تعليم ، كتب ، الرياضة ، بكالوريا ، نتائج ، مسابقات ، أدب وشعر ، الهندسة الإلكترونية بكل أنواعها ، اللغات ، التعليم التقني والجامعي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
style
date الإثنين 15 مايو - 11:57
date الإثنين 8 مايو - 22:14
date الأحد 19 أغسطس - 16:42
date الأحد 19 أغسطس - 15:17
date السبت 18 أغسطس - 17:10
date السبت 18 أغسطس - 17:00
date السبت 18 أغسطس - 16:56
date السبت 18 أغسطس - 14:52
date السبت 18 أغسطس - 10:07
date الخميس 16 أغسطس - 17:02
date الخميس 16 أغسطس - 16:54
date الأربعاء 15 أغسطس - 18:13
date الأربعاء 15 أغسطس - 18:08
date الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
member
style

شاطر
 

 بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Labza.Salem
Admin
Labza.Salem

عدد المساهمات : 43954
نقاط : 136533
تاريخ التسجيل : 12/09/2014
العمر : 29
الموقع : سيدي عامر

بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى Empty
مُساهمةموضوع: بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى   بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى Emptyالسبت 3 ديسمبر - 20:50

بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى







مقـــــــدمة
يَتَزايَدُ* ‬اهتمام المجتمع الدولي* ‬بدعم الجهود المبذولة على أكثر من صعيد،* ‬من أجل تعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات والتعايش بين الشعوب،* ‬من منطلق الحرص على بناء عالم جديد تسودُ* ‬فيه قيمُ* ‬التسامح المبنيِّ* ‬على* ‬* ‬الاحترام المتبادل،* ‬وعلى اعتماد مبادئ الحق والعدل والمساواة وحقوق الإنسان قاعدةً* ‬ومنهجاً* ‬للعلاقات الدولية،* ‬وطوقَ* ‬نجاةٍ* ‬للإنسانية ممّا تتخبَّط فيه من مشكلات وأزمات وتوتّرات تهدّد الأمن والسلم في* ‬العالم*.‬
ولما كان الحوار بين الثقافات هو المدخل إلى التواصل الحضاري* ‬الذي* ‬هو الأساس في* ‬بناء التفاهم الإنساني* ‬بين الشعوب،* ‬فإنَّني* ‬اهتممت بالبحث في* ‬مفهوم التواصل الحضاري* ‬ودلالاته،* ‬وتحليل عناصره الرئيسَة،* ‬وربطت بين التواصل الحضاري* ‬وبين الحوار الثقافي* ‬والتحالف الحضاري،* ‬وأمعنت النظر* ‬في* ‬الوضع الدولي* ‬من هذه الزاوية،* ‬وفي* ‬هذه المرحلة بالذات،* ‬من خلال الرؤية الحضارية الإسلامية إلى التواصل،* ‬باعتباره مفهوماً* ‬يعزّز المفاهيم الحديثة للتعايش بين الشعوب على أساس متين من القيم الإنسانية المشتركة*.‬
ولقد كانت* ‬الدعوة التي* ‬وجّهت لي* ‬من الرابطة الإسلامية في* ‬الدانمارك،* ‬لإلقاء محاضرة في* ‬كوبنهاجن حول موضوع*: ‬*"‬التواصل الحضاري* ‬وأثره في* ‬تدعيم التفاهم بين الشعوب*"‬،* ‬في* ‬يوم* ‬14* ‬رمضان* ‬1431* ‬هـ* ‬*/‬* ‬24* ‬أغسطس* ‬2010* ‬م،* ‬مناسبة طيبة أُتيحت لي* ‬لأخاطب باللغة الإنجليزية،* ‬جمهوراً* ‬من المثقفين من مشارب مختلفة وعدداً* ‬من المسؤولين الدانماركيين وسفراء الدول الإسلامية،* ‬في* ‬هذا الموضوع المهمّ* ‬الذي* ‬يثير اهتمامات الرأي* ‬العام العالمي،* ‬خاصة اهتمامات النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية التي* ‬تعنى بهذا الموضوع الثقافي* ‬المهمّ*.‬
إنَّ* ‬التواصل الحضاري* ‬في* ‬مفهومه الدلالي،* ‬وفي* ‬مضمونه الفكري* ‬والثقافي،* ‬هو إقامة الجسور بين الثقافات والحضارات،* ‬من خلال تقوية الروابط التي* ‬تجمع بين الشعوب،* ‬باعتبار أن التواصل من حيث هو،* ‬إنما* ‬يكون بين الأفراد والجماعات،* ‬بتبادل الأفكار ومناقشة الآراء وبالبحث المشترك عن الحلول للمشاكل القائمة التي* ‬تعاني* ‬منها الشعوب والأمم*. ‬فالتواصل الحضاري* ‬الذي* ‬هو أساس التحالف بين الحضارات من وجهة النظر العملية،* ‬هو من أقوى الوسائل المتاحة لإصلاح شؤون العالم،* ‬وللإسهام في* ‬إنقاذ الأسرة الإنسانية ممّا تتخبط فيه من مشكلات تَتَراكَمُ* ‬وأزمات تَتَفاقَمُ،* ‬فشلت السياسة الدولية حتى الآن،* ‬في* ‬إيجاد تسوية عادلة وحلول ناجعة وحاسمة لها،* ‬بالدبلوماسية التقليدية،* ‬وبالأساليب الاعتيادية التي* ‬تفتقر* ‬غالباً* ‬إلى الصدق والجدّية والإخلاص،* ‬وتفتقد الروحَ* ‬الإنسانية والنزاهة الأخلاقية*.‬
