بحث عن الفكر الإدارى التربوي - بحث علمى عن الفكر الإدارى التربوي كامل بالتنسيق
سبق أن تبين لنا كيف اختلفت وتباينت مواقف الفكر الاداري المعاصر تجاه العناصر والمقومات القيادية الوضعية التي اسفرت عنها دراساته، وكيف أن هذا الاختلاف والتباين قد بلغ حد الوقوف مواقف متناقضة ازاء العنصر الواحد، كما سبق أن تبين لنا أن إخفاق الفكر الاداري المعاصر في هذا الصدد إنما يعود الى عدم صلاحية مناهجه في البحث والقياس، وأن الضرورات العلمية تستوجب التحاكم الى منهج الله المتمثل في الشريعة الاسلامية، كما سبق وتبين لنا كيف اسفر التحاكم الى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واحد وعشرين مقوماً واشتراطاً قيادياً يجب توافرها في القائد الاداري الرشيد، وكيف أن هذه المقومات والشروط تتكامل فيما بينها، وأنها تثري بعضها البعض.
ولاشك أن كل هذا يوضح لنا مدى أهمية الأخذ بهذه المقومات والشروط القيادية الاسلامية، ووجب الحرص على أن يتوافر في القادة الاداريين بمختلف المستويات وبمختلف المنظمات والمؤسسات تلك المقومات والشروط القيادية، وذلك حتى يتوافر فيهم القدرة على تحقيق المهام والأهداف المحددة لهم بكفاءة وفعالية، وإننا إذ نوصي بضرورة الحرص على أن يتوافر في القادة الاداريين كافة هذه المقومات والشروط، فإننا نود في ذات الوقت الى أن نشير الى أن التناول السابق لهذه المقومات والشروط القيادية الاسلامية خلال هذه الرسالة، إنما يتكفل بتوضيح الخطوط العريضة التي تشكل استراتيجيات وسياسات الاختيار والتعيين والترقي للقادة الاداريين، ومن هذا المنطلق فإننا نوصي بما يلي:
ضرورة العمل على استكمال هذا الجهد بترجمة هذه المقومات والشروط القيادية الاسلامية الى قواعد واجراءات تنفيذية محددة تتضمنها سياسات ولائحة الاختبار والتعيين والترقي للقادة الاداريين بمختلف المستويات وبمختلف المجالات، والاسترشاد في ذلك بما ورد في القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلائل سلوكية تدل على حقيقة هذه المقومات والشروط.
كما نوصي بضرورة الاهتمام والحرص على موالاة ومتابعة التحقق دورياً من توافر كافة هذه المقومات والشروط القيادية الاسلامية بالقادة الاداريين خلال فترة توليهم مناصبهم القيادية، حتى نتحقق من استمرار صلاحيتهم لتولي هذه المناصب.
وفضلاً عما سبق فإن لنا بعض الملاحظات والتوصيات بخصوص بعض من هذه المقومات والشروط نوردها فيما يلي:
1ـ فيما يتعلق بمقوم الايمان:
لعل هذا المقوم هو أحد المقومات القيادية التي لم تلق الاهتمام الكافي بعد سواء على المستوى النظري او على المستوى التطبيقي من قبل المهتمين بالقيادة، بالرغم مما له من أهمية في الاسلام، وأنه يعد أحد المقومات القيادية الاساسية التي تؤهل الفرد للقيادة، بل إن هناك شواهد تدل على تراجع اهتمام دراسات الفكر الاداري المعاصر بهذا العنصر، فقد اهتمت بالاشارة اليه كمقوم قيادي نتائج 7 دراسات فقط من دراسات الفترة الممتدة من 1904 ـ 1947، بينما جاءت دراسات الفترة الممتدة من 1948 ـ 1970 خلواً من الاشارة الى الإيمان كمقوم من مقومات القيادة في الفكر الاداري الحديث، ولعل هذا القصور او التقصير من جانب رجال الفكر الاداري الوضعي والمهتمين بالقيادة في هذا الصدد مرده الى صعوبة الوقوف على هذا المقوم، ومن هذا المنطلق فإننا نوصي بالآتي:
(أوصى بوجوب الاهتمام والحرص على توافر هذا المقوم في القادة الاداريين بكافة المستويات بكافة المؤسسات والمنظمات لما له (لهذا المقوم) من تأثير كبير على كفاءة وفعالية العمل القيادي للقائد على أن يسبق هذا العمل على استخلاص المدلول السلوكي للإيمان، وذلك بالتحاكم الى الدلائل السلوكية التي وردت في هذا الشأن بالقرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ووجوب الحرص على أن يتسع مفهوم الايمان ويمتد ليشمل الجوانب الآتية:
أ ـ الإيمان بقيم وأهداف كل من المجتمع والمنظمة والجماعة التي ينتمي اليها والتي يتولى قيادتها.
ب ـ الإيمان والثقة في كل من رؤوسائه ومرؤوسيه وفي نفسه.
