تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الصمود - بحث علمى عن تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الصمود
مقدمة
يعرف المجتمع المدني بأنه جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن أرباح الشركات في القطاع الخاص.
وتنتظم تحت لواء مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين القوى والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية والتي تصنف حسب طبيعتها إلى الجمعيات الخيرية والتعاونية، المنظمات الجماهيرية، المؤسسات والمنظمات التنموية، المراكز ومؤسسات البحث والإعلام وحقوق الإنسان، مؤسسات وهيئات الدفاع عن حقوق ومصالح فئات محددة.
إن التنكر الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخاصة القرار 194 والقرار 2253 وعدم التزامها بالاتفاقات الموقعة مع منظمه التحرير الفلسطينية، وانتهاجها سياسة قائمة على توسيع الاستيطان ومصادره الأراضي والمياه ومحاولات تهويد القدس وعزلها عن الوطن الفلسطيني وهدم المنازل واقتلاع الأشجار وتدمير البيئة الفلسطينية، واستمرار الحصار الدائم لمحافظات فلسطين وتمزيق الوحدة الجغرافية للوطن وتواصل الاعتقالات وهدم البيوت وحرمان عشرات الآلاف من العمال من حقهم في العمل، أعاق ويعيق عمليات التنمية المجتمعية، أو أية عملية تغيير أو تطوير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية للشعب الفلسطيني.
دأبت مؤسسات المجتمع المدني على مدى السنوات الماضية على تقديم خدمات متنوعة للمواطنين سواء الطبية أو الزراعية أو الاجتماعية أو التربوية أو الحقوقية وتعزيز صمود المواطنين أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي عمل ولا زال يعمل على اقتلاع الإنسان الفلسطيني والاستيلاء على أرضه.
ومن أجل تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين يتوجب العمل على النهوض بهذه المؤسسات في ثلاثة مجالات: وهي
1. في مجال مواجهة الاحتلال من خلال العمل على تنفيذ القرارات الدولية التي تضمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. وتطوير مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في النضال لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. وتعزيز التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني في العالم في النضال المشترك من اجل السلام والمساواة. وإطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال دون قيد أو شرط.
2. في مجال صنع القرار ورفع نسبة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في الحياة السياسية بأشكالها ومستوياتها المختلفة، ومساهمتها في رسم السياسات الحكومية وتعزيز مشاركتها في مواقع صنع القرار. زيادة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في الحياة السياسية بهدف تعزيز وضمان تحقيق مجتمع الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
3. وفي المجال الاقتصادي تمكين الشعب الفلسطيني من السيطرة على جميع موارده الاقتصادية على الأرض وسمائها وباطنها من معادن وآبار جوفية للانطلاق في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة. تعزيز حقوق مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الاقتصادية واستقلالها الاقتصادي. ترسيخ مفهوم التنمية الشاملة بجميع مقوماتها التربوية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية لدى المجتمع. توفير خدمات التأهيل والتدريب وسبل الوصول إلى الأسواق لرفع مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في أسواق الاستثمار وزيادة مساهمتها في قوة العمل والناتج المحلي الإجمالي.
المجتمع المدني
لمفهوم المجتمع المدنيCivil society تأريـخ طويل. نضج في الغرب على يد الفيلسوف أرسطو طاليس والذي دعا بمفهومه "الناقص" إلى تكوين مجتمع سياسي(البرلمان) تسود فيه حرية التعبير عن الرأي و يقوم بتشريع القوانين لحماية العدالة والمساواة إلا أن المشاركة تقتصر في هذا المجتمع السياسي على مجموعة من النخب في المجتمع دون إعطاء الحق للمرآة والعمال والغرباء عن المشاركة وحق المواطنة.
وامتداداً لنفس الفكرة التي تدعو إلى ضرورة المجتمع السياسي ساهم جون لوك John Lock "القرن السابع عشر" بضرورة قيام المجتمع السياسي ذات سلطة تنفيذية وصلاحيات لمعالجة الخلافات وتنظيم حالة الفوضى وإيجاد حلول للنزعات التي ممكن أن تنشأ. وقد أراد لوك أن يستبدل الصيغة الملكية بصيغة اكثر ديمقراطية ألا وهي مجتمع سياسي ذي قوانين وشريعة.
