أمتنا بين حُلك الإحباط والتضاؤل ومشارق الأمل والتفاؤل ( 2 )
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي كل آملٍ يرجو فرجا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً عاطرة أرجا، وأشهد أن نبيَّنا محمدا خير من دعا إلى التفاؤل حججًا ومنهجًا، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان أفولاً وبلجًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا وإن كثرت الأزمات، القنوط والاستيآس، فمقتضاهما الفشل والارتكاس.
أمة الإسلام: وحسبنا بمطلع العام الهجري المبارك حافزًا للمبشرات والطموحات البلجاء، وهاديًا إلى مضارب الفأل والرجاء، وذلك بما تكتنزه الهجرة النبوية الميمونة من العظات والعبر والبُشريات المؤتساة لإعداد الأجيال التي تصنع فنَّ التفاؤل والآمال العازمة، للإرادات الشامخة الجازمة، ولن يكون كفاء ذلك إلا موعود الحق - سبحانه -: (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أحبتي في الله: ومن التفاؤل في مفتتح شهور العام شهر الله المحرم، انتصار الحق على الباطل والعدل على الظلم مهما عَتَى وتجبر وبغى، حيث نصر الله نبيه موسى - عليه السلام - وقومه، على فرعون وقومه، في العاشر من هذا الشهر الحرام، فصامه - عليه السلام - شكرًا لله - عز وجل -، وصامه نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بصيامه مبيِّنًا عظيم شأنه وفضله، فقال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، فينبغي للمسلمين أن يصوموا هذا اليوم المبارك، ويومًا قبله أو بعده، اقتداءً بسنة الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، متخذين من التفاؤل الحق في استهلال العام بصالح الأعمال، نبراسًا جليًّا، ومنهجًا عمليًّا، متفائلين أن ينصر الله الإسلام ويعزَّ المسلمين: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
أيها الجمع المبارك: ومن التفاؤل بالتفاؤل ما دبَّجه يَرَاع الحمد والشكر، والثناء والذّكر على جبين التاريخ، من أبْهر مواقف النّبل، ومآثر المواسَاة والتّآخي، التي سَطّرَتها بلاد الحرمين الشريفين رعَاةً ورعِيّة في التخفيف من جراحات إخوانِنَا المرزوئين والمصابين، بل هو نبض جميع أبناء أمتنا بحمد الله في مشارق الأرض ومغاربها، كتبه المولى - جل وعلا - في سِجِلِّ الحَسَنات، ورِفْعَة في سَنِيِّ الدَّرجَات، وأدام استقرَار النِّعم عليهم، واسْتمْرار المِنن لَدَيهم، إنه جواد كريم.
هذا، وصلوا وسلموا على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والحبيب المرتضى، كما أمركم المولى جل وعلا فقال - تعالى -قولاً كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس