بحث عن المساواة في الإسلام - بحث علمى عن المساواة في الإسلام كامل بالتنسيق
1/ تعريفها : تعني المساواة :المماثلة و العدالة ، و المراد بها :المماثلة و المشابهة بين الشيئين في القدر و القيمة .فإذا قلنا :الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان ،إنما ذلك يعني أنه يكافئه في الرتبة ،و يعادله في القيمة الإنسانية ،و له من الحقوق مثل ما له ،و عليه من الواجبات مثل ما عليه.
2/ أهميتها : المساواة مبدأ هام في حياة البشر ،أقره الشرع ،و رضيه العقل ،و أملته سنة التمدن و الإجتماع ،و من أجل دفع التميز بين فرد و آخر للحصول على هذه الحاجة أو تلك المنفعة ،كان لا بد من وضع قاعدة مستقيمة ،تحفظ هذا الحق للجميع في ظروف متشابهة، فكانت المساواة أنسب قاعدة له ،إذ عن طريقها يمكن أن تضمن الحقوق البشرية كلها ،فضلا عن الحقوق التى يطلبها اثنان من الناس
3/ أنواعها : للمساواة في الاسلام أنواع كثيرة ،يمكن حصرها و تطبيقاتها في الآتي:
أ- المساواة في القيمة الإنسانية :
جاء الإسلام و وجد الناس يتفاضلون في الخلق و النشأة ،و يتميزون في الأحساب و الأنساب ،و يتقاتلون للحمية و العصبية ،ناسين أنهم من أصل واحد و مصدر واحد. فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب و أنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى ،التي أطلقوا عليها اسم ((البربر)).و أما الرومان فقد نصوا في كتبهم أن غير الرومان مجردون من جميع ما يتمتع به الرومان من حقوق، وأنه لم يخلق غيرهم إلا ليكون رقيقا للرومان. و أما اليهود فقد اعتقدوا أنهم شعب الله المختار ،و أن الكنعانيين –بقية الشعوب الأخرى –شعب و ضيع بحسب النشأة الأولى ،و أن الله خلقه لخدمتهم .و أما العرب فقد رأوا أنفسهم أنهم أكمل شعب على الأطلاق و أن بقية الشعوب –التي سموها الأعاجم –شعوب و ضيعة ناقصة الإنسانية. تلك هي الظاهرة الاجتماعية التي كان الناس يعانون منها، و يقاسمون آلامها، حيث فرقت البشر فرقتين ،فرقة الأشراف و فرقة العبيد.
المساواة في الإسلام : أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير ((المساواة بين الناس ))في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه ،فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط ،في أصل نشأتهم و تكوينهم ،و أنه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى ،و لا بين العربي و الأعجمي ،و لا بين الأبيض و الأسود ،و لا بين السيد و العبد ،و لا بين الغني و الفقير ،لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم ،و آدم من تراب .و عن هذا النوع من المساواة ،نوه القرآن الكريم فقال تعالى : ((و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة و أخرى،بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو ((الإنسانية ))فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى ،كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ،بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء و التحكم في الآخرين فقد قال تعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء)) و قال صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط) وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا ذر الغفاري –وهو عربي–يعتدي على بلال بن رباح –وهو حبشي– ويقول له :يا ابن السوداء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا و انتهر أبا ذر و قال : (طف الصاع طف الصاع ) ثم اتجه إلى أبي ذر و قال له : (انك امرؤ فيك جاهلية ،ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح ) فوضع أبو ذر خده على الأرض ،و أقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه ،و يكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية الأولى.
هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس ؟
التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة و التكوين ،بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره،أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني ،أو انحدارها من سلالة معينة، بل إن آدم –عيه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض –يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية. فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق و التكوين ،و إنما يقع فيما يملكه و يندرج تحت قدرته و طاقته ،كفعل الخيرات و ترك المنكرات ،فالإيمان بالله تعالى و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و نحوه من الأعمال الصالحة ،كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها ،و أداءها على أحسن وجه و لذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم و أدائه لها .قال الله تعالى
(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) و لهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى ، قال تعالى
(أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ))بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا )) كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء و الرسل ،فكان بعضهم أولى من بعض ،و أعلى درجة من بعض ،قال تعالى
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات ))فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم و انتمائهم الإنساني ،و لكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها ،فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة.
كيف تكون هناك مساواة و قد خلق الناس مختلفين أمة و شعبا ،و لغة و لونا ؟
نعم هذا الاختلاف موجود كونا ،و ليس بمرعي شرعا ، فهو اختلاف تصنيف و تنويع للدلالة على قدرة الخالق جل و علا ،الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ،و ليس اختلاف تفرق و عداء و لهذا و ردت الحكمة من هذا الاختلاف ،في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني و جد ليتم بين الناس التعاون و التآلف، و التآزر لمصلحة إنسانيتهم ،فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه و خالقه ،و منفعة نفسه و بني جنسه فتنمو الإنسانية و تسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب و قدرات إنمائية و حضارية و ثقافية.
ب-المساواة أمام الشريعة :
إن الله تعالى استقل بالخلق و التشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه و شرعه ،و قطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل و التميز عن غيرها ،و تذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه ،و من أنظمة الحياة ما تشتهيه ،سواء أضرها أم لا ، و لذلك اختص الله وحده بالتشريع ،كما اختص كذلك بالخلق و التكوين قال الله تعالى : ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)) وقال تعالى : ((و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهوائهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) و إنما اختص الله بالتشريع ،لأن التشريع يراد به إصابة الحق والعدل ،و عدم التحيز للهوى و الشهوات، والإنسان مهما وضع من نظم و قوانين ،فلا يمكنه إصابة الحق و العدل فيها على الدوام ، بل إن أصابه مرة ، أخطأه مرات ،لأنه تتحكم فيه الأهواء و النزعات ،و ينتابه النقص و القصور ،و لهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم ، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان ، أو تدخلت فيها أما كيف يتساوى الناس أمام الشريعة ، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس ،حكاما و محكومين ،رجالا و نساء ،فالأوامر كلها كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و نحوه ،يطالب الجميع بأدائها و القيام بها ،فيطالب الراعي بالصلاة و نحوها ، كما يطالب بها المرعى ،و كذلك النواهي كالسرقة و الزنا و القذف ،يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد ، و هذا معنى ((المساواة أمام الشريعة )).
ج - المساواة أمام القضاء
يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي ،فإذا كان الناس أمام التشريع سواء ،فهم عند تنفيذه كذلك سواء ،لا تفريق في ذلك بين القاضي و المقضي له ،و الحاكم و المحكوم ،و كل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك، و قد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ، فقد روت عائشة –رضي الله عنها –أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ،فقالوا :من يكلم فيها رسول الله ،و من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ،حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) ثم قام فخطب فقال : (أيها الناس ! إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله !لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة
أهل الذمة :هم المعاهدون من أهل الكتاب ،و من في حكمهم ،الذين يقيمون بدولة الإسلام ،و قد سموا بذلك ، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين ،فعقد الذمة، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام ، كما يمنحهم الأمان على دمائهم و أموالهم و أعراضهم ، أي حمايتهم من العدوان الخارجي ، أو التعدي الداخلي ،و عليهم في مقابل ذلك التزامات معينة. و لقد سوى الإسلام بين المسلمين و غيرهم ،في الحقوق العامة ،و قرر أن الذميين لهم في بلد المسلمين ما للمسلمين من حقوق ،و عليهم ما عليهم من الالتزامات ، سوى ما كان يتعلق منها بشئون الدين و العقيدة ،فلا توقع عليهم مثلا : الحدود الشرعية فيما لا يحرمونه ، و لا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم و هناك نصوص و وقائع كثيرة ،تدل على شرعية المساواة بين المسلمين و غيرهم .منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ،أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) ولقد خاصم يهودي عليا – رضي الله عنه – فحضر الخصمان فنادى عمر عليا بقوله
( قف يا أبا الحسن – ليقف بجانب اليهودي –فبدا الغضب على وجه علي –رضي الله عنه –فقال عمر رضي الله عنه: أكرهت أن نسوى بينك و بين خصمك في مجلس القضاء؟ فقال :لا ، و لكني كرهت منك أن عظمتني في الخطاب و ناديتني بكنيتي ))
و من مظاهر التسوية بين المسلمين و غيرهم ما يلي:
1/ المساواة في الانتفاع ببيت المال : فقد اتفق علماء المسلمين على أن للذمي حقا في بيت المال و أنه سواء مع المسلم في هذا الحق ،إذا صار شيخا كبيرا ،أو عاجزا عن الكسب و العمل و قد روي أبو عبيد عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تصدق على بيت من اليهود ثم أجريت عليهم الصدقة من بعد ) و كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه – الى عامله في البصرة –و هو عدي بن أرطاة –فقال: (وانظر من قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه ،و ضعفت قوته ،و ولت عنه المكاسب ،فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه )و بهذا كفل الإسلام كافة الحقوق الأساسية لرعايا الدولة الإسلامية ،دون تمييز ،فتعطي للذمي مثلما تعطي للمسلم.
