعت على امرأتي وأنا صائم )) يعني وقعت عليها عمداً حمله الهوى والشيطان حتى وقع عليها فأخبر النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن عليه كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة فإن عجز صام شهرين متتابعين فإن عجز أطعم ستين مسكيناً كالظهار كالذي ظاهر من امرأته يحرمها هذه الكفارة المرتبة العتق ثم الصيام ثن الطعام حسب طاقته إن استطاع العتق وجب عليه العتق عتق رقبة مؤمنة ذكراً أو أنثى ، فإن لم يستطع صام شهرين متتابعين وهي مثله إذا كانت مطاوعة مثله عليها كفارة أما إذا كانت مقهورة بالقوة فليس لها اختيار وليس لها قدرة فهي معذورة ، فإن عجز أطعم ستين مسكيناً .
وفي هذا الحديث أن هذا الرجل قال له النبي _ صلى الله عليه وسلم _ (( هل تجد رقبة تعتقها ؟ )) قال لا .
قال (( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ )) قال : لا .
قال : (( فهل تجد إطعام ستين مسكينا )) قال : لا. )) فجلس وسكت النبي _ صلى الله ليه وعلى آله وسلم _ ثم جيء النبي _ صلى الله عليه وسلم _ يعرق من تمر فدفعه له فقال أطعم بهذا تصدق بهذا .
فقال له يا رسول الله والله ما بين لابتيها _ يعني المدينة _ أهل بيت أفقر من أهل بيتي ._ يعني إنا أولى بهذا الطعام من الفقراء .
فضحك النبي _ صلى الله عليه وعلى آله سلم _ _ من عجب أمره ، يستفتي عن كفارته ثم طمع فيها لنفسه لحاجته _ ثم قال : (( أطعمه أهلك )) .
وهذا يدل على أن الإنسان مصدق في عجزه لأنه أعلم بنفسه قال [أنه] ما يستطيع الصوم ما يستطيع العتق ما يستطيع الإطعام فهو اعلم بنفسه فالله يحاسبه على ما كذب فيه.
ويدل على أنه إذا عجز عن لإطعام أو الصيام أو العتق في (..؟..) يسقط عنه لأن الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ ما قال له إذا قدمت أو إذا أيسرت فكفر بل قال (( اذهب فأطعمه أهل )) وسكت عنه فدل على سقوط وأنه إذا عجز عن هذه الكفارة سقت عنه رحمة من الله .
أما في الظهار فلا تسقط عنه بل تبقى في ذمته حتى يستطيع واحدة من الثلاثة :
العتق أو الصيام أو الإطعام حسب التيسير .
أما في هذا فقد بين _ صلى الله عليه وسلم _ أنه لا تلزمه لأنه قال : (( أطعمه أهلك )) وأهل الإنسان ما هم مصرف للكفارة فدل على سقوطها عنه للعجز هذا والله أعلم .
**********
باب السفر في الصوم وغيره
8_ عن عائشة _ رضي الله عنها _ : أن حمزة بن عمرو الأسلمي ، قال للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ : أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام قال : (( إن شئت فصم ، وإن شئت فأطر )) .
9_ عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ قال : ( كنا نسافر مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ) .
10_ عن أبي الدرداء _ رضي الله عنه _ قال : خرجنا مع رسول _ صلى الله عليه وسلم _ في شهر رمضان في حر شديد ، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وعد الله بن رواحة .
11_ عن جابر _ رضي الله عنه قال : كان رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في سفر ، فرأى زحاماً ، ورجلاً قد ظلل عليه ، فقال : (( ما هذا ؟)) قالوا : صائم . قال : (( ليس من البر الصيام في السفر )) .
وفي لفظ لمسلم : (( عليكم برخصة الله التي رخص لكم )) .
_: الشرح :_
هذه الأحاديث الأربعة تتعلق بالصوم في السفر.
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ كما دل القرآن على أنه لا حرج في الصوم في السفر ولا حرج في الإفطار وأنه رخصة من الله _ عز وجل _ كما قال _عز وجل _ ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يعني إذا أفطر فعليه عدة من أيام أخر فالمسافر مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر ، إلا إذا كان في الصوم شدة وحرج فالسنة له الإفطار ويكره له الصوم لما فيه من المشقة لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ (( ليس من البر الصيام في السفر )) ليس من البر الكامل (( الصوم في السفر )) وذلك لما رجل قد ظلل عليه واشتد عليه الزحام بسبب ما أصلبه من الشدة كره له الصوم _ عليه الصلاة والصيام _ قال : ( ليس من البر ) يعني من البر الكامل ( الصوم في السفر ) أو ( ليس من البر الصوم في السفر ) إذا كان فيه مشقة جمعاً بين الأحاديث الصحيحة عن رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ ولهذا في الحديث الأول حديث حمزة بن عمرو الأسلمي قال له _ صلى الله عليه وسلم _ (( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر )) وفي لفظ آخر (( الفطر هو رخصة من الله فمن أخذ بها فهو حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح إليه )) .
وفي حديث أنس أنهم كانوا يسافرون مع النبي _ صلى الله عليه وسلم _ فم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم )) وكان معهم النبي _ صلى الله عليه وسلم _ ربما أفطر وربما صام _ عليه الصلاة والسلام _ .
وفي حديث أبي الدرداء أنهم كانوا مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ في شدة الحر وكانوا مفطرين ليس فيهم من هو صائم إلا الرسول _ صلى الله عليه وسلم _ وعبدالله بن رواحة وكان السفر شديداً ) وهذا لعله كان أولاً قبل أن يأتي الوحي بكراهة الصوم في حالة الشدة .
يحمل حديث أبي الدرداء أن هذا كان أولاً ثم أنزل الله التخفيف والتيسير والحث على الإفطار في السفر إذا كان فيه شدة في حديث جابر ، وهذا هو الجمع بين الأخبار إن كان فيه شدة كره الصوم وشرع الإفطار بتأكد لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ (( ليس من البر الصوم في السفر )) يعني ليس من البر الدائم الصوم في السفر .
أو ( ليس من البر الصوم في السفر ) إذا كان الوقت شديدة الحرارة ويشق على المؤمن .
أما إذا كان الوقت ليس فيه شدة فله الخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر والفطر أفضل في كل حال لعموم قوله _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _: (( ليس من البر الصوم في السفر )) فالفطر أفضل لما فيه من قبول النصح قال _ عليه الصلاة والسلام_ : (( إن الله يحب أن تأتى رخصه )) وقال في حديث حمزة بن عمر في رواية مسلم : (( هو رخصة من الله فمن أخذ بها فهو حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه )) فدل على أن الصوم ليس فيه جناح والفطر أفضل .
ولأن الغالب على المسافر أنه يتأثر بالصوم ويشق عليه حتى ولو كان في غير شدة الحر فإذا أفطر فهو أفطر وإن صام فلا حرج عليه .
أما مع الشدة ومع شدة الحر والتكلف فإنه يشرع له الفطر ويتأكد عليه وفق الله الجميع _ وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
**********
13_ عن أنس بن مالك _ رضي الله عنه _ قال : كنا مع رسول الله _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، فمنا الصائم ومنا المفطر .
قال : فنزلنا منزلاً في يوم حار وأكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء ومنا من يتقي الشمس بيده .
قال : فسقط الصُّوَّمُ وقام المفطرون ن فضربوا البنية وسقوا الرِّكَاب .
فقال: رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ : (( ذهب المفطرون اليوم بالأجر )) .
14_ عن عائشة _ رضي الله عنها _ قالت : ( كان يكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) .
15_ عن عائشة _ رضي الله عنها : أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ قال : (( من مات وعليه صوم صام عنه وليه )) .
وأخرجه أبو داود وقال : هذا في النذر خاصة ، وهو قول احمد بن حنبل.
_ :الشرح :_