لقد* ‬كانت الفكرة الأساس التي* ‬دارت حولها هذه المحاضرة التي* ‬أنشرها اليوم بثلاث لغات؛ العربية،* ‬والإنجليزية،* ‬والفرنسية،* ‬أن التواصل الحضاري* ‬باعتباره* (‬تفاعلاً*)‬،* ‬هو تبادل* (‬الوصل*) ‬ــ لا القطع ــ بين طرفين أو مجموعة أطراف،* ‬بحيث* ‬يصل كلّ* ‬طرف إلى الطرف الذي* ‬يقابله أو* ‬يرغب في* ‬الاقتراب منه والتعاون معه*. ‬وهذا الضرب من التواصل الإنساني* ‬الراقي،* ‬إنما* ‬ينبثق من الإرادة الجماعية والرغبة المتبادلة والإحساس المشترك بالحاجة إليه باعتباره ضرورة من ضرورات التعايش والتفاهم بين الشعوب*.‬
إنَّ* ‬التواصل أيَّا كان،* ‬ومن حيث المبدإ،* ‬هو سلوك حضاري،* ‬بالمفهوم العميق للحضارة*. ‬والعالم اليوم في* ‬أشدّ* ‬الحاجة إلى هذه الأنماط من السلوك والممارسات المتحضرة التي* ‬من شأنها أن تخفّف من أجواء التوتر التي* ‬تسود المجتمعات الإنسانية،* ‬وتفتح المجال أمام تعزيز التعاون الدولي* ‬على طريق حوار الثقافات وتحالف الحضارات،* ‬تدعيماً* ‬للسلام العالمي،* ‬وتمكيناً* ‬للقانون الدولي* ‬من التحكَّم في* ‬ضبط مسار العلاقات بين الأمم والشعوب،* ‬وفقاً* ‬لأحكامه ومبادئه*.‬
لقد أتيحت* ‬الفرصة لي* ‬للحديث إلى نخبة من المسؤولين* ‬والسياسيين* ‬في* ‬تلك الأمسية الرمضانية،* ‬ووسط أجواء التوتّر التي* ‬تسود العالم،* ‬وتهيمن على علاقات العالم الإسلامي* ‬بالغرب،* ‬وبالدانمارك بصورة خاصة،* ‬نتيجة لما خلفته الرسوم الكاريكاتورية المشينة،* ‬التي* ‬أثارت* ‬غضب المسلمين في* ‬كلّ* ‬مكان ــ اخترت أن أتحدث حول هذا الموضوع،* ‬لغرضين اثنين؛* ‬أولهما* ‬أنَّ* ‬الجهود التي* ‬بذلت على الصعيد الدولي* ‬لتعزيز ثقافة الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات،* ‬هي* ‬اليوم في* ‬حاجة إلى إسناد ثقافي* ‬ودعم فكري* ‬على أكثر من صعيد،* ‬من خلال طرح تصوّرات جديدة واعتماد مقاربات مبتكرة تعطي* ‬لهذه الجهود دفعة قوية*. ‬وثانيهما* ‬أن صورة العالم الإسلامي* ‬في* ‬الغرب،* ‬ليست كما نريدها أن تكون،* ‬ولا هي* ‬تعبّر عن حقائق الأمور،* ‬ولا تعكس الرؤية الإسلامية إلى التعامل مع الآخر من منطلق الإحساس بالأخوة الإنسانية والشعور بالمسؤولية المشتركة إزاء الأوضاع التي* ‬يجتازها العالم اليوم،* ‬ممّا* ‬يقتضي* ‬بذل الجهد من أجل تصحيح المعلومات عن الإسلام،* ‬وعن الحضارة الإسلامية،* ‬وعن العالم الإسلامي،* ‬بلغة تجلي* ‬الحقائق ويفهمها العالم*.‬
أعتقد أن مخاطبة الغرب بلغته،* ‬وبمنطقه،* ‬وبالأسلوب العقلاني،* ‬تلبّي* ‬حاجةٌ* ‬ماسَّةٌ* ‬تقتضيها طبيعة الوضع الحالي* ‬الذي* ‬وصلت إليه علاقات العالم الإسلامي* ‬مع الغرب،* ‬ليس بالمفهوم الجغرافي* ‬فحسب،* ‬بل بالمعنى الثقافي* ‬الشامل والمدلول الحضاري* ‬العميق*. ‬ولقد كانت هذه المحاضرة خطوة في* ‬هذا الاتجاه،* ‬إذ صحّحت بعض المفاهيم،* ‬وقدمت صورة واضحة المعالم للموقف الذي* ‬يتخذه العالم الإسلامي* ‬من قضايا العصر،* ‬وللرؤية الحضارية الإسلامية إلى الأوضاع الدولية،* ‬وأوضحت جانباً* ‬من الحقائق التي* ‬تغيب عن الرأي* ‬العام الغربي* ‬بخصوص معاناة الشعب الفلسطيني* ‬وبشاعة الاحتلال الإسرائيلي* ‬وعدوانه على حقوق هذا الشعب المضطهد*. ‬كما تحدثت عن قضايا أخرى تشغل اهتمامات الرأي* ‬العام الدولي*.‬
التواصـــــــــــل الحضارى
عرفت الإنسانية على امتداد مسيرتها الطويلة انماطاً من الثقافات منها ما جاء في فترات متعاقبة، ومنها ماكان معاصرا لبعضها البعض، ومنها ما تآلف مع غيره أو تنافر معه، وظلت دورة التعاقب الحضاري تطوي الحضارات وتتفاعل مع ثمار التمدن البشري إلى أن جاء الاسلام فأقام كياناً مدنيا جديدا قوامه العلم والمعرفة فنسخ الكيانات السابقة وحارب خرافات الجهالة والتيه السائد في أفق العالم، وانبعثت الحضارة الجديدة بخصائص اجتماعية وثقافية وسياسية فريدة، ونظّر فكراً تنويرياً استطاع أن يصوغ دستورا واضحا لمسيرة المجتمع الإنساني.
وهكذا دأبت منهجية العمل المتبع في صيرورة الثقافة الإسلامية إلى تجميع الرؤى والتصورات التأسيسية لميلاد المجتمع الإسلامي المتناسق والمتناغم مع منظومة الطرح العقدي الجديد، وأصبح للعقل البشري وعاء عقائدي يحدد مساره ويوائم بين معطيات المادةوالروح. وبالرغم من هذه الحقيقة الساطعة في جبين الإنسانية إلا أن بعض المستشرقين يشككون في طبيعة تعامل الإسلام مع ميراث الحضارات السابقة والمعاصرة له! ويزعمون بأنه - أي الإسلام - سعي إلى إقصاء بقية الشعوب والحضارات، إلا أن الحقيقة ليست كما يدعي هؤلاء.
