الإثنين 15 مايو - 11:57 الإثنين 8 مايو - 22:14 الأحد 19 أغسطس - 16:42 الأحد 19 أغسطس - 15:17 السبت 18 أغسطس - 17:10 السبت 18 أغسطس - 17:00 السبت 18 أغسطس - 16:56 السبت 18 أغسطس - 14:52 السبت 18 أغسطس - 10:07 الخميس 16 أغسطس - 17:02 الخميس 16 أغسطس - 16:54 الأربعاء 15 أغسطس - 18:13 الأربعاء 15 أغسطس - 18:08 الأربعاء 15 أغسطس - 10:21
فتوى الأمير عبد القادر في وجوب الهجرة إلى دار الإسلام
كاتب الموضوع
رسالة
Labza.Salem Admin
عدد المساهمات : 43954 نقاط : 136533 تاريخ التسجيل : 12/09/2014 العمر : 29 الموقع : سيدي عامر
موضوع: فتوى الأمير عبد القادر في وجوب الهجرة إلى دار الإسلام الأربعاء 17 سبتمبر - 2:06
إنَّ للأمير عبد القادر الجزائري رسالة علميَّة فقهيَّة مُحْكَمَة، عنوانها : (حسام الدين لقطع شُبَهِ المرْتدِّين)، تحدَّث فيها عن الحكم الشرعي في المسلمين الذين يرضون بالنزول تحت حكم الكافر ويخضعون لأحكامه
أو الذين يمدون جيش المحتلِّ الكافر بالمعونة والمساعدة، أو الذين يشاركون فعليًا في أعمال المحتلّ الصليبي وينفِّذون أوامره. وهذه الرسالة معتمدة على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة، وفتاوى أئمَّة المسلمين، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهي محرَّرة وفق قواعد الفقه المالكي. وهي من أوائل الرسائل العلمية للأمير عبد القادر. وهي بحق رسالة فريدة في موضوعها في ذلك العصر، تضارعُ رسالة العلاَّمة الونشريسي (أسنى المَتَاجِر في بيان أحكام مَنْ غلَبَ النصارى على وطنه ولم يُهاجر، وما يترتَّبُ عليه من العقوبات والزَّواجر). ويمكن لقارئ الرسالتين أن يعتمد عليهما في مسألة حكم الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، وغيرها من الأحكام المتعلِّقة بالموضوع. وحديثي اليوم ليس عن مضمون رسالة الأمير بالتفصيل، وإنَّما عن التحريف التاريخي لحقيقة هذه الرسالة، الذي وقع فيه ناشر ومحقق تلك الرسالة: الدكتور محمد بن عبد الكريم. فأقول: إنَّ للأخطاء التاريخية أسبابًا متعددة، أقف اليوم على أحدها: ـ وهو أن بعض المؤرِّخين قد يعتمدُ في مسألة تاريخيةٍ ما على نتيجةِ دراسة أو بحث لأحد زملائه أو معاصريه، ظنًّا منه أن ذلك الباحث قد استقصى البحث، وتوصَّل إلى حقيقة تاريخية ثابتة، وهذا يريحه من بذل الجهد والوقت في تتبع تلك المسألة. والمصيبة عندما يكون ذلك الباحث قد أخطأ، وتوصَّل إلى نتيجة باطلة، إما بسبب ضعفه العلمي أو قصوره البحثي، أو تأثُّره بعاطفة خاصة مرتبطة بالمسألة. والنتيجة : يترسَّخ ذلك الخطأ التاريخي في أذهان الناس، بسبب شيوعه وكثرةِ الكتَّاب الرَّاوين له، فيصبح وكأنَّه حقيقة ثابتة!! وهذا ما حصل مع بعض المؤرِّخين الجزائريين الكبار أمثال الدكتور أبي القاسم سعد الله حفظه الله ونفع به، وغيره، فإنهم اعتمدوا على نتيجة الدراسة التي نشرها د.