الحمد لله وحده .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ..
سيد الأولين والآخرين .. وعلى آله وصحبه أجمعين .. إلى يوم الدين.
المثابرة و أهميتها في المجتمع
نعني بالمثابرة، أن لا يكتفي الانسان بالعمل الروتيني المتعارف عليه، ونقصد هنا العمل اليومي الوظيفي او سواه، وأن لا يبقى الانسان أسيرا للاحلام التي لا تتحول الى حقائق ملموسة، فالمثابرة تعني فيما تعنيه، مضاعفة العمل الى اقصى حد ممكن، حتى تتحقق النتائج المأمولة بأسرع ما يمكن، مع مراعاة اشتراطات الدقة، فلا فائدة بقيمة المثابرة في انجاز الاعمال المخطط لها، ما لم يرافق ذلك دقة في الانتاج، واذا كانت المثابرة سببا في سرعة الانتاج من دون الدقة، فلا حاجة لنا بها، لأنها في هذه الحالة ستكون سببا في تراجع الدولة والمجتمع.
قيمة المثابرة أثبتت قدرتها على مساعدة الافراد والشعوب، في الانتقال من وضع أسوأ الى وضع أفضل، في جميع المجالات، علما أن الجهد الفردي في هذا المجال، اذا اصبح شائعا بين افراد المجتمع، فإنه نتيجة لحالة التراكم، سوف يصبح حالة معتادة لدى الجميع، وبالتالي سوف تدخل هذه القيمة ضمن منظومة السلوك المجتمعي، فكرا وتطبيقا، وبهذا تصبح قيمة المثابرة، إحدى القيم المهمة التي تُسهم في تطوير المجتمع والارتقاء به الى مراتب أفضل وأعلى.
ما نلاحظه في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، هناك اداء عملي روتيني، يقوم به الملايين بصورة يومية، كالدوام في الدوائر الرسمية وحتى الاهلية، معامل ومصانع ومنشآت القطاع العام، كذلك نشاهد ذهاب ملايين الطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم، نرى ايضا انخراط الملايين في اداء الاعمال الخدمية وما شابه، ولكن ما نلاحظه ايضا، غياب او ضعف قيمة المثابرة عن هذه الانشطة العملية المتنوعة، ولنفكر قليلا بالنتائج التالية:
لوكان العامل الماهر مثابرا في عمله، كيف سيكون الانتاج؟، ولو كان الفلاح والعامل كذلك كيف سيكون الانتاج، ولو كان الطالب والتدريسي مثابريْن في عملهما، ما هو نوع النتائج المرتقبة؟، وينطبق هذا على جميع انشطة الافراد والمجتمع ككل، ودعونا نتخيّل، أن الجميع مثابرون في اعمالهم المذكورة سابقا، فما هي النتائج المتوقَّعة، إننا حتما سنكون مجتمعا متقدما في دولة قوية متطورة.
قد تخضع المثابرة الى مزاج فردي، أو طبيعة فردية، بمعنى اوضح ربما نجد فردا تدخل المثابرة ضمن شخصيته وطبيعته الفكرية والعملية، وقد نجد فردا آخر يفتقر لهذه القيمة ولا تشكل شيئا مهما في طبيعته الشخصية فكرا وسلوكا، ولعلنا سنلاحظ بسهولة ذلك الفارق الكبير بين نجاح وفشل الفردين المذكوريْن، ولكن في جميع الاحوال، لابد لنا (لاسيما الجهات الحكومية والاهلية المعنية)، من تطوير آلية عملية دقيقة ومناسبة، من اجل بث روح المثابرة لدى جميع افراد المجتمع.
بغض النظر عن المراحل العمرية المتعددة، أي من دون تمييز بين فرد وآخر على اساس العمر او سواه، والعمل على نشر هذه القيمة المتقدمة في منظومة السلوك الجمعي، عبر التدريب والحض، وكذلك من خلال وضع الضوابط والمكافآت، ضمن تشريعات وقوانين وقرارات عامة، يخضع لها الجميع، من اجل تعميم الالتزام بهذه القيمة المتقدمة، وأن لا نكتفي أو نخضع للقول الذي يسند هذه القيمة الى طبيعة الانسان، فليس هناك انسان خامل بالفطرة.
بمعنى اكثر وضوحا، ليس هناك انسان غير مثابر، حتى اولئك الذين تحيط بهم حالات العجز، يمكن ان ترتقي بهم الجهات المعنية، الى أفراد يلتزمون بقيمة المثابرة في اعمالهم ومنتجهم أيا كان نوعه، على أن يتم تطبيق التشريعات اللازمة والمكافآت المناسبة، وسواها من عوامل مساعدة على استخدام قيمة المثابرة في وقتها ومحلها، من اجل الارتقاء بالفرد، وبالتالي الارتقاء بالمجتمع، بما يشتمل عليه من مكونات متعددة ومختلفة، ستصبح بمرور الوقت معتادة على قيمة المثابرة، وتواظب على ادخالها في الاعمال اليومية لها، من اجل تحقيق الانجاز الاسرع والأكثر دقة في الوقت نفسه.
وهكذا نستطيع ان ننظر الى قيمة المثابرة، كإحدى أهم قيم التقدم التي تسهم في بناء الفرد، ومن ثم المجتمع، ولاشك أن الادلة التي يقدمها لنا التاريخ البعيد والمنظور منه، في هذا المجال كثيرة، فضلا عن الراهن المعاش، وهي ادلة ملموسة، تكفي لاقناعنا بأهمية قيمة المثابرة، وقدرتها الكبيرة على بناء الفرد والدولة والمجتمع، بما يجعل هذا الكيان الثلاثي المتَّحد، قادرا على اللحاق بالركب العالمي المتطور بلا أدنى شك.
منقول