تقديم صورة - ولو كانت تقريبية - عن تعامل علماء الإسلام الأوائل "مؤسسي المدارس العلمية في عهدها الأول" مع التراث العلمي "اليوناني والفارسي" المنتشر آنذاك قدمت التصور الكامل لسمو التعامل والتواصل مع الحضارات الاخرى، وذلك يقتضي إجراء مسح شامل لجميع المواقع الثقافية والمواقف التاريخية للحضارة الإسلامية، ولكن نستطيع القول: إن علماء الإسلام الأوائل كانوا ينشدون الحكمة والمعرفة في أي مكان، فأقبلوا على حركة المعرفة المتداولة على الساحة الإنسانية بروح الرغبة في نشدان الحق، وتقبل رفد الحضارات والثقافات الأخرى والإفادة منها، وهذا ما سار عليه عدد من أئمة العلم والحكمة والنظر، ومنهم على سبيل المثال "يعقوب بن اسحاق الكندي ٢٥٢هـ" الذي يقول منوها بضرورة التعاطي مع معارف الشعوب غير المسلمة ما يلي: "ينبغي الا نستحي من استحسان الحق واقتفاء الحق من أين أتى من الأجناس القاصية عنا والأمم المتباينة معنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق"، فلم يشعر بناة صرح الحضارة الإسلامية بعقدة "نقص" عندما استثمروا ثمار الفكر الإنساني للحضارات المجاورة لهم أو السابقة، بل كانوا السباقين "للتبادل" المعرفي، وكان لهم من الملكة والقوة النفسية والعقدية ما استطاعوا به "احتواء منظومات الفكر اليوناني والفارسي" الذي كان يئن من وطأة "التردد والتيه" لفساد المصادر الدينية وانحراف علاقة الإنسان بخالق الكون.
وتشير بعض مصادر تاريخ العلوم إلى أن الطبيب السرياني "ماسرجويه" نقل إلى العربية كتاباً في الطب من تأليف "أهدن بن أعين القس". من أهل الاسكندرية - وقد أنجزت هذه الترجمة في زمان مبكر من تاريخ الحضارة الإسلامية على عهد الخليفة مروان بن الحكم في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، وخرج الكتاب المترجم إلى الوجود في زمان الخليفة عمر بن عبد العزيز "٩٩ - ١٠١هـ" وتتالت عملية الأخذ والعطاء للحضارة الإسلامية ونشأت ثقافة قوية تخترق الفلسفات والكيانات العلمية المتواجدة في ذلك الوقت… متجذرة في سياق غير مرئي ترعاها عقيدة واضحة المعالم وتتلمس خطاها في نطاق بشري يجسد قيمة إنسانية محضة.
والمصدرية الإلهية تحدد إطار الحركة الإنسانية ولا تلغيها، وتعترف بدور العقل في التفسير والتجديد ولا تتجاهل أثره في الإغناء والإثراء والعطاء، وهذا ما أكده ابن رشد في "فصل المقال" قائلاً: "إن ألفينا لمن تقدم من الأمم السالفة نظرا في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم، فما كان موافقاً للحق قبلناه وسررنا به شكرناهم عليه، وما كان منهاغير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم" فكان هذا دأب علماء الاسلام في التواصل أخذا وعطاء مع مشارب الفكر اليوناني وغيره، ولم يلغ الإسلام في تاريخه الطويل أية عملية "تواصل" مع الآخرين الذين يختلفون معه في صلب العقيدة، بل كان سباقا الى تكوين "حلقة وصل" بين المجموعات البشرية انطلاقا من معرفة "غاية" الإنسان في الكون وضرورة توظيف "العقل" الذي يمثل "أداة راقية للتفاهم" بين الكيانات البشرية، ونقرأ في بعض كتب الحكيم أحمد بن محمد مسكويه "٤٢١هـ" ما معناه "إن العقول في جميع الأمم واحدة في جوهرها، فهي لا تختلف بعضها عن بعض باختلاف البلدان، ولا تتغير بتغير الزمان ولا تشيخ ولا يصيبها الوهن".
وسعت مضامين "الثقافة الإسلامية" إلى تنظيم الحياة الإنسانية وفق منهج علمي واضح يوازن بين طموحات الفرد وتطلعات المجتمع، ويوائم بين "المتغيرات" في عالم الاقتصاد والاجتماع على أساس العدل وإحقاق الحق، فكان نتاج الحضارة الإسلامية خلاصة للتجارب الإنسانية وعصارة فكرها الذي كانت تنشده منذ غياهب الزمن… يانعا، باهراً، في حين كانت الثقافات الأخرى تقف عرجاء تساهم في "تقنين" الظلم الاجتماعي والاقتصادي والاستبداد السياسي فضلاً عن حالة الخواء الروحي وغياب الوازع الداخلي مما يفتح أفقه "الشرة" والاعتداء على مصراعيه.
ويشير إلى هذا المفكر الإسلامي "رجاء جارودي" في كتابه "الإسلام وأزمة الغرب" ص ١٥ "فالاقتصاد يسيطر عليه النمو الذي لا يعدو معناه الرغبة الجنونية في زيادة وسرعة الإنتاج، إنتاج أي شيء نافع، غير نافع، ضار، مميت، لايهم، والسياسة تحكمها علاقات اجتماعية داخلية وخارجية، يسودها العنف المعبر عن صدام المصالح والنزوع إلى السيطرة بين الأفراد والطبقات والأمم، والثقافة عارية عن المعنى والغاية، فالتقنية للتقنية والعلم للعلم، والفن للفن، والحياة للاشيء. والعقيدة خاوية عن التعالي الذي يمثل البعد الإنساني للإنسان". بينما نرى في الجهة الأخرى حيث الثقافة الإسلامية تخطو خطوات جريئة وعظيمة في التمدن الإنساني استوعبت مختلف المضامين الفكرية التي أفرزتها المنظومة البشرية، فلم تكن الثقافة الإسلامية ثقافة عرقية أو عنصرية ولا ثقافة أمة متميزة بانتماء نسبي أو لغوي، وانما هي عقيدة واضحة جلية رسم الوحي معالمها وحدد اتجاهها… ولم تكن حضارة أمة غازية متطلعة إلى السيطرة، ولو كانت كذلك ما انتقلت عواصم الثقافة الإسلامية من المدينة ومكة إلى دمشق وبغداد والقاهرة وبجاية وفاس وبلاد الاندلس وبلاد فارس والهند. فكانت بحق ثقافة تواصل حضاري شعاره التكامل و
التلاقي على حد أدنى من "قيم التعارف الإنساني"، واستقطبت الثقافة الإسلامية الكثير من المآثر والأطروحات العلمية التي شهدتها ساحة الحضارات، ويشير إلى هذا المعنى الاستاذ "محمد النبهان" قائلاً: "ونسيت الشعوب التي دخلها الاسلام تاريخها وحضارتها وثقافتها واستجابت للثقافة الإسلامية المتميزة بخصائصها الدينية والعقائدية والفكرية والسلوكية" وأشار "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" إلى أن مصر التي كان يلوح لنا أنها أصعب أقطار العالم إذعاناً للمؤثرات الأجنبية نسيت في أقل من قرن واحد على دخول الإسلام إليها ماضي حضارتها الذي دام سبعة قرون معتنقة دينا جديدا ولغة جديدة وفنا جديدا.