محمد بن عبد الكريم بعنوان (حكم الهجرة من خلال ثلاث رسائل جزائرية) وحاصلها بزعم الدكتور ابن عبد الكريم أنَّ: الأمير عبد القادر الجزائري كتب رسالة يوصي فيها الشعب الجزائري بالهجرة من الجزائر إلى بلاد المشرق!! فردَّ عليه شخص يُعرف بمحمد بن الشاهد برسالة تبيّن خطأه!!! وأقول: رسالة الأمير هي: ((حسام الدين لقطع شبه المرتدين)) التي ذكرتها آنفًا، وهي رسالة فقهية مشهورة ومنشورة، وليس فيها أي ذكر للهجرة إلى المشرق مطلقًا، وإنما مفادها أنَّ الأمير يطالب الجزائريين النازلين تحت الحكم الفرنسي، أن يهاجروا إلى المقاطعات التابعة لدولته الإسلامية! وأنه لا يجوز لهم التودد إلى الحاكم المسيحي والاحتكام إليه، كما لا يجوز لهم أن يعينوا العدو الفرنسي على إخوانهم المسلمين. وأمّا رسالة ابن الشاهد فهي ترد على أحد الشيوخ الذين هاجموه لأنه يساكن الفرنسيين ويخضع لحكمهم، ويتودد إليهم! وابن الشاهد مات قبل أن يكتب الأمير رسالته بخمس سنوات على الأقل، وهذه وحدها فضيحة علمية لصاحب الدراسة الذي سمَّى عمله تحقيقًا، وكان السبب في تضليل بعض المؤرِّخين. أضف إليها عشرات الحقائق التي تثبت على وجه اليقين أنَّ رسالة ابن الشاهد لا علاقة لها برسالة الأمير وليست ردًّا عليها. وأنّ رسالة الأمير رسالة علمية شافية معتمدةٌ على النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة الصحيحة، وفتاوى أئمة المذهب المالكي. وكنتُ كتبتُ ردًّا على رسالة ابن الشاهد، وأضعه اليوم بين أيدي القرَّاء والباحثين، ليروا بأنفسهم كيف تكون الجناية التاريخية! وقد اطَّلع على الرّد بعض الأساتذة المؤرِّخين الجزائريين، فسارع إلى الرجوع عن هذا الخطأ في الطبعة الثانية من أحد كتبه التي اعتمد فيها قديمًا على دراسة د.ابن عبد الكريم. والحمد لله رب العالمين. تجلية الأمر ثم الإعلام
بصحة فتوى الأمير عبد القادر في وجوب الهجرة
من دار الكفر إلى دار الإسلام
تأليف الدكتور
خلدون بن مكي الحسني الجزائري
الحمد لله ربِّ العالمين ، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمّا بعد :
فالأمانة العلمية شأنها عظيم ، وكلُّ من يريد حملَها عليه أن يعلمَ من نفسه القدرة على ذلك لأنَّه سيسأل أمام الله تعالى ، وأمام الناس عن كلامه وعلمه . ولذلك كان سلف هذه الأمَّة من العلماء الذين اشتهروا بالعلم والفهم والتقوى لا يُقْدِمون على الفتوى أو على إملاء الكتب حتى يشهد لهم العشرات من أئمة زمانهم أنهم أهلٌ لذلك ؛ ولا يكتفون بما حصَّلوا من العلوم وجمعوا ؛ فإذا عزموا على الخوض في الكتابة والبحث توكَّلوا على الله وأخلصوا له النيَّة ، لذلك تجد كتبهم قد خلَّدها الله عزَّ وجل ونفع بها الأمة وجنَّبهم الزلل . قدَّمت بهذا الكلام ، ليرى القارئ الكريم كيف كان نهج علماء هذه الأمة ـ وهم الفحولُ ـ من الحيطة والحرص على الأمانة العلمية ، وكيف أصبح نهج بعض المعاصرين من كتَّابنا الذين يسرعون إلى الكتابة في الأمور الجليلة ، قبل أن يتحصَّل لديهم حظ مقبول من العلم والفهم ، أو تَرْسخَ لهم قدم في مضمار العلم والنظر فيه ، بَلْهَ شهادة العلماء فيهم . [b]ونتيجة لذلك ضاعت الحقائق ، والتبست الأمور على الناس وظهر الجهل بلباس العلم . ولعلَّ مجالَ تحقيقِ الكُتُبِ والرسائلِ والمخطوطات ، وصحة نسبتها إلى مؤلفيها هو من أدق مجالات العلم ، ولا يتصدى له إلاّ الراسخون فيه ، ولا يجرؤ على اقتحام مسلكه إلاّ فحلٌ مقتدرٌ مشهود له بذلك ، وصدق أبو الطيِّب عندما قال:
ما كلُّ منْ طلبَ المعالي نافذًا *******فيها ولا كلُّ الرِّجالِ فُحولا
[/b]وأمَّا إذا خاض هذا المجال من هو ليس أهلاً له فإنك ستجد العجب العُجاب في عمله من تصويبٍ للخطأ ، ورفعٍ للخسيس ووضعٍ للشريف ، وجَعْلِ المتقدم يسرق من المتأخر وجعلِ الأموات يردون بالفتاوى على الأحياء!!! وهذا ما حصل مع صاحب كتاب : "حُكم الهجرة من خلال ثلاث رسائل جزائرية" وهو : د.محمد بن عبد الكريم ، وقد ذيَّل العنوان بقوله "دراسة وتحقيق"، وهذا الكتاب نشرته الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1981. وسأعرض للقارئ الكريم بإيجاز عمل د.محمد بن عبد الكريم في تحقيقه ليتبين له صدقَ ما أقول ، فأبدأ مستعينًا بالله العليم الحكيم فأقول : أولاً : إنَّ لغة الكاتب ضعيفة وهذا واضح لكل من يقرأ الكتاب ، وإني لأعجب منه كيف يحكم على لغة الرسائل التي يحققها من حيث الرصانة والبلاغة وحسن السبك وهو لا يحسن سبك الجمل! فانظر إلى قوله ص 8 : " ... والدليل على ذلك لم يوجد ـ الآن ـ مسلم واحد من مسلمي الأندلس بقي على دين الإسلام بأرض الأندلس" . وإلى قوله ص 9 : " ... وأخلوا البلاد للفرنسيين ، الذين ذلك ما كانوا يبغون .." وإلى عجيب قوله ص 11 : " ... إن فرنسا كانت عاجزة أن تجعل أرض الجزائر "دار كفر" وبسبب هذا العجز قد شاء القدر أن تبقى "دار إسلام وإيمان" . ا هـ وأكتفي بهذه الأمثلة . ثانياً: إذا تأمّلتَ في الحواشي التي وضعها المؤلف ليفيد القارئ بمعلومة جديدة أو ليزيل الغموض عن أمرٍ ما ، وجدتَ أنَّ كثيرًا من هذه الحواشي قد زَوَّدَت القارئ بمعلومات خاطئة وشوشت عليه الفكرة الأصلية ، وهي تدلّ على ضعف المحقق العلمي. ومن ذلك مثلاً : أ - حاشيته رقم (1) ص 62 تعليقًا على قول الأمير عبد القادر : "قال صاحب المغني .." قال في الحاشية : ((هو كتاب في أصول الفقه ، مؤلفه أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي الحنفي المتوفى سنة 691هـ 1292م)).انتهى والصواب أن كتاب "المغني" : هو كتاب في الفقه على المذاهب الأربعة وغيرها لمؤلفه "ابن قدامه المقدسي" وهو من الشهرة بحيث إذا أطلق لفظ كتاب المغني انصرف المعنى إليه وهو الكتاب الذي نقل منه الأمير والنص الذي نقله موجود فيه بلفظه ، فلو أن المحقق لم يضع تلك الحاشية لكان الأمر أهون. ب - حاشيته رقم (1) ص 95 تعليقًا على قول الإمام الونشريسي : " ... لظاهر قوله r "إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها" ، قال في الحاشية : ((جاء في الجامع الصغير للسيوطي : "إنَّ الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".رواه ابن ماجه)).ا.هـ ولا أدري ما وجه المطابقة بين الحديثين ، وما فائدة هذه الحاشية . والصواب أن يقول : لفظ الحديث : ((إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به))[رواه البخاري ومسلم] لو فعل ذلك لاستفاد القارئ معنى الحديث ودرجته، ولا يكون المحقق قد تصرَّف في كلام الإمام الونشريسي! ولكنه عَدَل عنه إلى حديث آخر ضعيف، ومختلف تمامًا في المعنى، والدرجة!!([1]) ج- حاشيته رقم (2) ص 114 تعليقًا على قول ابن الشاهد : " ... يا سادتي إنَّ المساجد إنما هي أمكنة تؤدى فيها العبادات ، وليست من الدِّين ، لأن الدين عند الله الإسلام"، قال في الحاشية: ((فيه إشارة إلى قوله r :"جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا"))ا.هـ و يا للعجب أيةُ إشارة هذه!! وكيف فهم الدكتور المحقق من لفظ الحديث أن النبي r يُشير إلى أن المساجد ليست من الدين؟!! الصواب أن يقول : وهذا القول من ابن الشاهد شنيع ومردودٌ عليه ولم يقل به أحد، وهو خلاف الدين. وأظن أن في هذه الأمثلة كفاية ! ثالثاً : عندما ذَكَرَ المحقق مؤلفي الرسائل وهم : الأمير عبد القادر الجزائري، والإمام الونشريسي، وابن الشاهد الجزائري، وضع حاشية قدرها صفحة كاملة وهو يعدد أسماء الكتب التي ترجمت للأمير عبد القادر وللإمام الونشريسي، في حين لم يضع حاشية تشير إلى من ترجم لابن الشاهد الجزائري. وعندما بحثتُ عن ترجمة له فإنني وقفتُ على ثلاثة رجال بهذا الاسم ولكنهم كانوا في أزمان بعيدة عن زمن كاتب الرسالة إما قبله أو بعده! فيبقى هذا الشخص غير معروف الهوية! ثم هل من أصول التحقيق أن تُذكر المراجع التي ترجمت للشخص دون أن يُذكر في المتن أي تعريف بالشخص؟ . . . وعادةُ المحققين أنهم يترجمون للشخص ثم يضعون حاشية بالمراجع التي ترجمت له للاستزادة. وانظر ما قاله ص 5 وهو يعرِّف بالرسائل : ((إحداها :"حسام الدين لقطع شبه المرتدين" لمؤلفها أبي محمد الحاج عبد القادر بن محي الدين بن مصطفى الحسني الجزائري ، المعروف بـ : "الأمير عبد القادر" صاحب كتاب "المواقف" وغيره، المتوفى سنة 1300هـ = 1883م ، ثم عدد في الحاشية ثلاثة وعشرين مرجعاً ترجمت للأمير! وأقول : إنني لم أجد أحدًا يعرِّف الأمير عبد القادر بالصورة التي عرفه بها الكاتب المحقق . وهي صورة جامدة لا تشعر بالاهتمام ، وقد لا يخطر ببال القارئ أنّ الكاتب جزائريٌ أيضًا! وانظر كيف يعرِّف العلماء الأمير في معرض كلامهم إذا استشهدوا بأقواله ، فضلاً على تعريفهم له في كتب التراجم ، قال علاَّمة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله، في كتابه "قواعد التحديث" ص 372 : ((وقال السيدُ الشريفُ المشتهرِ فَضْلُه في سائر الأقطار الأمير عبد القادر الحسني الجزائري ثم الدمشقي في مقدمة كتابه "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل")).انتهى وما قُلته بشأن الأمير يقال أيضًا بشأن الإمام العلاَّمة الونشريسي الذي لم يَنَل حقَّه من التعريف والإشادة بمكانته المرموقة! وأمَّا ابن الشاهد الجزائري فلم يذكر لنا المحقق مَنْ ترجم له ولا من عرَّف به، ولكنه أفادنا ـ من عند نفسه ـ أنه مفتي الجزائر العاصمة، وأنه غزير العلم بالنسبة إلى قطره في عصره! وأنا لم أعثر له على ترجمة أو تعريف. رابعًا: وهنا بدأ بحث الدكتور المحقق في الرسائل من حيث موضوعها، والدافع إليها والهدف منها، فقال عن رسالة الأمير عبد القادر: ((إنَّ هدف الأمير بفتواه: إرواءُ ظمأ مستفتيه وإطلاع سائله على حكم الشرع فيمن بقي تحت ذمَّة الملَّة الكافرة ، ولم يهاجر إلى دار الإسلام والتي تحت حوزته بالغرب الجزائري)) . ثم زعم أن الغرض من رسالة الأمير هو مطالبة الجزائريين بالهجرة من الجزائر وتركها للفرنسيين ، وأن بقاءهم في الجزائر المحتلة يعتبر كفرًا ورِدَّة!! . ثم قال: ((وقد اغترَّ بذلك بعض الجزائريين فهاجر بعضهم إلى المشرق العربي وبعضهم إلى تركيا وبعضهم إلى المغرب الأقصى وبعضهم إلى ليبيا وبعضهم إلى تونس ، بيد أنَّ معظمهم لم يهاجر بل بقي في مسقط رأسه يكافح ويناضل ، حتى أذن الله بفجر الاستقلال المحبوب ..)) ثم تابع يقول : ((ونجد الأمير قد أخطأ في توقعه وخاب اعتقاده))! ثم ختم تعليقَهُ على رسالة الأمير قائلاً : ((ولا ارتياب في أنَّ فتوى الأمير عبد القادر والذين انتصروا له قد أحدثت ردودَ فعل من أهل مدينة الجزائر ولا سيما علماؤها الذين يحكِّمون عقولهم في العواقب ويقدرون الحوادث حق قدرها، ويأخذون بالحذر المطلوب شرعًا وعقلاً عندما تشتدُّ الأزمات وتتأزم الأمور، ومن بين هؤلاء العلماء السيد محمد بن الشاهد مفتي الجزائر الذي ردَّ على مَنْ كفَّر أهل ملَّته برسالة كافية شافية ، منطقية شرعية ودامغة أيضًا)).انتهى أقول : إن بوسع القارئ لهذا الكلام أن يرى بوضوح تحامل المحقق على الأمير عبد القادر، فهو في البداية يطعن في نية الأمير، وعبَّر عن ذلك بطريقة الغمز والهمز عندما قال : ((وهدف الأمير إرواء ظمأ مستفتيه)) ثم افترى عليه وقوَّله ما لم يقل، عندما قال : ((إن الغرض من الرسالة هو طلب الهجرة من الجزائر إلى خارجها وتركها للفرنسيين ومن لم يفعل فهو كافر))!!! ، ثم في نهاية المطاف يصفه بأنه لا يحكِّم عقله في العواقب ولا يقدر الحوادث حقَّ قدرها . . . إلى آخر كلامه المُشين. مع أنَّ القارئ البصير إذا نظر في رسالة الأمير عبد القادر وجدها تنبِّه إلى مسألة أساسية وهي إنكار الأمير على بعض الجزائريين موالاتهم للكفار وتوددهم إليهم وتعاونهم معهم ضد إخوانهم المسلمين، ورفضهم للانضمام إلى جماعة المسلمين وإمامهم لمجاهدة الكفار، والدليل على ذلك ما قاله الأمير في الرسالة ص 48 : 1- ((...لأن أهلَ هذا الوقت كانوا يتمنَّون مجيء النصارى ويطلبونه ليجاهدوا فلمَّا ظهر الجهاد نكصوا على أعقابهم ، فهم في هذا كبني إسرائيل{إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}([2])، ثم بعد هذا أرادوا من سلطانهم أن يجاهد وحده ويتكلف ردَّ العدو عنهم وحده فهم في هذا أيضًا كبني إسرائيل إذ قالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}([3])،ثمَّ بعد هذا صاروا ردءًا لِعَبَدَة الأصنام ومعينين لهم إمَّا بالنفس أو بالأموال، أو بهما، على من بقي مستمسكًا بعروة الإسلام)).انتهى 2- وكذلك قوله ص 54 : ((.. فاحذر من مخالطة الكفَّار وموالاتهم وموادَّتهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وقد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ..}([4]) ،وقال تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عن الَّذِينَ قَاتَلُوكُم في الدِّينِ وأخرَجُوكُم مِنْ دِيَارِكُم وظَاهَرُوا على إِخرَاجِكُم أَنْ تَوَلَّوْهُم ومَنْ يَتَوَلَّهُم فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([5]) ، وقال تعالى : {بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُم عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}([6]).فهذه الآي القرآنية كلها ، أو أكثرها ، نصوص في تحريم الموالاة الكفرانية)).انتهى 3- وقوله ص 63 : ((وأمّا الذين يعتضدون بالكفار ويطلبون منهم الغزو على المسلمين ويستجيشون بهم فهم مرتدون ـ والعياذ بالله ـ قال البرزلي في "موازنه" : "أحفظُ أنّ أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين استفتى علماء "العدوة" في المعتمدِ بن عبَّاد فاتَّفقت فتواهم على أنَّ مجرد الاستجاشة بالكفار على المسلمين ردة")).انتهى 4- وقوله ص 61 : ((ومن شنيع حمق هؤلاء وضعف عقولهم أنهم يسمُّون طاعتهم للكفار مهادنة! وهل يسوغ لمن له أدنى عقل أن يتلفظ بذلك؟! كيف وأحكام الكافر وشرائعه وتصرفاته جاريةٌ على شريفهم ووضيعهم ، ويؤدُّون إليه المغارم ، ويحملون أثقاله إذا أراد الغزو على المسلمين ويقاتلونهم معه ، هذا ـ والله ـ لهذيانٌ لا يُعقل)).انتهى وبعد كل هذا البيان من الأمير رحمه الله ـ لمسألة رفضِ بعض الجزائريين الانضمام لأميرهم وقائدهم والجهاد معه ولمسألة موالاتهم للكفار ـ يزعم المحقق الدكتور أن الأمير يطلب من الجزائريين الهجرة من الجزائر وتركها للفرنسيين وإلا فهم كفرة!! وليته ساق لنا شاهدًا واحدًا من رسالة الأمير يُفْهَمُ منه هذا الكلام الذي زعمه! لقد حذَّر "الأمير عبد القادر" الجزائريين المتعاونين مع الفرنسيين والموالين لهم من خطورة فعلهم هذا ، وما يترتب عليه من عقوبة في الدنيا والآخرة وطالبهم بترك المناطق الخاضعة للاحتلال الفرنسي والانضمام إلى إخوانهم المسلمين في المناطق الخاضعة لحكم الأمير ، وشبَّه لهم ذلك بالهجرة من دار الكفر والحرب إلى دار الإسلام ، واستدل بفتوى الإمام مالك رحمه الله عندما قال: "تجب الهجرة من أرض الظلم والعدوان فكيف ببلد يكفرُ فيه بالرحمن". وهذا ما استنكره محققنا الفاضل!!! مع أنه في مقدمة الكتاب ذكر تحت عنوان، علل وجوب الهجرة ، ما نصه : ((… ويلحق بعلة منع إقامة الدين علةُ الفسق والبدعة والمجاهرة بالمنكرات… وقد روى ابن وهب عن مالك أنه قال : "تهجرُ الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارًا ولا يستقرُّ فيها" واحتج بصنيع أبي الدرداء في خروجه من أرض معاوية حين أعلن بالربا فأجاز بيع سقاية الذهب بأكثر من وزنها ، رواه أهل الصحيح . وقال ابن العربي : قال ابن القاسم : سمعت مالكًا يقول : "لا يَحِلُّ لأحد أن يقيم ببلد سُبَّ فيها السلف" وهذا صحيح)).انتهى
فالعجب كل العجب من صنيع المحقق الدكتور كيفَ يجعلُ هذا الكلام أصلاً يُحتجُ به ودليلاً يُسْتَدَلُّ به ، ثم بعد ذلك ينكر على الأمير مثل ما صنع!! ثمَّ إنَّ مطالبة الأمير للجزائريين بالهجرة إليه مطالبة شرعية لعدة أسباب : 1 ً- لأنها معتمدة على أدلَّة شرعية من الكتاب والسنة وفتاوى كل من سبق من العلماء . 2 ً- لأنه أميرهم وحاكم البلاد . 3 ً- لخوفه عليهم من الافتتان بالعدُو الكافر. 4 ً- لأنهم كانوا يقدِّمون المساعدات للعدو الفرنسي طوعًا وكرهًا، وهذا لا يجوز شرعًا. 5 ً- للاستعانة بهم على مجاهدة العدو الكافر، وهذا مأمور به شرعًا. 6 ً- لأنهم إن فعلوا ذلك أضعفوا العدوَّ واستبرؤوا لدينهم وعرضهم وأطاعوا إمامهم وهذا هو المطلوب شرعًا.
وقد بيَّن الأمير في رسالته ، الأحكام الشرعية وأدلتها وأقوال الأئمة فيها على وجهٍ كافٍ شافٍ وأنصحُ كل مسلم بقراءتها . - والتحقيق في المسألة، الذي كان يجب على الدكتور المحقق أن يقوم به ويوضح للقارئ سبب هذه الرسالة والدافع لها، هو: أن بعض القبائل الجزائرية خانت أميرها ولجأت للمستعمر الفرنسي وقدمت له الطاعة الكاملة، ورضيت به حاكمًا، وصار رجال هذه القبائل أداةً في يده يوجههم حيث يشاء وكونهم يعرفون البلاد ومسالكها استطاعوا أن يتسبَّبوا بالكثير من الأذى لدولة الأمير التي كانت فتيةً في حينها. يقول الأمير شكيب أرسلان: ((... فجعل عبد القادر عاصمتَه مدينة معسكر، ورتَّب جنوده وباشر القتال، ولم يكن قتاله قاصرًا على الفرنسيين فحسب، بل اضطر أن يقاتل حُسَّادَه ورُقباءه من أهل البلاد أنفسهم، فقام بجميع ذلك أحسن قيام ... ولما كان الحسدُ والمنافسةُ هما أقتل أمراض المسلمين بحيث لا تثقلُ عليهم سلطةُ الغريب كما تثقل سلطة أخيهم، ثار على الأمير قبيلتا الدوائر والزمالة، وانضمتا إلى فرنسا، فطلب تسليم رؤسائهم إليه، فأبى الجنرال "تريزل" ذلك فبرز عبد القادر إلى القتال وانتصر على الفرنسيين في يوم المقطع ... وخضع له أهل هاتيك الأطراف ما عدا المرابط محمد التيجاني الذي أبى الاعتراف بإمارته فزحف عبد القادر بنفسه إلى (قصر عين ماضي) وحصره وبعد حصار خمسة أشهر افتتحه مع أنه حصنٌ منيع لم يتمكن الأتراك طول مدة حكمهم في الجزائر أن يدخلوه ..)).انتهى ([7]) وبسبب هذه الوقائع المؤلمة بدأ الأمير عبد القادر توجيه رُسُله إلى علماء المسلمين ليستفتيهم، وكانت أول رسالة يبعثها إلى سلطان المغرب لاستفتاء العلماء سنة 1252هـ وقد كلَّف السلطانُ عبد الرحمن بن هشام، الإمامَ علي بن عبد السلام التسولي المالكي الإجابة عن أسئلة الأمير . يقول محمد باشا: ((قد كان الأمير يعاقب من يقع في أيدي ضباط الثغور من أشقياء المتنصِّرة كالدواير والزمالة والبرجية وغيرهم ممن يواصلُ العدُوَّ ويتسلل إلى مدنه بما اختلسه من المسلمين من عروض وماشية ، بما دون القتل إلا من تحقق ضرره للمسلمين ، فكان يأمر بقتله ، ثم بدا له أن يستفتي المحققين من علماء مصر وفاس في شأنهم وشأن مانعي الزكاة، والإعانة التي افترضها للقيام بأمر الجهاد وغير ذلك مما اضطره الحال إلى السؤال عنه تأكيدًا لحجته وتوطيدًا لمحجته، فأمر بتجهيز هدية عظيمة ذات قدر وقيمة واختار السيد ابن عبد الله سقَّاط لإيصالها إلى سلطان المغرب الأقصى)).انتهى([8]) - فالقارئ الكريم يرى بوضوح من خلال النصوص السالفة أنَّ المشكلة هي مشكلة القبائل العَمِيلة والخائنة والمتنصِّرة! كالدواير والزمالة والبرجية. وقد جاءت فتوى الإمام التُسولي في كتابٍ بعثَهُ للأمير عالج فيه مسائل كثيرة منها : 1- ما يُفعل مع قبائل الزمان المنهمكين في المحرمات والعصيان . 2- في دليل عقوبة كاتم الجواسيس والغصَّاب وغيرهم ممن يستحق العقاب . 3- في حكم من ساكن العدوَّ الكفور، ورضي بالمقام معهم فيما لهم من البلاد والثغور.
وهذا الكتاب مثبتٌ في كتاب تحفة الزائر . ثم قام بدراسته وتحقيقه وطبعه مستقلاً الأستاذ عبد اللطيف أحمد الشيخ محمد صالح ( دار الغرب الإسلامي ) وهو مشكور على عمله المتقن . ـ وأمَّا الفتوى الثانية فكانت فتوى الإمام عبد الهادي العلوي الحسني قاضي القضاة بفاس سنة 1256هـ : ((ولمّا رأى الأمير أنَّ بعض القبائل في الساحل القريبة بلادُهم من المدن التابعة للعدو مالوا إلى طاعته والدخول تحت ظلِّه وحمايته، أرسل إليهم من العلماء والأشراف من يعظهم ويحذرهم من مقت الله تعالى وغضبه، فلم يُجْدِ ذلك نفعًا فيهم، ثم هددهم وأوعدهم وأمرهم بالخروج من مواطنهم واللحوق بإخوانهم المسلمين في الداخلية، فلم يقبلوا وتمادوا على ما هم عليه، فاعتزم حينئذٍ على غزوهم والفتك بهم، ثم توقف في شأنهم واستشار الفقهاء في أمرهم وبعث إلى قاضي فاس في ذلك لينظر ما عنده فيه، وزاد أسئلة أخرى عن أشياء متفرقة عرضت له ونصُّ ما كتبه إليه : ))الحمد لله حقَّ حمده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، من خادم المجاهدين والعلماء عبد القادر بن محي الدين إلى الشيخ الإمام علم الأعلام السيد عبد الهادي العلوي الحسني قاضي القضاة بفاس المحمية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فما حكم الله في الذين دخلوا في طاعةالعدو الكافر باختيارهم وتَوَلَّوهُ، ونصروه، يقاتلون المسلمين معه ويأخذون مرتبة كأفراد جنوده، ومن ظهرت شجاعته في قتالهم للمسلمين يجعلون له علامة في صدره يسمونها "لتور" عليها صورة ملكهم! هل هم مرتدون أم لا؟ وإن قلتم بردتهم فهل يستتابون أم لا؟)).انتهى([9]) فأجاب القاضي عبد الهادي العلوي الأمير بفتوى شاملة ومفيدة، وهي مثبتة في كتاب تحفة الزائر وقد ذكر فيها أن أكثر الفقهاء أفتوا بردَّة من لاذ بالنصارى وقاتل معهم، ومنهم من لم يحكم بالردة، ثم تابع الكلام عن حكم سبي ذراريهم وأخذ أموالهم وغير ذلك. ولما انقلب سلطان مراكش على الأمير وبدأ بالتعاون مع الفرنسيس، كتب الأمير رسالةً إلى السلطان وهذا نصها : ((... أما بعد : فإني كاتبتكم أولاً والتمست منكم كفَّ ضرر قبائلكم المجاورة لنا وتعديها على من تبعني، وسوء معاملتهم لهم لأنهم كلهم أولاد دين واحد وشريعة واحدة، فلم يأتني جواب عن ذلك ولم يحصل لهم ردعٌ من طرفكم ومع هذا كلِّه أنا صابرٌ ومتحمِّلٌ لما يجرونه كراهةَ سفكِ دماء المسلمين مدة ستة أشهر طمعًا في رجوعهم عن البغي والطغيان إلى العدل والإحسان مع قدرتي عليهم في كلِّ آن . فإن لم تردعهم الآن عن أفعالهم وترجعهم عن قبيح تصرفاتهم، ألتزمُ المحاماة عن حقوقي والمحافظة على شرف أتباعي ولذا بادرت بإخباركم والسلام عليكم)).انتهى([10])
AmEur LaBza
عدد المساهمات : 5325 نقاط : 15848 تاريخ التسجيل : 21/09/2014 العمر : 34
موضوع: رد: فتوى الأمير عبد القادر في وجوب الهجرة إلى دار الإسلام الأحد 21 سبتمبر - 16:22
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بارك الله فيك كل مواضيعك رائعة ومفيدة ارجوك لاتبخل علينا جديدك الرائع دمت دائما في تالق وابداع دمتم برعاية الله وحفظه
فتوى الأمير عبد القادر في وجوب الهجرة إلى دار الإسلام