ظلت مفاهيم المجتمع المدني عائمة إلى أن جاء هيجل Hegel "القرن التاسع عشر" حيث ادرج المجتمع المدني ما بين مؤسسات الدولة (ذات السلطة) والمجتمع التجاري-الاقتصادي (القائم على أساس الربح) سعياً منه لرفع قدرة المجتمع على التنظيم والتوازن.
وعلى نفس خطي هيجل سعى المفكر الاشتراكي غرامشي Antonio Gramsci (1891-1937) إلى تطوير هذا المفهوم من خلال زج المثقف العضوي في عملية تشكيل الرأي ورفع المستوى الثقافي. في ذلك كانت دعوة ضرورة تكوين منظمات اجتماعية ومهنية نقابية وتعددية حزبية لهدف اجتماعي صريح يضع البناء الفوقي في حالة غير متنافرة مع البناء التحتي وإيجاد طريقة للتفاعل الحيوي المستمر بينهما.
وكتب المفكر الإيطالي روبرت بوتنام Robert Putnam "كلما تواجدت مؤسسات المجتمع المدني وأدت دورها كلما كانت الديمقراطية أقوى وأكثر فعّالية". والعكس هو صحيح!
وإذا كان صحيحاً ما قاله ماركس من أن "المجتمع المدني هو البؤرة المركزية ومسرح التاريخ " فإن المجتمع المدني هو اللحظة الإيجابية والفعّالة في التطور التاريخي، وليس الدولة كما ورد عند هيجل.
تعريف المجتمع المدني:
يعرف المجتمع المدني بأنه جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للمجتمعات المحلية وفي استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن تأثير رأسمالية الشركات في القطاع الخاص، حيث يساهم في صياغة القرارات خارج المؤسسات السياسية ولها غايات نقابية كالدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الأدباء والمثقفين والجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية التي تهدف إلى نشر الوعي وفقاً لما هو مرسوم ضمن برنامج الجمعية.
عناصر تكوين المجتمع المدني
من الممكن أن نجد تعاريف عديدة للمجتمع المدني إلا أنها لا تخرج عن توافر أربعة عناصر أساسية:
1. يمثل العنصر الأول بفكرة "الطوعية" أو بكلمة أخرى المشاركة الطوعية التي هي بالأساس الفعل الإداري الحر أو الطوعي، وبهذه الطريقة تتميز تكوينات وبنى المجتمع المدني عن باقي التكوينات الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة تحت أي اعتبار.
2. العنصر الثاني هو أن المجتمع المدني منظم: وهو بهذا يختلف عن المجتمع التقليدي العام بمفهومه الكلاسيكي. حيث يشير هذا الركن إلى فكرة "المؤسسية" التي تطال مجمل الحياة الحضارية تقريباً، والتي تشمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
3. العنصر الثالث يتعلق "بالغاية" و "الدور": التي تقوم به هذه التنظيمات، والأهمية الكبرى لاستقلالها عن السلطة وهيمنة الدولة. من حيث هي تنظيمات اجتماعية تعمل في سياق وروابط تشير إلى علاقات التضامن والتماسك أو الصراع والتنافس الاجتماعي.
4. آخر هذه العناصر يكمن في ضرورة النظر إلى مفهوم المجتمع المدني باعتباره جزءاً من منظومة مفاهيمية أوسع تشمل على مفاهيم مثل: الفردية، المواطنة، حقوق الإنسان، المشاركة السياسية، والشرعية الدستورية...الخ.
مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين
ارتبط نشوء مؤسسات المجتمع المدني وتطورها في فلسطين بغياب السلطة الوطنية الشرعية وتحت ظروف احتلال وقهر واستعمار منذ مطلع القرن الماضي وتغييب مفتعل للشخصية الوطنية والحضارية للشعب الفلسطيني وأنه مع تواصل وتصعيد ظروف القمع والاضطهاد والحرمان تطورت المؤسسات لتقوم بمهام ومسؤوليات هي من صلب مسؤوليات السلطة وليست مكملة لها كما هو الحال في الدولة المستقلة.