وأضفت الثقافة الإسلامية صبغة جديدة على مسيرة الفكر الإنساني وأذابت الفوارق الوهمية بين الكيانات الإنسانية، وكرست الصفة التكاملية بين مختلف الثقافات، وبسبب هذا التكوين المتميز أضحت الثقافة الإسلامية أقدر منظومة فكرية استوعبت مدنية المجتمعات السابقة واستثمرت "ثمرات الفكر الإنساني" دون تهميش أو إلغاء لهوية الآخرين، ويشهد التاريخ الإنساني أن "أبا علي الحسن بن عثمان الهجويري الغزنوي"الذي عاش في القرن الخامس الهجري ألف بغير اللغة العربية كتاباً فريداً في تاريخ التصوف ومبادئه ورجاله بالفارسية وهو كتاب "كشف المحجوب" الذي لم يترجم إلى اللغة العربية إلا منذ سنين قليلة، وهذا الكتاب يعد من المراجع الأساسية في بابه، وتقر حركة البحث العلمي المعاصر في تاريخ العلوم أن المهندس المعماري التركي "محمد سنان ١٤٨٩ - ١٥٨٨م" الذي عاصر أشهر فناني النهضة الأوروبية أمثال "مايكل أنجلو" و"بلاديو" و"فنيولي" خلف أروع الآثار المعمارية في وطنه تركيا، ومنها جامع السليمانية وعددا من المساجد والمدارس والمستشفيات والفنادق والقناطر وقنوات المياه وكلها معالم لاتزال قائمة تشهد بعبقرية الرجل وذوقه الفني في الخط العربي والوصول به إلى ذروة الفن الرفيع وحسن إدماجه في نسق المعمار والبناء مما جعل المختصين الأوروبيين يعدون المهندس محمد سنان من أعلام النهضة الحديثة وبناتها. والفلكي والرياضي نصير الدين الطوسي "٦٧٢هـ" وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي "٥٠٥هـ" الذي كتب باللغة الفارسية عدداً من الرسائل المهمة لم تترجم إلى اللغة العربية إلا منذ وقت قريب.
وخلاصة كلمتنا أن الإسلام أسس ثقافة "تواصل حضاري" وأرسى مبادئها تحت سقف "التعارف الإنساني" وجسد هذا داخل كينونة الثقافة الإسلامية ذاتها، ولا جدال في أن هذا التنوع اللغوي والثقافي المدرار لمما يجب عده من مفاخر الإسلام الذي ينكر التفاضل القائم على التعصب القومي وينحو منحى استراتيجيا يستوعب آفاق الكون.
دور اللغة في التواصل الحضاري
فرض اللغات الحية حضورها على الساحة الثقافية والعلمية لقدرتها على نقل مدلولات الثقافة والعلم والأحاسيس والرموز الخاصة لمجتمعاتها سعياً للتواصل مع المجتمعات الأخرى فكلما كانت المساهمات الحضارية كبيرة كلما فرضت اللغة حضورها عالمياً، فاللغة ليست مجرد أصوات وألفاظ ومصطلحات ترمز لأصول الأجناس البشرية بقدر ما هي مطية لنقل ثقافتها ومساهماتها لرفد الحضارة الإنسانية.تعد العديد من اللغات في العالم لغات ميتة أو في دور الاحتضار لأنها لغات لمجتمعات هامشية ينعدم فيها الرفد المعرفي في الحضارة الإنسانية، فهي مجتمعات مستهلكة للمعرفة وغير منتجه لها....لذلك تقف عاجزة عن إيجاد موضع قدم لها بين المجتمعات البشرية.كما أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتحاور والتواصل وأنما هي مطية تحمل الكنوز الحضارية للأمة عبر التاريخ، فبالرغم من أن اللغات القديمة ماتت باندثار أممها لكنها مازالت حاضرة بروافدها المعرفية في الحضارة الإنسانية حيث تبذل الأمم الراهنة مساعي كبيرة لدراسة الألواح الطينية والبحث في المكتشفات الأثرية لتعلم أبجديتها، لتعرف على رفدها المعرفي في الحضارة الإنسانية.يعتقد ((رونيه أوبير))"أن اللغة والكتابة (قبل العلم) تصورات ترمز إلى العالم المادي والاجتماعي، فعن طريق اللغة تتواصل المجتمعات عبر الزمن وعن طريق الكتابة يحضر الزمن. والعبارات الملفوظة والمكتوبة ما هي إلا رموز تعبر عن العلوم ومبادئها ونظرياتها، فالرمزية ظاهرة في الأدب والفن والدين".وتعلن المجتمعات عبر لغاتها عن رفدها المعرفي وعبر الكتابة تورخ أنماط معيشتها وسلوكها وطقوسها ودياناتها وأحاسيسها وجملة علاقاتها الإنسانية الأخرى التي تشكل بمجملها نظامها الاجتماعي المعبر عن وجودها وحضورها في مسيرة التاريخ البشري.إن أبجدية اللغة الحاملة لكنوز المعرفة للمجتمعات تختزل الزمن والتاريخ لتكون حاضرة عبر روافدها المعرفية في الحضارة الإنسانية لأنها سلسلة مترابطة، لايمكن فصلها بعضها عن بعض للتعاطي مع تطور الحاضر بمعزل عن الماضي.يرى ((رونيه أوبير))"أن اللغة ليست مجموعة من الأصوات بقدر ما هي جهاز من المعاني والتكنيك وتجربة مكثفة فيه تورخ جميع العلاقات الفوقية وما يشملها وكذلك الطقوس المثقلة بالرمزية والتأثيرية والسحرية".تفرض اللغة الإنكليزية حضورها العالمي بفضل مساهمة شعوبها في الرفد المعرفي لمختلف العلوم والثقافة في الحضارة الإنسانية بالرغم من أنها لاتمثل لغة الكتلة السكانية الأكبر في العالم. فالحضور السكاني الأكبر لايفرض حضوره اللغوي في العلم والثقافة وأنما العكس الرفد المعرفي الأكبر لمجتمع ما يفرض حضوره اللغوي على مستوى العالم. وتشير التوجهات الدولية الجديدة لاعتماد لغة عالمية واحدة تتواصل من خلالها البشرية جمعاء دون الحاجة لبذل الجهد والوقت اللازمين لتعلم لغات مختلفة بغرض النهل من المعارف الإنسانية. وهذا الأمر لايقلل من أهمية اللغة ذاتها المعبرة عن المجتمعات لأن المعارف الإنسانية من خاصة البشرية جمعاء، ولايعني أن المساهمات العلمية والثقافية لاتخص المبدع ذاته لكنها بنفس الوقت من خاصة المجتمع الذي ينتمي إليه وفي المحصلة فإنها من خاصة المجتمع البشري.يقول ((رامبو))"ما دامت كل لغة (فكرة) فسوف يأتي اليوم الذي تكون فيه اللغة عالمية تتحدث من النفس إلى النفس، لغة لكل العطور والأصوات والألوان لأنها رابطة لكل الأفكار".تعبر اللغة عن الانتماء لمجتمع ما، وبالتالي فإنها صدى لحضارة ما...فكلما كان الرفد المعرفي لتلك الحضارة كبير ومتواصل كلما كانت اللغة والمنتمين لها لهم حضورهم العالمي. وكلما كان الرفد المعرفي لمجتمع ما (حضارة!) ضعيف وغير متواصل مع الحضارة الإنسانية، كلما كان دور اللغة والمنتمين لها هامشي في الحضارة الإنسانية.
من المؤكد أن الحضارة الإسلامية (Islamic Civilization ) كان لها دورها الفعّال في التواصل بين الشعوب، وهذا الدور لم ينقطع على مرّ الزمن، ولكنه في العصر الوسيط (Medieval ) كان أكثر وأعرض وأعمق، وذلك بفضل ما توصلت إليه الحضارة الإسلامية من أسباب التقدم والرقيّ، وحتى العصر الحديث ما زالت هناك آثار لتلك الحضارة. ولعل أجلى ما تتضح عليه صورة ذلك الأثر هو اللغة العربية.
واللغة بصفة عامة تلعب دورًا هامًا في صياغة عقلية الفرد والمجتمع وهو ما ذهب إليه إدوارد سابير (Edward Sapir) ([1 ])من أن: "اللغة تنظم تجربة المجتمع"، وهي التي تصوغ عالمه وواقعه الحقيقي، وأن: "كل لغة تنطوي على رؤية خاصة للعالم". وذهب سابير وورف إلى أن اللغة "أساس تشكيل الأفكار، ودليل على النشاط الفكري للفرد"، "وإن الأمر ليتجاوز ذلك إلى المجتمع ذاته؛ إذ نجدها الأساس الذي تنبني عليه الهوية الاجتماعية علاوة على الهوية الفردية". (2).
وفي هذا المقال سوف نتعرض للألفاظ المشتركة بين اللغة العربية واللغات الأخرى والتي تؤكد دور الإسلام في إيجاد تواصل وتمازج بين الحضارات، وهذا التواصل سيؤدي إلى بناء علاقات حميمة وتفاعلات حضارية تقرّب بين الأطراف المختلفة.
ويتفق هذا البحث مع ما ذهبت إليه مينيكه شيبر (MinekeSchipper) (3 ) من تأكيد على أن الإنسانية تتكون من أقرباء لم يهتموا أبدًا بأن يلتقوا، وأن المعرفة المشتركة هي مفتاح مهم للتعايش السلمي على كل المستويات؛ فالنظر إلى ما نشترك فيه كآدميين مثمر تمامًا، وهو أكثر إلحاحًا اليوم عن أي وقت مضى. هذه نقطة انطلاق تتفوق كثيرًا على الإصرار الدائم على "نحن" في مقابل "هم"، على من ينتمي في مقابل من لا ينتمي، وفي أسوأ الأحوال، إسقاط محاور خطيرة للشر "بيننا" و "بينهم" "Us" and "them" (4 ).
فاللغة لها خاصية إنسانية (Feature of human ) ترتبط بالإنسان دون الحيوان؛ ولذلك عدها (وليام ويتني) مؤسسة اجتماعية (5)، واللغة كائن حي، وكلّما اتسعت حضارة أمة، نهضت لغتها وسمت أساليبها، وتعدّدت فيها فنون القول، ودخلت فيها ألفاظ جديدة عن طريق الوضع، والاشتقاق والاقتباس أو الاقتراض للتعبير عن المسمّيات والأفكار الجديدة، فتحيا هذه اللغة، وتتطور عبر الزمن، وتتلاقح مع غيرها من اللغات.
ولا أحد منّا ينكر أنّ اللغات تتداخل وتتلاقح كلما اتصلت إحداها بالأخرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأنّ أية لغة من اللغات في العالم كما تؤثر في غيرها، فإنها أيضًا تتأثر. وإنّه "من المتعذر أن تظل لغة بمأمن من الاحتكاك بلغة أخرى" (6). ويرى عالم اللغة الفرنسي (جوزيف فندريس) أن تطور اللغة مستمر في معزل عن كلّ تأثير خارجي، يُعدّ أمرًا مثاليًّا لا يكاد يتحقق في أية لغة، بل على العكس من ذلك، فإنّ الأثر الذي يقع على لغة ما من لغات مجاورة لها، كثيرًا ما يؤدي دورًا هامًّا في التطور اللغوي، ذلك لأنّ احتكاك اللغات ضرورة تاريخية، واحتكاكها يؤدي حتمًا إلى تداخلها (7).
يقول المستشرق إرنست رينان (Ernest Renan) (8 ) في كتابه تاريخ اللغات السامية (Histoire générale des languessémitiques ): "إن انتشار اللغة العربية ليعتبر من أغرب ما وقع في تاريخ البشر كما يُعتبر من أصعب الأمور التي استعصى حلها؛ فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدت فجأة على غاية الكمال سلسة غاية السلاسة، غنية أي غنى،... وإن اللغة العربية - ولا جدال - قد عمّت أجزاء كبرى من العالم".