2/ المساواة في التوظيف : يستطيع الذمي أن يتقلدالوظيفة في الدولة الإسلامية إذا كانت من وظائف السلطة التنفيذية، كالمحاسب العام أو المهندس الأعلى أو ناظر البريد، أو فوقه. ويستثنى من ذلك ، ما له صلة مباشرة بالعقيدة والدين ، فان هذا لا يتولاه غير المسلم لخطورته في حياة الدولة الإسلامية . وتولية أهل الذمة المناصب الحكومية الإسلامية ، دليل واضح على المساواة في الإسلام ، والتزام المسلمين بتطبيقها ، مما جعل كتاب الغرب يشهدون للإسلام فضله ، وللمسلمين منقبتهم ، قال "متز" " من الأمور التي نعجب لها ، كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية " وقال آخر:" الواقع أن اليهود والنصارى لم يمنحوا حرية المعتقد الديني فحسب ، بل عهد إليهم تولي المناصب الحكومية حين كانت مؤهلاتهم الشخصية من القوة بحيث تلفت انتباه الحاكمين"
3/ المساواة في الخراج : والخراج : ضريبة مالية وضعت على الأرض وتؤدى عنها لبيت مال المسلمين فإذا فتح المسلمون أرضا" عنوة (وهي ما أجلي عنها أهلها بالحرب ولم تقسم بين الغانمين ) تصير وقفا" على المسلمين ،و يضرب عليها خراج معلوم ، يؤخذ منها في كل عام ، يكون أجرة لها ، وتقر الأرض في أيدي أصحابها ، ما داموا يؤدون خراجها ، وهذا النوع من الخراج ، يتساوى المسلم والذمي في دفعه والتزامه ، لأن الخراج إنما فرض على الأرض ، لا على أصحابها القائمين بها ، ولا يسقط خراج تلك الأرض بإسلام أربابها ، أو بانتقالها إلى شخص مسلم
بحث عن المساواة في الإسلام - بحث علمى عن المساواة في الإسلام كامل بالتنسيق
1/ تعريفها : تعني المساواة :المماثلة و العدالة ، و المراد بها :المماثلة و المشابهة بين الشيئين في القدر و القيمة .فإذا قلنا :الإنسان يتساوى مع أخيه الإنسان ،إنما ذلك يعني أنه يكافئه في الرتبة ،و يعادله في القيمة الإنسانية ،و له من الحقوق مثل ما له ،و عليه من الواجبات مثل ما عليه.
2/ أهميتها : المساواة مبدأ هام في حياة البشر ،أقره الشرع ،و رضيه العقل ،و أملته سنة التمدن و الإجتماع ،و من أجل دفع التميز بين فرد و آخر للحصول على هذه الحاجة أو تلك المنفعة ،كان لا بد من وضع قاعدة مستقيمة ،تحفظ هذا الحق للجميع في ظروف متشابهة، فكانت المساواة أنسب قاعدة له ،إذ عن طريقها يمكن أن تضمن الحقوق البشرية كلها ،فضلا عن الحقوق التى يطلبها اثنان من الناس
3/ أنواعها : للمساواة في الاسلام أنواع كثيرة ،يمكن حصرها و تطبيقاتها في الآتي:
أ- المساواة في القيمة الإنسانية :
جاء الإسلام و وجد الناس يتفاضلون في الخلق و النشأة ،و يتميزون في الأحساب و الأنساب ،و يتقاتلون للحمية و العصبية ،ناسين أنهم من أصل واحد و مصدر واحد. فقد كان الهنود البراهميون يقرون التفاضل في القيمة الإنسانية، وأنهم يفضلون غيرهم في ذلك. أما اليونان فقد كانوا يعتقدون أنهم شعب مفضل على سائر الشعوب و أنهم خلقوا من عناصر تختلف عن العناصر التي خلقت منها الشعوب الأخرى ،التي أطلقوا عليها اسم ((البربر)).و أما الرومان فقد نصوا في كتبهم أن غير الرومان مجردون من جميع ما يتمتع به الرومان من حقوق، وأنه لم يخلق غيرهم إلا ليكون رقيقا للرومان. و أما اليهود فقد اعتقدوا أنهم شعب الله المختار ،و أن الكنعانيين –بقية الشعوب الأخرى –شعب و ضيع بحسب النشأة الأولى ،و أن الله خلقه لخدمتهم .و أما العرب فقد رأوا أنفسهم أنهم أكمل شعب على الأطلاق و أن بقية الشعوب –التي سموها الأعاجم –شعوب و ضيعة ناقصة الإنسانية. تلك هي الظاهرة الاجتماعية التي كان الناس يعانون منها، و يقاسمون آلامها، حيث فرقت البشر فرقتين ،فرقة الأشراف و فرقة العبيد.