في حين يمكن الربط بين انتظام العديد من المواطنين في التجمعات الخيرية في العشرينات من القرن الماضي بدافع الغيرة الوطنية على اعتبار أنها البديل عن المؤسسات الحكومية (للمحتل) البعيدة عن خدمة المواطن وعن خدمة الوطن.
وتؤكد بعض الأبحاث أن بعض المؤسسات التي تشكلت في الثلاثينات من القرن الماضي اتخذت من النشاط الاجتماعي والثقافي غاية وستارة لأعمالها السياسية وذلك للتحايل على السلطة الاحتلالية.
وفي الحديث عن تطور مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين نلاحظ أنه في الفترة من عام 1948 –1967 فإن نكبة 1948 وما تبعها من تدفق مئات الآلاف من النازحين والمشردين من مدن وقرى فلسطين أثقلت كاهل الجمعيات القائمة كما دفعت الكثير من أبناء المجتمع إلى التفكير في إنشاء جمعيات يتناسب عددها وتتلاءم خدماتها مع حاجات الكثرة المعوزة فأضافت الجمعيات الخيرية الخدمات الصحية والإسعافات الأولية ورعاية وتأهيل المعوقين ودور الأيتام وملاجئ العجزة ومراكز التدريب المهني بالإضافة لتقديم الغذاء والكساء.
ومع تغيير الأوضاع السياسية وقيام دولة إسرائيل وظهور مشكلة اللاجئين وإلحاق الضفة الغربية بالأردن ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية ثم احتلال إسرائيل لكل فلسطين فقد برزت قضايا اجتماعية واقتصادية جديدة تمثلت في مركزة السلطة ومصادرة الحقوق المدنية وانحسار قدرة الفلسطينيين في السيطرة على مصادرهم الطبيعية وبالتالي كان لهذه المرحلة أيضا مؤسساتها التي مزجت الأهداف الوطنية والقومية مع الأهداف الإنمائية.
أما بالنسبة لأنماط مؤسسات المجتمع الفلسطيني فإنه يمكن تقسيمها إلى نوعين:
أولا: القوى والأحزاب السياسية.
ثانيا: المنظمات الأهلية وتصنف حسب طبيعتها إلى:
1. الجمعيات الخيرية والتعاونيات.
2. المنظمات الجماهيرية.
3. المؤسسات والمنظمات التنموية.
4. المراكز ومؤسسات البحث والإعلام وحقوق الإنسان.
5. مؤسسات وهيئات الدفاع عن حقوق ومصالح فئات محددة.
كذلك يمكن تقسيم المنظمات الأهلية وفقا لطبيعة عملها إلى :
1. منظمات عاملة في مجال زيادة وعي المواطن والدفاع عن حقوقه من خلال تشكيل قوى شعبية ضاغطة على متخذ القرار.
2. منظمات عاملة في مجال الرفاه الاجتماعي وهي الأكثر انتشاراً ونشاطاً وتنظيماً.
3. منظمات عاملة في مجال رعاية المصالح المهنية للمنتسبين إليها.
4. منظمات أهلية عاملة في مجال المصالح الاقتصادية لأعضائها.
5. منظمات أهلية عاملة في مجال التعاون.
6. منظمات أهلية عاملة في المجال السياسي.
7. منظمات أهلية عاملة متخصصة في مجال إحياء الروح المدنية وتعميق مفهوم الديمقراطية.
الصمود الوطني الفلسطيني في وجه الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي
إن التنكر الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وخاصة القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين والقرار 2253 الخاص بالمحافظة على الطابع العربي للقدس وعدم التزامها بالاتفاقات الموقعة مع منظمه التحرير الفلسطينية، وانتهاجها سياسة قائمة على توسيع الاستيطان ومصادره الأراضي والمياه ومحاولات تهويد القدس وعزلها عن الوطن الفلسطيني وهدم المنازل واقتلاع الأشجار وتدمير البيئة الفلسطينية، واستمرار الحصار الدائم لمحافظات فلسطين وتمزيق الوحدة الجغرافية للوطن وتواصل الاعتقالات وهدم البيوت وحرمان عشرات الآلاف من العمال من حقهم في العمل، أعاق ويعيق عمليات التنمية المجتمعية، أو أية عملية تغيير أو تطوير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية للشعب الفلسطيني.