ويقول جوستاف لوبون (Gustave Le Bon) (9 ) صاحب كتاب حضارة العرب (La civilisation des Arabes) (10 ): "كلما تعمّق المرء في دراسة العربية تجلّت له أمور جديدة، واتسعت أمامه الآفاق، وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلاّ بوساطة العرب، وأن العرب هم الذين مدّنوا أوروبا في المادة والعقل والخلق".
ويقول ديفيد صمويل مرجليوث (11) (Margoliouth ) الأستاذ بجامعة أوكسفورد: "أن اللغة العربية لاتزال حية حياة حقيقية، وهى واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاء لم يحصل عليه غيرها، الإنجليزية الإسبانية أختاها تخالف أختيها بأن زمان حدوثهما معروف، ولا يزيد سنهما على قرون معدودة، أما اللغة العربية فابتداؤها أقدم من كل تاريخ".
ويقول الأستاذ ماكس فانتا جوا (Max Vintéjoux ) في كتابه "المعجزة العربية" (Le miracle arabe ): "الحق أن مؤرخينا قد حاولوا جهدهم أن يجعلوا من العالم الغربي محورًا للتاريخ مع العلم بأن كل مراقب يدرك أن الشرق الأدنى هو المحور الحقيقي لتاريخ القرون الوسطى. إن تأثير اللغة العربية (Arabic influence ) قد شكّل تفكيرنا بصورة كبيرة" (12).
وقد لاحظ ذلك فيلسوف الحضارة أزوالد شبنجلر (13) (Oswald Spengler ) في كتابه الشهير "سقوط الغرب"Downfall of the (Occident قائلاً: "لقد لعبت العربية دورًا أساسيًّا كوسيلة لنشر المعارف، وآلية التفكير خلال المرحلة التاريخية التى بدأت حين احتكر العرب على حساب اليونان Greek والرومان Romans عن طريق الهند، ثم انتهت حين خسروها" (14).
والاحتكاك المباشر وغير المباشر بين الشعوب ولغاتها أدّى إلى انتقال مفردات اللغة العربيةِ( Arabic vocabulary ) إلى اللغات الأخرى (other languages ). كالإسبانية Spanish والإيطالية Italian ، واليونانية Greek والتركية Turkish والفارسية والإنجليزية والفرنسية.. الخ (15).
ونتيجة للتعايش (Coexistence ) بين اللغات يقع التأثير والتأثر بين فيما بينها ويتمثل في اقتراض الألفاظ (Borrowing words )، فيتسع محل اللغة وتتطور وتزداد حيويتها، وتلك سنة اللغات حين التعايش والاحتكاك
(Coexistence and friction ) والتجاور (Dialogue ). ونجد اللغة العربية كغيرها من اللغات في العالم عبر التاريخ تداخلت مع اللغات الأخرى حين احتكت، واتصلت بالأمم المجاورة بسبب الحروب والمعاملات التجارية والثقافية، فأثّرت وتأثّرت حسب قانون التجاور والتواصل الحضاري (16).
وقد أدّى التواصل الحضاري واللغوي (Cultural communication and linguistic ) إلى دخول الآلاف من الكلمات العربية إلى اللغات الأجنبية، وتنوعت تلك الألفاظ ما بين علمية وأدبية وحياتية تتعلق بأمور المعيشة، بل والمصطلحات العلمية أيضًا، وقد ذكر ابن سينا الكثير من العقاقير التي دخلت في علم النبات، وعلم الصيدلة عند الأوروبيين، وظل الكثير منها بأسمائها العربية في اللغات الأجنبية كعنبر (Ambra )، والزعفران (Safaran ) والكافور (Kampfer )، والتمر الهندي(Tamar inda ) وعود الند(Aloe ) والحشيش (Haschisch ) والمسك (Muskat ) والصندل (Sandelholz ) وغيرها.. ويكفي العرب فخرًا ما بقي من الأسماء الطبية في اللغات الغربية كالكحول والصداع (Soda )، وقد سجّل الأستاذ ويسلر في كتابه "الحضارة العربية" الكلمات العربية التي دخلت اللغات الأجنبية (17).
وتطلق الأرقام العربية (Arabic numerals ) على الرموز الكتابية التي تمثل الأعداد وتكتب على النحو الآتي:1-2-3-4-5-6-7-8-9-0، وذلك في مقابل الأرقام الرومانية التي كانت مستعملة من قبل مثل I.V.X.D.M .. والغريب هو أن تعترف القواميس الغربية بأن الرموز الرقمية المستعملة في أوروبا وأكثرية بلدان العالم هي أرقام عربية، وأن يعتقد الكثيرون من العرب اليوم أنها أرقام غربية إفرنجية.
وقد نُقلت كلمة "صفر" العربية والصفر هو الخالي أو الخلوى، إلى اللاتينية هكذا: ( Cifra Cifrum ) بمعنى "الصفر"، ثم أُطلقت من بعد على العدد عامة، كما نجد في اللغات الأوروبية: (chiffre ) في الفرنسية و(cifra ) الأسبانية. ومنها أخذت كلمة "السفرة" في الدبلوماسية أي اللغة الرمزية؛ لأنها تقوم على أرقام (18).
ويتضح أثر العرب على حياة الغرب الحضارية حتى في أسماء الأيام Names of days التي يستعملونها فلو عدنا إلى أصلها لما بعدت الحقيقة عن أنهم أول من فكّر فيها؛ فقد جاء عن إخوان الصفا (19).
"اعلمْ أن الليل والنهار وساعاتهما مقسومة بين الكواكب السيارة، فأول ساعة من يوم الأحد للشمس، وأول ساعة من يوم الاثنين للقمر، وأول ساعة من يوم الثلاثاء للمريخ، وأول ساعة من يوم الأربعاء، لعطارد، وأول ساعة من يوم الخميس للمشتري، وأول ساعة من يوم الجمعة للزهرة، وأول ساعة من يوم السبت لزحل"(20). ودعنا نبحث عن أسماء الأيام باللغتين الإنجليزية والفرنسية، فستكون النتيجة مطابقة لا مثيل لها أُخذت من حسابات العرب والمسلمين وحضارتهم، فالأيام: الأحد Sunday والاثنين Monday ، الثلاثاءTuesday ، الأربعاءWednesday ، الخميسThursday ، الجمعة Friday ، السبتSaturday ؛ فالأحد يوم الشمس والاثنين يوم القمر والثلاثاء يوم تموز وهو آلهة الرعد قديمًا والجمعة يوم الآلهة في Friy زوجة عطارد وتشبه الزهرة في صفاتها وزحل للسبت، أما في الفرنسية فإن Mardi هو مارس المريخ ليوم الثلاثاء، وMardi الأربعاء يوم عطارد، و Mercridi ليوم الخميس المشتري، Jeudi يوم الجمعة وهو يوم الزهرة، فإذا كانت الحضارة الغربية بحاجة إلى الاستعانة وبالأسماء العربية، وأخذتها من الحضارة الإسلامية فكيف ينكر أثرها الواضح».