2ـ فيما يتعلق بمقوم الرجولة:
نحن نعلم أن باقي الناس في العصر الحديث لا يأخذ بمثل هذا المقوم وأن دراسات الفكر الاداري المعاصر قد جاءت نتائجها خلواً من الاشارة اليه كمقوم قيادي، ولكننا وكما سبق أن أشرنا لانعول كثيراً على هذا الواقع ومساوئه، وأن التحاكم الى المنهج الاسلامي ما كان إلا السمو والارتقاء، بهذا الواقع وتقويمه وتصحيحه، ومن هذا المنطلق فإننا نرفض التقيد بهذا الواقع، كما نرفض أي تأويل لمعنى الرجولة كمقوم قيادي وصرفها عن معناها الذي انتهينا اليه في هذا البحث، ومن ذلك إدعاء البعض أن الرجولة جوهرها إن هي إلا سلوك معين يجوز أن يصدر عن الذكر، كما يجوز أن يصدر عن الأنثى، والأخذ بهذا القول والعمل به يحمل في ثناياه دعوى للإناث بالتشبه في سلوكهن بالرجال ـ وما أكثر المتشبهات منهن بالرجال في العصر الحديث ـ فيزداد الطين بلة وتختلط الأمور ويزداد واقع الناس سوءاً على سوء، ويجدر بنا هنا أن ننوه الى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا ولعنه للمتشبهات من النساء بالرجال ولعنه المتشبهين من الرجال بالنساء، ومن هذا المنطلق وعلى ضوء ما سبق فإننا نود أن نؤكد على:
بالنظر لمفهوم (وجوب الالتزام والأخذ بالرجولة كمقوم من المقومات القيادية طبقاً لما أوردناه بهذا البحث، وما يعنيه ذلك من النظر لمقوم الرجولة على أنه يعني:
أ ـ الذكورة: وما يستوجبه هذا من عدم جواز اسناد المناصب القيادية الى الإناث خاصة مع توافر الذكور، ونحن إذ نحرص ونؤكد على وجوب الالتزام بهذا كأصل عام، إلا أننا من ناحية أخرى وانطلاقاً من القاعدة الاسلامية التي تقضي بأن الضرورات تبيح المحظورات ـ نوصي بوجوب قصر المناصب القيادية على الإناث في حالة وجود عمالة نسائية مستقلة تعمل في مجالات عمل خاصة بهن، وذلك تجنباً لشبهات الاختلاط المنهي عنها في الشريعة الاسلامية.
ب ـ مرحلة او فترة زمنية محددة لها حد أدنى وحد اكتمال وحد اقصى:
وفيما يتعلق بحدها الأدنى الذي هو بلوغ الذكر سن الاحتلام فإن هذا يستوجب عدم اسناد المناصب القيادية لمن لم يبلغ هذه السن، أما بالنسبة لحد اكتمالها وهو بلوغ الذكر سن الأربعين فإن هذا الحد يمثل الحد الأدنى المطلوب توافره في مستوى القائد الاداري الأعلى لأي تنظيم انساني، أما بالنسبة لباقي مستويات القيادات الادارية، فإنه يمثل شرط تفضيل وترجيح، وفيما يتعلق بحدها الأقصى الذي هو بدء الذكر مرحلة الشيخوخة او الشيبة فلا يجوز اسناد المناصب القيادية او الإبقاء عليها لمن بلغ هذه المرحلة.
وعلى ضوء النتائج التي انتهت اليها الدراسات الوضعية [1] يمكن تحديد السن التي عندها تبدأ مرحلة الشيخوخة بـ 70 عاماً على أننا نرى أن هذه السن ليست قطعية، وأنها قابلة للتجاوز طبقاً للحالة الصحية والذهنية للشخص فمن المعروف أن هناك حالات الشيخوخة المبكرة، كما أن هناك حالات أخرى للشيخوخة المتأخرة.
3ـ فيما يتعلق بمقوم العلم:
لاشك أن هذا المقوم يلقي اهتماماً من قبل رجال الفكر الاداري المعاصر وإن كنا على ضوء فهمنا ومناقشتنا لهذا العنصر كمقوم قيادي، وعلى ضوء ما نشاهده في الواقع العملي وممارسات التطبيق، نجد لزاماً علينا أن نؤكد على ما يلي:
أ ـ (وجوب التنبيه والاهتمام بأن المقصود هنا بالعلم كمقوم قيادي هو توافر المعارف والمعلومات والاتجاهات التي تعين الفرد وتكسبه الصلاحية والقدرة على القيادة والتوجيه في المقام الأول).
ب ـ وجوب التنبيه والحذر ألا يتأثر تقويمنا وحكما على مدى توافر هذا المقوم القيادي بأي معارف او معلومات او مهارات او اتجاهات مهنية او تخصصية لدى الفرد بالغاً ما بلغت، فإن هذه العناصر المهنية والتخصصية لا تقوم مقام العناصر القيادية ولا تغني عنها بحال من الأحوال.
ج ـ وجوب التنبيه والحرص على استمرار القائد وموالاته للعلم والتعليم والعمل على مداومة تطوير وتنمية معارفه ومعلوماته ومهاراته واتجاهاته القيادية ما دامت له القيادة.
4ـ فيما يتعلق بمقوم الانتماء:
بالرجوع الى واقع الفكر الاداري المعاصر بدراساته وأبحاثه الى الواقع العملي بممارساته وتطبيقاته نجد اختلافاً وتبايناً كبيراً تجاه الانتماء كمقوم قيادي، حيث نجد الممارسات العملية التطبيقية تتبنى اتجاهين، الاتجاه الأول يميل اصحابه الى تفضيل اختيار قادة المنظمات من بين العاملين بهذه المنظمات، والقول بأن العين الداخلية لديها الخبرة والمعرفة ببواطن ومواقع الأمور، والاتجاه الثاني يميل اصحابه لتفضيل الاختيار من خارج هذه المنظمات ويدعون ان العين الخارجية لديها القدرة على التعرف على مواطن الخلل والقصور اكثر من قدرة العين الداخلية على ذلك.
بالرجوع الى دراسات الفكر الاداري المعاصر نجد أنها لم تقف ضد حد اغفال هذا المقوم والتجاوز عنه كمقوم قيادي، بل إننا نجد أن دراسات هذا الفكر قد انتهت الى افراز عناصر قيادية تتعارض مع مقوم الانتماء.
ولاشك أن التحاكم الى المنهج الاسلامي ينبغي أن يحسم مثل هذا الخلاف بشكل قاطع وأن تستقيم وتتوافق استراتيجيات ومناهج الاختيارات والتعيين والترقي لقادة المنظمات والمؤسسات الاسلامية مع مقتضيات الانتماء كمقوم قيادي، وفي هذا الصدد فإننا نوصي ونؤكد على ما يلي:
وجوب حسم الخلاف السائد في الفكر المعاصر تجاه عنصر الانتماء وخاصة في نطاق مجتمعاتنا الاسلامية، وجعل انتماء القائد الى مرؤوسيه سياسة اساسية ثابتة تلتزم بها كافة المنظمات والمؤسسات عند اختيار وتعيين وترقية القادة الاداريين، وأن يقتصر تعيين واختيار الأفراد الذين يعوزهم الانتماء على المناصب الاستشارية وعند حالات الضرورة فعليه، وفي هذا الصدد فإننا نرى وجوب البدء باصدار تشريع ملزم يقضي باسناد القيادات الادارية العليا والمنظمات والمؤسسات العامة والخاصة قاصراً على المنتمين لتلك المنظمات والمؤسسات.
5ـ فيما يتعلق بشرط الاصطفاء:
مما لاشك فيه أن الأخذ بهذا الشرط يستوجب جهداً كبيراً، ويحتاج لتمهيد وتهيئة، حيث نجد أن كل دراسات الفكر الاداري والواقع العملي يسيران في عكس الاتجاه ويأخذان بما بتناقض معه، فلقد انتهت دراسات الفكر الاداري ـ المعاصر الى عناصر قيادية تتعارض وتتناقض مع مقتضى هذا الشرط كما أن الواقع العملي يتناقض مع مقتضى هذا الشرط، حيث درج السواد الأعظم من الناس على الحرص والتناحر على المناصب القيادية، بل المشاهد أنهم من أجل الفوز بهذه المناصب يلجأون الى كافة السبل والوسائل المشروعة وغير المشروعة.
وأننا نرى أن أحد العوامل الأساسية التي ادت لهذه العناصر المرضية هي تلك الامتيازات والمكاسب المادية والمعنوية التي اصبحت حكراً على شاغلي المناصب القيادية وحدهم دون غيرهم، وكلما تضاعفت هذه الامتيازات والمكاسب تزايد حرص هؤلاء الطامعين وازداد تنافسهم وتناحرهم جميعاً عليها بالرغم من خطورة أمرها ـ سواء توافرت فيهم الكفاءة والقدرة على القيام بحقها أم لم تتوافر فيهم ـ في ذات الوقت الذي ازداد فيه انصرافهم ونفورهم عن المناصب غير القيادية الأقل حظاً واغداقاً.
ولقد أدى هذا التناحر والتنافس الشديد على المناصب القيادية والنفور والانصراف عن المناصب غير القيادية في كثير من المنظمات والهيئات الى تضخم وتزايد حجم الوظائف القيادية على حساب الوظائف غير القيادية.
وعلى هذا فإننا ندرك أن أعمال هذا الشرط يستوجب توافر اكبر من الإصرار، وبذلك المزيد من الجهد في سبيل التوعية بأهمية الأخذ بهذا الشرط والعمل على تهيئة وإعداد المناخ المحابي لأعمال هذا الشرط والأخذ به وفي هذا الصدد، فإننا نوصي بما يلي:
المراجع :
أ ـ القرآن الكريم:
ب ـ تفاسير القرآن الكريم:
1ـ إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، القاهرة: دار احياء الكتب الجامعية، بدون تاريخ.
2ـ المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، المنتخب في تفسير القرآن الكريم، القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الاسلامية، 1402هـ.