المساواة في الإسلام : أما الإسلام فقد حرص كل الحرص على تقرير ((المساواة بين الناس ))في القيمة البشرية، وعدها من الأمور الأساسية التي يجب أن يدين بها كل إنسان ربه ،فقد قرر أن الناس سواسية كأسنان المشط ،في أصل نشأتهم و تكوينهم ،و أنه لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى ،و لا بين العربي و الأعجمي ،و لا بين الأبيض و الأسود ،و لا بين السيد و العبد ،و لا بين الغني و الفقير ،لأن هؤلاء جميعا ينحدرون من أصل واحد هو آدم ،و آدم من تراب .و عن هذا النوع من المساواة ،نوه القرآن الكريم فقال تعالى : ((و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) والتكرم هنا شامل للجنس كله فجنس الإنسان مكرم عند الله بلا تفرقة بين مجموعة و أخرى،بل كل مجموعة ينظر إليها بمنظار واحد هو ((الإنسانية ))فالإسلام لا يسمح بقيام نظام طبقي تسيطر فيه طبقة على أخرى ،كما لا يسمح بتحكم فئة تدعي لنفسها الاستعلاء بالبيئة أو العنصر أو اللون أو الجاه على الفئات الأخرى ،بل إنه ألغى كل سبب يدفع الإنسان إلى الاستعلاء و التحكم في الآخرين فقد قال تعالى ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء)) و قال صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط) وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم أبا ذر الغفاري –وهو عربي–يعتدي على بلال بن رباح –وهو حبشي– ويقول له :يا ابن السوداء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا و انتهر أبا ذر و قال : (طف الصاع طف الصاع ) ثم اتجه إلى أبي ذر و قال له : (انك امرؤ فيك جاهلية ،ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو عمل صالح ) فوضع أبو ذر خده على الأرض ،و أقسم على بلال أن يطأه بحذائه حتى يغفر الله له زلته هذه ،و يكفر عنه ما بدر منه من خلق الجاهلية الأولى.
هل المساواة في القيمة الإنسانية ينافي التفاضل بين الناس ؟
التفاضل لا يمكن أن يقع في أصل النشأة و التكوين ،بأن يكون هناك فرد أفضل من غيره،أو جماعة تفوق غيرها بحسب عنصرها الإنساني ،أو انحدارها من سلالة معينة، بل إن آدم –عيه السلام وهو أول إنسان وجد على وجه الأرض –يساوي آخر إنسان ينفخ فيه الروح في تلك القيمة الإنسانية. فالتفاضل لا يجري فيما لا يملكه الإنسان كالخلق و التكوين ،و إنما يقع فيما يملكه و يندرج تحت قدرته و طاقته ،كفعل الخيرات و ترك المنكرات ،فالإيمان بالله تعالى و الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و نحوه من الأعمال الصالحة ،كلها أعمال يستطيع الإنسان القيام بها ،و أداءها على أحسن وجه و لذلك صح التفاضل فيها بحسب عمل كل واحد منهم و أدائه لها .قال الله تعالى
(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) و لهذا فضل المسلم على الكافر لأنه أتى بالأعمال الصالحة التي يريدها الله تعالى ، قال تعالى
(أم نجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ))بل إن التفاضل في العمل يجري أيضا بين المسلمين أنفسهم كما قال تعالى
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا )) كما امتد هذا التفاضل أيضا إلى الأنبياء و الرسل ،فكان بعضهم أولى من بعض ،و أعلى درجة من بعض ،قال تعالى
(تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله و رفع بعضهم درجات ))فتفاضلهم ليس واردا على أصل خلقتهم و انتمائهم الإنساني ،و لكنه وارد على الأعمال الجليلة التي قاموا بها والرسالات السماوية التي تحملونها ،فمن بعث إلى قومه خاصة ليس كمن بعث إلى الناس كافة.
كيف تكون هناك مساواة و قد خلق الناس مختلفين أمة و شعبا ،و لغة و لونا ؟
نعم هذا الاختلاف موجود كونا ،و ليس بمرعي شرعا ، فهو اختلاف تصنيف و تنويع للدلالة على قدرة الخالق جل و علا ،الذي يتصرف في مخلوقاته كيف يشاء ،و ليس اختلاف تفرق و عداء و لهذا و ردت الحكمة من هذا الاختلاف ،في نفس الآية (ليتعارفوا) أي أن الاختلاف الكوني و جد ليتم بين الناس التعاون و التآلف، و التآزر لمصلحة إنسانيتهم ،فيسعى كل واحد منهم لعبادة ربه و خالقه ،و منفعة نفسه و بني جنسه فتنمو الإنسانية و تسعد بما يقدم لها أبناؤها من مواهب و قدرات إنمائية و حضارية و ثقافية.
ب-المساواة أمام الشريعة :
إن الله تعالى استقل بالخلق و التشريع ليضع أرسخ قاعدة لكفالة حق الناس في المساواة أمام حكمه و شرعه ،و قطع بذلك السبيل أمام أي فرد أو فئة من الناس قد تدعي لنفسها الفضل و التميز عن غيرها ،و تذهب بالسيادة فتضع لغيرها من الأحكام ما تهواه ،و من أنظمة الحياة ما تشتهيه ،سواء أضرها أم لا ، و لذلك اختص الله وحده بالتشريع ،كما اختص كذلك بالخلق و التكوين قال الله تعالى : ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)) وقال تعالى : ((و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهوائهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) و إنما اختص الله بالتشريع ،لأن التشريع يراد به إصابة الحق والعدل ،و عدم التحيز للهوى و الشهوات، والإنسان مهما وضع من نظم و قوانين ،فلا يمكنه إصابة الحق و العدل فيها على الدوام ، بل إن أصابه مرة ، أخطأه مرات ،لأنه تتحكم فيه الأهواء و النزعات ،و ينتابه النقص و القصور ،و لهذا امتلأ التاريخ البشري بأنواع كثيرة من الظلم ، في الأحكام التي صنعتها يد الإنسان ، أو تدخلت فيها أما كيف يتساوى الناس أمام الشريعة ، فذلك أن خطاب الشرع عام يشمل جميع الناس ،حكاما و محكومين ،رجالا و نساء ،فالأوامر كلها كالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج و نحوه ،يطالب الجميع بأدائها و القيام بها ،فيطالب الراعي بالصلاة و نحوها ، كما يطالب بها المرعى ،و كذلك النواهي كالسرقة و الزنا و القذف ،يطالب من الجميع الكف عن ذلك دون استثناء أحد ، و هذا معنى ((المساواة أمام الشريعة )).
ج - المساواة أمام القضاء
يعتمد القضاء في الإسلام على التشريع الإلهي ،فإذا كان الناس أمام التشريع سواء ،فهم عند تنفيذه كذلك سواء ،لا تفريق في ذلك بين القاضي و المقضي له ،و الحاكم و المحكوم ،و كل إنسان في الإسلام تطاله يد القضاء كائنا من كان حين يقتضي الأمر ذلك، و قد عمل بالمساواة أمام القضاء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين ، فقد روت عائشة –رضي الله عنها –أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ،فقالوا :من يكلم فيها رسول الله ،و من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ،حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلمه أسامه ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتشفع في حد من حدود الله ؟ ) ثم قام فخطب فقال : (أيها الناس ! إنما أهلك الذين قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ،و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله !لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)
د- المساواة بين المسلمين وأهل الذمة
أهل الذمة :هم المعاهدون من أهل الكتاب ،و من في حكمهم ،الذين يقيمون بدولة الإسلام ،و قد سموا بذلك ، لأن لهم حقوقا قبل المسلمين ،فعقد الذمة، يمنحهم عهدا بإباحة إقامتهم على التأبيد في دولة الإسلام ، كما يمنحهم الأمان على دمائهم و أموالهم و أعراضهم ، أي حمايتهم من العدوان الخارجي ، أو التعدي الداخلي ،و عليهم في مقابل ذلك التزامات معينة. و لقد سوى الإسلام بين المسلمين و غيرهم ،في الحقوق العامة ،و قرر أن الذميين لهم في بلد المسلمين ما للمسلمين من حقوق ،و عليهم ما عليهم من الالتزامات ، سوى ما كان يتعلق منها بشئون الدين و العقيدة ،فلا توقع عليهم مثلا : الحدود الشرعية فيما لا يحرمونه ، و لا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم و هناك نصوص و وقائع كثيرة ،تدل على شرعية المساواة بين المسلمين و غيرهم .منها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته ،أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) ولقد خاصم يهودي عليا – رضي الله عنه – فحضر الخصمان فنادى عمر عليا بقوله
( قف يا أبا الحسن – ليقف بجانب اليهودي –فبدا الغضب على وجه علي –رضي الله عنه –فقال عمر رضي الله عنه: أكرهت أن نسوى بينك و بين خصمك في مجلس القضاء؟ فقال :لا ، و لكني كرهت منك أن عظمتني في الخطاب و ناديتني بكنيتي ))
و من مظاهر التسوية بين المسلمين و غيرهم ما يلي:
1/ المساواة في الانتفاع ببيت المال : فقد اتفق علماء المسلمين على أن للذمي حقا في بيت المال و أنه سواء مع المسلم في هذا الحق ،إذا صار شيخا كبيرا ،أو عاجزا عن الكسب و العمل و قد روي أبو عبيد عن سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تصدق على بيت من اليهود ثم أجريت عليهم الصدقة من بعد ) و كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز –رضي الله عنه – الى عامله في البصرة –و هو عدي بن أرطاة –فقال: (وانظر من قبلك من أهل الذمة من كبرت سنه ،و ضعفت قوته ،و ولت عنه المكاسب ،فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه )و بهذا كفل الإسلام كافة الحقوق الأساسية لرعايا الدولة الإسلامية ،دون تمييز ،فتعطي للذمي مثلما تعطي للمسلم.
2/ المساواة في التوظيف : يستطيع الذمي أن يتقلدالوظيفة في الدولة الإسلامية إذا كانت من وظائف السلطة التنفيذية، كالمحاسب العام أو المهندس الأعلى أو ناظر البريد، أو فوقه. ويستثنى من ذلك ، ما له صلة مباشرة بالعقيدة والدين ، فان هذا لا يتولاه غير المسلم لخطورته في حياة الدولة الإسلامية . وتولية أهل الذمة المناصب الحكومية الإسلامية ، دليل واضح على المساواة في الإسلام ، والتزام المسلمين بتطبيقها ، مما جعل كتاب الغرب يشهدون للإسلام فضله ، وللمسلمين منقبتهم ، قال "متز" " من الأمور التي نعجب لها ، كثرة عدد العمال والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية " وقال آخر:" الواقع أن اليهود والنصارى لم يمنحوا حرية المعتقد الديني فحسب ، بل عهد إليهم تولي المناصب الحكومية حين كانت مؤهلاتهم الشخصية من القوة بحيث تلفت انتباه الحاكمين"
3/ المساواة في الخراج : والخراج : ضريبة مالية وضعت على الأرض وتؤدى عنها لبيت مال المسلمين فإذا فتح المسلمون أرضا" عنوة (وهي ما أجلي عنها أهلها بالحرب ولم تقسم بين الغانمين ) تصير وقفا" على المسلمين ،و يضرب عليها خراج معلوم ، يؤخذ منها في كل عام ، يكون أجرة لها ، وتقر الأرض في أيدي أصحابها ، ما داموا يؤدون خراجها ، وهذا النوع من الخراج ، يتساوى المسلم والذمي في دفعه والتزامه ، لأن الخراج إنما فرض على الأرض ، لا على أصحابها القائمين بها ، ولا يسقط خراج تلك الأرض بإسلام أربابها ، أو بانتقالها إلى شخص مسلم