وتحفل لغات أوروبية عديدة بكلمات وعبارات استعارتها من اللغة العربية، وبما أن الأفكار والمفاهيم تتخذ شكلها في صورة كلمات، فإن الدَّين الثقافي الذي يدين به الغربيون للحضارة العربية الإسلامية ينعكس في الكلمات المستعارة من اللغة العربية والتي يستخدمها المثقفون والمتعلمون من الغربيين في لغاتهم حتى يومنا هذا؛ فإذا أخذنا على سبيل المثال كلمة سراط، فهي strada ،street ، strase ، هذه كلمات مشتركة لها أساس في اللغة العربية وهي فعل سار – سيرا العربي. وإذا أخذنا كلمة سطر، أسطورة، تبين لنا أنها امتدت في العديد من اللغات بشكل History ، فإما أن تكون هذه الأفعال العربية مشتقة من هذه الأسماء المشتركة التي تدل على معناها، وهذا بعيد عن المنطق السليم، و إما أن هذه الأسماء مشتقة من هذه الأفعال العربية، وهذا أقرب إلى المنطق السليم.
وكلمة Safari في اللغات الأوروبية والتي تعني الرحلة وخاصة رحلات القنص، مأخوذة من الكلمة العربية سفري نسبه إلى سفر. وكلمة Racket وكلمة raquette مضرب التنس، مأخوذة من العربية راحة نسبة إلى راحة اليد كلمة Magazine معناها إما مجلة أو مخزن للذخيرة أو البضائع، وهي أصلاً من الكلمة عربية مخزن. وكلمة Amber بمعنى الكهرمان، أصلها عربي وهي عنبر. وكلمة Admiral من العربية أمير البحر، وكلمة Alcove من العربية القبة، وكلمة Algebra من العربية الجبر، وكلمة Apricot من العربية البرقوق، وكلمة Arsenal من العربية دار الصناعة وكلمة Cumin من العربية كمون، وكلمة Gazelle من العربية غزال، وكلمة Genie من العربية جنّي، وكلمة Lute من العربية العود، وكلمة Tariff من العربية تعريفة، وكلمة Typhoon من العربية طوفان.
ونلاحظ التناغم العجيب، ونتخيّل معًا مدى التقارب بين كلمة عربية، وهي كلمة رفض نجدها في الإيطالية Rifiuto والفرنسية ريفوز refuser ، وأخرى إنكليزية REFUSE . يحملنا ذلك على ضرورة إدراك القواسم المشتركة بين كل اللغات ودلالتها الحضارية.
ويُعدّ انتشار الكلمات العربية داخل اللغة الإسبانية دليل على عمق التأثير العربي والإسلامي الذي يظل حتى يومنا هذا شاهدًا على حضارة أسّسها العرب في شبه الجزيرة الإيبيرية (Iberian Peninsula) (21 ). فمع الفتح الإسلامي للأندلس (22) فتحت صفحة لالتقاء ثقافتين ثقافتين هما العربية الإسلامية واللاتينية المسيحية، اتصلتا وتفاعلتا فتعرّضتا للتأثير المتبادل عبر عصور التعايش المشترك(23).
وقد لاحظ المستعرب الإسباني (Arabista español ) خوان برنيط (Juan-Vernet ) في كتابه "المسلمون الإسبان"
( LOS MUSULMANES ESPAÑOLES ) إنه من العسير جدًا أن نحدد مدى التأثير الإسلامي في شبه الجزيرة الإيبيرية، ذلك أن الأندلس كانت دائمًا هدفًا للهجرات الشرقية مما يكون له أثره فيما قبل الإسلام بكثير على أن هناك أشياء ماثلة لا يمكن الشك في أنها إسلامية، وذلك ما هو موجود في اللغة من ألفاظ وتعبيرات(24).
أما عن تأثير اللغة العربية
في اللغة الإيطالية
فيقول رينالدي: "لقد ترك المسلمون عددًا عظيمًا من كلماتهم في اللغة الصقلية والإيطالية، وانتقل كثير من الكلمات الصقلية التي من أصل عربي إلى اللغة الإيطالية ثم تداخلت في اللغة العربية الفصحى، ولم تكن الكلمات فقط هي التي دخلت إيطاليا، وإنما تسرّبت أيضًا بعض جداول من الدم العربي في الجالية العربية التي نقلها معه إلى مدينة لوشيرا، الملك فريدريك الثاني... ولا يزال الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في لغتنا الإيطالية التي تفوق الحصر دخلت اللغة بطريق المدنية لا بطريق الاستعمار... إن وجود هذه الكلمات في اللغة الإيطالية، يشهد بما كان للمدنية العربية من نفوذ عظيم في العالم المسيحي".
ومن أمثلة الكلمات العربية التي دخلت الإيطالية كلمة قالب العربية (25) نجدها في الإيطالية calibro ، وكلمة مرتبة materasso بمعنى فراش (26) وكلمة الكحول العربية نجدها في الإيطالية alcol ، وكلمة chitarra من العربية قيثار، وكلمة طرمبة العربية: Trmbp ، وتعني مضخة المياه، وكلمة مملوك العربية نجدها في الإيطالية mamelucco ، وسلطان sultano ، وزرافة giraffa ، وقيراط carato .
هذا الزخم إن دل على شيء فإنما يدلّ على عمق التواصل الحضاري بين شعوب الأرض قاطبة.











الهـــــــــــوامش:
(1) إدوارد سابير 1884 -1939م. عالم أمريكي متخصص في علم الأنثروبولوجيا وعلم اللغة. بحث في العلاقة بين اللغة والثقافة والشخصية وساعد في تأسيس فرعين جديدين للبحث في علم الإنسان هما: علم الإنسان اللغوي، وعلم الإنسان النفسي. للمزيد راجع، صابر الحباشة: من قضايا الفكر اللساني في النحو والدلالة واللسانية صفحات للدراسات والنشر، 2009 م.