رغم المتغيرات التي طرأت على الوضع الفلسطيني إلا أن أية عمليه تغيير أو تطوير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية ما زالت تصطدم باستمرار الاحتلال للأرض الفلسطينية وما يجره ذلك من ويلات للشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات.
ويعاني الاقتصاد الفلسطيني بشكل خاص من القيود والتشوهات التي فرضها الاحتلال، وذلك بفعل السياسات والقوانين والإجراءات التي هدفت ضرب الهياكل الاقتصادية وربط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل وتعطيل المسار الإنمائي للاقتصاد الفلسطيني، ويشكل استلاب الفلسطينيين القدرة على ممارسة حقوقهم الإنسانية والسياسية التي أدت إلى إضعاف قدرتهم على ممارسة حقوقهم الاقتصادية.
وأدى ذلك إلى تحجيم الاقتصاد الفلسطيني ضمن إطار المعضلات على رأسها تشويه: نمط الإنتاج، العلاقات الخارجية الاقتصادية مع المنطقة العربية والاقتصاد العالمي حيث أن العولمة أثرت سلبيا على الاقتصاد الفلسطيني بسبب المعيقات الإسرائيلية ولم نتمكن من ممارسة حقنا الطبيعي في التبادل التجاري الحر حتى بين المدن الفلسطينية أو بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، نمط توزيع قوة العمل بين القطاعات مع اشتداد ضيق فرص العمل التي أدت إلى هجرة نسبة كبيرة من قوة العمل إلى أسواق الدول العربية وخصوصاً المنتجة للنفط والتحاق المتبقي منها بأسواق العمل الإسرائيلية في أعمال ومهارات متدنية المستوى، وأخيراً الإهمال الفاضح للبنى التحتية من مادية واجتماعية كأنظمة وشبكات الطرق والمواصلات والمياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى العناصر الاجتماعية من البنى التحتية كالتعليم والتدريب والرعاية الصحية.
شكلت الانتفاضة محكاً لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني فأظهرت مواقع القوة والضعف في الأداء الوظيفي الاستراتيجي والطارئ لمواجهة ممارسات الاحتلال.
تضطلع مؤسسات المجتمع المدني بدور مزدوج حيث تسهم في مقاومة الاحتلال دون الإخلال بدورها في عملية التنمية البشرية وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمشاركة المجتمعية. وفي هذا السياق تم إقرار قانون الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية رقم 1 لسنة 2000 الذي منحها درجة من الاستقلالية في أداء عملها، كما تم إصدار قانون الأحزاب. ولكن إصدار هذه القوانين لم يتبعه تطبيق ناجع وسياسات تشجع هذه المؤسسات على ممارسة الديمقراطية الحقة في إدارة الكثير من مؤسسات المجتمع المدني حتى تصبح نموذجا ديمقراطيا يحتذى به.
تسود حالة من غياب الديمقراطية وفقدان المأسسة والشفافية والتوثيق واللوائح الداخلية في عدد من المنظمات الأهلية، مما يسبب خللاً في الوظيفة وخللا في تحقيق الأهداف المرجوة. ومازالت هذه المنظمات تعتمد بشكل أساسي على المساعدات الخارجية. وبرغم ذلك، تعتبر المنظمات الأهلية في فلسطين أكثر حيوية من مثيلاتها في أقطار مجاورة وفي أنحاء العالم إذ أننا هنا نواجه جملة من التحديات الاستثنائية في مجتمعنا المدني بحيث فاقت جميع التصورات والممارسات الكولونية في التاريخ.
أثبتت التجارب القليلة في مجال التعاون بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية نجاحها وفعاليتها.
تراجعت أوجه المشاركة الشعبية في الفعاليات الكفاحية، وركنت الأحزاب والاتحادات إلى حد كبير على دور السلطة في إدارة عملية التفاوض، وقلت شعبية ونفوذ وقاعدة المنظمات الجماهيرية والاتحادات بقطاعاتها المختلفة، ولم تستطع فرض تحولات ديمقراطية على النظام السياسي، ولم تحدث في بناها وأطرها ولوائحها وبرامجها تغييرات ديمقراطية، ولم تسع إلى تنمية مصادر تمويل ذاتية في أغلب الأحيان.
ويشهد شعبنا الفلسطيني في هذا الوقت مؤامرة تتضح خيوطها يوماً بعد يوم، وتهدف إلى تصفية قضيته العادلة واختزال حقوقه المشروعة، كما يتعرض لعدوان آثم وحصار خانق على يد حكومة شارون وذلك في ظل انحياز أمريكي كامل، وضعف في ردود الفعل الدولية يمنح الاحتلال ضوءاً أخضر للتمادي في عدوانه ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
لقد كان للتحرك الشعبي بقيادة المنظمات الأهلية دوره الفاعل في اكثر من مناسبة، ويمكن لنا هنا أن نستذكر الأثر الكبير الذي أحدثه تكاتف المنظمات الأهلية في مؤتمر ديربان الذي عقد في جنوب أريقا صيف 2002، والنشاط الفعال ضد العولمة ممثلا في المنتدى العالمي حول العولمة، والذي عقد بمبادرة من شبكة المنظمات الأهلية العربية للتنمية في بيروت في نيسان 2002. والنشاط الكبير لحشد التضامن مع القضية الفلسطينية في المنتدى العالمي الاجتماعي الذي عقد في البرازيل. بالإضافة إلى حملة الحماية الشعبية الدولية للشعب الفلسطيني والتي حققت نجاحاً كبيراً واستقطبت أعداداً كبيرة من دول غربية مختلفة. وغيرها الكثير الذي يؤكد قوة التحرك الجماهيري وأهميته.
وكلنا يدرك أن السلام العادل والشامل والاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بتطبيق هذه القرارات والاتفاقيات وقيام دولة فلسطينية تتمتع بسيادة كاملة.
دور المؤسسات في الصمود الوطني في وجه الاحتلال الإسرائيلي
أثارت انتفاضة الأقصى (سبتمبر2000 ) من ضمن ما أثارته، قضية المنظمات الأهلية، حيث أن بعض هذه المنظمات كان يتوقع حدوثها منذ زمن، وبعضها تفاجأ بها، باعتبار أن الجمهور الفلسطيني قام بالانتفاضة كأداة تعبير عن سخطه. إذ لم تأت الانتفاضة من خارج السياق التاريخي للقضية الفلسطينية، بل جاءت نتاجاً لكل المعطيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني التي كانت تقوم بدور الدولة وكان لها دور المقاوم للاحتلال ودور تقديم الخدمات للناس.
من وجهة نظر المنظمات الأهلية أن الانتفاضة جاءت بسبب استمرار الاحتلال بكافة أشكاله وبسبب خروقاته للاتفاقيات والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني، فقد راهنت هذه المنظمات على الانتفاضة للتخلص من كل ذلك وقد خصصت لنفسها دوراً في هذا العمل الانتفاضي والجهد الكفاحي السياسي والميداني، بدليل أن مراجعة كمية ونوعية لما قامت به منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني على مدار السنوات الماضية تثبت وبشكل يقيني أنه كان هناك اهتمام وانشداد كبير في هذا الاتجاه، في المقابل عندما اندلعت الانتفاضة، كانت جاهزية منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان تحديداً كاملة وتدفع باتجاه الانتفاضة على الاحتلال وكانت قراءتها للقادم واضحة، وإذا أعيد قراءة ما تم عمله من الأسبوع الأول نجد أنه تم الحديث من قبل منظمات حقوق الإنسان عبر تقاريرها اليومية عن أن هناك قتلاً متعمداً، وإفراط في استخدام القوة وعدم تناسب استخدام القوة، كان هناك حدث غير مسبوق في المناطق المحتلة باستخدام قذائف مضادة للدروع مثل اللاو وطائرات الأباتشي ضد المتظاهرين في منطقة نتساريم، وذلك من اللحظة الأولى، كان التعامل مع هذا الموضوع سريعاً وقفز من البعد التحليلي والإخباري إلى البعد العملي حتى على الصعيد الدولي بمعنى أنه تمت مخاطبة لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وماري روبنسن المفوض السامي لحقوق الإنسان في العام 2000، وتمت دعوة العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية.
تؤكد الحالة الفلسطينية أن المنظمات الأهلية تاريخياً هي التي أسست ورفدت الحركة الوطنية الفلسطينية، تاريخياً لو نظرنا إلى أول بروز للحركة الوطنية الفلسطينية كانت في إطار الجمعيات المسيحية الإسلامية في عام 1918، وهي منظمة أهلية، هذه الجمعيات منها انبثقت الحركة الوطنية الفلسطينية، هي التي تبنتها، إذ كانت هي الأساس حتى أيام الثورة، ومنظمة التحرير، اتحاد الطلاب، اتحاد المعلمين، اتحاد المرأة، حيث كانت قاعدة المشروع الوطني الفلسطيني، لو رجعنا تاريخياً نجد بالفعل صوت المنظمات الأهلية مسموعاً بشكل قوي جداً في داخل المجتمع العربي والدولي، ً من خلال اتحاد الطلاب ، اتحاد المعلمين، اتحاد المرأة، ، يجب التركيز في هذه المرحلة على المجتمع المدني يفترض أن يكون هناك وعي من قبل السلطة والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية الآن وفي المستقبل أن دورها هو الأساس، هي الثابت والسياسة المتغير ، من سيمثل ضمير هذه الأمة ضمير الشعب، هو والمجتمع المدني عموماً، المنظمات الأهلية لا تكون دائماً بقرار علوي إذ تحتاج إلى تعميق المفاهيم الثقافية، ولكن هل ثقافة المجتمع الفلسطيني مستوعبة لدور ووظيفة المنظمات الأهلية؟
متطلبات تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي
بمبادرة من شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية وبالتعاو مع المعهد العربي لحقوق الإنسان عقدت ندوة حول دور المنظمات العربية غير الحكومية في دعم الانتفاضة الفلسطينية في بيروت – لبنان يومي 25 و 26 آذار – مارس 2002.
وحضر الندوة ممثلو منظمات المجتمع المدني من الأقطار العربية المختلفة وقد تشرفت بانتخابي كممثل لدولة فلسطين في الشبكة وتمثلت أهداف الندوة التي انعقدت بمناسبة اجتماع القمة العربية، في بحث سبل وآفاق تفعيل مجهودات منظمات المجتمع المدني العربية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة ورفع الحصار عن الشعب العراقي والتصدي للتهديدات والمخاطر المحدقة به. وقد أكد المشاركون على ما يلي:
• أن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتفعيل المشاركة الشعبية في صنع القرار هي الضمانة الأساسية لمواجهة التحديات الوطنية والإقليمية والدولية.
• أن تفعيل دور المجتمع المدني العربي وتوسيع دائرة مشاركته في صنع القرار وحماية استقلاليته هي ضمانة لتحقيق التحول الديمقراطي والتنمية البشرية الشاملة والنهوض بالمجتمعات العربية وتحقيق الاستقرار والسلم والعدالة الاجتماعية فيها.
• أن انعقاد هذه الندوة يأتي في ظل العدوان الذي يتعرض الشعب الفلسطيني بكل مؤسساته ومقوماته من قبل آلة الحرب الإسرائيلية وفي ظل دعم أميركي غير محدود مع استمرار انتهاك فاضح لكل قرارات الشرعية الدولية والعبث بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني يستدعي وقفة عربية حازمة على المستويين الرسمي والشعبي.
• إن تداعيات أحداث ما بعد 11 سبتمبر 2001 قد أبرزت المخاطر المحدقة بالإنسانية وزادت من اختلال المعايير الدولية وازدواجيتها، وأصبحت تهدد بشكل غير مسبوق المكاسب التي حققتها البشرية على الصعيد الدولي والإنساني.
وقد أوصى المشاركون بالآتي:
• دعم الانتفاضة كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني في مسيرته لإنهاء الاحتلال وتحقيق استقلاله الوطني وإقامة دولته الديمقراطية المستقلة وعاصمتها القدس.
• تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية الوطنية ومجتمعه المدني بكل أشكال الدعم المادية والمعنوية والسياسية.
• تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ومقررات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية لا سيما القرارات رقم 242، 338، 1397، والتأكيد على حق العودة بمقتضى القرار 194 وحق تقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة كأساس لإقامة السلام العادل والشامل.
• أن كافة المواثيق والاتفاقات الدولية تؤكد على شرعية مقاومة المحتل ورفض وصم المقاومة للاحتلال باعتبارها إرهاباً.
• إن تجسيد دعم القمة العربية لحقوق الشعب الفلسطيني يتطلب أن تتضمن مبادرتها بالإضافة للسلام الشامل مقابل الانسحاب الشامل والكامل وتأمين حقوق اللاجئين الفلسطينيين وقيام دولة فلسطينية مستقلة، والتأكيد على مبدأ المقاطعة الشاملة لإسرائيل طالما استمرت في احتلالها وحصارها وعدوانها على الشعب الفلسطيني. كما يستدعي ربط علاقات الدول العربية بكافة الدول والمصالح بموقفها من القضية الفلسطينية.
• الدعوة لتوسيع وتعميق لجان دعم الانتفاضة في كافة البلدان العربية وإسناد حملة الحماية الشعبية الدولية للشعب الفلسطيني ووقف الممارسات التي من شأنها محاصرة وقمع فعاليات التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني.
• دعوة مؤسسات المجتمع المدني العربية التطوع لإسناد الحملة الإعلامية الدولية التي تقوم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بفضح الممارسات الإسرائيلية وتجنيد الدعم للنضال الفلسطيني ودعوة الحكومات العربية على بلورة استراتيجيات لاستقطاب التحالفات الدولية من أجل توفير الحماية الدولية للفلسطينيين.
• حث الحكومات العربية على التصديق على اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
• تفعيل قرار مؤتمر القمة العربية بمطالبة مجلس الأمن بعقد محاكمة خاصة لمجرمي الحرب الإسرائيليين ووضع استراتيجيات دولية لرصد جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية بكافة أشكالها وتوثيقها والإعلام الواسع دولياً عنها.
• التأكيد على توجه الجامعة العربية نحو تفعيل مشاركة مؤسسات المجتمع المدني العربية وضرورة مشاركتها في أعمال وبرامج ولأجهزة الجامعة العربية بقطاعاتها المختلفة بما يضمن النهوض بحقوق الإنسان والديمقراطية والتنمية البشرية الشاملة في البلدان العربية.
• العمل الفعال من أجل التخفيف من معاناة الإنسان العراقي ورفع الحصار الذي يتعرض له العراق والذي يضعف قدرة شعبه على تكريس الخيار الديمقراطي ورفض منطق الاعتداء الخارجي.
• تشكلت لجنة متابعة، لمتابعة التوصيات والمقررات الصادرة عن هذا الاجتماع من شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، على أن تعمل على تحويل هذا المنتدى المدني إلى منتدى دائم وتوسيع مشاركة سائر فعاليات المجتمع المدني العربي فيه.
• تشكيل مرصد مدني شعبي لمراقبة تنفيذ قرارات القمة العربية، واحترام المهل الزمنية في تطبيق هذه القرارات.
ولتحقيق متطلبات تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في الصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي يجب العمل :
في مجال مواجهة الاحتلال:
1. تنفيذ القرارات الدولية التي تضمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
2. تطوير مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في النضال لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني.
3. تعزيز التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني في العالم في النضال المشترك من اجل السلام والمساواة.
4. إطلاق سراح جميع المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال دون قيد أو شرط.
في مجال صنع القرار
1- رفع نسبة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في الحياة السياسية بأشكالها ومستوياتها المختلفة، ومشاركتها في رسم السياسات الحكومية وتعزيز مشاركتها في مواقع صنع القرار.
2- زيادة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في الحياة السياسية بهدف تعزيز وضمان تحقيق مجتمع الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
في المجال الاقتصادي
1- تمكين الشعب الفلسطيني من السيطرة على جميع موارده الاقتصادية على الأرض للانطلاق في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
2- تعزيز حقوق مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الاقتصادية واستقلالها الاقتصادي.
3- ترسيخ مفهوم التنمية الشاملة بجميع مقوماتها التربوية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية لدى المجتمع.
4- توفير خدمات التأهيل والتدريب وسبل الوصول إلى الأسواق لرفع مساهمة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في أسواق الاستثمار وزيادة مساهمتها في قوة العمل والناتج المحلي الإجمالي