(2) للمزيد راجع، إدوارد سابير: اللغة مقدمة في دراسة الكلام، ترجمة المنصف عاشور، الدار العربية للكتاب، تونس، 1997، ص 155.
(3) مينيكه شيبر تعمل أستاذة في الدراسات الأدبية المقارنة بجامعة لايدن في هولندة، ولها العديد من الكتب والدراسات حول المرأة والأدب في الثقافات المختلفة.
Mineke Schipper, Never Marry a Woman with Big Feet, Yale University Press, 2003 .
(4) مينيكه شيبر: النساء في أمثال الشعوب؛ إياك والزواج من كبيرة القدمين، ترجمة منى إبراهيم وهالة كمال، دار الشروق، القاهرة 2008، ص 25.
(5) فردينان دي سوسير، محاضرات في الألسنية العامة، ترجمة يوسف غازي ومجيد النصر، ص21.
(6) رمضان عبد التواب: فصول في فقه اللغة، مكتبة الخانجي، ط 3، القاهرة 1987، ص 258..
(7) فندريس: اللغة، ترجمة عبد الحميد الدواخلي، مكتبة أنجلو المصرية، القاهرة، ص 34..
(Cool إرنست رينان Ernest Renan مؤرخ وفيلسوف ومستشرق فرنسي، تعمق في معرفة اللغات، وخاصة اللغات السامية، حتى صار من ثقاتها. راجع أنور محمود زناتي: زيارة جديدة للاستشراق، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
(9) جوستاف لوبون: (1841 - 1931) طبيب، ومؤرخ فرنسي، عُني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند و"حضارة العرب في الأندلس". راجع أنور محمود زناتي: زيارة جديدة للاستشراق، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
(10 ) جوستاف لوبون: حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1956.
(11) ديفيد صموئيل مرجوليوث Margoliouth (1858م-1940م) بدأ حياته العلمية بدراسة اليونانية واللاتينية، ثم اهتم بدراسة اللغات السامية، فتعلم العربية، ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه في السيرة النبوية، وكتابه عن الإسلام. راجع، أنور محمود زناتي: زيارة جديدة للاستشراق، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
(12) راجع مقال علماء اللغات فى أوروبا وأمريكا يؤكدون عالمية اللغة العربية، المجلس الدولي للغة العربية
http://www.alarabiah.org/index.php?o...=73&pooo=3
(13) ولد شبنجلر في مدينة بلاكنبورغ، وذلك في شهر أيار سنة 1880 وحين شبّ درّس العلوم الطبيعية في جامعة برلين، وبعد تخرّجه رحل إلى مدينة ميونخ ليعيش بقية عمره في القراءة والكتابة، معزولاً، أو معتزلاً الناس، ومنقطعًا للبحث والتنقيب، حتى مات في شهر أيار، سنة 1936. راجع، أنور محمود زناتي: علم التاريخ واتجاهات تفسيره، مكتبة الأنجلو المصرية، 2007 م، ص 119.
(14) كتب شبنجلر كتابه الشهير "سقوط الغرب" في مرحلة ما بين 1918 و1922، فدشَّن فيه نمطًا من الكتابة التاريخية الحضارية ترتكز على أساسين اثنين حاسمين، هما "التشاؤم البطولي"، و"الثأرية المضادة". راجع، طيب تزيني: التشاؤم البطولي والثأرية المضادة، جريدة الاتحاد الإماراتية، بتاريخ 3 مارس 2009 م.
(15) إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1978م، 117.
(16) سعيد أحمد بيومي: أم اللغات، دراسة في خصائص اللغة العربية والنهوض بها، مكتبة الآداب، ط1، القاهرة، 2002 ص 36.
(17) لمزيد من التفاصيل راجع، عبد الرحمن بدوي، دور العرب في تكوين الفكر الغربي، دار الآداب – بيروت، 1965.
(18) لمزيد من التفاصيل راجع، أنور محمود زناتي: الطريق إلى صدام الحضارات، مكتبة الأنجلو المصرية، 2006 م.
(19) إخوان الصفا: فرقة فكرية عُرفت باسم "إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء"، اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية. وقد عرفت هذه الرسائل رواجًا كبيرًا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، كما يظهر من خلال العدد الكبير الذي وصلنا من نسخها المخطوطة، لمزيد من التفاصيل. انظر دراسة الأستاذ الكتور محمود إسماعيل: إخوان الصفا: روّاد التنوير في الفكر العربي، المنصورة، 1996 م.
(20 ) إخوان الصفاء: رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، ط2، دار صادر، بيروت، 2004 م.
(21) ظلت المؤثرات الحضارية الإسلامية بالأندلس من 711م، واستمرت حتى بعد خروجهم منها سنة 1492م.
(22) في الفترة ما بين عامي 711م و714م بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير وسقوط دولة القوط الغربية، وبذلك يبدأ العصر الإسلامي في الأندلس الذي مدته (800) عام تقريبًا حتى سقوط مملكة غرناطة سنة 1492م.
(23) كريستوبال كويفاس غارسيا: الإسلام. محتواه وتاريخه وأثره في التفكير الديني المسيحي بإسبانيا، قام بعرضه عبد الرحيم الجباري في ملحق الفكر الإسلامي لجريدة "العلم" المغربية، عدد 54،11 دجنبر 1992، ص 3.
(24)Barcelona: Ediciones Sayma, 1961
(25) حازم جهلوم: كلمات لها تاريخ في اللغات الأوروبية واللغة العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2007 م، ص 194.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.sidiameur.info
 
بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى
استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» بحث عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى - بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى
» بحث علمى عن اثر اللغه فى التواصل الحضارى
» بحث علمى عن شبكات التواصل الاجتماعي كامل بالتنسيق
» بحث عن شبكات التواصل الاجتماعي - بحث علمى عن شبكات التواصل الاجتماعي كامل بالتنسيق
» بحث عن شبكات التواصل الاجتماعي - بحث علمى عن شبكات التواصل الاجتماعي كامل بالتنسيق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
سيدي عامر إنفو :: القسم الدراسي والتعليمي :: التوظيف والمسابقات دروس و البحوث :: البحـوث والكتب الجـامعية والمـدرسيـة الشـاملة-
انتقل الى: